ترجمة وتحرير: نون بوست
تواجه المملكة المتحدة العديد من المشاكل السياسية، حيث تركت ثلاث سنوات ونصف من الجدل الحاد حول الملف الأوروبي – الذي تفاقم بسبب حملتين انتخابيتين عامتين – بريطانيا تتخبط في انقسامات اجتماعية وسياسية عميقة. وفي الواقع، يشعر 48 بالمئة ممن صوتوا للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي بالاستياء لأسباب مفهومة، مقابل 52 بالمئة من المرحبين بخروج بريطانيا. ويبدو الأمر في بعض الأحيان وكأن جوهر بريطانيا متاح للجميع. هل سيكون مجتمعا مفتوحا أم منغلقا؟ عالميا أو متعصّبا؟ دوليا أو منعزلا؟
إن الطريقة التي يختار بها البريطانيون التواصل مع جيرانهم الأوروبيين – وكيف يختارون عدم التواصل معهم – سوف تساهم بشكل كبير في تقديم إجابات على هذه الأسئلة. ولكن هناك علاقة أخرى تخبرنا بالمزيد عن الطابع الوطني لبريطانيا أكثر من عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وهي علاقة بريطانيا بالنظام الملكي. بينما يفكر البريطانيون في المستقبل الذي يرغبون فيه لبلادهم، فإنه من الأفضل أن يفكروا في إلغاء هذا الحكم المتآكل والبالي.
تتمثّل السمة الأكثر عدوانية للنظام الملكي بطبيعة الحال في دعامة الامتيازات التي تتمتّع بها العائلة المالكة على رأس الدولة والمجتمع. وبحكم تعريفها، لا تزال السلالة الملكية مسألة مهمة في بريطانيا – وهي بالطبع، مهمة حتى في سياقات بعيدة عن الحياة الملكية. لن يمحو إلغاء النظام الملكي الانقسام الطبقي في بريطانيا بين عشية وضحاها، ولكن النظام الجمهوري للحكم سوف يكون قادرًا على الأقل على إرساء مبادئ المساواة والديمقراطية.
من ناحية أخرى، يستبعد النظام الملكي المساواة حتى كذريعة. وفي الحقيقة، لا يوجد ما قد يضمن المساواة ولو من بعيد في نظام يضمن، بموجب القانون، أن أسرة واحدة سوف تتلقى منحًا ممولة من دافعي الضرائب، والقصور الحرفية للعيش فيها، وحماية خاصة من العدالة الجنائية، وبالكاد التأثير السياسي المستتر، وإذعان السياسيين المنتخبين. يكمن المغزى في أن بعض الناس يولدون مختلفين – وأفضل من غيرهم. ولكن هذه النظرية تعدّ شنيعة.
يعتبر البذخ الذي تعيشه الأسرة المالكة الذي ترعاه الدولة أمرا سيئا بما فيه الكفاية في حال كانت العائلة المالكة موضع ثقة لتقديم نموذج راقي يحتذى به للناس “العاديين”. ومما يزيد الأمر سوءا حقيقة أن سلوك أفراد الأسرة المالكة سيئ في الواقع. وكما كتب المنظّر الدستوري العظيم والتر باجيت مرة: “الأمير الدستوري هو الرجل الأكثر ميلا إلى المتعة، وغير المُرغم على العمل”. على أي حال، يمثّل العقل الخامل مرتعا للشيطان – لذلك لا شك أن أفراد العائلة الملكية يمتهنون الخمول.
من المؤكد أن كبار العائلة المالكة قد يختارون تكريس حياتهم بالكامل للأعمال الخيرية النبيلة، لكنهم قد يختارون بالمثل عدم القيام بذلك. وكلما أساءت العائلة المالكة الحكم، فإنه من حقائق الحياة الحديثة أن هذه الأخبار ستتصدّر عناوين الصفحات الأولى من صحف التابلويد. وتشمل العناوين الرئيسية الشهيرة ارتداء أفراد العائلة المالكة للزي الرسمي النازي، والمرح مع المتحرشين الجنسيين بالأطفال المزعومين، وإصابة أفراد من الشعب في حوادث السيارات.
في أفضل الأحوال، يحوي بيت الوندسور مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من العيوب الشائعة. وعلى الأرجح أنها مؤسسة تهيئ أعضاءها للسلوك المرضي. وهكذا يُترك البريطانيون مع أسوأ ما في العالمين – أفراد من العائلة المالكة التي تتمتع بامتيازات وتستخدم أموالها ونفوذها لا لتكون مثالا ساميا يُحتذى وإنما لإحراج البلاد وتوفير مادة لا نهاية لها لمجلات الفضائح.
في الواقع، ستزداد الأمور سوءا عندما تموت الملكة إليزابيث الثانية، ويعتلي الأمير تشارلز العرش. لسنوات، كان من السهل نسبيًا على الصحافة إظهار الاحترام لسيدة مسنة. ولكن سيكون من الصعب للغاية احترام رجل شبّه نفسه في السابق بمنتج نظافة نسائي، ويتحدث إلى نباتاته، ويتدخل في الأعمال الحكومية الرسمية، ويُنظر إليه عمومًا على أنه شخصية هزلية. ويذكر أن تشارلز الأول قد قُطع رأسه لأنه خاض حربا ضد شعبه، غير أن تشارلز الثالث لم يُعامل بهذه القسوة، ولكنه قد يضطر إلى التنازل عن العرش تحت وطأة السخرية المستمرة.
مغادرة الاتحاد الأوروبي قد فتحت بالفعل الباب أمام الإصلاح الجذري والفرعي لكيفية حكم بريطانيا لنفسها
بغض النظر عن كل هذا، من غير المرجح أن يكون إلغاء النظام الملكي على رأس جدول الأعمال في القريب العاجل. فعلى الرغم من العيوب العديدة التي تشوبه، إلا أن التاج مؤسسة عنيدة. ويكمن جزء من تفسير هذا التشبث في حقيقة أن الملكية تغرس في أذهان الناس عادات المحافظة الاجتماعية في المجتمع البريطاني. ;في حين أنه قد لا يتم تصنيف مواطني المملكة المتحدة على أنهم “رعايا” رسميون تابعون للملك الحاكم، فإن صرح الملكية يلقي بظلال قاتمة من الإذعان الذي يصعب الفرار منه.
لنأخذ بعين الاعتبار الاستجابة الشعبية للإعلان الأخير لدوق ودوقة ساسكس الذي جاء فيه أن الزوجان يرغبان في التخلّي عن الواجبات الملكية، والانتقال إلى أمريكا الشمالية، والسعي لتحقيق الاستقلال المالي. كان رد الفعل الأولي مفاجئا وساخطا، حيث لم يصدق البريطانيون مطلقا أن هاري وميغان يرغبان في الانسحاب من الحياة العامة وحرمان البريطانيين من حقهم في مواكبة الحياة اليومية للزوجين. وقد كان هذا الامتعاض حادًا بشكل خاص نظرًا لأن الخزينة العامة قد خصصت منذ فترة وجيزة 2.4 مليون جنيه استرليني لترميم مقر إقامة الزوجين في ساسكس، كوخ فروغمور، الذي يقع في فناء قلعة وندسور.
بعد قبول الأموال من الخزينة العامة، تلاشت الحجة، ولا شكّ أن دوق ودوقة ساسكس يسعيان إلى التمتع بحياة مستقلة. وتمثّل الافتراض الضمني في أن دافع الضرائب البريطاني اشترى حصة مسيطرة في حياة هاري وميغان، حيث لم يكن بمقدور الزوجين اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهما الخاصة!
كان ذلك بمثابة رؤية واضحة عن المنظور الذي يرى من خلاله الشعب البريطاني علاقته بالعائلة الملكية – وليست أكثر مللا من حقيقة أنه سُمح لدوق ودوقة ساسكس بالتخلي عن واجباتهما العامة بعد الموافقة على خطة خروج مع أفراد آخرين من كبار العائلة المالكة. في المجتمع العادي، ينبغي أن يكون الأشخاص أحرارا في رسم مسار حياتهم الخاص، ولا يجب أن تخضع حياة أحد لسيطرة عامة. ولكن في النظام الملكي البريطاني، إن التطلعات الاجتماعية القمعية ليست مستغربة. إن التخلي عن مكانة المرء يعتبر أمرا ممتعضا، سواء كان غنيًا أو فقيرًا.
لفترة طويلة، كان من الممكن القول إنه ينبغي الإبقاء على النظام الملكي لأن الإلغاء قد ينطوي على اضطراب دستوري كبير. لكن مغادرة الاتحاد الأوروبي قد فتحت بالفعل الباب أمام الإصلاح “الجذري والفرعي” لكيفية حكم بريطانيا لنفسها. حتى الاستقلال الاسكتلندي والتوحيد الأيرلندي أصبحا في الوقت الراهن آفاق واقعية تُنذر على ما يبدو بتفكك الدولة البريطانية. في هذا السياق، يمكن اعتبار إلغاء الملكية إلى جانب الإصلاحات الدستورية الأخرى منطقيًا إلى حد كبير، خاصة إذا كانت المملكة المتحدة ستنقسم إلى كيانين أو أكثر.
كان من المفترض لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن يسفر عن صعود بريطانيا عالمية – واثقة وطموحة وثقافية و”مذهلة”. ولكن مع اقتراب نهاية العصر الإليزابيثي الثاني، أصبح من الواضح في الوقت الراهن بصورة مؤلمة أن بعض البريطانيين قد تم إصلاح نظراتهم الداخلية والمتخلّفة. ولكن خطر الضمور لا يزال قائما، ومن أجل دعم تقدّم بريطانيا يتعيّن على البلاد أن تفكر في التخلّص من أثقل ركيزة حتى تترك خلفها ماضيا جميلا. فما هي أفضل طريقة “لاستعادة السيطرة” بدلا من التحوّل إلى جمهورية؟
المصدر: ناشيونال إنترست