بعد طول انتظار ومشاحنات مجتمعية واتهامات متبادلة بالتسييس والتواطؤ وانعدام المهنية بين جميع الأطراف المعنية بالأزمة، الدولة والمواطنين والإعلام، أعلنت الحكومة المصرية حزمة واسعة من الإجراءات النوعية التي تستهدف الحد من انتشار فيروس (كوفيد – 19) الذي صار وباءً عالميًا بشكل رسمي كما تقول منظمة الصحة العالمية.
ما الإجراءات؟
أخذت قرارات الحكومة المصرية الأخيرة منحيين، منحى سلبيًا بالمعنى الوصفي لا بالمعنى التقييمي، وهو أن لا تفعل شيئًا حيال الأزمة، أكثر من منع التجمعات في الفئات الأكثر تصديرًا للهلع، ومنحى إيجابيًا، بالمعنى التقني أيضًا، حيث قررت في هذا السياق أن تستغل المساحة الزمنية المكتسبة من تعطيل الحركة داخل المسار السابق في إنعاش القطاعات الصحية الرسمية، وذلك عبر ضخ مزيدٍ من الأموال ضمن خطة شاملة لمجابهة المرض ومنع انتشاره.
وفي تفصيل هذه الإجراءات، فقد أصدر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في مصر، السفير بسام راضي، بيانًا رسميًا مساء السبت، يقول فيه إن اجتماعًا بين السيسي ومصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء قد أسفر عن “تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس لمدة أسبوعين اعتبارًا من يوم الأحد الموافق 15 مارس 2020، وذلك في إطار خطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد. كما وجه السيد الرئيس بتخصيص 100 مليار جنيه لتمويل الخطة الشاملة وما تتضمنه من إجراءات احترازية”.
وبالتزامن مع هذا القرار، أصدرت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج قرارًا مماثلًا يقضي بتعليق الدراسة في “حضانات” الأطفال لنفس المدة السارية على المدارس والجامعات، فيما قال بيان الوزيرة إن القرار جاء “احترازيًا تقوم به الوزارة ضمن الإجراءات التي تقوم بها الدولة لمواجهة فيروس كورونا المستجد حرصًا على صحة أطفالنا”، بما يعني أن مصر ستشهد خلال الأسبوعين القادمين صمتًا تامًا في الأروقة التعليمية الرسمية بكل مراحلها.
ومع ذلك، فإن هذا التعطيل التام لعملية التدريس النظامي لا يعني شغور المدارس والجامعات من العمل أو توقف عملية التعلم، فبحسب وزير التربية والتعليم المصري، طارق شوقي، فإن المعلمين لن يحصلوا على إجازات رسمية خلال أسبوعي التعليق نظرًا لأنهم يتقاضون رواتب شهرية من الدولة التي باتت تحتاجهم الآن في مهمات إدارية تتناسب مع طبيعة المرحلة.
أعدت وزارة التربية والتعليم قوائم بأسماء وعناوين مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) بغرض اتخاذ الإجراءات القانونية الفورية
كما ينتظر أن تشهد الأبنية والمنشآت التعليمية نشاطًا مكثفًا على مدار هذين الأسبوعين من جانب طواقم الصيانة التي ستتولى عملية ترميم المواقع المتأثرة بموجة الطقس المضطرب التي عصفت بالبلاد في الفترة الأخيرة، تزامنًا مع إشراف الكوادر الطبية المتخصصة على “تعقيم” هذه المنشآت وتطهيرها خلال فترة التوقف. وسوف تركز وزارتا التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، كل من ناحية، على تعويض الحصص والمقررات الدراسية غير المشروحة عبر تقنيات “التعلم عن بُعد”، دون أن يؤدي ذلك إلى أي تأجيل في مواعيد امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، نظرًا لطبيعتهما الخاصة وارتباطهما بإجراءات أخرى مثل التنسيق والتقديم في الجامعات، مع النظر في إمكانية تقديم مواعيد امتحانات سنوات النقل.
ومن أجل التأكد من تطبيق إجراءات منع التجمعات التعليمية نهائيًا خلال هذه المدة، فقد أعدت وزارة التربية والتعليم قوائم بأسماء وعناوين مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) بغرض اتخاذ الإجراءات القانونية الفورية ضد المخالفين، مشددةً على ضرورة بقاء التلاميذ والطلاب الذين تُقدر أعدادهم بـ25 مليون طالب في المنازل دون اختلاط قدر الإمكان، لتكون الحكومة بذلك قد ألقت بالكرة في ملعب الأهالي وأولياء الأمور، على حد وصف هاني يونس المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء.
إجراءات أخرى
وتأتي هذه القرارات الاحترازية المتعلقة بسلامة العملية الدراسية ضمن حزمة أوسع من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية للحد من التجمعات، في سياق تفعيلها للمستوى الثاني من تدابير مواجهة فيروس “كورونا”، بعد تعدد بؤر المرض وزيادة أعداد المصابين وتسجيل وفيات لأول مرة منذ ظهوره في مصر.
ويختص الإجراء الأول – خارج حقل التعليم – بالمجالات الحيوية الدينية ذات البعد الاجتماعي، حيث أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، ومن منطلق “فهم فقه النوازل، والإحساس بمسؤوليتها الدينية والوطنية، وإدراك أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة (..)”، تعليق العمل بجميع دور المناسبات التابعة للوزارة وحظر إقامة العزاء أو عقد القران في هذه المواقع، مؤكدة عزمها تنفيذ هذا القرار بجدية عبر إلغاء أي حجوزات سابقة ورد أي مبالغ دفعت والاعتذار لأصحابها.
مع التأكيد على دعوتها إياهم بالاقتصار على تشييع الجنازة دون إقامة سرادقات في حال كانت المناسبة المعنية عزاءً، وحضور الأسرتين دون إقامة عرس حال كانت المناسبة زواجًا، على أن تُبقي الوزارة على الأنشطة الدينية ذات البُعد التعبدي في أضيق نطاق ممكن، بحيث لا تزيد مدة خطبة الجمعة في هذه الظروف على ربع ساعة.
ما زالت الحكومة المصرية تُطمئن المواطنين عن تأثير وجود الفيروس في البلاد على الصحة العامة
وفي مجال الرياضة، فقد أعلنت وزارة الشباب والرياضة بدورها تعليق كل الأنشطة في الاتحادات والأندية ومراكز الشباب والأكاديميات والهيئات الرسمية كافة، لمدة أسبوعين أيضًا، تعقم خلالهما الجهات المعنية هذه المنشآت وتتخذ كل التدابير الوقائية المطلوبة، وذلك بالتنسيق بين اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية الذين سيبحثون عن الآلية المناسبة التي تسمح للمنتخبات المستعدة لأولمبياد “طوكيو 2020” بإتمام تدريباتها، دون التعرض لأي خطورةٍ نوعية.
وفي هذا السياق، فقد أبدى رئيس نادي الزمالك المصري ترحيبه بإنهاء المسابقة المحلية ومنح فريق كرة القدم بالنادي الأهلي، الغريم التقليدي، درع البطولة، نظرًا لتفوقه على أقرب منافسيه في الدوري بفارق مريح من النقاط، بما لا يستوجب إكمال الإجراءات التنظيمية المتعلقة بلعب باقي المباريات، حفاظًا على أرواح الطواقم الرياضية والإدارية والفنية المشاركة في المسابقة.
وتصب المؤشرات كافة في اتجاه أن تلك القرارات الأخيرة التي اتخذتها الدولة لم تكن نتاج تنسيق مؤسساتي على المستوى الحكومي، وإنما، على الأرجح، جاءت مدفوعةً بتوصيةٍ أمنية رفيعة المستوى أو بتوجيه خارجي صارم، وذلك نظرًا لأن كل المؤسسات الرسمية ظلت مصرة على الاحتفاظ بالمستوى الأول من التدابير رغم المطالبات الشعبية برفع مستوى الاستعداد، بما في ذلك جامعة القاهرة التي قالت قبل ساعاتٍ قليلة من هذه الإجراءات إنها ستكتفي بإلغاء امتحانات أعمال السنة (ميدتيرم) لتجعل الدرجة النهائية كاملة على امتحانات آخر العام، وجامعة عين شمس التي استقدمت ضباطًا وجنودًا من سلاح “الحرب الكيميائية” لتعقيم منشآت الجامعة بعد الاشتباه في إصابة عدد من الطلاب بالفيروس، ووزارة الرياضة التي أصدرت بيانًا قبل بيان الرئاسة مباشرة تقول فيه إنه ليس هناك أي مبرر لتعليق الأنشطة الرياضية خلال الفترة الحاليّة.
ما زالت الحكومة المصرية تُطمئن المواطنين عن تأثير وجود الفيروس في البلاد على الصحة العامة، وعن مدى استعدادات المنظومة الصحية للتعامل مع كل السيناريوهات المحتملة، استنادًا إلى حجم العينات الإيجابية المرصودة بشكل مؤكد، بالقياس على الوضع العام في العالم، مؤكدةً أن إجراءاتها الأخيرة إجراءات احترازية لمنع التورط في نفس الأخطاء التي أدت إلى تفاقم المرض واستفحاله في بعض الدول الأخرى.