مع كل ما يحدث حول فيروس كورونا، قد يكون من الصعب جدًا اتخاذ قرار بشأن ما ينبغي فعله اليوم. هل يجب أن تنتظر ورود المزيد من المعلومات؟ هل ينبغي أن تفعل شيئا اليوم؟ ما الذي ستفعله؟ إليك ما سأقوم بتغطيته في هذا المقال، الذي يتضمن الكثير من الخرائط والرسوم البيانية والنماذج المتبوعة بالعديد من المصادر:
كم عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في منطقتك؟ ماذا سيحدث عندما تتحقق هذه الحالات؟ ماذا عليك أن تفعل؟ متى؟
عندما تنتهي من قراءة المقال، هذا ما ستستخلصه:
إن فيروس كورونا قادم إليك، وإنه آت بسرعة هائلة، تدريجيًا، ثم فجأة. إنها مسألة أيام، ربما أسبوع أو أسبوعين. وعندما يحدث ذلك، سوف يكون نظام الرعاية الصحية الخاص بدولتك مرهقًا. سيقع مداواة مواطنيكم في ممرات المستشفيات. سوف ينهار عمال الرعاية الصحية جراء الإنهاك. سيموت البعض. سيكون عليهم أن يقرروا أي مريض يحصل على الأكسجين وأي شخص يموت.
إن الطريقة الوحيدة لمنع ذلك هو اعتماد التباعد الاجتماعي اليوم، وليس غدا. هذا يعني إبقاء أكبر عدد ممكن من الناس في المنزل، بدء من الآن، وسيكون لديك القوة والمسؤولية كسياسي أو قائد مجتمع أو قائد أعمال لمنع هذه الكارثة. من الممكن أن تكون لديك مخاوف اليوم: ماذا إذا كان رد فعلي مبالغا فيه؟ هل سيسخر الناس مني؟ هل سيغضبون مني؟ هل سأبدو غبيا؟ ألن يكون من الأفضل الانتظار حتى يتخذ الآخرون الخطوات أولاً؟ هل سأضرّ بالاقتصاد كثيرا؟ بيد أنه في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع، عندما يكون العالم كله تحت الحظر، وعندما تنقذ الأيام القليلة الثمينة من التباعد الاجتماعي التي كنت تفرضها الأرواح، عندها لن ينتقدك الناس بعد الآن، بل سوف يشكرونك على اتخاذ القرار الصحيح. حسنا، لنفعل ذلك.
1. كم سيبلغ عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في منطقتك؟
نمو الدولة
ازداد العدد الإجمالي للحالات بشكل كبير إلى أن احتوتها الصين. ولكن بعد ذلك، انتشر الفيروس خارج البلاد، والآن أصبح وباءً لا يمكن لأحد ردعه.
اعتبارًا من اليوم، يرجع هذا الانتشار في الغالب إلى إيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية:
هناك العديد من الحالات في كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران بحيث يصعب رؤية بقية البلدان، ولكن دعنا نركز على الزاوية في أسفل اليمين.
هناك عشرات البلدان ذات معدلات النمو المتسارع. وحتى اليوم، معظمها في الغرب.
إذا تواصل هذا النوع من معدل النمو لمدة أسبوع فقط، فهذا ما سيحصل:
إذا كنت تريد أن تفهم ما سيحدث أو كيفية منعه، فأنت بحاجة إلى النظر في الدول التي مرت بهذه المواقف بالفعل، وتحديدا الصين والدول الشرقية التي عانت من المتلازمة التنفّسية الحادة الشديدة، بالإضافة إلى إيطاليا.
الصين
هذا الرسم واحد من أهم الرسوم البيانية. وفي الواقع، يُظهر العمود البرتقالي العدد الرسمي اليومي لحالات الإصابة بفيروس كورونا في مقاطعة هوبي، أي عدد الأشخاص الذين وقع تشخيصهم في ذلك اليوم. في المقابل، تُظهر الخطوط الرمادية الحالات اليومية الحقيقية المصابة بالفيروس. والجدير بالذكر أن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الصينية توصلت إلى هذه النتائج عن طريق سؤال المرضى أثناء تشخيصهم عن زمن ظهور أعراضهم.
بشكل حاسم، لم تكن هذه الحالات الحقيقية معروفة في ذلك الوقت، إذ لم يكن بالإمكان اكتشافها إلا بالرجوع إلى الوراء، فالسّلطات لا تعرف أن شخصا ما بدأ يعاني من الأعراض. وفي الواقع، إنهم يعرفون ذلك فقط عندما يزور شخص ما الطبيب ويقع تشخيصه، وهذا يعني أن الخطوط البرتقالية تُظهر لك ما تعرفه السلطات، والأخرى الرمادية ما كان يحدث حقًا.
يوم 21 كانون الثاني/ يناير، ارتفع عدد الحالات الجديدة التي وقع تشخيصها بسرعة كبيرة (اللون البرتقالي)، إذ سجلت حوالي 100 حالة جديدة. وعلى أرض الواقع، كان هناك 1500 حالة جديدة في ذلك اليوم تتطوّر بشكل كبير. لكن السلطات لم تعلم ذلك، وكل ما كانوا يعرفونه هو أن 100 حالة جديدة من هذا المرض الجديد ظهرت فجأة. بعد يومين، أغلقت السلطات ووهان، بحيث كان عدد الحالات الجديدة التي وقع تشخيصها يوميا في ذلك الوقت يقارب 400. لاحظ هذا الرقم، لقد اتخذوا قرارا بإغلاق المدينة بسبب 400 حالة جديدة فقط في اليوم. وفي الواقع، كان هناك 2500 حالة جديدة في ذلك اليوم، لكنهم لم يكونوا على علم بذلك.
في اليوم التالي، أغلقت 15 مدينة أخرى في هوبي. حتى يوم 23 كانون الثاني/ يناير، عندما وقع إغلاق ووهان، يمكنك إلقاء نظرة على الرسم البياني الرمادي وسترى أنه يتطور بشكل كبير، إذ أن الحالات الحقيقية كانت ترتفع بشدة. وبمجرد إغلاق ووهان، تباطأت الحالات.
في 24 كانون الثاني/ يناير، عندما أُغلقت 15 مدينة أخرى، توقف عدد الحالات الحقيقية (مرة أخرى، باللون الرمادي). بعد ذلك بيومين، وقع الوصول إلى الحد الأقصى لعدد الحالات الحقيقية، لينخفض منذ ذلك الحين. لاحظ أن الحالات الرسميّة الملوّنة بالبرتقالي كانت لا تزال تنمو بشكل كبير، إذ بدا أن عددها كان لا يزال يرتفع بسرعة لمدة 12 يومًا آخر. لكن ذلك ليس صحيحا، فكل ما في الأمر أن الأشخاص المصابين كانت تظهر عليهم أعراض أقوى وأصبحوا يزورون الأطباء بصفة أكثر، وكان نظام التعرف على الحالات أقوى.
في الحقيقة، إن مفهوم الحالات الرسمية والحقيقية مهم، لذلك دعنا نضعها في الاعتبار لوقت لاحق. من جهة أخرى، وقع تنسيق بقية المناطق في الصين بشكل جيد من قبل الحكومة المركزية، بحيث اتخذت تدابير فورية وجذرية، وكانت هذه هي النتيجة:
يرمز كل خط مسطح إلى منطقة صينية بها حالات إصابة بفيروس كورونا، حيث أن كل واحد من تلك الخطوط له القدرة على التطوّر بشكل سريع، ولكن تمكّنت جميعها من إيقاف الفيروس قبل أن ينتشر بفضل الإجراءات التي اتخذت في نهاية كانون الثاني/ يناير فقط. في غضون ذلك، كان أمام كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران شهر كامل لتتعلم من الصين ولكنها لم تفعل ذلك. وفي الواقع، بدأت هذه الدول بنفس نسق النمو الهائل الذي مرّت به هوبي، ومن ثم تجاوزت كل منطقة صينية أخرى قبل نهاية شباط/ فبراير.
الدول الشرقية
ظهر عدد كبير من الحالات في كوريا الجنوبية، ولكن هل تساءلت لماذا لم يحدث ذلك في اليابان وتايوان وسنغافورة وتايلاند وهونغ كونغ؟
لم تظهر تايوان في هذا الرسم البياني لأنها لم تصل إلى حد 50 الحالة الذي استخدمته.
أُصيبت جميع هذه الدول بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة سنة 2003 وتعلمت جميعها الدرس منها، حيث أدركت كيف يمكن أن ينتشر هذا المرض وكيف يُمكن أن يكون قاتلا، لذلك تعلمت أخذ الأمر على محمل الجد. هذا هو السبب في أن جميع الرسوم البيانية الخاصة بهذه الدول، على الرغم من أنها بدأت في النمو في وقت أبكر بكثير، إلا أنها لا تزال ضئيلة. حتى الآن، نسمع عن قصص تفشي فيروس كورونا وعن إدراك الحكومات لتهديده، واحتوائها له. أما بالنسبة لبقية الدول، فهي قصة مختلفة تمامًا.
قبل أن أتحدث عن بقية الدول، لدي ملاحظة حول كوريا الجنوبية. ربما تكون هذه الدولة خارجة عن المألوف. وقع احتواء فيروس كورونا عند تسجيل أول 30 حالة. ولكن المريض عدد 31 هو الذي نقل الفيروس إلى آلاف الأشخاص الآخرين. نظرا لأن الفيروس ينتشر قبل أن تظهر أعراضه على الناس، وبحلول الوقت الذي أدركت فيه السلطات المشكلة، انتشر الفيروس بالفعل. والآن هم يدفعون ثمن حالة ذلك المريض. ومع ذلك، تَظهر جهود الاحتواء التي بذلتها على أية حال، حيث اجتازت إيطاليا كوريا الجنوبية بالفعل من حيث عدد الحالات، وستتجاوز إيران هذا العدد غدًا (10 آذار/ مارس 2020).
ولاية واشنطن
لقد شاهدتَ بالفعل مدى انتشار الفيروس في البلدان الغربية، وكم تبدو توقعات أسبوع واحد سيئة. تخيل الآن أن احتواء الفيروس لن يحدث كما حدث في ووهان أو في دول شرقية أخرى، وأن عدوى الوباء ستنتقل إليك. لنلقِ نظرة على بعض الحالات، مثل ولاية واشنطن ومنطقة خليج سان فرانسيسكو وباريس ومدريد.
تُمثل ولاية واشنطن ووهان الأمريكية، كما أن عدد الحالات فيها بصدد التزايد بشكل كبير، حيث بلغ حاليًا 140 حالة. ولكن حدث شيء مثير للاهتمام في وقت مبكر. كان معدل الوفيات صارخا. وفي مرحلة ما، واجهت الولاية وفاة شخص في كل ثلاثة حالات. نعلم من أماكن أخرى أن معدل الوفاة لفيروس كورونا يتراوح بين 0.5 بالمئة و5 بالمئة (سنتحدث عن ذلك لاحقًا). إذن كيف يمكن أن يبلغ معدل الوفيات 33 بالمئة؟
اتضح أن الفيروس انتشر منذ أسابيع دون أن يُكتشف، ولا يعد الوضع مماثلا للوضع الذي كانت توجد فيه ثلاثة حالات فقط. اكتشفت السلطات حوالي ثلاثة حالات فقط، وقد مات أحدهم لأنه كلما كانت الحالة أخطر، زاد احتمال الفحص الشخص. يشبه ذلك إلى حد ما الخطوط البرتقالية والرمادية الخاصة بالصين: هنا كانوا يعرفون فقط عن الخطوط البرتقالية (الحالات الرسمية) وبدت هذه الحالات جيدة، حيث سُجلت ثلاث حالات فقط. ولكن كان هناك المئات وربما الآلاف من الحالات الحقيقية.
والواقع أن هذا الأمر يمثل مشكلة، حيث أنك على علم بالحالات الرسمية فقط، وليس الحالات الحقيقية. لكن عليك أن تميز هذه الحالات الحقيقية. كيف يمكنك تقدير الحالات الحقيقية؟ اتضح أن هناك طريقتان، ولدي نموذج لكليهما، لذا يمكن للأرقام أن تختلف.
يمكن القيام بذلك أولا من خلال الوفيات. إذا وُجدت وفيات في منطقتك، يمكنك استخدامها لتخمين عدد الحالات الحالية الحقيقية. نحن نعرف تقريبًا متوسط الوقت الذي يستغرقه الشخص للانتقال من الإصابة بالفيروس إلى الموت (17.3 يومًا). وهذا يعني أنه من الممكن أن يكون الشخص الذي توفي يوم 29 شباط/ فبراير في ولاية واشنطن قد أصيب بالعدوى في حوالي الثاني عشر من شباط/ فبراير. ثم ستعرف معدل الوفيات. بالنسبة لهذه الطريقة، استخدمت 1 بالمئة من الحالات (سنناقش لاحقًا التفاصيل). ويعني ذلك أنه في يوم الثاني عشر من شباط/ فبراير، كان هناك بالفعل حوالي مئة حالة في المنطقة (توفيت حالة واحدة منها بعد 17.3 يومًا).
الآن، استخدم متوسط وقت التضاعف لفيروس كورونا (الوقت الذي يستغرقه لمضاعفة الحالات في المتوسط)، وستجد نتيجة 6.2. هذا يعني أنه في الـ 17 يومًا المنقضية قبل وفاة هذا الشخص، كان من المفترض أن تتضاعف الحالات بمقدار ثماني حالات تقريبا (= 2 ^ 6/17)). يعني ذلك أنه إذا لم تقم بتشخيص جميع الحالات، فإن وفاة واحدة اليوم تعني وجود 800 حالة حقيقية اليوم.
سجلت ولاية واشنطن اليوم 22 حالة وفاة. ووفقا لعملية الحساب السريعة هذه، ستحصل اليوم تقريبا على 16 ألف حالة فيروس كورونا حقيقية، أي ما يصل إلى مجموع الحالات الرسمية في إيطاليا وإيران معا. إذا نظرنا إلى التفاصيل، سندرك أن 19 من هذه الوفيات نبعت من مجموعة واحدة، والتي ربما لم تنشر الفيروس على نطاق واسع. لذا إذا اعتبرنا تلك الوفيات الـ 19 على أنها حالة وفاة واحدة، فإن إجمالي الوفيات في الولاية هو أربعة. عند تحديث النموذج وفقا لهذا الرقم، سنحصل مرة أخرى على ثلاثة آلاف حالة اليوم.
يُقيم هذا النهج الذي أصدره تريفور بيدفورد الفيروسات نفسها وطفراتها الجينية لتقييم عدد الحالات الحالية. خلاصة القول، هناك على الأرجح 1100 حالة في ولاية واشنطن الآن. لا تُعد أي من هذه المناهج المتبعة مثالية، لكن تشير جميعها إلى نفس الرسالة المتمثلة في أننا لا نعرف عدد الحالات الحقيقية، لكن عددها أعلى بكثير من الحالات الرسمية. إنه ليس بالمئات، بل بلغ الآلاف وربما أكثر.
منطقة خليج سان فرانسيسكو
حتى الثامن من آذار/ مارس، لم تُسجل منطقة الخليج أي حالات وفاة. نتيجة لذلك، أصبح من الصعب تحديد عدد الحالات الحقيقية. رسميا، كانت هناك 86 حالة، لكن الولايات المتحدة لم تجري الفحوصات بما في الكفاية لأنها لا تمتلك معدات الفحص الكافية. لذلك، قررت الدولة إنشاء مجموعة أدوات اختبار خاصة بها، والتي لم تعمل في نهاية المطاف.
كان هذا هو عدد الاختبارات التي أجريت في بلدان مختلفة بحلول الثالث من آذار/ مارس:
إن معدل الاختبارات التي أجرتها تركيا، التي لم تسجل حالات لفيروس كورونا، لكل فرد يصل إلى 10 أضعاف مقارنة بالاختبارات التي أجرتها الولايات المتحدة. لكن الوضع لم يُصبح أفضل بكثير اليوم، حيث أجرت الولايات المتحدة حوالي ثمانية آلاف اختبار، مما يعني أنه وقع اختبار أربعة آلاف شخص تقريبًا.
هنا، يمكنك فقط استخدام عينة من الحالات الرسمية لاحتساب الحالات الحقيقية. كيف تقرر أي الحالات رسمية وأيها حقيقية؟ بالنسبة لمنطقة الخليج، وقع اختبار كل من سافر أو كان على اتصال مع مسافر، مما يعني أنهم على علم بمعظم الحالات المتعلقة بالسفر، ولكن لم ينشر أي شخص من المجتمع المرض. من خلال التفريق بين الحالات المنتشرة في المجتمع والحالات المنتشرة بالسفر، يمكنك معرفة عدد الحالات الحقيقية الموجودة.
اطلعت على هذا المعدل لكوريا الجنوبية التي سجلت بيانات هائلة. بحلول الوقت الذي سجلت فيه كوريا الجنوبية 86 حالة، كانت 86 بالمئة من هذه الحالات ناتجة عن انتشار الفيروس في المجتمع (86 و86 بالمئة تمثل صدفة). باستخدام هذا الرقم، يمكنك احتساب عدد الحالات الحقيقية. إذا كانت منطقة الخليج تحتوي على 86 حالة اليوم، فمن المحتمل أن يبلغ الرقم الحقيقي 600 حالة تقريبا.
فرنسا وباريس
صرحت فرنسا بأنها سجلت 1400 حالة اليوم و30 حالة وفاة. باستخدام الطريقتين أعلاه، يمكنك الحصول على مجموعة من الحالات: بين 24 ألف و140 ألف حالة. من المرجح أن يكون العدد الحقيقي لحالات فيروس كورونا في فرنسا اليوم بين 24 ألف و140 ألف حالة. اسمحوا لي أن أكرر ذلك. من المرجح أن يكون عدد الحالات الحقيقية في فرنسا أعلى بنسق واحد أو نسقين أو درجة مما أُبلغ عنه رسميًا.
إذا كنت لا تصدقني، دعونا نلقي نظرة على الرسم البياني لووهان مرة أخرى.
إذا تراكمت الخطوط البرتقالية حتى 1/22، فستحصل على 444 حالة. الآن كل الخطوط الرمادية تضيف ما يصل إلى 12 ألف حالة. لذلك عندما اعتقدت ووهان أن لديها 444 حالة، كان لديها في الواقع ما يزيد عن ذلك بـ 27 حالة. وإذا اعتقدت فرنسا أن لديها 1400 حالة، فقد يكون لديها عشرات الآلاف.
تنطبق نفس المسألة على باريس. مع وجود حوالي 30 حالة داخل المدينة، من المحتمل أن يكون العدد الحقيقي للحالات قد وصل إلى المئات، وربما الآلاف. ومع وجود 300 حالة في منطقة إيل دو فرانس، فإن إجمالي الحالات في المنطقة قد يكون تجاوز عشرات الآلاف.
إسبانيا ومدريد
إن الأرقام في إسبانيا مماثلة لتلك التي في فرنسا (1200 حالة مقابل 1400، مع تسجيل 30 حالة وفاة). وهذا يعني أن القواعد أيضا متماثلة: من المحتمل أن يصل عدد الحالات المصابة في إسبانيا إلى 20 ألف حالة مؤكدة. ومع وجود 600 حالة رسمية و17 حالة وفاة، من المرجح أن يتراوح العدد الحقيقي للحالات بين عشرة آلاف و60 ألف حالة في منطقة مدريد.
إذا قرأت هذه البيانات وقلت في قرارة نفسك إن “هذه المعطيات مستحيلة، ولا يمكن أن تكون صحيحة”، أدعوك لتفكر في هذا فقط: مع تنامي هذا العدد من الحالات، كانت ووهان معزولة تماما.
مع عدد الحالات التي نراها اليوم في دول مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وإيران وألمانيا واليابان وهولندا والدنمارك والسويد وسويسرا، كانت ووهان معزولة تماما.
وإذا كنت تقول في نفسك: “حسنا، هوبي مقاطعة واحدة فقط”، دعني أذكرك بأن تعداد سكانها يقارب 60 مليون نسمة، أي أكثر من إسبانيا وبحجم فرنسا.
2. ماذا سيحدث عندما تتحقق هذه الحالات المصابة بفيروس كورونا؟
إن فيروس كورونا موجود على أرض الواقع. إنه مخفي وينمو بشكل كبير. ماذا سيحدث ما إذا ظهر في بلادنا؟ من السهل معرفة ذلك، لأنه لدينا بالفعل عدة أماكن ظهرت فيها حالات مصابة بفيروس كورونا. لعل خير مثال على ذلك، هوبي وإيطاليا.
معدلات الوفيات
صرحت منظمة الصحة العالمية بأن نسبة الوفيات بلغت 3.4 بالمئة (وهي نسبة الأشخاص الذين يصابون بفيروس كورونا ثم يموتون). يعتبر هذا الرقم خارج السياق، لذا دعوني أشرح لكم ذلك.
إن الأمر يعتمد على الدولة والتوقيت بالفعل، حيث تتراوح نسبة الوفيات بين 0.6 بالمئة في كوريا الجنوبية و4.4 بالمئة في إيران. يمكننا استخدام خدعة لفهم ذلك.
الطريقتان اللتان يمكنك بواسطتهما حساب معدل الوفيات هي: الوفيات/ إجمالي الحالات أو الوفيات/ الحالات المعزولة. من المرجح أن تكون النتيجة حسب الطريقة الأولى مقدرة بشكل أقل، لأنه من الممكن أن تلقي أغلب الحالات غير المعزولة حتفها، في حين أن الثانية مقدرة بشكل مفرط، لأنه من المرجح أن حالات الوفيات أقرب من التعافي بشكل أسرع.
إن التحليل الذي أوردته يشير إلى كيفية تطور هاتين القيمتين مع مرور الوقت. سيتقارب هذان الرقمان إلى نفس النتيجة بمجرد عزل جميع الحالات، لذلك إذا توقعت النتائج المستقبلية من خلال الاتجاهات السابقة، يمكنك تخمين معدل الوفيات النهائي.
هذا ما تلاحظه من خلال البيانات. إن معدل الوفيات في الصين الآن يتراوح بين 3.6 بالمئة و6.1 بالمئة. إذا توقعت ذلك في المستقبل، يبدو أنه يتقارب بنحو 3.8 بالمئة و4 بالمئة. هذا ضعف التقدير الحالي، ويعني ذلك أنه أسوأ بـ 30 مرة من الإنفلونزا. في المقابل، إن هاتين الوضعيتين من منطقتين مختلفين؛ هوبي وبقية الصين.
من المحتمل أن يتقارب معدل الوفيات في هوبي ليصل إلى 4.8 بالمئة. وفي الوقت نفسه، بالنسبة لبقية الصين، من المرجح أن يصل إلى 0.9 بالمئة:
لقد حددت أيضًا الأرقام التي تتعلق بوضع إيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية، وهي الدول الوحيدة التي لديها عدد كافٍ من الضحايا لجعل هذا الأمر ذا صلة إلى حد ما.
بحساب الوفيات/ العدد الجملي للحالات في كل من إيران وإيطاليا يعطي نتائج متقاربة تتراوح بين 3 و4 بالمئة. كما أعتقد أن المعدلات في هذين البلدين ستتوقف عند هذا الرقم أيضًا.
تمثل كوريا الجنوبية النموذج الأكثر إثارة للاهتمام، لأن هذين الرقمين منفصلان تمامًا: ذلك أنه بحساب الوفيات/ إجمالي الحالات لا تتجاوز النسبة 0.6 بالمئة، بينما بحساب الوفيات/الحالات المعزولة تعادل النسبة 48 بالمئة. حسب رأيي الشخصي، هناك بعض الأشياء الفريدة التي تحدث في كوريا الجنوبية. أولا، إنهم يفحصون الجميع (رغم وجود العديد من الحالات غير المعزولة، يبقى معدل الوفيات منخفضًا)، وتترك الحالات غير معزولة لفترة أطول (لذلك يقومون بعزل الحالات بسرعة عندما يموت المريض). ثانيا، لديهم الكثير من الأَسِرَّة في المستشفيات (انظر الرسم البياني 17 ب). من الوارد أن تكون هناك أسباب أخرى نجهلها. ما هو مهم أن حالات الوفيات تحوم حول 0.5 بالمئة منذ البداية، مع احتمال عدم تفاقمها نظرا لفعالية نظام الرعاية الصحية وإدارة الأزمات.
تعتبر سفينة أميرة الألماس المثال الأخير المتعلق بهذا الشأن، فمع ظهور 706 حالة وست حالات وفاة و100 حالة شفاء، سيكون معدل الوفيات بين 1 بالمئة و6.5 بالمئة.
يمثل الهرم السكاني العامل المباشر لتنامي عدد المصابين في كل دولة. وبما أن معدل الوفيات يكون أعلى بكثير بالنسبة لكبار السن، فإن البلدان المتهرمة مثل اليابان ستتأثر بهذا الفيروس بشكل أكبر من الدول الفتية مثل نيجيريا. وينضاف إلى ذلك عوامل الطقس، لا سيما الرطوبة ودرجة الحرارة، ولكن لا يزال من غير الواضح كيف سيؤثر ذلك على معدلات انتقال العدوى والوفيات.
هذا ما يمكن استنتاجه:
باستثناء ذلك، إن الدول المستعدة لمواجهة هذا الوباء يتراوح معدل الوفيات لديها بين حوالي 0.5 بالمئة (كوريا الجنوبية) و0.9 بالمئة (بقية الصين).
وسيكون معدل الوفيات في البلدان العاجزة بين 3 و5 بالمئة.
بعبارة أخرى: من شأن البلدان التي تتخذ إجراءات فورية لاحتواء هذا الفيروس أن تقلل من تفاقم عدد الوفيات بعشرة أضعاف. وهذا فقط باحتساب معدل الوفيات. ومن شأن التصدي لهذا الفيروس بشكل سريع أن يساهم في تقليل ظهور الحالات بشكل هائل، مما يتطلب الحد الأدنى من التفكير.
إن البلدان التي تبادر باحتواء الوباء بسرعة قادرة على التقليل من نسبة الوفيات بمقدار عشرة أضعاف على أقل تقدير. إذن، ما الذي تحتاجه الدولة للاستعداد؟
أين تتجلى مواطن الضغط على النظام؟
حوالي 20 بالمئة من الحالات تتطلب دخول المستشفى، و5 بالمئة منها تتطلب وحدة العناية المركزة، وحوالي 2.5 بالمئة تتطلب مساعدة مكثفة للغاية من خلال اعتماد تجهيزات على غرار أجهزة التنفس الصناعي أو الأكسجة الغشائية خارج الجسم.
يكمن المشكل في ضعف إمكانية إنتاج أو شراء أجهزة التنفس الاصطناعي والأكسجة الغشائية خارج الجسم بسهولة. قبل بضع سنوات، وفرت الولايات المتحدة 250 جهاز أكسجة غشائية خارج الجسم.
بناء على ذلك، إذا أصيب 100 ألف شخص فجأة، فإنه لابد أن يخضع العديد منهم للفحص. سيحتاج حوالي 20 ألف شخص إلى دخول المستشفى، وسينقل 5000 شخص إلى وحدة العناية المركزة، بينما سيكون 1000 شخص في حاجة إلى آلات لا يمكننا توفير أغلبها في هذه الساعة.
وذلك دون أن نأخذ مسألة توفير الأقنعة بعين الاعتبار. إن دولة مثل الولايات المتحدة بحوزتها 1 بالمئة فقط من الأقنعة التي تحتاجها لتغطية احتياجات العاملين في مجال الرعاية الصحية (12 مليون من الأقنعة نوع “ن95” و30 مليون من الأقنعة الجراحية مقابل “3.5 مليار قناع” المطلوبة). إذا ظهرت الكثير من الحالات في وقت واحد، فإن الأقنعة المتوفرة لن تكفي سوى لمدة أسبوعين فقط.
كانت دول على غرار اليابان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ أو سنغافورة، وكذلك المناطق الصينية خارج هوبي على أهبة الاستعداد، ووفرت الرعاية التي يحتاجها المرضى. في المقابل، تسير بقية الدول الغربية على خطى هوبي وإيطاليا. إذن دعنا نكتشف ما الذي يحدث هناك؟
كيف يبدو نظام الرعاية الصحية المغمور؟
بدأت القصص التي حدثت في هوبي وفي إيطاليا تتشابه بشكل غريب. بنى المسؤولون في مدينة هوبي مستشفيين في عشرة أيام، ولكن حتى ذلك الحين، كان هذا غير كافيا. بعبارة أخرى، اشتكت الدولتان من أن المرضى غمروا مستشفياتهم. وكان يجب الاعتناء بهم في أي مكان: في الممرات وحتى غرف الانتظار.
يقضي العاملون في مجال الرعاية الصحية ساعات مرتدين نفس المعدات الواقية، لأنه لا يوجد ما يكفي منها. ونتيجة لذلك، لا يمكنهم مغادرة المناطق المصابة لساعات. وعندما يفعلون ذلك، ينهارون ويصابون بالجفاف ويعانون من الإرهاق. بالإضافة إلى ذلك، لم تعد المناوبات موجودة، كما تم استدعاء الأشخاص الذين أحيلوا على التقاعد لتغطية الاحتياجات. هذا إلى جانب تدريب الأشخاص الذين لا يملكون أدنى فكرة عن التمريض بين ليلة وضحاها للاضطلاع بأدوار مهمة. بعبارة أخرى، يجب على الجميع أن يكونوا مستعدين لتلبية النداء بشكل دائم.
فرانشيسكا مانغياتوردي، ممرضة إيطالية انهارت في منتصف الحرب على فيروس كورونا.
إنهم بالأحرى يبقون على رأس عملهم حتى يمرضوا، وهو ما يحدث كثيرًا، لأنهم معرضون باستمرار للفيروس، دون معدات واقية كافية. عندما يلتقطون العدوى، ينبغي أن يبقوا في الحجر الصحي لمدة 14 يومًا، حيث لا يكون بمقدورهم المساعدة. في أفضل الحالات، قد يخسرون أسبوعين من حياتهم، وفي أسوأ الأحوال يموتون. وأسوأ ما قد تواجهه وحدات العناية المركزة، عندما يحتاج المرضى إلى مشاركة أجهزة التهوية أو الأكسجة الغشائية خارج الجسم. من المستحيل مشاركة هذه الأجهزة، لذلك يجب على العاملين في الرعاية الصحية تحديد المريض الذي سيستخدمها. هذا يعني حقًا أن هذه الأجهزة تحدد من سيعيش ومن سيموت. من جهته، قال الدكتور الإيطالي كريستيان سالارولي: “بعد أيام قليلة، علينا أن نختار. لا يمكننا وصل كل شخص بأنبوب. وإنما نقرر ذلك على أساس العمر والحالة الصحية”.
العاملون الطبيون يرتدون بدلات واقية لرعاية الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كورونا الجديد، في وحدة العناية المركزة بمستشفى مخصص في ووهان، الصين، في السادس من شباط/ فبراير.
يتسبب كل هذا في دفع النظام إلى تسجيل معدل وفيات بنسبة أربعة بالمئة بدلاً من 0.5 بالمئة. إذا كنت تريد أن تكون مدينتك أو بلدك جزءًا من الأربعة بالمئة، فلا تفعل أي شيء اليوم.
صور الأقمار الصناعية تظهر مقبرة بهشت معصومة في مدينة قم الإيرانية.
3. ماذا يجب أن تفعل؟
تسوية المنحنى
إنه وباء في الوقت الراهن، ولا يمكن القضاء عليه. ولكن ما يمكننا القيام به هو الحد من تأثيره. كانت بعض البلدان مثالية في التعامل مع الوباء. وكانت أفضلها تايوان، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصين ومع ذلك لم تسجل حتى اليوم سوى أقل من 50 حالة. وتشرح هذه الورقة البحثية الأخيرة جميع التدابير التي اتخذتها هذه البلدان في وقت مبكر، والتي ركزت على الاحتواء.
بعبارة أخرى، تمكنت هذه البلدان من احتواء الوباء، لكن معظم البلدان تفتقر إلى هذه الخبرة ولم تنجح في ذلك. وفي الوقت الراهن، أصبحوا يمارسون لعبة مختلفة: التخفيف من تأثير الوباء. إنهم بحاجة إلى جعل هذا الفيروس مسالما قدر الإمكان. وفي حال قللنا العدوى قدر الإمكان، فسيكون نظام الرعاية الصحية لدينا قادرًا على التعامل مع الحالات بشكل أفضل، مما يؤدي إلى انخفاض معدل الوفيات. وفي حال تشاركنا ذلك مع مرور الوقت، فسوف نتمكّن من تحصين بقية المجتمع، والقضاء على الخطر تمامًا. لذلك لن يتركز هدفنا على القضاء على عدوى فيروس كورونا، وإنما إيقاف تفشيه.
كلما عملنا على إيقاف نقل العدوى، كان أداء نظام الرعاية الصحية أفضل، وانخفض معدل الوفيات، وزادت نسبة السكان الذين سيتم تحصينهم قبل إصابتهم بالعدوى. إذن، كيف نسوّي المنحنى؟
التباعد الاجتماعي
هناك أمر واحد بسيط للغاية يمكننا القيام به والذي يعتبر مفيدا: التباعد الاجتماعي.
إذا أعدت النظر في الرسم البياني الخاص بمدينة ووهان، فستلاحظ أنه بمجرد إعلان العزل، انخفض عدد الإصابات وذلك لأن الناس لم يتواصلوا مع بعضهم البعض، بالتالي لم ينتشر الفيروس.
يشير الإجماع العلمي في الوقت الراهن إلى أن هذا الفيروس يمكن أن ينتشر في حدود مترين (6 أقدام) وذلك في حال سعال شخص ما. خلافا لذلك، تسقط القطرات على الأرض ولا تصيبك. من جهة أخرى، تحدث أسوأ حالات العدوى من خلال ملامسة الأسطح: يعيش الفيروس لمدة تصل إلى تسعة أيام على مختلف الأسطح على المعادن والسيراميك والبلاستيك. وهذا يعني أن أشياء مثل مقابض الأبواب أو الطاولات أو أزرار المصعد يمكن أن تكون نواقل رهيبة للعدوى.
يعدّ التباعد الاجتماعي حقا الطريقة المثلى لتقليل انتشار العدوى، وذلك بإبقاء الناس في المنزل لأطول فترة ممكنة حتى يتم السيطرة على الوضع. وقد ثبتت فعالية ذلك بالفعل في الماضي، خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية لسنة 1918.
الدروس المستفادة من جائحة الإنفلونزا الإسبانية لسنة 1918
يمكنك ملاحظة كيف أن فيلادلفيا لم تتصرف بسرعة حيث شهدت ذروة هائلة في معدلات الوفيات، مقارنة بسانت لويس التي استجابت للوضع بسرعة. ثم انظر إلى دنفر، التي سنت تدابير وقائية ثم خففتها. لقد شهدت دنفر ذروة مزدوجة، حيث كانت الذروة الثانية أعلى من الأولى.
إذا عممت الأمر، فهذا ما ستجده:
يوضح هذا الرسم البياني عدد الوفيات الإضافية لكل مدينة اعتمادًا على مدى سرعة اتخاذ الإجراءات عند ظهور جائحة الإنفلونزا الإسبانية في سنة 1918 في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، اتخذت مدينة سانت لويس تدابير قبل ستة أيام من مدينة بيتسبرغ، وسجلت معدل وفيات أقل من النصف لكل مواطن. وفي المعدّل، أدى اتخاذ تدابير قبل 20 يومًا إلى خفض معدل الوفيات إلى حدود النصف.
في نهاية المطاف، أدركت إيطاليا هذه الحقيقة، حيث فرضت الحكومة حجرا صحيا على منطقة لومباردي يوم الأحد. وبعد مرور يوم واحد، يوم الاثنين، أدركت فداحة الخطأ الذي ارتكبته، وقررت فرض حجر صحي على كامل البلاد. نأمل أن يكون هناك نتائج إيجابية لهذا الإجراء في الأيام القادمة. ومع ذلك، سيستغرق الأمر فترة زمنية تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين. وبالنظر إلى الرسم البياني لمدينة ووهان: كان هناك تأخير لمدة 12 يومًا بين لحظة الإعلان عن الحجر الصحي والفترة التي بدأت فيها الحالات الرسمية (باللون البرتقالي) في الانخفاض.
كيف يمكن للسياسيين المساهمة في التباعد الاجتماعي؟
في الوقت الراهن، لا يتمحور السؤال الذي يطرحه السياسيون على أنفسهم حول ما إذا كان يتعيّن عليهم اتخاذ إجراءات أم لا، بل حول الإجراء المناسب الذي يجب اتخاذه. يوجد العديد من المراحل للسيطرة على هذا الوباء، تبدأ بالترقب وتنتهي باجتثاث الوباء. ولكن فات الأوان بالنسبة لأغلب الخيارات اليوم. وبهذا المستوى من الحالات، لم يبق أمام السياسيين سوى خياران، وهما احتواء الوباء والتخفيف من انتشاره.
الاحتواء
يتمثل الاحتواء في تحديد جميع الحالات والتحكم فيها وعزلها. وهذا تحديدا ما نجحت سنغافورة وهونغ كونغ واليابان وتايوان في القيام به، فهذه البلدان تسعى إلى تحديد الأشخاص القادمين بسرعة كبيرة، والتعرف على المرضى، وعزلهم على الفور، وتستخدم أدوات وقائية ثقيلة لحماية العاملين في مجال الصحة، وتتبع جميع جهات الاتصال، وتفرض حجرا صحيا عليهم … ومن الممكن أن تنجح هذه التدابير حين تكون الدولة مستعدة لذلك وتقرر اتخاذها في وقت مبكر، ولا تحتاج إلى إيقاف اقتصادها بالكامل حتى تتمكن من فعل بذلك.
لقد سبق لي أن أشدت بالنهج الذي تبنته تايوان. ولكن، يعتبر النهج الذي اتخذته الصين ناجحا أيضا. إن طول المدة التي استغرقتها عملية احتواء الفيروس أمر محيّر للغاية. فعلى سبيل المثال، رصدت الصين حوالي 1800 فريق، كل فريق مكون من خمسة أشخاص. وتتمثل مهمتهم في تعقب كل شخص مصاب وجميع الأشخاص الذين تواصلوا معه، ومن ثم وضع الجميع في الحجر الصحي. وبفضل هذه الإجراءات تمكنت الصين من احتواء الفيروس في بلد يبلغ تعداد سكانه مليار نسمة.
لكن، ليس هذا ما قامت به الدول الغربية. لقد فات الأوان الآن. كان القرار الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا بشأن فرض حظر على السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة بمثابة إجراء لاحتواء الفيروس في دولة سجلت حتى اليوم ثلاثة أضعاف الحالات التي سجلتها منطقة هوبي حين فرضت الحجر الصحي، ويتزايد عدد الحالات بشكل كبير. كيف يمكننا معرفة ما إذا كان ذلك كافيا؟ لقد اتضح أنه يمكننا أن نعرف ذلك من خلال البحث في حظر السفر الذي فرضته ووهان.
يوضح هذا الرسم البياني تأثير حظر السفر في ووهان على انتشار الوباء. تظهر أحجام الفقاعات عدد الحالات اليومية المسجلة. ويوضح الخط الموجود في الأعلى عدد الحالات في حال لم يقع اتخاذ الإجراءات اللازمة. أما بالنسبة للخطان الآخران، فهما يوضحان التأثير في حال جرى إلغاء 40 بالمئة و90 بالمئة من رحلات السفر. وهذا نموذج ابتكره علماء الأوبئة، لأننا لا نستطيع أن نعرف على وجه اليقين. إذا كنت لا ترى اختلافا كبيرا، فأنت على حق، حيث من الصعب جدًا رؤية أي تغيير طرأ على تطور الوباء. ويقدر الباحثون أن حظر السفر على ووهان، بشكل عام، أدى إلى تأخير انتشار الفيروس في الصين لمدة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أيام فحسب. والآن كيف سيكون تأثير الحد من انتقال الفيروس حسب اعتقاد العلماء؟
تشبه المجموعة في الأعلى المجموعة ذاتها التي وقع ذكرها في السابق، حيث تظهر المجموعتان الأخريان انخفاض معدل انتقال الفيروس. إذا انخفض معدل الانتقال بنسبة 25 بالمئة (من خلال التباعد الاجتماعي)، سيساهم ذلك في تثبيت المنحنى ويؤجل بلوغ الحد الأقصى لمدة 14 أسبوعًا كاملة. وبدوره، سيعمل خفض معدل الانتقال بنسبة 50 بالمئة على القضاء على الوباء في غضون ربع المدة.
إن قرار حظر السفر من وإلى أوروبا الذي اتخذته الإدارة الأمريكية يعد إجراء فعالا، حيث من المحتمل أن يساعد على الاستفادة من بضع ساعات، ربما يوم أو يومين، ولكن ليس أكثر. لكن هذا الإجراء غير كاف، فالغاية من هذا الإجراء هي الاحتواء في الوقت الذي هناك حاجة ماسة إلى التخفيف من انتشاره. وعند تزايد عدد الحالات المصابة لمئات أو آلاف الحالات، يصبح منع المزيد من دخول البلاد، وتتبع الحالات الموجودة وعزل جهات الاتصال إجراءات غير كافية. عندها، ينبغي الانتقال إلى المستوى التالي، ألا وهو التخفيف من حدة انتشار الوباء.
التخفيف من تفشي الفيروس
يتطلب التخفيف من تفشي الفيروس قدرا كبيرا من التباعد الاجتماعي. ينبغي على الأشخاص التوقف عن الخروج من المنزل لخفض معدل انتقال هذا الفيروس من حوالي 2 أو 3 في حال عدم اتخاذ تدابير، إلى أقل من واحد إلى أن يتم القضاء عليه في نهاية المطاف.
تتطلب هذه الإجراءات إغلاق الشركات، والمحلات التجارية، والنقل الجماعي، والمدارس، وفرض الحجر الصحي… وكلما كان وضعك سيئا، كان التباعد الاجتماعي أسوأ. وكلما فرضت إجراءات صارمة في وقت مبكر، قلّ الوقت الذي تحتاجه للعمل بها، وكان من الأسهل تحديد الحالات المصابة، وقلّ عدد الأشخاص المصابين. وهذا ما كان ينبغي على ووهان القيام به، وهذا ما اضطرت إيطاليا إلى القبول به الآن.
في ظل انتشار الفيروس، يعتبر فرض حجر صحي على جميع المناطق المتضررة الإجراء الوحيد للحد من انتشار الوباء في الحال. وفي ظل وجود آلاف الحالات الرسمية المعلنة، وعشرات الآلاف من الحالات، هذا ما تحتاج دول مثل إيران وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة إلى القيام به. ولكن هذه الدول لم تلتزم بفعل ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الشركات تباشر عملها من المنزل، وهو أمر رائع، فضلا عن تعليق بعض الأحداث الجماعية، وإخضاع بعض المناطق المتضررة إلى الحجر الصحي.
كل هذه الإجراءات سوف تبطئ انتشار الفيروس. وستُخفض معدل انتقال العدوى من 2.5 إلى 2.2 وربما إلى 2. ولكنها غير كافية لتحقيق معدل أقل من واحد لفترة زمنية طويلة كافية لإيقاف الوباء. وإذا لم نتمكن من القيام بذلك، فنحن بحاجة إلى تقريبه من 1 لأطول فترة ممكنة للمحافظة على استقرار المنحنى.
إذن، ما هي الحلول التي يُمكن أن نعمل بها لخفض المعدل؟ هذه هي القائمة التي وضعتها إيطاليا أمامنا جميعًا:
لا يمكن لأي شخص الدخول أو الخروج من مناطق الحجر الصحي ما لم تكن هناك أسباب عائلية أو مهنية مؤكدة.
تجنب التنقل داخل هذه المناطق ما لم تكن مبررة وذلك لأسباب عاجلة شخصية أو مهنية ولا يمكن تأجيلها.
يُنصح الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض المرض بملازمة المنزل.
إيقاف العطل العادية للعاملين في القطاع الصحي.
إغلاق جميع المؤسسات التعليمية (المدارس، وجامعات)، القاعات الرياضية، المتاحف، محطات التزلج، المراكز الثقافية والاجتماعية، حمامات السباحة، والمسارح.
فتح الحانات والمطاعم ابتداءً من الساعة السادسة صباحا إلى غاية الساعة السادسة مساءََ، مع حفظ مسافة متر واحد على الأقل (أي ثلاث أقدام) بين الناس.
إغلاق جميع الحانات والنوادي.
يجب أن تكون كل الأنشطة التجارية على مسافة متر واحد بين الحرفاء ويجب إغلاق المحلات التي لا تلتزم بذلك. وتخضع المعابد لنفس الإجراء.
تحديد زيارات العائلات والأصدقاء للمرضى بالمستشفى.
تأجيل اجتماعات العمل مع التشجيع على العمل عن بعد.
إلغاء جميع الفعاليات والمسابقات الرياضية العامة أو الخاصة. ويمكن للفعاليات الهامة أن تُجرى خلف الأبواب مغلقة.
بعد يومين من ذلك اتخذت إيطاليا إجراءات إضافية بتعلة أنها تحتاج إلى إغلاق جميع الأنشطة التجارية التي ليست لها أهمية. ثم قامت في مرحلة لاحقة بغلق جميع الأنشطة التجارية والمكاتب والمقاهي والمحلات التجارية، مع الإبقاء فقط على وسائل النقل والصيدليات ومحلات البقالة.
هناك مقاربة تتمثل في اتخاذ مزيد من الإجراءات تدريجيًا، ولكن للأسف هذا التمشي يُساهم في تسريع انتشار الوباء. فإذا أردت أن تكون آمنًا، عليك اتباع طريقة ووهان. قد يشتكي بعض الأشخاص في الوقت الراهن، ولكن سيشكرونك في وقت لاحق.
كيف يُمكن لرجال الأعمال المساهمة في التباعد الاجتماعي؟
إذا كنت من رجال الأعمال وتريد معرفة ما ينبغي عليك فعله، فإن أفضل مصدر لك هو نادي البقاء في المنزل.
وهي قائمة بسياسات التباعد الاجتماعي التي سنتها شركات التكنولوجيا الأمريكية، 328 شركة إلى حد الآن. وتتراوح هذه القائمة بين العمل المسموح به والإلزامي في المنزل إلى الزيارات والرحلات المحدودة.
هناك المزيد من الأمور التي يجب على كل شركة تحديدها مثل ما يجب القيام به مع الموظفين العاملين بالساعة، وما إذا يجب إبقاء المكتب مفتوحََا أم لا، وكيفية إجراء المقابلات، وكيفية التعامل مع الكافيتيريا.
4. متى؟
من الوارد جدًا أنك توافق حتى الآن على كل ما قلته، وكنت تتساءل فقط منذ البداية متى يجب اتخاذ كل قرار. أو بطريقة أخرى، ما هي المُحفزات التي يجب أن تكون لدينا لكل إجراء.
نموذج المحفزات القائم على المخاطر
لحل هذه المشكلة، قمت بإنشاء نموذج يُمكنك من تقييم عدد الحالات المحتملة في منطقتك، واحتمالية إصابة موظفيك بالعدوى، وكيف يتطور ذلك بمرور الوقت، وكيف سيخبرك هذا عما إذا كان عملك سيبقى مفتوحًا.
وهذا يعني مجموعة من الأمور مثلا:
إذا كانت شركتك تشغل مئة موظف في منطقة ولاية واشنطن، التي شهدت 11 حالة وفاة بحساب 3/8 بسبب فيروس كورونا، فهناك احتمال بنسبة 25 بالمئة لإصابة واحد على الأقل من موظفيك، ويجب عليك الإغلاق فورًا.
إذا كانت شركتك تُشغل 250 موظفًا معظمهم في ساوث باي (مقاطعات سان ماتيو وسانتا كلارا، والتي سجلت معًا 22 حالة رسمية وربما يكون الرقم الحقيقي 54 على الأقل)، وبحساب 3/9، فإن احتمال إصابة موظف واحد على الأقل تصل إلى 2 بالمئة، وينبغي عليك إغلاق المكتب أيضا.
إذا كانت شركتك في باريس وبها 250 موظفًا، فهناك اليوم احتمال بنسبة 95 بالمئة أن يكون أحد موظفيك مصابًا بالفيروس التاجي، ويجب عليك إغلاق مكتبك بحلول الغد.
يستخدم النموذج تسميات مثل “الشركة” و”الموظف”، لكن يمكن استخدام نفس النموذج لأي مكان آخر: المدارس، النقل الجماعي.. لذلك إذا كان لديك 50 موظفًا فقط في باريس، وجميعهم سوف يستقلون القطار، ويختلطون بالآلاف من الأشخاص الآخرين، فإن احتمال أن يصاب أحدهم بالعدوى وارد جدََا، لذلك يجب عليك إغلاق مكتبك فورًا. وإذا بقيت مترددا بسبب عدم ظهور أعراض الفيروس على أحد منهم، فتأكد أن 26 بالمئة من حالات العدوى ستحصل قبل ظهور أعراض المرض.
هل أنت جزء من مجموعة القادة؟
إن هذا الافتراض أناني، ذلك أنه ينظر إلى مخاطر كل شركة على حدة، مع أخذ أكبر عدد ممكن من المخاطر حتى يصبح قرار غلق مكاتبنا أمرا لا مفر منه. لكن إذا كنت فردََا من رابطة قادة رجال أعمال أو سياسيين، فإن حساباتك لن تقتصر على شركة واحدة، وإنما ستشمل كل المؤسسات. وبذلك، تصبح العملية كالآتي: ما احتمال إصابة أي من شركاتنا بالعدوى؟ إذا كانت مجموعة مؤلفة من 50 شركة تضم 250 موظفًا كمعدل وسطي، في منطقة خليج سان فرانسيسكو، فهناك احتمالية بنسبة 35 بالمئة أن يكون لدى إحدى الشركات على الأقل موظف مصاب، وفرصة 97 بالمئة في الأسبوع المقبل. قُمت بإضافة علامة تبويب في النموذج للتجربة.
الخلاصة: تكلفة الانتظار
قد يكون الأمر مخيفًا لاتخاذ قرار اليوم، ولكن لا يجب أن تفكر في الأمر بهذه الطريقة.
يُبين هذا النموذج النظري مجتمعات مختلفة: أحدها لا يتخذ إجراءات التباعد الاجتماعي، والثاني يأخذه في اليوم “ن” من تفشي المرض، والآخر في اليوم “ن+1”. إن جميع الأرقام وهمية تمامًا (اخترتها لتشبه ما حدث في هوبي، مع حوالي 6 آلاف اصابات جديدة يوميًا في أسوأ الأحوال). إنها موجودة هناك فقط لتوضيح مدى أهمية يوم واحد في وباء ينمو بشكل كبير. يمكنك أن ترى أن التأخير ليوم واحد يرتفع إلى الأعلى ليبلغ الذروة، ولكن بعد ذلك تتقارب الحالات اليومية إلى الصفر. ولكن ماذا عن الحالات التراكمية؟
في هذا النموذج النظري الذي يشبه هوبي نوعا ما، فإن الانتظار ليوم واحد يخلق إصابات أكثر بنسبة 40 بالمئة. لذا ربما إذا أعلنت سلطات هوبي عن الإغلاق يوم 22/1 بدلاََ من 23/1، لكانت قد قللت من عدد الحالات بحوالي 20 ألفا.
تذكر أنها مجرد حالات إصابة. سيكون معدل الوفيات أعلى بكثير، لأنه لن يكون هنالك المزيد من الوفيات بنسبة 40 بالمئة فحسب، بل، سيكون هناك أيضًا انهيار أعلى بكثير لنظام الرعاية الصحية، مما سيؤدي إلى معدل وفيات أكثر بعشرة أضعاف كما رأينا من قبل. لذلك، يُمكن أن ينتهي الاختلاف في يوم واحد في اتخاذ تدابير التباعد الاجتماعي بانفجار عدد الوفيات في مجتمعك من خلال مضاعفة عدد المصابين وارتفاع معدل الوفيات.
يعتبر هذا التهديد أسيًا. لكل يوم قيمته. عندما تؤخر قرارََا ليوم واحد، فأنت لا تساهم في تسجيل بعض الحالات فقط، بل سيكون هناك مئات أو آلاف الإصابات في مجتمعك. وفي كل يوم لا يوجد فيه التباعد الاجتماعي، تنمو هذه الحالات بشكل كبير.
شارك الكلمة
ربما قد تكون هذه المرة الوحيدة في العقد الماضي التي قد تنقذ فيها مشاركة مقال الأرواح. إنهم بحاجة إلى فهم ذلك لتفادي وقوع كارثة. إن الوقت المناسب للتحرك هو الآن.