لا يحب السوريون الحديث عن “ذكرى الثورة السورية”، بدلًا من ذلك يتحدثون عن ذكرى انطلاقتها، بكثير من الدفء والحنين والعاطفية، كما يحنّ الواحد إلى طفولته، إلى الأشياء الجميلة فيها، صرخات الحرية الأولى التي ما يزال الأدرينالين الذي تدفق حينها ينسكب حتى اليوم في عروقهم، فلا كأنهم عاشوا كل تلك الويلات والفقد والتشرد والموت على مدار تسع سنوات كاملات.
يشتاق السوريون أيضًا إلى صورتهم، حينما شاهدوها في عيون بعض رموزهم وأيقوناتهم، أشخاص عاديون يشبهونهم، شجعان بما يكفي ليرفعوا صوتهم -أولًا وعاليًا- ملء السمع والبصر والجَنان، بكلمة “حرية”!
في هذا التقرير ضمن ملف “ولسّا بدنا حرية”، نستذكر معًا بعضًا من رموز الثورة السورية وأيقوناتها التي تركت بصمتها في ذاكرتنا، لا كلهم حتمًا، فأي مداد يتسع لكلهم؟ كما لم نشر إلا إلى المحطة الرئيسية في مسيرتهم، ونترك لك -أيها القارئ الكريم المهتم- مهمة البحث في تتمة القصة عنهم.
لم نرتب الشخصيات -في مادتنا هذه- طبقًا لأي معنى أو منهجية، وقد تعمدنا ذلك حتى نعبث بذاكرتنا، فنقلّبها ذهابًا وإيابًا وفي كل اتجاه، ليمر علينا كل شريط في أيام الثورة وأحداثها التي عشناها معهم.. الآن؛ ما رأيك أن نبدأ بوجهنا الأسمر الحلو.. عبد الباسط؟
عبد الباسط الساروت
التحق حارس مرمى منتخب الشباب السوري عبد الباسط الساروت بالثورة السورية مبكرًا، ليصبح أحد أبرز رموز الانتفاضة السورية، وخلّد صوته سردية الثورة ليضحى أغنية كل الثوار، حمل الساروت السلاح والتحق بالفصائل المعارضة لقتال قوات النظام، فقاتل في حمص وحوصر فيها وفقد كل من أحب، وصمد حتى كان آخر المهجرين منها عام 2014.
خسر الساروت والده وأربعة من أشقائه في القصف والمعارك بمدينة حمص، دخل “حارس الثورة” كما لقبه السوريون كل تبدلات الثورة وتغيراتها، حتى استشهد مقاومًا في معارك ريف حماة يوم السبت 8 من يونيو/حزيران 2019.
أحمد الخلف
انشق الملازم أول أحمد الخلف عن جيش النظام في 24 من يونيو/حزيران 2011، وقاتل قوات الأسد هو ورفاقه في مدينة الرستن بريف حمص بالأسلحة الخفيفة، كانت مهمة الخلف حماية المدخل الشرقي للمدينة، وحين سأله قائد كتيبته عن إمكانية دخول قوَّات النظام إلى المدينة، قال جملته التي أضحت من أشهر أدبيات الثورة السورية: “إذا رأيتم الدبَّابات في الرستن فاعلموا أني قد استشهدت”، وبالفعل دخلت دبابات الأسد إلى الرستن على جثة الخلف في يوم 28 سبتمبر/أيلول 2011.
رائد الفارس
يعتبر رائد الفارس من ناشطي الثورة السورية ذوي التأثير الكبير، خاصةً أنه مبدع لافتات كفرنبل التي وصلت للعالمية، وكان يُطلق عليه “مهندس اللافتات”، أسس راديو “فريش” في مدينته كفرنبل وأضحت وسيلةً إعلامية مهمة في شمالي سوريا، كافح الفارس بكلماته ولافتاته النظام والتنظيمات المتطرفة وإيران وروسيا.
برز الفارس بالعمل المدني والنشاط السياسي، فُجع السوريون بمقتله اغتيالًا في مدينته بعد خروجه من صلاة الجمعة يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018.
أبو فرات
كان يوسف الجادر “أبو فرات” عقيدًا في قوات الأسد قبل أن ينشق وينضم إلى قوات الجيش الحر في 18 من يوليو/تمّوز 2012 وأصبح قائد أركان لواء التوحيد. شاركَ الجادر بتحرير ريف حلب كما أنه نجح مع الجيش الحر بالسيطرة على حيي سيف الدولة وصلاح الدين بالإضافة إلى تحرير مدرسة المشاة وفي تاريخ 15 من ديسمبر/كانون الأول 2012.
انتشر نبأ مقتل أبو فرات بلغم أرضي في أثناء تمشيط محيط المدرسة التي حررها، يشتهر الجادر برمزية كبيرة لدى ثوار سوريا، ومن أشهر ما قال: “لو ترك لنا الأسد خيارًا نحن الضباط أن نستقيل ونجلس في بيوتنا كنا تركنا، بس ما تركلنا خيار، يا بدك تكون قاتل يا قاتل”.
أنس الشغري
يعتبر الناشط أنس الشغري من أوائل الهاتفين بالحرية في عموم سوريا، وهو من دعا لأول مظاهرة في مدينة بانياس السورية، انطلقت المظاهرات في هذه المدينة بنفس التوقيت الذي انطلقت فيه مظاهرات مدينة درعا في يوم 18 مارس/آذار، إلا أن مشوار الشغري لم يكتمل حيث اعتقله النظام يوم السبت 14 مايو/أيار 2011 في كمين، فقد كان يتواصل مع الوكالات الإعلامية العالمية باسمه الصريح منذ اليوم الأول للثورة، ما زال أنس في معتقلات النظام دون أي خبر عن مصير.
حسين الهرموش
انشق المقدم حسين الهرموش أحد كبار رموز الثورة السورية، عن النظام السوري في 9 يونيو/حزيران 2011، ويعتبر الهرموش أول ضابط ينشق عن قوات الأسد، وأسس لواء الضباط الأحرار الذي يُعتبر منطلقًا للجيش السوري الحر، الذي تأسس لحماية المتظاهرين السلميين، قاد الهرموش أول عملية ضد نظام الأسد قبل أن يعلن النظام اعتقاله في 15 من أغسطس/آب عام 2011 في عملية خطف تمت داخل الأراضي التركية، بعد أن قتل النظام أكثر من 20 شخصًا من أقربائه.
حمزة الخطيب
برز الطفل حمزة الخطيب كأحد أبرز أيقونات الثورة السورية، والطفل الخطيب يبلغ من العمر 13 عامًا وينحدر من بلدة “الجيزة” بريف درعا، وكان مقتل سببًا في تحول جمهور كبير إلى صف الثورة.
استشهد بمدينة “صيدا” في ريف درعا بتاريخ 29 أبريل/نيسان 2011 خلال إطلاق نار على المتظاهرين، ونقل الخطيب إلى مشفى “تشرين العسكري”، وبدت على جسده في الصور التي تم تسريبها آثار التعذيب والرصاص الذي تعرض له، ومثل بجثته حيث قُطع عضوه التناسلي.
أحمد البياسي
في الأيام الأولى للثورة السورية انتشر فيديو يفضح اجتياح قوات الأمن السورية قرية البيضا واعتقال أهلها وإذلالهم بصورة مروعة في ساحة القرية التابعة لمدينة بانياس، لكن النظام سرعان ما نفى هذا المقطع، متهمًا الناشطين بفبركة الفيديو تارةً وأن المقطع في العراق تارةً أخرى.
ظهر الشاب أحمد البياسي في مقطع مصور وجريء على وسائل الإعلام حاملًا هويته السورية ليؤكد حصول الإهانة في بلدة البيضا، وكان وجه البياسي قد ظهر في الفيديو المسرب لقوات الأمن السوري، يعد وجهه وهو يحمل هويته ويقول كلماته تلك اللحظة واحدة من أكثر ما علق في الذاكرة السورية خلال عقد الثورة الأول.
باسل خرطبيل
يعدّ باسل خرطبيل أو “باسل الصفدي” كما يعرف، من أشهر المبرمجين في سوريا، وقد شارك بالثورة ونادى بسلميتها، اعتقله النظام السوري يوم 15 مارس/آذار 2012، أعلنت زوجة باسل أن النظام أعدمه عام 2015، حصل باسل على المركز الـ19 في قائمة فورين بوليسي لأفضل مئة مفكر على مستوى العالم عام 2012، وفي عام 2013 حصل على جائزة مؤشر الرقابة في مجال الحريات الرقمية.
عبد القادر الصالح
يعتبر عبد القادر الصالح والملقب بحجي مارع من أبرز الوجوه الثورية السورية وأكثرها رمزية، مؤسس لواء التوحيد والقائد العسكري له، شارك الصالح في المظاهرات السلمية وحرض أبناء مدينته للخروج ضد النظام، لكن البطش الذي تعرضوا له أجبر الصالح ومن معه على حمل السلاح.
كان للصالح دور كبير في السيطرة على مدينة حلب، قُتل حجي مارع خلال استهداف طيران النظام الحربي لاجتماع عسكري كان يحضره يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
ياسر العبود
كان ياسر العبود ضابطًا برتبة مقدم ركن حين أعلن انشقاقه عن جيش النظام في 23 فبراير/شباط عام 2012، وفور انشقاقه انضم للجيش الحر وشكل لواء “أبو بكر الصديق”.
تولى العبود قيادة العمليات في المنطقة الجنوبية، ساهم في جميع معارك تحرير ريف درعا الشرقي، آخر كلمات العبود قبل مقتله: “هدفنا توحيد البندقية السورية”، قُتل العبود في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2013 في الاشتباكات مع قوات النظام، يعتبر العبود من رموز ثورة حوران التي أطلقت الشرارة.
ملهم الطريفي
كان ملهم الطريفي من أوائل الذين خرجوا ينادون بالحرية، وكان نشيطًا في أعماله الثورية منها تنظيم المظاهرات وإيصال المساعدات للمناطق المحاصرة، حيث كان خاض أول محاولة لكسر الحصار عن مدينة بانياس المجاورة لمدينته جبلة، حيث قادة سيارة محملة بالمؤمن الغذائية إلى المدينة المحاصرة رغم كل المخاطر المدقة به.
وبعد دخول قوات الأسد إلى مدينة جبلة بدأت الاعتقالات والقتل، وكان الطريفي من أول المعتقلين، وبعد إطلاق سراحه خرج إلى السعودية هاربًا من بطش الأسد، وما لبث أن رجع إلى سوريا لينضم إلى إحدى الكتائب التي تقاتل النظام حتى قُتل في معارك الساحل السوري يوم 10 يونيو/حزيران 2012.
غياث مطر
نشأ غياث مطر في مدينة داريا بريف دمشق، ويعدّ رمز السلمية في الثورة السورية، شارك مطر بتنظيم المظاهرات الحاشدة التي كانت تخرج في مدينته، وعرف بتقديم الماء والورود لعناصر جيش النظام في أثناء المظاهرات.
لكن قوات الأسد لم يرق لها ما يفعله غياث فاعتقلته خلال كمين نصبته له. في يوم 10 سبتمبر/أيلول 2011 سلم النظام السوري جثمان غياث لأهله وظهرت على جسده آثار التعذيب الشديد في فترة اعتقاله، أقيم لمطر عزاء كبير في داريا حضره سفراء العديد من الدول الغربية من بينهم السفيرين الأمريكي والفرنسي.
الأب باولو
يعتبر الأب باولو من الشخصيات الرمزية التي رافقت الثورة السورية، وهو رجل دين مسيحي إيطالي يتقن اللغة العربية ومطلع على الدين الإسلامي وكان يعيش في سوريا منذ عقود، انتقد عمليات القمع التي تقوم بها قوات الأمن السورية، حتى نفاه النظام السوري خارج البلاد عام 2012، لكنه دخل إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتجول بين إدلب وحلب داعمًا للثورة ومؤمنًا بها، حتى دخل إلى الرقة في زمن سيطرة تنظيم “داعش” من أجل التوسط لإطلاق سراح نشطاء، لكنه اختفى بعد ذلك ولم يعد يُعرف أي خبر عن مصيره إلى الآن، من أهم ما قاله الأب باولو قبل اختفائه: “الثورة التزام وليست توقعات”.
سعاد الكياري
خاضت المقاتلة في صفوف الجيش الحر سعاد الكياري والمعروفة بـ”أم عبود” معظم معارك ريف إدلب، قبل أن تُقتل في اشتباكات مع قوات النظام على تخوم مطار أبو الظهور شمالي سوريا يوم 20 يناير/كانون الأول 2018، في صد هجوم النظام والميليشيات الإيرانية على المنطقة.
انخرطت الكياري في صفوف الثورة السورية منذ أيامها الأولى، وأكلمت مسيرة القتال والثورة وتقديم الطعام والطبابة للثوار رافضةً الخروج من مسقط رأسها بلدة أبو الظهور التي تعرضت لهجمة شرسة من النظام وحلفائه.
أسامة اليتيم
ولد الشيخ أسامة اليتيم في مدينة جاسم شمالي مدينة درعا عام 1975، وتخرج في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وعمل باحثًا شرعيًا، ومع انطلاق الثورة كان له دورٌ بارز في رابطة أهل حوران، ومن ثم أسس دار العدل بحوران التي توافقت عليها فصائل الجنوب السوري، وتعد مثالًا ونموذجًا مشرقًا وقت كانت درعا خارج سيطرة النظام، إلا أن اليتيم اغتيل على الطريق الحربي بين مدينة درعا وبلدة تل شهاب بريف درعا الغربي، مع اثنين من مرافقيه وأخويه بعد إطلاق النار عليهم بشكل مباشر.
مشعل تمو
ولد مشعل التمو في مدينة الدرباسية التابعة لمدينة الحسكة عام 1957 ونال شهادة الهندسة الزراعية وبرز اهتمامه بالسياسة منذ منتصف السبعينيات، وتولى عضوية اللجنة السياسية في حزب “اتحاد الشعب” لغاية 1999، وفي عام 2005 أسس “تيار المستقبل الكوردي” في سوريا، وعام 2008 اعتقل تمو من دورية للمخابرات الجوية وحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات ونصف بتهم “النيل من هيبة الدولة” و”إضعاف الشعور القومي الوطني”.
في 2011 أُفرج عن التمو ليعلن انضمامه مباشرة للثورة السورية رافضًا الحوار مع النظام، وبتاريخ 10 يوليو/تموز من نفس العام اقتحم أربعة أشخاص اجتماعًا يحضره التمو وبدأوا بإطلاق الرصاص فأصيب بـ18 رصاصة أودت بحياته على الفور، وأوضحت وثائق أن أمر الاغتيال بحق التمو جاء مباشرة من بشار الأسد وأن الأخير حدده بالاسم ليتم اغتياله، حيث كلف جهاز المخابرات الجوية بتنفيذ عملية التصفية بشكل واضح بحقه.
مي سكاف
ولدت الفنانة السورية مي سكاف في دمشق ودرست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق، مثلت سكاف قرابة 39 مسلسلًا وفيلمًا متنوعًا، وانتسبت لنقابة الفنانين السوريين عام 2001.
كانت مي أحد الموقعين على إعلان دمشق الصادر عام 2005، الذي طالب بالديمقراطية والتعددية الحزبية، وعرفت بمواقفها المناهضة للنظام قبل الثورة، وشاركت في المظاهرات سلمية عند انطلاق الثورة وتحدثت للإعلام عن الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون.
بعد اعتقالها المتكرر خرجت سكاف من سوريا سرًا واستقرت في فرنسا، مستمرةً بنشاطها وثورتها، توفيت في 23 يوليو/تموز 2018 في العاصمة الفرنسية باريس، بسبب نزيف دماغي حاد، بقيت كلمات سكاف تُردد عند ثوار سوريا بكل مشاربهم “لن أفقد الأمل.. لن أفقد الأمل.. إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”.
فاتن رجب
أكد ناشطون سوريون مقتل عالمة الفيزياء والذرة السورية فاتن رجب جراء التعذيب في معتقلات النظام السوري، وتنحدر الشهيدة من مدينة دوما بريف دمشق، وهي حاصلة على دكتوراه في الفيزياء النووية، اعتقلتها قوات النظام السوري يوم السبت 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وتعرضت لأشد أنواع التعذيب، حيث كانت تعاني من نوبات صرعات ونزيف حاد في الأنف والأذنين جراء عمليات التعذيب الوحشي في سجون النظام.
انقطعت أخبار فاتن إلى أن تأكد خبر وفاتها عن طريق لوائح الموت التي ترسل إلى دائرة السجل المدني، كان لفاتن نشاط بارز في المظاهرات السلمية منذ بداية انطلاقتها في دوما، كما شاركت بجهود كبيرة في العمل الإغاثي والإنساني.
أحمد الحصري “أبو النصر”
في الـ 27 من شهر كانون الثاني/ يناير، حاصرت قوات الأسد مدينة معرة النعمان من 3 جهات، ولم تبقَ إلا الجهة الغربية فقط لمن يريد الانسحاب من المقاتلين، إلا أن المقاتل الشاب أحمد الحصري، لم ينسحب مع الذين انسحبوا، إنما ظل مقاومًا في أرضه ومتمترسًا في بيتحتى نفذت آخر طلقاته. بقي أبو النصر يقاتل القوات النظامية الروسية لمدة 3 ساعات أوقف خلالها تقدم قوات الأسد، وبثت وكالة “آنا” الروسية من داخل المدينة تقريرًا أظهر محاصرة القوات المهاجمة لذلك للبناء الذي يتواجد به أحمد، إلى أن عرضت أخيرا صورته قتيلًا بعد أن أوقف زحفها وآخر سيطرة القوات على المدينة.
أما بعد.. فاجلس مع أطفالك وحدثهم عن الثورة، عن جدواها ومعناها ومغزاها، ولماذا قاتل هؤلاء الأبطال ولماذا قُتلوا أو اعتقلوا أو عُذّبوا. ولا يَنصبّنّ كل حديثك مع أولادك عن النظام الوحشي وبطشه وجبروته، فإنّ الحديث عن قيم الحرية والكرامة والعدالة أجدى، والإشادة بالمطالبين بها يمنحهم الأسوة ويدلهم على بداية الطريق.