لأول مرة منذ أكثر من سنة، لا يخرج الطلبة في الجزائر إلى الشوارع للاحتجاج، فقد قرر غالبيتهم تعليق المظاهرات الشعبية، نظرًا للوضع الصحي الذي تمر به بلادهم وخوفًا من انتشار فيروس كورونا بين المحتجين بعد تزايد حالات الإصابة، خاصة في العاصمة والبليدة.
تعليق مؤقت للاحتجاج في الشارع، يعطي نفسًا جديدًا للسلطة الجزائرية بقيادة الرئيس الجديد عبد المجيد تبون لتدارك أمرها، كما يفتح الباب أمام الحراكيين لابتكار أساليب جديدة للاحتجاج لدفع السلطات للاستجابة إلى مطالبهم المعلقة.
تعليق المظاهرات
قرار تعليق المظاهرات الشعبية والاحتجاجات، اتخذه العديد من المكونات السياسية والمدنية للحراك في الجزائر، فقد انتهى هؤلاء إلى إصدار بيان يتضمن نداءً موجهًا إلى “المناضلين من أجل الديمقراطية والحريات” لوقف وتعليق التظاهرات الشعبية التي تُنظم أيام الثلاثاء والجمعة والسبت.
وجاء في البيان “من منطلق المسؤولية الأخلاقية في هذا الظرف والوعي بدقة المرحلة تحتم الإقرار بوجود مخاطر متعاظمة تمس السلامة البدنية للجزائريين والصحة العامة، ندعو الطلبة والمناضلين من أجل الديمقراطية والحريات إلى تعليق ظرفي لتظاهرات الحراك الشعبي”.
وأكد البيان أن تعليق التجمعات والتظاهر السلمي لا يعني تجاهل الدفاع عن الناشطين الموقوفين في السجون والملاحقين قضائيًا، و”لا يعفي من الاستمرار بأشكال سلمية أخرى وممكنة في رفع المطالب الديمقراطية والدفاع عن الناشطين الموقوفين الذين يجب إعادة تمتعهم بحقهم في الحرية، وكذا إنهاء التضييق على الناشطين قيد الملاحقات القضائية”.
دعا “حزب الحرية والعدالة” إلى ضرورة تعليق الحراك الشعبي مؤقتًا
قبل ذلك، دعا أطباء ومختصون في الصحة ينشطون في الحراك الشعبي في الجزائر المتظاهرين ومجموع المكونات النشطة في الحراك إلى تعليق المظاهرات، وتفادي تنظيم وقفات ومسيرات الحراك في هذه الفترة الحرجة توقيًا من وباء كورونا بعد انتشاره في عدد من المدن.
وأفاد البيان: “إيمانًا منا بشرعية المطالب المعبر عنها في الحراك السلمي من سنة، واسترجاع الفضاء العام، وحفاظًا على الطابع الحضاري والسلمي للحراك، نناشد المواطنين بتجنب التجمعات وتعليق المظاهرات الشعبية لمدة ثلاثة أسابيع”.
كما دعا حزب الحرية والعدالة إلى ضرورة تعليق الحراك الشعبي مؤقتًا، واعتبر الحزب، في بيان له، أن “توقيف التظاهر مؤقتًا واجب وطني استدعاه الظرف الاستثنائي الذي يعيشه كل العالم”، داعيًا كل الأطراف لـ”تحمل مسؤوليتها ووضع كل الحسابات السياسية جانبًا، والوقوف جميعًا يدًا واحدة لتجنيب البلاد مخاطر أكبر”.
مخاوف من انتشار فيروس كورونا
تعليق المظاهرات في الجزائر، جاء نتيجة الخوف من انتشار فيروس كورونا في صفوف المتظاهرين، وسجلت الجزائر، أعلى نسبة إصابة في المنطقة المغاربية، حيث سجلت وزارة الصحة الجزائرية مساء أمس الإثنين 6 حالات جديدة ليرتفع بذلك مجموع الإصابات المؤكدة بالجزائر إلى 60 حالة بينها أربع وفيات.
وأوضحت وزارة الصحة الجزائرية أنه من بين الحالات الـ6 الجديدة، توجد حالتان بولاية الجزائر العاصمة، وحالة واحدة بولاية البويرة وحالة بولاية برج بوعريريج وحالة بولاية تيزي وزو وحالة بولاية عنابة، وقد أشار البيان إلى أن التحقيق الوبائي ما زال مستمرًا لمعرفة وتحديد هوية كل الأشخاص الذين كانوا على اتصال بالمصابين.
كان رئيس الحكومة الجزائري عبد العزيز جراد، قد دعا المواطنين المشاركين في الحراك الشعبي إلى اتخاذ الحيطة والحذر من نقل العدوى بسبب تفشي الوباء، وحذر جراد، في مقابلة مع الإذاعة الرسمية، المشاركين في الحراك قائلًا: “الحكومة لا تسعى لاستغلال الوضع الحاليّ سياسيًا مثلما يروج البعض، ولكن تدعوهم إلى التحلي باليقظة لأن الأمر يتعلق بصحتهم”.
ضمن إجراءات الحد من انتشار هذا الوباء، أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر، يوسف بلمهدي، اليوم الثلاثاء، أن لجنة الفتوى قررت تعليق صلاة الجمعة والجماعة وغلق المساجد في جميع أنحاء البلاد.
كما سبق أن أعلن الوزير الأول الجزائري عبد العزيز جراد الأحد أن الحكومة رصدت 4000 مليار سنتيم واستوردت معدات وأجهزة طبية من أوروبا لمواجهة خطر انتشار فيروس كورونا، كما قررت سلطات البلاد تعليق جميع الرحلات الجوية والبحرية المتوجهة والقادمة من أوروبا ابتداءً من يوم الخميس 19 من مارس/شباط الحاليّ، حسب ما أفاد به بيان لمصالح الوزير الأول.
فضلًا عن ذلك، دعت مديرية التجارة لولاية الجزائر جميع التجار الناشطين في مجال قاعات الحفلات والحمامات وقاعات الألعاب والملاهي والمعارض الموسمية للتوقف الفوري عن نشاطهم في إطار الإجراءات الاحترازية لمحاربة تفشي فيروس كورونا، حسبما جاء في تعليمات لذات الهيئة إلى رؤساء المفتشيات الإقليمية للتجارة.
فرصة للسلطات لالتقاط أنفاسها
توقف المظاهرات الشعبية في الشارع الجزائري، تمثل وفق العديد من المتابعين فرصة للسلطات الحاكمة لالتقاط أنفاسها والبحث عن الحلول الكفيلة للسيطرة على الحراك الشعبي المتواصل منذ أكثر من سنة في مختلف مدن وقرى الجزائر.
ورغم مرور سنة على بداية الحراك في مدينة خراطة واستقالة عبد العزيز بوتفليقة من منصبه وانتخاب رئيس جديد للبلاد، يتمسك العديد من الجزائريين بالمطالبة بإصلاح شامل للنظام الحاكم ووضع حد للفساد وانسحاب الجيش من السياسة، ورفض نتائج الانتخابات والتشكيلة الحكومية ورحيل كل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
دائمًا ما يرفع المتظاهرون عدة شعارات مؤكدة على مطلب التغيير والحريات وأخرى مطالبة بالاستجابة إلى مطالب الحراك، وكذلك إطلاق سراح المعتقلين ووقف الاعتقالات والمتابعات ضد نشطاء الحراك، كما ينادونا بمدنية الدولة.
وتقف السلطات الجزائرية عاجزة أمام المتظاهرين، فهي لم تتمكن إلى الآن من بسط نفوذها كاملًا وإقناع المحتجين بالكف عن التظاهر وعدم الخروج إلى الشارع للاحتجاج رغم اتباعها سياسة تتراوح بين التشدد واللين مع الحراك.
أساليب جديدة لتواصل الحراك الشعبي
قرار تعليق الخروج إلى الشارع لا يعني عند الكثير من النشطاء توقف الحراك الشعبي الذي بدأ يوم الـ16 من فبراير/شباط 2019 في مدينة خراطة، فقد بدأ العديد منهم في ابتكار أساليب جديدة لإثبات وجودهم وتأكيد مكانتهم في المجتمع الجزائري.
ضمن هذا المسار، قرر العديد من الطلبة القيام بحملة توعية بمخاطر فيروس كورونا في الشوارع، وحث الجزائريين على تجنب التجمعات والمقاهي والتنقل غير الضروري، عوضًا عن التظاهر في الشوارع مثل كل يوم ثلاثاء منذ انطلاق الحراك.
يعتبر هذا الأسبوع الأول منذ انطلاق الحراك، الذي لا يخرج فيه الطلبة إلى الشارع للاحتجاج، ودأب الطلبة منذ أكثر من سنة على الخروج إلى الشوارع خاصة في العاصمة الجزائر للمطالبة بالتغيير ورحيل كل رموز نظام بوتفليقة عن الحكم.
من المنتظر أيضًا أن يتم في الأيام القليلة القادمة ابتكار أساليب جديدة للاحتجاج، وفق العديد من الحراكيين، من قبيل الوقوف في شرفات المنازل في ساعة محددة يتم الاتفاق عليها يوميًا بين النشطاء كرسالة للسلطات والشارع للتعبير عن وفائهم لمطالبهم.
من الأساليب الجديدة للاحتجاج أيضًا تعليق الراية الوطنية في شرفات المنازل، أو قيام النساء الزغاريد أو حتى اللجوء إلى طريقة دق المهاريس التقليدية التي تستعمل عادة في دق التوابل والحبوب في المنازل الجزائرية.
أخيرًا.. وإذا ما كانت النوايا حسنة، فقد تمثل حالة العزل التي من المزمع أن تعيشها الجزائر في الأسابيع القادمة بسبب جائحة كورونا، فرصة لكل الأطراف لدراسة مواقفها وخططها وآليات التعامل مع الأطراف الأخرى في المرحلة المقبلة، بصورة متأنية وهادئة، قد تسفر عن نتائج إيجابية على الصعيد الوطني.