ترجمة وتحرير: نون بوست
اليوم، يعتريني ندم شديد بشأن ما قلته في الماضي. منذ شهر واحد تحديدًا، في مجموعة الدردشة اليومية الخاصة بنا، أجبرت أقرب أصدقائي على تقبل وجهة نظري التي تتسم بالجهل.
لقد جادلت بأن تفشي فيروس كورونا ليس سوى جهود تبذلها وسائل الإعلام السائدة لإشاعة حالة من الخوف والفزع، والتي تعتبر بدورها وسيلة حقيرة لزيادة مبيعات الصحف والحث على الولوج إلى المواقع الإلكترونية. لقد صنعت لنفسي كتابًا لمخاطر المعلومات المضللة. يواصل خبراء الصحة العامة حث القادة على أخذ هذا الأمر على محمل الجد. والسؤال المطروح الآن: هل يجب علينا أن نشعر بالقلق؟
هل يجب علينا أن نشعر بالقلق أم لا؟
إلى حد كتابة هذا التقرير، أصيب أكثر من 120 ألف شخص بفيروس كورونا المستجد وأدى إلى وفاة 4300 في 113 دولة. في المقابل، تؤدي الإنفلونزا الموسمية إلى وفاة أكثر من 650 ألف شخص حول العالم كل سنة! قد يثير الأمر الجدل. هذا صحيح، ولا أحد يشعر بالهلع من هذا الرقم المفزع.
في حال قررنا أن نختار أن نشعر بالقلق إزاء المخاطر المهلكة، أفلا ينبغي أن تتصدر أمراض القلب العناوين الرئيسية؟ تؤدي أمراض القلب إلى وفاة 650 ألف شخص سنويا في الولايات المتحدة، في حين أن أمراض السرطان تتسبب في وفاة 600 ألف شخص آخرين، وتحتل عدد الوفيات الناجمة عن الحوادث المرتبة الثالثة. بناء على ذلك، لا يبدو أن 4300 حالة وفاة الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد، على الرغم من أن هذا الرقم مأساوي، يبرر هذه العاصفة الإعلامية العالمية.. أليس كذلك؟
ما مدى خطورة ذلك؟
تسببت المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) بصدمة للعالم في سنة 2002 لأن معدل الوفيات بلغ 10 بالمئة ولم يكن هناك لقاح متوفر، مما أدى إلى وفاة 774 شخص. فضلا عن ذلك، أشارت التقديرات إلى إصابة 21 بالمئة من سكان العالم بجائحة فيروس الأنفلونزا التي ظهرت سنة 2009. وحتى في ظل انخفاض معدل الوفيات، أسفرت هذه الجائحة عن وفاة ما بين 150 ألف إلى 575 ألف شخص خلال السنة الأولى من انتشارها.
سيكون تجاهل المخاطر المحتملة لهذا الفيروس بالكامل أمرًا في غاية الخطورة
كيف يمكن مقارنة ذلك مع فيروس كورونا المستجد؟
تبذل منظمات الصحة العامة قصارى جهدها لتخبرنا أن هناك الكثير من الحقائق التي نجهلها. إليك الحقائق التي ذكرتها منظمة الصحة العالمية:
-
يُشفى 80 بالمئة من الأشخاص المصابين بشكل كامل دون الخضوع إلى علاج خاص.
-
سيكون شخص من كل خمسة أشخاص في حالة خطيرة ويحتاج إلى علاج طبي.
-
هذا الفيروس ليس مرضًا يؤثر على أطفالنا (لحسن الحظ).
-
كان السارس أكثر فتكا، ولكن فيروس كورونا أكثر عدوى.
-
تتراوح معدل الوفيات بسبب فيروس كورونا المستجد بين ثلاثة إلى أربعة بالمئة مقارنة بحوالي 0.1 بالمئة كمعدل وفيات بالنسبة للإنفلونزا الموسمية.
هل آن الأوان للشعور بالذعر؟
أعترف أنني نقلت جلسات الكتابة الصباحية التي كنت أقوم بها في مقهى ستاربكس إلى المنزل من باب الحيطة فحسب. تعتبر مشاهدة امرأة مسنة تعاني من صعوبات في التنفس لمدة خمس دقائق أكثر رعبا من مقابلة يجريها جو روغان مع علماء الأوبئة لمدة ساعة.
سيكون تجاهل المخاطر المحتملة لهذا الفيروس بالكامل أمرًا في غاية الخطورة، ناهيك عن التصريحات الضارة التي يدلي بها السياسيون غير المطلعين التي تفيد بأن الطقس الدافئ سيقضي على انتشار الفيروس (والأمر غير صحيح). ولكن، يتعين علينا أن نعترف بأن العكس هو الصحيح، حيث أن الذعر والخوف قد يشكلان الخطر الأكبر في هذا الوضع الحالي.
الخوف هو العدو
ماذا يحدث لنا جسديًا عندما نشعر بالخوف؟ تطلق الغدد الكظرية هرمون الكورتيزول، الأمر الذي يُضعف جهاز مناعتك. ومعناها أن الوقت الراهن غير مناسب لاستقبال عدد كبير من الناس. في الواقع، إن الخوف (والمعلومات المُضللة) يدفع أصدقائي العقلانيين إلى شراء أقنعة جراحية ومعقم لليدين. غير أنه لم يخبرهم أحد أن هذه الأقنعة ليست مصممة لحمايتهم من الجراثيم، ولكن لحماية المرضى الخاضعين لجراحة القلب المفتوح من البصق العرضي للطبيب المباشر.
إذا ارتفع هذا التهافت، فستكون هناك حاجة كبيرة إلى تلك الأقنعة وزجاجات تعقيم اليدين في المستشفيات والعيادات. فلا داعي لخلق حالة طوارئ من خلال إفراغ كل محلات كوستكو. بطبيعة الحال، في كل أزمة، سوف يبحث الناس غير المطلعين على الحقائق والخائفين عن كبش فداء. لهذا، نرى قصصًا عنف وتعصب تستهدف الأشخاص الذين “يُشبهون” الصينيين. غير أنهم تجاهلوا حقيقة أن فيروس كورونا ليس مرضًا صينيًا، فهو يُصيب جميع الأعراق بدون تمييز.
ماذا يفعل هذا الخوف للاقتصاد العالمي؟ في التاسع من شهر آذار/مارس، تراجعت الأسهم الأمريكية بنسبة تقدر بسبع بالمئة، وهو أسوأ انخفاض شهدته منذ الركود العظيم لسنة 2008، الذي يُمثّل تذكيرا آخر بأن معظم المستثمرين يستسلمون للعواطف التي تقُود قراراتهم عوض الاحتكام إلى عقلانية الشركة وقيمة المؤسسة. وفي هذا السياق، تقدر الأمم المتحدة أن الفيروس سيُكلف الاقتصاد العالمي من تريليون دولار إلى تريليوني دولار.
ما هي أفضل طريقة لتفاقم الأزمة؟ الاستسلام للخوف، ثم الذعر. نعم، من الطبيعي أن تشعر بالقلق في أي موقف صعب، ولكن بإمكانك تجاوز طبيعتك القائمة على الغريزة الحيوانية وتعميم عدم الشعور بالخوف.
كيف تتصرف في أوقات الأزمات
إن أقوى درس يمكنك استخلاصه من مذهب الرواقيين هو التركيز على ما يمكنك التحكم فيه وتجاهل ما لا يمكنك التحكم فيه. ماهي الأشياء التي يمكننا التحكم فيها؟ أفكارنا وكلماتنا وأفعالنا. في الواقع، تكمن سيطرتنا في قدرتنا إما على أن نصبح مطلعين على الوضع جيدا، أو أن نترك فيروس الخوف الموازي لوسائل الإعلام يقُودنا إلى سلوك غير العقلاني. كل ما تبقى يبقى خارج سيطرتك، فإنك لا تستطيع التأثير على انتشار هذا الوباء، إلا إذا كنت مختصا في مجال الصحة.
بصرف النظر عمن تكون، فإنه لديك فرصة لتكون بمثابة قائد. في الحقيقة، على الرغم من الخسائر المالية الضخمة، اتخذ منظمو الأحداث الكبرى قرارََا صعبََا بإلغاء المهرجانات مثل مهرجان الموسيقى “ساوث باي ساوث واست” وإلغاء المعارض مثل معرض لندن الدولي للكتاب. وفي بعض الأحيان، تعني القيادة اتخاذ قرارات صعبة للغاية. وفي هذا الصدد، يكتب خبير القيادة المتحدث والمؤلف جون سي ماكسويل: “هناك قرارات صعبة يتعين اتخاذها في الوقت الراهن، وهي قرارات من شأنها أن تؤثر أكثر على الأهداف الرئيسة أو خطط السفر”.
أما بشأن شركات الطيران، فقد تضررت الرحلات الجوية وأرباحها لأن معظم الناس يتجنبون المطارات. واستجابة لذلك، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة خطوط ساوث ويست الجوية عن تخفيضات طوعية في الأجور بنسبة 10 بالمئة. ومن جهة أخرى، قام كل من الرئيس التنفيذي ورئيس الخطوط المتحدة بتعليق رواتبهم لغاية حزيران/ يونيو. قد تكون هذه مبادرات رمزية، إلا أنها إحدى الطرق لإظهار معنى القيادة من خلال تقاسم عبء الأزمة وضرب مثل يحتذي به الآخرون.
ماذا يمكنني أن أفعل؟
ربما لستَ من منظمي حدث أو رئيس تنفيذي، إلا أنه لا يزال بإمكانك اتخاذ إجراءات فعالة. إليك كيفية إظهار القيادة بغض النظر عمن تكون:
-
أولاَ، ثقف نفسك، إذ تؤدي المعلومات الخاطئة إلى نوع من الخوف والذعر الذي غالبًا ما يكون أسوأ من سبب الأزمة بذاتها.
-
ثانيًا، ركز على ما يمكنك التحكم به وتجاهل الباقي. يمكنك القيام بذلك من خلال العديد من الطرق أهمها رفض الخوف وكل الأخبار المقلقة والمخيفة حول الفيروس. وإذا كنت بالحاجة إلى تحديثات يومية تتعلق بفيروس كورونا، عليك الحصول عليها من مصادر موثوقة.
-
ثالثًا، اتبع أفضل النصائح من منظمة الصحة العالمية والتي تتمثل في غسل اليدين والاحتفاظ بمسافة لا تقل عن ثلاثة أقدام بينك وبين أي شخص يعاني من السعال. لا تلمس وجهك، وغطي فمك عند السعال أو العطس. وإذا كان لديك سعال جاف أو حمى، فعليك الاتصال بطبيبك فورا.
إن فيروس كورونا ليس أول أزمة أو آخرها أو أسوأها، فالأجيال السابقة تعرضت الأنفلونزا الإسبانية ولحربين عالميين وللتهديد المستمر من “الأرمجدون” النووي. ليس المهم في الوقت الحالي أن نعرف إذا كنا نواجه أزمة أو إلى أي درجة ستتعمق هذه الأزمة. ما يهم هو كيف سيتعامل هذا الجيل مع هذه الحالة الطارئة. لنا الخيار في كل وضعية، إما السماح للخوف بسلب إرادتنا أو العمل معًا كقادة من أجل منفعة الجميع. فلنترك أفضل طبائعنا هي التي تنتصر اليوم، ولنظهر لهذا الفيروس أنه اختار الصراع مع الكائنات الخاطئة.
المصدر: ساكسيس