شهدت العلاقات السودانية الإيرانية خلال الأعوام الماضية تقارباً، وصل حد التحالف الإستراتيجي بين الدولتين صاحبتي المذاهب المختلفة، بعدما جمع بينهما تشابه الظروف والأعداء.
يعرف عن الخرطوم وطهران عداؤهما للولايات المتحدة الأميركية، ودعمهما لحركات المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي شكّل أرضية قوية للتلاقي.
والناظر لعلاقة البلدين يجد أنها قائمة على تعاون عسكري ــ أمني وسياسي أكثر من كونها علاقات اقتصادية ــ تجارية متجذرة، فالدولتان عالمياً وإقليمياً مصنفتان ضمن “الدول المارقة”.
وبالعودة إلى تلك العلاقة، يمكن القول إن الخرطوم تضررت منها تماماً، إذ قاد ذلك التقارب إلى قطع علاقات السودان بعدد من دول الخليج بما في ذلك السعودية، صاحبة الاستثمارات والتعاون الاقتصادي الأكبر في البلاد مقارنة مع إيران التي في الأصل لا يقوم اقتصادها على الفوائض باعتباره، كما الاقتصاد السوداني محاصر، الأمر الذي يصعّب عليها الاستثمار في الخرطوم اقتصادياً.
كما تعرض أكبر مصانع الخرطوم الحربية لقصف إسرائيلي في عام 2012 بسبب إيران؛ إذ برر الاحتلال وقتها الخطوة باحتواء المصنع على أسلحة إيرانية كان يخطط لها أن تذهب إلى قطاع غزة. ويُضاف إلى ذلك عدد من عمليات القصف التي تكررت في شرق البلاد وتبنتها إسرائيل.
وربما قادت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها الخرطوم في ظل أزمة العملات الصعبة، وتدهور الجنيه السوداني مقابل الدولار ووصوله إلى أدنى مستوياته، وتسجيل معدلات التضخم لأعلى نسبة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي ببلوغه 46.5 في المائة، الحكومة السودانية للإعلان أول من أمس عن طرد الملحق الثقافي الإيراني وإغلاق المركز الثقافي الإيراني وإمهال الملحق وطاقم المركز العامل 72 ساعة لمغادرة البلاد، مبررةً الخطوة بتجاوز المركز للتفويض الممنوح له. وأكدت الخارجية السودانية في بيان صحافي أنها استدعت القائم بالأعمال بالإنابة لسفارة إيران وأبلغته القرار.
ورغم تلك التبريرات إلا أن القرار صدر بعد شد وجذب وصراعات قوية داخل الحكومة نفسها، بين رافض ومؤيد للتقارب مع إيران وتأثير ذلك على العلاقات مع دول مثل مصر والإمارات والسعودية.
واحتدم الجدل عقب الإجراءات العقابية الصارمة التي اتخذتها الرياض في مواجهة الخرطوم، ووقف كافة التعاملات المصرفية معها، فضلاً عن التضييق على عملية الاستيراد، ومحاولتها فرض سياج اقتصادي ضاغط على الخرطوم، ولا سيما بعدما فشلت كافة محاولاتها في الحد من العلاقات الإيرانية السودانية التي أصبحت مصدر قلق بالنسبة لها، وخصوصاً أن الرياض تخشى من التمدد الشيعي في السودان.
ويوجد داخل مؤسسات الحكومة تيار داعم لبناء علاقات قوية مع دول الخليج، وتحديداً السعودية وإن قاد ذلك إلى قطع العلاقات مع إيران، ولا سيما أن المقارنة بين حجم الاستثمارات والتبادل التجاري الخليجي والإيراني تكاد تكون معدومة تماماً، رغم الاتفاقيات التي وقعها البلدان والمتعلقة بالتبادل المصرفي ومنع الازدواج الضريبي، وأخرى خاصة بالزراعة والنفط فضلا عن مشروع “إيران غاز” ومشروعات التعاون البحري والملاحة. لكن العلاقات التجارية بين البلدين لا تتناسب مع مستوى العلاقات السياسية والعسكرية.
والخطوة الأخيرة للحكومة يمكن أن تقود إلى تأزم العلاقات مع طهران، ولا سيما أن القرار يحدّ من محاولاتها في تمدد المذهب الشيعي في السودان وأفريقيا.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخرطوم، محمد نوري الأمين أن الوضع الاقتصادي القاسي ونضوب رصيد البلاد من العملات الصعبة، فضلاً عن استمرار الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان، وتهديدها النفط الجنوبي الذي تستفيد الخرطوم من عبوره في أراضيها، جميعها عوامل قادتها لاتخاذ موقف متشدد من إيران. ويوضح أن الخطوة السودانية الأخيرة جاءت لتؤكد من خلالها الخرطوم “قدرتها على تبني موقف حاسم في المشهد السياسي السوداني، وأنها غير مرتبطة بإيران وهي رسالة قوية تعمد إرسالها إلى السعودية ودول الخليج ومن خلفهم الولايات المتحدة والغرب اللذين يتخوفان من تلك العلاقة”.
كما يلفت إلى أن تلك الخطوة تأتي لمصلحة السودان، وستشكل أرضية لمخاطبة تلك الدول لإعادة العلاقات معها. ويضيف “في المقارنة بين أهمية العلاقات الإيرانية والخليجية للسودان، نجد أن الأخيرة الأهم والمؤثرة اقتصادياً. ويشير إلى أنه “إذا كانت طهران تؤثر في اقتصاد الخرطوم لما وصل اقتصادها لما وصل إليه الآن”.
ولاقى قرار الحكومة السودانية ترحيباً في الأوساط السودانية، إذ سارعت الطوائف المناوئة للمد الشيعي في إصدار بيان يبارك خطوة الحكومة، ويعتبرها جاءت في الاتجاه الصحيح. واعتبر بيان صادر عن أنصار السنة ورابطة الصوفية أن من شأن الخطوة تحسين علاقات السودان مع دول الخليج، واعتبرها اجتثاثاً للمد الشيعي في البلاد، وطالب الحكومة بإغلاق الحسينيات والمدارس الشيعية.
وشهدت الفترة الماضية توترات بين الشيعة والطوائف الدينية الأخرى. وتصدرت قضية المد الشيعي خطب المساجد التي حذّرت من الخطوة.
وهذا ما قاد مراقبين للنظر إلى قرار الحكومة بأنه يأتي ضمن استعداد النظام في الخرطوم للانتخابات التي ستنطلق في أبريل/نيسان المقبل، ومحاولاته لسد أي ثغرة قد تتسبب في تراجع مؤيديه الذين فقد جلّهم في “تظاهرات سبتمبر” عندما واجهها بالعنف المفرط، الأمر الذي أسقط مئات القتلى والجرحى بالرصاص الحي.
المصدر: العربي الجديد