في بلد مثل مصر، حيث تتعرض حقوق الإنسان الأساسية لمضايقات شديدة، يمكن لأزمة صحية عامة أن تفضي إلى كثير من العواقب ذات الصلة بهذه الحقوق. ومن أكثر هذه العواقب إلحاحا الأثر المترتب على المجموعات الضعيفة، مثل أولئك الذين يقبعون داخل سجون مغلقة ومزدحمة بكثافة.
معروف عن السجون المصرية أنها مزدحمة وقذرة وغير صحية، وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قال خبراء الأمم المتحدة إن أوضاع الاعتقال السيئة في مصر “يمكن أن تهدد صحة وحياة آلاف السجناء وتعرضها لمخاطر شديدة”. كان ذلك قبل شهور من انتشار فيروس كورونا المعدي، أو ما بات يعرف باسم كوفيد-19، وهو الوباء الذي قد يكون مدمراً للغاية.
العيش في عذاب
من ضمن الإجراءات الملحة التي أوصت بها منظمة هيومان رايتس واتش، حيث أعمل، هو أن تقوم الحكومات في البلدان المصابة بالإفراج المشروط عن السجناء المعتقلين ظلماً. ويمكن لهذا أن يتم في مصر بسهولة، بدءاً بآلاف الأشخاص الذين سجنوا ليس لجناية ارتكبوها وإنما لأنهم راحوا يمارسون حقوقهم بطريقة سلمية.
ولكن بدلاً من ذلك، أعلنت الحكومة في العاشر من مارس/ آذار عن وقف الزيارات العائلية وزيارات المحامين إلى السجون، ومما زاد الطين بلة أن مصر شهدت يوم الخميس أحوالا جوية نادرة في شدتها- غرقت الشوارع بالمياه وانقطعت الكهرباء في العديد من الأحياء وتلفت أسطح المنازل وسجل سقوط عدد من الوفيات.
بلغت العائلات التي تتواصل بشكل غير رسمي مع أفرادها المسجونين عن أن بعض السجون في القاهرة شهدت تسربا في المياه وانقطاعاً في الكهرباء. تعيش هذه العائلات في عذاب وحُق لها أن تقلق، فحينما أرادوا إرسال صابون ومواد تعقيم لأقاربهم المسجونين رفضت ذلك إدارة السجن.
تتعامل الحكومة مع أمور السجن بسرية بالغة، ولم يسبق أن نشرت أرقاماً حول تعداد المساجين أو حول سعة السجون، ناهيك عن نشر إحصاءات أكثر تفصيلاً مثل السن والجنس والتعليم والعدد وأسباب الوفاة أثناء الحجز، وما إلى ذلك.
يعلم الذين يتابعون أخبار مصر أن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي قمعت معارضيها بشدة وألقت القبض على عشرات الآلاف من الناس، كثيرون منهم من منتقدي النظام بما في ذلك الكتاب والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والمدونون والمتظاهرون السلميون. لقد سجن الآلاف بدون محاكمات، وباتوا ضحية نظام مصري يسيء إلى الموقوفين قبل المحاكمة.
أوضاع غير إنسانية
وهناك الكثيرون ممن يحتجزون داخل مراكز الشرطة ومديريات الأمن ومواقع الاعتقال غير الرسمية مثل مواقع تدريب قوات الأمن. ولقد ورد في تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في شهر مايو/ آيار 2015 أن مراكز الشرطة كانت 300 بالمائة فوق قدرتها الاستيعابية وأن السجون كانت 160 بالمائة فوق قدرتها الاستيعابية.
يقول المساجين المصريون إن الحراس يعاقبونهم بمصادرة مستلزمات النظافة الخاصة بهم مثل الصابون وفراشي الأسنان ومعجون الأسنان وورق الحمام. ويقولون إن المراحيض قذرة وإن المساجين في بعض الأوقات يضطرون لاستخدام المياه في الجرادل بسبب انعدام المياه في الصنابير، أما التهوية وأشعة الشمس فهما من النوادر.
إذا كانت هناك من نصيحة يقدمها سجين في مصر لسجين جديد فلربما كانت على النحو الآتي: “لا تمرض”. فالأصل في الأمور هو نقص العناية الطبية وهذا يهدد حياة الآلاف من المساجين المرضى. ولقد بينت تقارير سابقة لمنظمة هيومان رايتس واتش أن المسؤولين في السجون باتوا في السنوات الأخيرة يتركون كثيراً من المساجين يلاقون حتفهم رغم أن ما يعانونه من أمراض يمكن مداواته مثل مرض السكري وأمراض القلب.
حتى أولئك الذين كانوا يعانون من أمراض عضال، مثل الالتهاب الكبدي المتقدم أو بعض أنواع السرطانات المميتة، حرموا من الإفراج ومن إمكانية قضاء آخر أيام حياتهم في أحضان ذويهم.
إذا كانت تلك هي الحياة اليومية داخل السجون المصرية فإن هذه المنظومة غير مستعدة بكل تأكيد لمواجهة وباء مثل فيروس كورونا.
بعيدا عن سمع وبصر العالم
ينبغي على الرئيس السيسي أن يأمر في الحال بإطلاق سراح آلاف الأشخاص الذين اعتقلوا لمجرد ممارسة حقوقهم بشكل سلمي.
لقد بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى وضع حد للاستخدام المفرط للاعتقال ما قبل المحاكمة ويتوجب إطلاق سراح أولئك الذين اعتقلوا لشهور، أو حتى لسنين، دون إجراءات قضائية. ينبغي باستمرار أن يكون الاعتقال ما قبل المحاكمة إجراء استثنائياً وليس القاعدة، ويتوجب أن يمثل كل شخص معتقل أمام قاض ليحكم في مدى قانونية وضرورة بقائه معتقلاً وذلك خلال يومين من اعتقاله.
مثل هذه الخطوات من شأنها أن تضع عن منظومة السجون العبء الذي يثقل كاهلها وتخفف من آلام آلاف العائلات. ويمكن للحكومة أن تنظر في اللجوء إلى إجراء إضافي يتمثل في تفعيل القوانين الحالية التي تسمح بالإفراج عن المساجين الذين قضوا معظم فترة حكمهم وعن المساجين الذين يعانون من أمراض خطيرة.
توجد السجون في مصر في منأى عن سمع وبصر العالم الخارجي، وكثيراً ما تلجأ السلطات إلى حرمان المساجين من الزيارات العائلية وقد يمتد الحظر لشهور في كل مرة، ويندر أن يسمح للمساجين، هذا لو حصل، بأن يكتبوا أو يتلقوا خطابات أو يجروا مكالمات هاتفية.
جاء وباء فيروس كورونا ليذكر تارة أخرى بأنه آن الأوان لأن تفتح الحكومة السجون أمام المنظمات المحلية والدولية المستقلة لتتفقد أوضاع المساجين والظروف التي يعيشون فيها، ومن هذه المنظمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولا تغني عن ذلك الزيارات الهزلية التي تعد خصيصاً مثل تلك التي رتبتها الحكومة مؤخراً وأظهرت المساجين وهم يستمتعون بأكل المشاوي.
المصدر: ميدل أيست آي