في ظل تنامي عزلته الدولية وتراجع قواته في الميدان، وجه اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بوصلته نحو قرينه في سوريا بشار الأسد عله يحظى ببعض الدعم العسكري، فهو خبير بأمور المرتزقة.
تطورات العلاقات بين الطرفين الفاقدين لأي شرعية دولية وشعبية، تأكّدَ في الفترة الأخيرة بتسليم نظام الأسد سفارة ليبيا بدمشق لحفتر، وإرساله أيضًا مرتزقة لدعم قوات اللواء المتقاعد في حربها ضد حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا، فما الدوافع وراء هذه التطورات؟
تطبيع العلاقات
بداية هذا الشهر، أجرى وفد من الحكومة الليبية الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا (غير المعترف بها من المجتمع الدولي) برئاسة وزير خارجيتها عبد الهادي الحويج، مباحثات مع مسؤولين في نظام بشار الأسد بالعاصمة السورية دمشق.
بعدها بيومين، أي في الـ3 من شهر مارس/شباط الحاليّ، سلمت حكومة النظام السوري سفارة دولة ليبيا للحكومة الموازية في شرق ليبيا لتشرف عليها، رغم أن البعثات الدبلوماسية الليبية (سفارات وقنصليات) عادة ما تكون مرتبطة بحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج.
وحسب وكالة النظام السوري (سانا)، تم تسليم السفارة الليبية إلى الحكومة المؤقتة التابعة لحفتر، بعد أن وقع الطرفان في العاصمة دمشق مذكرة تفاهم لإعادة افتتاح السفارات في كلا البلدين، ومع توقيع المذكرة أصبح النظام السوري أول من يعترف بحكومة حفتر غير الشرعية في ليبيا.
يسعى حفتر، من خلال جلب مزيد من المرتزقة، إلى دعم قواته، خاصة في ظل تقلص الدعم الأجنبي له
يعد تسليم النظام السوري سفارة ليبيا المغلقة منذ عام 2012 إلى الحكومة المؤقتة الموالية لحفتر، تعديًا على القانون الدولي ومقررات مجلس الأمن، ذلك أن حكومة الوفاق الليبية في طرابلس، برئاسة فائز السراج، تعد الحكومة الممثلة لليبيا والمعترف بها دوليًا.
ويفهم من إعادة فتح السفارة الليبية في العاصمة السورية دمشق وتسليمها إلى الحكومة الموازية والموالية لخليفة حفتر، في هذا التوقيت بالذات، سعي حفتر وجماعته لكسب شرعية من نظام لا يمتلك شرعية لا شعبية ولا دولية، ولا يمثل وجوده إلا استثناءً فرضته الاحتلالات المتعددة التي استجلبها إلى بلاده لمساعدته في قمع الثورة الشعبية العاصفة التي قامت ضد حكمه، فيما يظهر أن كل من حفتر والأسد يحتاج أحدهما للآخر لكسر عزلتهما.
إرسال مرتزقة
تنسيق الطرفين، لم يقتصر على فتح السفارة الليبية في دمشق، وإنما وصل أيضًا إلى إرسال النظام السوري مرتزقة للقتال إلى جانب قوات حفتر المنهكة جراء الضربات التي تلقتها مؤخرًا من قوات حكومة الوفاق الوطني الشرعية.
في هذا الشأن، قالت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني الليبية، إن عددًا من الرحلات الجوية وصلت إلى مدينة بنغازي قادمة من سوريا، وعلى متنها عدد من المقاتلين وخبراء لدعم قوات خليفة حفتر، ولفتت الوزارة إلى أن الخبراء تربطهم صلات بشركة فاغنر الروسية للمرتزقة.
وأفادت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني المعترَف بها دوليًا في بيان نشرته على فيسبوك، بأن “الخبراء تربطهم صلات بشركة فاغنر الروسية (تضم مرتزقة)، وعناصر حزب الله (اللبناني) الإرهابي، والحرس الثوري الإيراني”.
وأوضح البيان أن “شركة أجنحة الشام (خاصة يملكها أقارب لرئيس النظام السوري بشار الأسد)، فتحت مكتبًا لها في بنغازي لإقامة نشاطات تجارية مشبوهة تحت غطاء هذا الخط الجوي الذي يمكن أن يسبب كارثة صحية، كون الواصلين عبره قادمين من مناطق موبوءة بفيروس كورونا، واختلطوا بالإيرانيين الذين يتحكمون فعليًا بدمشق”.
أشارت الوزارة إلى أنه سبق لها توضيح أن ما يُعرف بـ”هيئة الاستثمار العسكري” (تابعة لحفتر) تسيِر رحلات جوية بين دمشق وبنغازي، عبر شركة مدرجة على لوائح عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية تسمى “أجنحة الشام”.
ولفتت إلى أن “هيئة الاستثمار العسكري” تمنح أشخاصًا سوريين تأشيرات دخول للأراضي الليبية دون موافقة الجهة المختصة، وهي مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب في طرابلس (مقر حكومة الوفاق).
قبل ذلك، ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية، أن مرتزقة تابعين للنظام السوري، وصلوا مؤخرًا إلى ليبيا، من أجل الالتحاق بصفوف ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وقالت الصحيفة، نقلًا عن مصادر عسكرية، إن حفتر تحالف مع نظام الأسد، ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليًا.
وأفادت لوموند الفرنسية، أن نظام الأسد وحفتر اتحدا ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية، وشددت على أن العلاقات بين الجانبين شهدت تقاربًا منذ 2018، ولم تذكر الصحيفة مزيدًا من التفاصيل بشأن عدد المرتزقة الذين قدموا إلى البلاد ومتى حصل ذلك.
فضلًا عن ذلك، أفاد موقع “صوت دمشق” (موقع سوري قريب من المعارضة) في منتصف فبراير/شباط، أن أفرادًا عسكريين روسًا يسعون إلى تجنيد سوريين من الغوطة بضاحية دمشق، للقتال في صفوف الموالين لحفتر في ليبيا، في الوقت نفسه، أفاد موقع آخر، هو “سُويداء-24″، عن حملة مماثلة في منطقة السُويداء، معقل الطائفة الدرزية السورية، ويتم إغراؤهم برواتب تتراوح بين 800 و1500 دولار (1350 يورو).
يسعى الطرفان من خلال هذا التقارب الأخير إلى إثبات وجودهما، ذلك أن التعاون بينهما وإن كان ضد مصلحة الشعوب، فهو يصب في مصلحة استمرار وجودهما
هؤلاء المرتزقة، تم إرسالهم لدعم قوات حفتر في حربها ضد حكومة الوفاق الوطني، ومنذ 4 من أبريل/نيسان الماضي، بدأ حفتر حملة عسكرية تستهدف العاصمة طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلاً عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة، وقال حينها إن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة إلا أنه فشل في ذلك، حيث لم يتمكن إلى الآن من إحراز أي تقدم يذكر.
ويسعى حفتر، من خلال جلب مزيد من المرتزقة إلى دعم قواته، خاصة في ظل تقلص الدعم الأجنبي له، فالدعم العسكري الذي كانت فرنسا ومصر والإمارات يعدونه به لم يجده، ما سهل انهيار قواته بسرعة دون أن تحقق المطلوب.
عداء تركيا
هذه التطورات الأخيرة الحاصلة في العلاقات بين النظام السوري المتهم بقتل شعبه وتدمير البلاد واللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب، يسعى الطرفان من خلالها إلى الوقوف في وجه الدور التركي في ساحتي البلدين، في ضوء تبادل زيارات سابقة علنية وسرية بينهما، وتقتضي سياسة المحور التعاون بين الطرفين من أجل بلورة نواة ضد تركيا بين حفتر ونظام بشار الأسد، خاصة في ظل تقاطع المصالح بينهما.
سبق أن أكدت تركيا أنها تقدم كل أنواع الدعم لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا وفق الاتفاقيات المبرمة معها، لحماية ليبيا في ظل الهجمة العسكرية التي يشنها حفتر ضد العاصمة طرابلس، وتعمل أنقرة على حماية ليبيا من خطر التقسيم و”العسكرة” الذي يسعى له حفتر بمساعدة دول عربية وغربية.
فضلًا عن ذلك، تحارب تركيا إلى جانب قوات المعارضة السورية، وكانت أنقرة قد أعلنت بداية هذا الشهر إطلاق عملية “درع الربيع” العسكرية في إدلب ضد جيش بشار الأسد لإجباره على الانسحاب خلف نقاط المراقبة التي تقيمها هناك.
إثبات وجود
إلى جانب ذلك، يسعى الطرفان من خلال هذا التقارب الأخير إلى إثبات وجودهما، ذلك أن التعاون بينهما وإن كان ضد مصلحة الشعوب، فهو يصب في مصلحة استمرار وجودهما، وهو ما يسعى إليه كل من حفتر والأسد في ظل حالة العزلة الدولية الممارسة ضدهما.
ويعتبر الجامع المشترك بين حفتر والأسد هو فقدان الشرعية، فحفتر من يوم رجوعه من منفاه في الولايات المتحدة إلى ليبيا لا يمتلك أي شرعية، فيما فقد بشار الأسد شرعيته في نظر المجتمع الدولي وشعبه بفعل البطش الوحشي والمدمر الذي واجه به المظاهرات المناهضة له.
وتسعى العديد من الدول الإقليمية المعروفة بعدائها للثورات العربية، على رأسها الإمارات، إلى التقريب بين الأسد وحفتر، حتى يتمكنوا من تنفيذ أجنداتهم في المنطقة العربية والقضاء على الثورات وآمال الشعوب في التحرر من الديكتاتورية.