يعيش العالم هذه الفترة أحلك الظروف في ظلّ تواصل انتشار فيروس كورونا المستجدة بصفة تجاوزت التوقعات في العديد من الدول، حتى أن بعضها تجاوز الصين بؤرة انتشار “كورونا”. فيروس جديد أصاب اقتصادات الدول بالركود، وتسبّب في اتخاذ العديد من الحكومات قرارات بالتقوقع والانعزال عن محيطهم.
أرقام قياسية
وفق إحصائية أعدتها نون بوست استنادا إلى مصادر رسمية، سُجلت إلى حدود الساعة الساعة 12 من ظهر الجمعة بالتوقيت العالمي 252 ألف و817 إصابة في 181 دولة وإقليم حول العالم وسفينة واحدة (دايموند برنسيس في اليابان)، منذ بدء تفشي الوباء نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
سجلت إيطاليا حصيلة وفيات جراء فيروس كورونا أكبر من أي دولة أخرى؛ إذ بلغ إجمالي الوفيات 3405 حالات، وهو أكثر مما سُجلته الصين التي انطلق منها الوباء، حيث بلغت الوفيات هناك صباح الجمعة 3248.
وسجّلت إيطاليا الخميس 427 حالة وفاة جديدة، فيما بلغ عدد الإصابات فيها 41 ألف و35 إصابة، وكانت إيطاليا قد أبلغت عن أول حالتي وفاة لديها في 22 فبراير/شباط الماضي. ومنذ أسبوع، كانت إيطاليا قد سجلت 1016 حالة وفاة، ومن ثم فإن عدد الوفيات على أراضيها ازداد منذ ذلك الوقت ثلاث أضعاف.
ولا تزال لومبادريا، المنطقة التي تضمّ ميلانو العاصمة الاقتصادية في البلاد، هي المنطقة الإيطالية الأكثر تأثرا بالفيروس مع تسجيل قرابة 20 ألف حالة و2168 وفاة فيها. وتأتي بعدها ايميليا-رومانيا (منطقة بولونيا، 5214 إصابة و531 وفاة) وفينيتو (منطقة البندقية، 3484 إصابة و11 وفاة).
انتشار هذا الفيروس على نطاق عالمي، أجبر دولا عديدة على إغلاق حدودها، وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وإلغاء فعاليات ثقافية ورياضية وترفيهية عدة
بدورها، أعلنت مفوضية الصحة في الصين، الجمعة، تسجيل 39 حالة إصابة جديدة مؤكّدة بفيروس كورونا المستجد، وذلك بعد أن مضى الخميس دون إصابات جديدة منذ بداية تفشي الوباء بالبلاد في ديسمبر الماضي.
بذلك ارتفع عدد الإصابات المؤكّدة في البلاد، إلى 80 ألفاً و967 حالة، فيما لم تسجل مدينة ووهان؛ مركز تفشي الوباء أيّ إصابات جديدة لليوم الثاني على التوالي. وسجلت الصين، الخميس، وفاة 3 حالات من بين المصابين بالفيروس؛ ما يرفع إجمالي الوفيات في البلاد إلى 3 آلاف و248 حالة.
أما في إسبانيا، فقد أودى فيروس كورونا المستجد بحياة 1002 شخص، بعد أن سجّلت البلاد وفاة 171 شخصا الخميس، فيما تخطت حصيلة الإصابات 19 ألفا و980، بحسب الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة الخميس، فيما حذر وزير الصحة من أيام صعبة مقبلة.
وفي إيران -البؤرة الكبرى لفيروس كورونا في الشرق الأوسط- استقرّ عدد الوفيات جراء الوباء، إلى حدّ كتابة منتصف يوم الجمعة، في 1284، كما استقرّ عدد المصابين في 18407. وكان مسؤول العلاقات العامة في وزارة الصحة الإيرانية كيانوش جهانبور قد أفاد -في تصريح للتلفزيون الرسمي الإيراني- بأن شخصا واحدا يموت كل عشر دقائق في البلاد بسبب الفيروس.
تجاوز إيطاليا الصين في عدد الوفيات
أما عربيا، فقد سجلت أعداد المصابين بفيروس كورونا زيادة جديدة، كانت أبرزها في البحرين، والأراضي الفلسطينية، والكويت، ولبنان، والمغرب وتونس والجزائر. وقد سجّلت البحرين 5 إصابات جديدة بفيروس كورونا، ليصل إجمالي عدد المصابين في البلاد إلى 284 حالة، بينها حالة وفاة واحدة، بحسب وكالة الأنباء الرسمية.
وسجّلت تونس 15 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجدّ بعد صدور نتائج 79 تحليلا مخبريّا أسفرت عن 15 نتيجة إيجابيّة ليصبح العدد الجملي للمصابين بهذا الفيروس 54 حالة مؤكدة (36 حالة مستوردة، 18 حالة محلية)، بينهم 4 حالت في حالة خطرة.
ارتفع عدد الإصابات بفيروس كورونا في المغرب إلى 66، بعد تسجيل 3 إصابات جديدة يوم الجمعة، فيما تم تسجيل حالة وفاة جديدة لتبلغ عدد الحالات الوفاة الناتجة عن هذا الفيروس 3. وأُصيب معظم المرضى بالعدوى في الخارج، لكن السلطات بدأت تكتشف حالات إصابة محلية في مدن مغربية.
العالم يتقوقع
انتشار هذا الفيروس على نطاق عالمي، أجبر دولا عديدة على إغلاق حدودها، وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وإلغاء فعاليات ثقافية ورياضية وترفيهية عدة، ومنع التجمعات، بما فيها صلوات الجمعة والجماعة، وتعليق الدراسة، وعزل المواطنين.
وعززت دول عدّة في الأيام الأخيرة إجراءات التصدي لانتشار الوباء، حيث باتت العديد منها في عزلة تام، نتيجة غلق حدودها وتم تعليق كل الرحلات الدولية، مثلما حصل في دول الإتحاد الأوروبي وأغلب الدول العربية.
وأغلقت دول أوروبية عدة حدودها، ويغلق الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الثلاثاء حدوده الخارجية كاملة، 30 يوماً، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قد اقترحت إغلاق حدود منطقة شنغن في وقت سابق قائلة، إن “هذا الإجراء ضروري لاحتواء انتشار فيروس كورونا”.
كما أغلقت الولايات المتحدة حدودها تجنباً لانتشار كورونا، وقرّرت إيقاف دخول الأوروبيين اعتباراً من الأربعاء لـ 30 يوماً، فيما قرر الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز من جهته الأحد، إغلاق حدود بلاده، نفس الأمر في كولومبيا وأوروغواي. وفي كندا، أعلن رئيس الوزراء جاستين تورودو إغلاق الحدود أمام الأجانب باستثناء الأمريكيين.
من جانبها، قررت دول إفريقية عدّة إغلاق حدودها وتعليق رحلاتها، منها كينيا وجنوب إفريقيا، وغانا التي أعلنت منع دخول كل من زار بلداً سجل أكثر 200 إصابة بكورونا إلى أراضيها، وتونس، التي أعلنت السلطات فيها، إغلاق الحدود الجوية والبرية للبلاد، بعد أن أغلقت قبل أيام الحدود البحرية.
خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخرا توقعاتها لنمو 2020 إلى النصف من 2.9% إلى 1.5%
من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية المغربية حالة طوارئ صحية، وفرضت قيودا على الحركة في جميع أنحاء البلاد اعتبارا من الساعة السادسة من مساء اليوم الجمعة (بالتوقيت المحلي) لمنع انتشار فيروس كورونا. وقالت الوزارة إن “الطوارئ الصحية لا تعني وقف الاقتصاد”، مشيرة إلى أنه سيُسمح باستمرار العمل في البنوك ومحطات التزود بالوقود والقطاعات المهمة الأخرى.
وسيكون التنقل مقصورا على الأشخاص “الضروري تواجدهم بمقرات العمل، شريطة أن يتم تسليمهم شهادة من طرف رؤسائهم في العمل”، أو بغية “اقتناء المشتريات الضرورية للمعيشة اليومية في محيط مقر سكن المعني بالأمر أو تلقي العلاجات الضرورية أو اقتناء الأدوية”، وفق بيان أصدرته الوزارة.
من جهتها، أوقفت الجزائر كل الرحلات الجوية مع العالم، وعاد مئات الأشخاص أمس الخميس بحرا من فرنسا وسيوضعون مباشرة في الحجر الصحي. كما اتخذت السلطات الجزائرية تدابير جديدة لوقف انتشار الوباء، من بينها إغلاق المقاهي والمطاعم في المدن الكبرى، ووقف جميع وسائل النقل الجماعي العمومية والخاصة داخل المدن وبين الولايات، وكذلك حركة القطارات.
وفي مصر، تم ظهر الخميس تعليق الرحلات حتى نهاية الشهر الجاري، باستثناء الرحلات المغادرة التي يحتاجها السياح الأجانب للعودة إلى بلدانهم، كما قالت السلطات إنها ستغلق كل المقاهي والمراكز التجارية والأندية الرياضية والنوادي الليلية لتعزيز الإجراءات الرامية إلى احتواء تفشي الفيروس.
إلى جانب ذلك، علقت السلطات السعودية الخميس التواجد والصلاة في ساحات الحرمين الشريفين، خاصة يوم الجمعة، للحد من انتشار فيروس كورونا. وكانت المملكة أعلنت الثلاثاء الماضي وقف الصلاة داخل المساجد، لكنها آنذاك استثنت الحرمين المكي والمدني.
ركود اقتصادي
انتشار هذا الفيروس، من شأنه تكبيد العالم خسائر اقتصادية كبرى. في هذا الشأن قال تقرير بصحيفة نيويورك تايمز إن الفيروس كورونا سيهدد بإحداث عدوى مالية في اقتصاد عالمي يعاني من نقاط ضعف مختلفة تماما عمّا كان يعانيه العالم قبيل الأزمة المالية 2008، حيث أضحى العالم مثقلا بالديون بشكل كبير أكثر مما كان عليه الحال حين اندلعت الأزمة المالية الأخيرة.
وأفاد التقرير بأنه في الوقت الذي تتعامل فيه الشركات مع احتمال حدوث توقف مفاجئ لتدفقاتها النقدية، سيكون جيل جديد نسبيا من الشركات التي تكافح لسداد القروض المتخلدة بذمتها أشد تأثرا بهذه الأزمة، على غرار شركات “الزومبي” (شركات تعيش على الديون) العاجزة حتى عن دفع أقساط الفائدة على ديونها، فضلا عن التداعيات الخطيرة للمطارات المهجورة والقطارات الفارغة والمطاعم شبه الفارغة على النشاط الاقتصادي.
وأكد الكاتب أنه كلما طالت مدة جائحة كورونا، زاد احتمال حدوث أزمة مالية، ولا سيما في ظل تخلّف شركات “الزومبي” عن سداد ديونها مثلما حدث خلال أزمة الرهن العقاري الخطيرة التي ظهرت عام 2008.
خسائر اقتصادية كبرى نتيجة “كورونا”
بدورها، قالت صحيفة “foreign affairs” إن الاقتصاد العالمي دخل في حالة من الركود الشديد، وأن الانكماش سيكون مفاجئاً وحاداً بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، متوفعة أن تكون الآثار مؤثرة لعقود قادمة.
وخفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخرا توقعاتها لنمو 2020 إلى النصف من 2.9% إلى 1.5%، وأشار صندوق النقد الدولي إلى أنه سيصدر تعديلاً كبيرًا قريبًا. وذكرت الصحيفة أنه قبل الوباء، كانت العديد من الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا واليابان، غير مجهزة بالفعل للتعامل مع حتى الصدمات الخارجية الصغيرة.
كما أكّد تقرير لوكالة بلومبيرغ أن تفشي فيروس كورونا كبد شركات الطيران في الصين وبقية آسيا مليارات الدولارات حتى أواخر فبراير/شباط، قبل أن تتوسع الخسائر لتشمل عددًا من أكبر شركات الطيران الأميركية والأوروبية.
وأضاف التقرير أن جميع شركات الطيران تعاني من معضلة إلغاء الحجوزات بسبب الفيروس، بدءا من شركة “كانتاس” و”كاثي باسيفيك” في آسيا، وصولا إلى “لوفتهانزا” الألمانية والخطوط الجوية الفرنسية “كي أل أم”، وحتى الخطوط الجوية المتحدة والخطوط الجوية الأميركية في الولايات المتحدة.