ترجمة وتحرير نون بوست
عندما دخل فريقٌ من عمال الإغاثة إلى مخيم أطمة للاجئين في شمال سوريا مرتديين أزياء زرقاء وأقنعة الوجه، كان لدى السكان سؤالٌ واحد: هل وصل إلينا فيروس كورونا أخيرًا؟ راقب السكان برعبٍ عمال الإغاثة وهم يحملون علبًا مليئةً برذاذ مضادٍ للبكتيريا على ظهورهم، ويتنقلون من خيمة إلى أخرى يرشون الرذاذ في الهواء، على أمل تطهير الأسطح التي يمكن أن تحمل فيروس كوفيد-19.
في هذا الصدد، قال إبراهيم رحال، وهو أب لسبعة أطفال فرّ من منزله بسبب الحرب في سوريا: “شعر الناس بالرعب عندما ظهر فريق التعقيم من العدم. يخشى الكثيرون من اجتياح فيروس كورونا للمخيمات وقد أصبحوا الآن خائفين أكثر من أي وقت مضى، خاصةً أن العديد من الدول تتخذ إجراءاتٍ وقائية”. ولكن مع عزل البلدان الأخرى نفسها ذاتيًا، يخشى عمال الإغاثة من أن الوقت ينفد بالنسبة للاجئين على غرار رحال.
في الأسبوع الماضي، صنّفت منظمة الصحة العالمية رسميًا فيروس كوفيد-19 على أنه جائحة، وهو وباء انتشر في جميع أنحاء العالم مما دفع البلدان إلى تكثيف تدابير الصحة العامة الخاصة بها. من جهته، صرّح آدم كوتس، أخصائي الصحة العالمية في جامعة كامبريدج، لموقع “ميدل إيست آي” بأن اللاجئين، سواء في سوريا أو في أي مكان آخر يعتبرون “مجموعةً ضعيفةً للغاية” – ليس فقط في مواجهة فيروس كوفيد-19، وإنما أيضًا في مواجهة أمراض أخرى.
القاتل الصامت
أفاد كوتس بأن “منظمة الصحة العالمية قد صرّحت بأنه يتعيّن على جميع الدول الاستعداد لمواجهة فيروس كورونا، إلا أنه لم يتم إيلاء اهتمام كبير للاجئين المنتشرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا”. وأضاف كوتس “لقد مات المزيد من الناس في المنطقة (الشرق الأوسط) بسبب عدم الحصول على رعاية صحيةٍ جيدة، التي تعدّ بمثابة قاتلٍ صامت بطيء نادرًا ما يحظى بالاهتمام”.
لن يكن كوتس الوحيد الذي وجّه تحذيرًا. فقد أكدت ورقة إحاطة مقدمة إلى العديد من وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك منظمة الهجرة الدولية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، المخاوف من أن اللاجئين غالبًا ما “يُهمَلون” ويواجهون “صعوبات في الوصول إلى الخدمات الصحية”.
في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أثارت حالة مؤكدة من فيروس كورونا الجديد في جزيرة ليسبوس اليونانية مخاوف من تفشي الوباء في مخيمات اللاجئين هناك. لكن مستوطناتٍ على غرار مخيم موريا للاجئين في ليسبوس، المصممة لإيواء 3100 شخص فقط، يبلغ عدد المقيمين فيها حاليًا أكثر من 20 ألف شخص من رجال ونساء وأطفال. وقد حذرت هيلد فوشتن، المنسقة الطبية في منظمة “أطباء بلا حدود” في اليونان، من أن “الأشخاص في مخيمات مثل موريا وفاثي (في اليونان) لا يملكون ما يكفي من الماء لغسل أيديهم بانتظام، ولا حتى الرفاهية لعزل أنفسهم”.
في المناطق التي أُعلن فيها عن حالات مؤكدة من الإصابة بفيروس كوفيد-19، يتعيّن على الناس اتباع تدابير الوقاية اليومية على غرار غسل اليدين باستمرار أو البقاء في المنزل في غرفة مخصصة عند المرض – وهي تدابير يستحيل تطبيقها في ظل هذا الوضع”. فضلا عن ذلك، صرّحت فوشتن لموقع “ميدل إيست آي” بأن العائلات المكونة من خمسة أو ستة أفراد تنام في خيام يبلغ عرضها حوالي ثلاثة أمتار مربعة، إلى جانب أن أجزاء من مخيم موريا لا تملك سوى صنبور مياهٍ واحد فقط مخصصٍ لـ 1300 شخص. كما حذّرت من أن النظام الصحي المحلي لن يكون قادرًا على التعامل مع تفشي المرض في مخيمات اللاجئين بسبب العدد الهائل للاجئين في مخيم موريا وفاثي على حد سواء.
ظروف صحية سيئة
لا يختلف الوضع في ليسبوس عن الأجزاء الأخرى من الشرق الأوسط، حيث يستمر الناس في النزوح بسبب النزاع. ففي شمال غرب سوريا، نزح ما يقرب نصف مليون شخص منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، حيث تواصل القوات الحكومية الموالية لسوريا قصف الهياكل الأساسية المدنية. تنتشر العائلات في أنحاء محافظة إدلب حيث يواصلون الهرب مرتدين ملابسهم فقط، على أمل الفرار من قصف بشار الأسد.
يُذكر أن حملة القصف قد استهدفت المستشفيات والمرافق الصحية في جميع أنحاء إدلب بشكلٍ عشوائي، مما يُعيق أي فرصة لإسعاف أي حالةٍ طبيةٍ طارئةٍ مثل جائحة فيروس كورونا بشكلٍ صحيح. حيال هذا الشأن، قال محمد، وهو عامل إغاثة تابع لمنظمة الإغاثة الإسلامية، إن الظروف مهيأة لانتشار فيروس كورونا في سوريا، مشيرًا إلى أن الحالة تبعث على اليأس داخل إدلب.
لاجئون من مخيم موريا يخيطون أقنعة واقية مصنوعة يدويًا بعد الإبلاغ عن حالة إصابة بفيروس كوفيد-19 في لسبوس.
على غرار لسبوس، يتشارك العديد من النازحين في إدلب خيامًا مصممةً لإيواء خمسة أشخاص فقط، ولكن بدلاً من ذلك تستوعب ما يصل إلى عشرة أشخاص، مما “يسرع من معدلات الإصابة”. ومن جانبه، صرّح محمد لموقع “ميدل إيست آي” بأن “مخزون الأدوية ليس كافيًا ولا توجد مساحةٌ مناسبةٌ لحجر أو علاج المرضى الذين سيصابون بفيروس كوفيد-19. كما أن وحدات العناية المركزة غير متوفرةٍ بالفعل وقد شهدنا تضاعف عدد في المرضى المصدومين نفسيًا الذين يأتون إلى المستشفى بمعدّل عشرة أو 20 شخصًا في كل مرة بناءً على قوة الضربة. ونعتقد أن انتشار فيروس كورونا سيثقل كاهل النظام ويمكن أن يكون كارثيًا”.
لا يوجد دواء كافي
قالت منظمة الإغاثة الإسلامية إنها وزّعت الكحول على المرافق الصحية في إدلب ووزعت السالبوتامول (المعروف بـ الفنتولين)، وهو دواء يمكن استخدامه لعلاج ضيق التنفس، للمساعدة في الاستعداد لاحتمال تفشي الوباء، إلا أنها تخشى من أن تكون هذه الاستعدادات غير كافية. في الحقيقة، لم تؤكد الحكومة السورية رسميًا أي حالات إصابة بفيروس كوفيد-19، لكن جماعات المعارضة لا تزال متشككةً مما أثار دعوات لإغلاق مناطق المتمردين القريبة من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.
حسب ما تم تأكيده لموقع “ميدل إيست آي”، فإن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تراقب الوضع عن كثب، وسترسل منظمة الصحة العالمية فريقًا لمعاينة النازحين في إدلب الأسبوع المقبل. في الوقت الراهن، يأمل رحال أن تهدأ الأمور وهو ممتن لتعقيم الخيام داخل مخيّم أطمة. وأضاف قائلًا: “نحن على ثقةٍ بأن السلطات ستفعل الصواب. لكن هذا الفيروس لن يزول ما لم يكن الناس حذرين وواعين بكيفية منعه من الانتشار”.
المصدر: ميدل إيست آي