ترجمة وتحرير نون بوست
حاون وقت الاختبار المفاجئ: ما أكبر أزمة إنسانية عالمية وفقًا للأمم المتحدة وقتلت أكثر من 100 ألف شخص خلال خمس سنوات وتسببت في جميع أنواع المشاكل الأخرى؟ تلميح: ليس فيروس كورونا.
إنها حرب اليمن التي تستعصي على جذب انتباه وقلق الغرب رغم المشاركة الواسعة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فيها.
صفقات الأسلحة السعودية
يقع الكثير من اللوم للحالة الراهنة القاتلة على عاتق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المريض النفسي المفضل لإدارة ترامب، الذي أمر في مارس 2015 عندما كان وزيرًا للدفاع بقصف اليمن بمساعد الإمارات العربية المتحدة وحلفاء آخرين.
يقول بين هوبارد رئيس مكتب نيويورك تايمز في بيروت في كتابه الجديد: “صعود محمد بن سلمان للسلطة”، إن الحرب شكلت خروجًا عن المألوف للجيش السعودي الذي طالما كان متوقفًا عن العمل، ووظف عددًا كبيرًا من المواطنين السعوديين ومكن الأمير من توقيع صفقات أسلحة هائلة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لدعم الحلفاء وإثراء شبكات الوسطاء.
بالطبع أصبحت صفقات الأسلحة تلك مفيدة في المعركة، ومكنت التحالف بقيادة السعودية – المدعوم بمئات المليارات من الدولارات من مبيعات الأسلحة الأمريكية وغيرها من المساعدات – من ذبح آلاف المدنيين في اليمن بنجاح.
تسببت الحرب السعودية المدعومة من الولايات المتحدة في نشر أشكال هائلة من المعاناة في اليمن، ومن بينها أسوأ وباء للكوليرا في العصر الحديث
من بين أكثر المظاهر شيوعًا لتلك الشراكة المروعة، مذبحة التحالف عام 2018 لـ40 طفلًا يمنيًا في حافلة مدرسية بواسطة قنبلة أمريكية، عندما سأل أحد الصحفيين وزير الدفاع الأمريكي آنذاك جيمس ماتيس عن حقيقة أن هذه الضربات التي تمت بتدريب أمريكي ومعلومات استهداف أمريكية وأسلحة أمريكية قد دفعته ذلك لإعادة التفكير في دور الولايات المتحدة في هذا التحالف، فأجاب ماتيس بثبات: “يمكنني أن أخبرك أننا بالفعل ساعدناهم في التخطيط لما نسميه – أي أنواع الاستهداف؟ إنني أحاول الوصول إلى الكلمة الصحيحة”.
حصار وعقوبات
لم توجد أبدًا الكلمة المناسبة، لكن وزارة الدفاع شددت على أن الولايات المتحدة لم تشارك في الحرب الأهلية، ثم اتجهت نحو إلغاء المنطق بتصريحها: “سوف نساعد في منع قتل الأشخاص الأبرياء”، هذا التصريح لدولة معروف بتنفذيها لهجوم بالطائرات على حفلات زفاف يمنية.
وبعيدًا عن تمزيق الأبرياء وتحويلهم لأشلاء، فإن الحرب السعودية المدعومة من الولايات المتحدة تسببت في نشر أشكال أخرى هائلة من المعاناة، ومن بينها أسوأ وباء للكوليرا في العصر الحديث الذي قد يكون له أهمية خاصة في سياق الذعر من فيروس كورونا.
إن الأزمة الصحية في اليمن التي تسببت في وفاة الآلاف بسبب أمراض يمكن علاجها، تفاقمت بسبب الحصار والعقوبات السعودية، وللتأكد من ذلك فإن عادة التحالف في قصف المستشفيات والمنشآت الطبية الأخرى لم تساعد تمامًا في الأمر.
هذا ليس كل شيء، تذكروا “التقدير المعتدل” الذي أصدرته منظمة “أنقذوا الأطفال” وقالت فيه إنه بين عامي 2015 و2018 هناك نحو 85 ألف طفل يمني تحت عمر 5 سنوات ماتوا جوعًا.
في صحيفة الغارديان في ديسمبر عام 2018 اقترح أليكس دي وال – المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي – تقديم ابن سلمان للمحاكمة أمام المحكمة الدولية بتهمة “التسبب في مجاعة” باليمن، ربما لم تكن المجاعة هدف محمد بن سلمان الأول، لكنها دليل على ما قد تؤول إليه الأمور.
بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي وغيره من الطرق التي كان لها تأثير متوقع بحرمان ملايين الناس من الطعام والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الاحتياجات الأساسية، يؤكد وال على أنه كان هناك استهدافًا ممنهجًا للبنية التحتية الزراعية والسمكية.
التواطؤ في جرائم الحرب
في الواقع، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن أكثر من 20 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي و10 ملايين في خطر التعرض لمجاعة، لكن طالما أن صناعة السلاح الأمريكية لا تجوع، فمن يأبه بشأن الملايين الذين يموتون جوعًا.
في مقال يفضح الرواية التي تقول إن الذبح السعودي والإماراتي لليمنيين هو “صراع بالوكالة” مع إيران، تؤكد شيلا كارابيكو الأستاذة في جامعة ريتشموند أن إنفاق عائدات النفظ في حي “دوبونت سيركل” (حي شهير في واشنطن) بشكل ممنهج ينتج عنه القصة التي تبرئ قتل وتجويع اليمنيين باسم المعركة الوجودية المفترضة مع الجمهورية الإسلامية.
في النهاية، تقول كارابيكون إن الضحايا الحقيقيين لعدوان التحالف لا علاقة لهم بإيران، وبدلًا من ذلك يتضور الأطفال جوعًا تحت هجمات الأنظمة الملكية فاحشة الثراء التي تستخدم أكثر الأسلحة المتطورة التي تبيعها بريطانيا والولايات المتحدة.
أكثر من 80% من السكان في اليمن يفتقرون للطعام والوقود ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية.
يميل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالطبع لرواية الوكالة الإيرانية، وقد استخدم حق الفيتو لوقف جهود الكونغرس في إنهاء التدخل الأمريكي في اليمن، ورغم ذلك كله لسنا بحاجة للقلق بشأن التواطؤ في جرائم الحرب عندما تعتبر الدولة نفسها فوق القانون.
عالم مترابط
الآن بعد مرور 5 سنوات على التدخل السعودي، يبدو أن الصراع اليمني يتصاعد مرة أخرى، ففي منتصف فبراير قُتل 31 شخصًا يمنيًا في هجمات جوية سعودية بدعم أمريكي، لكن هيستيريا فيروس كورونا منحت الجماهير العالمية مناعة أكثر ضد تغطية الفظائع المستمرة في اليمن، رغم حقيقة أن كلا الأزمتين تكشفان الخطر الوجودي للأنظمة الرأسمالية التي تكون فيها أرباح النخبة مقدمة على رفاهية الجماهير.
وفقًا للجنة الدولة للصليب الأحمر، فإن أكثر من 80% من السكان في اليمن يفتقرون للطعام والوقود ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية، مما يجعلها عرضة للأمراض التي يمكن علاجها وإبادتها في أي مكان آخر في العالم، لقد انهار نظام الرعاية الصحية في اليمن بسبب سنوات الحرب.
لذا ماذا يمكن أن يحدث إذا أضفنا فيروس كورونا لهذا الخليط؟ سوف يخبرنا الوقت فقط بذلك، وفي الوقت الراهن يجب أن ندرك أننا – في هذا العالم المترابط – لا يمكننا حرفيًا أن نتحمل التركيز على كوارث معينة على حساب كوارث أخرى.
المصدر: ميدل إيست آي