تواصل كرة اللهيب التي دفعها فيروس كورونا الجديد منذ الإعلان عنه ديسمبر الماضي في الصين، تدحرجها، لتحرق كل من يعترض طريقها، فيما تتصاعد المؤشرات المتعلقة بتداعيات تفشي الوباء على الاقتصاد العالمي الذي من المتوقع أن يصل إلى مرحلة ركود لا تقل فداحة عن تلك التي تعرض لها خلال الأزمة المالية العالمية 2008.
وفي مصر ربما يكون الوضع أكثر خطورةً، في ظل الضبابية التي تخيم على المشهد برمته، فالدولة التي تأخرت في الاعتراف بوجود الفيروس، شأنها شأن العديد من الدول الأوروبية، باتت اليوم إحدى أكبر الدول اكتواءً بناره، بعدما تيقنت أن آثار التعتيم السلبية أسوأ بمراحل من المكاشفة من أجل أن يتحد الجميع للتصدي لهذا الوباء العالمي.
حالة من الترقب تنتاب المصريين، في الوقت الذي فرضت فيه الحكومة إجراءات احترازية قاسية للحيلولة دون تفاقم الوضع، رافقها خطوات أخرى تحفيزية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا أن الأجواء تنذر بقرارات أخرى أكثر صرامة قادمة في الطريق في ظل عدم التزام قطاع كبير من المواطنين بتلك القرارات.
وبين مطرقة الحفاظ على الحياة بالبقاء في المنزل استجابة لتعليمات الدولة وسندان القلق من الموت جوعًا لعدم وجود مصدر دخل ثابت يعوض الانقطاع عن العمل، يقبع الملايين من الشعب المصري أصحاب الأعمال الحرة والدخول المتدنية من العاملين في القطاع الخاص، في انتظار انفراجة توقظهم من هذا الكابوس الذي خيم على مضاجعهم خلال الأيام الماضية.
يذكر أن إجمالي العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد حتى أمس الأحد هو 327 حالة من ضمنهم 56 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفى العزل، و14 حالة وفاة، بحسب مستشار وزيرة الصحة والسكان لشؤون الإعلام والمتحدث الرسمي للوزارة، خالد مجاهد، هذا بخلاف حالتي وفاة لقيادتين عسكريتين، أحدهما مساء أمس والآخر صباح اليوم.
قرارات لمواجهة الأزمة
في إطار مساعي الدولة المصرية لمواجهة الفيروس أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي عددًا من القرارات الجديدة التي تستهدف التخفيف على المواطنين بشأن الآثار المترتبة على تفشي الوباء، جاء ذلك خلال كلمته أمس في لقاء جمعه وعدد من السيدات المصريات من مختلف المجالات بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة المصرية.
السيسي أشار إلى أنه وجه الحكومة بدراسة القطاعات الأكثر تأثرًا بانتشار الفيروس لدعمها وإعفاء الأجانب من ضرائب الأرباح الرأسمالية نهائيًا وتأجيلها للمقيمين حتى بداية 2022، وتعديل ضريبة الدمغة والإعفاء الكامل منها للعمليات الفورية وتخفيف الضريبة على توزيع الأرباح بنسبة 50% لتصبح 5% لأي مساهم في شركة مقيدة بالبورصة وتخفيض جميع المصروفات في البورصة.
وعلى صعيد القطاع المصرفي قررت الحكومة تخفيض أسعار العائد لدى البنك المركزي 3% مع إتاحة الحدود الائتمانية اللازمة لتمويل رأس المال وبالأخص صرف رواتب العاملين بالشركات، وتأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لمدة 6 أشهر، وعدم تطبيق غرامات وعوائد إضافية على التأخر في السداد.
وبالنسبة لقطاع السياحة الذي تضرر بشكل كبير جدًا بسبب الوباء، قال الرئيس إنه تم إطلاق مبادرة العملاء المتعثرين من الأشخاص الاعتبارية العاملة في القطاع من خلال مبادرة إحلال وتجديد فنادق الإقامة والفنادق العائمة وأساطيل النقل السياحي، ووجه الرئيس بتأجيل مستحقات الشركات العاملة في القطاع السياحي، بالإضافة إلى مبادرة تشجيع تمويل القطاع الخاص الصناعي بإتاحة مبلغ 100 مليار جنيه من خلال البنوك بسعر عائد سنوي 10% لتمويل شركات القطاع الخاص الصناعي المنتظمة التي يبلغ إيرادها السنوي من 50 مليون جنيه إلى مليار جنيه.
في الساعات القليلة الماضية شهد الشارع المصري حالة من الهلع جراء انتشار الفيروس بصورة كبيرة، تعززت تلك الحالة رغم اللامبالاة التي سيطرت على المشهد الأيام الماضية، بعد إعلان خبر وفاة اللواء أركان حرب خالد شلتوت، رئيس أركان إدارة المياه في الهيئة الهندسية للجيش، بسبب كورونا
كما شدد على ضرورة تعديل نسبة القروض الاستهلاكية الشخصية ليصبح حدها الأقصى 50% بدلًا من 35% من مجموع الدخل الشهري، متضمنة القروض العقارية للإسكان الشخصي، وكذلك مبادرة العملاء غير المتنظمين من الأفراد حال قيام العميل خلال فترة المبادرة وحتى نهاية ديسمبر 2020 بتسديد نسبة من رصيد المديونية ويتم حذفه من قوائم الحظر والتنازل عن القضايا المتبادلة ضده لدى المحاكم.
هذا بخلاف بعض القرارات التي تستهدف كبار السن والمتقاعدين عن العمل، منها ضم العلاوة الخمسة المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسي، ومنح العلاوة الدورية السنوية للمعاشات لتكون بنسبة 10% اعتبارًا من العام المالي القادم، بالإضافة إلى وقف قانون الضريبة على الأطيان الزراعية لمدة عامين للتخفيف على المزارعين.
تأتي هذه القرارات بعد حزمة أخرى اتخذتها الحكومة الثلاثاء الماضي لدعم قطاع الصناعة في البلاد، التي تضمنت خفض سعر الغاز الطبيعي للصناعة عند 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وخفض أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي والمتوسط بقيمة 10 قروش، وتثبيت وعدم زيادة أسعار الكهرباء لباقي الاستخدامات الصناعية لمدة من 3 – 5 سنوات مقبلة.
كذلك توفير مليار جنيه للمصدرين خلال شهري مارس وأبريل 2020 لسداد جزء من مستحقاتهم، وفقًا للآليات المتفق عليها مع سداد دفعة إضافية بقيمة 10% نقدًا للمصدرين في يونيو المقبل، بجانب تأجيل سداد الضريبة العقارية المستحقة على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، إضافة لرفع الحجوزات الإدارية على كل الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10% من الضريبة المستحقة عليهم وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فض المنازعات.
أما فيما يتعلق بالبورصة، فخفضت ضريبة الدمغة على غير المقيمين لتصبح 1.25 في الألف وخفض ضريبة الدمغة على المقيمين لتصبح 0.5 في الألف بدلًا من 1.5 في الألف، مع خفض سعر ضريبة توزيع الأرباح الرأسمالية للشركات المقيدة بالبورصة بنسبة 50% لتصبح 5%، بالإضافة للإعفاء الكامل للعمليات الفورية على الأسهم من ضريبة الدمغة لتنشيط حجم التعامل.
وفاة جنرالات الجيش تثير الهلع
الساعات القليلة الماضية شهد الشارع المصري فيها حالة من الهلع جراء انتشار الفيروس بصورة كبيرة، تعززت تلك الحالة رغم اللامبالاة التي سيطرت على المشهد الأيام الماضية، بعد إعلان خبر وفاة اللواء أركان حرب خالد شلتوت، رئيس أركان إدارة المياه في الهيئة الهندسية للجيش، بسبب كورونا، في أثناء اشتراكه بعمليات التطهير والتعقيم للفيروس داخل البلاد، التي تشرف عليها القوات المسلحة، وما تبعه من حجز لكامل أفراد أسرته في مستشفى “أبو خليفة” المخصص للعزل في محافظة الإسماعيلية.
تعاظم القلق بعد الأنباء التي تشير إلى سقوط لواء آخر بسبب الفيروس، وهو اللواء أركان حرب شفيع عبد الحليم، صديق اللواء شلتوت، ورغم تباين التأويلات عن سبب وفاته، ففريق ذهب إلى أنها بسبب تعرضه لسكتة قلبية إثر معرفته بوفاة صديقه، فيما أكد آخرون أنها بسبب الفيروس بعدما ثبت إيجابية تحليله قبل أسبوع، هذا بالإضافة إلى ما يتردد بشأن وفاة اللواء أركان حرب محمود أحمد شاهين هو الأخر لذات السبب.
وقد تناقلت بعض المصادر على منصات السوشيال ميديا قائمة تضم عددًا من العسكريين الذين ثبت إيجابية عيناتهم معمليًا، على رأسهم بجانب اللوءات الثلاث، مساعد مدير إدارة المشروعات في الهيئة الهندسية، محمد السيد فاضل الزلاط، فضلًا عن 11 آخرين من كبار العسكريين المشتبه في إصابتهم، من المخالطين للحالات الإيجابية.
عشرات الآلاف من أصحاب المحال التجارية يواجهون خسائر يومية بصورة كبيرة، جراء تلك الإجراءات التي أجبرتهم على الغلق
وفي 15 من مارس الحاليّ نقلت بعض المواقع عن مصدر عسكري قوله إن اثنين من قادة الجيش المصري أصيبا بفيروس كورونا الجديد، بالإضافة إلى عسكريين آخرين، الأمر الذي دفع القيادة العامة للقوات المسلحة إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى، وإغلاق الكلية الحربية بمصر الجديدة (شرقي القاهرة) لمدة 45 يومًا كإجراء احترازي.
لا شك أن إعلان وفاة لواءين بالجيش بسبب الفيروس خبر أقلق الكثيرين فيما دفع آخرين إلى التوقف عنده طويلًا، فالجميع في مصر يعرف حجم الرعاية الصحية التي من المفترض تم توفيرها لجنرالات الجيش، وأنواع العلاجات المتميزة وغالية الثمن التي تلقوها، ومع ذلك توفيا، وهنا السؤال الأكثر حرجًا: ماذا عن غيرهما من المدنيين ممن لا يجدون الحد الأدنى من تلك الرعاية؟
من جانب آخر فإن إعلان وفاة قائد عسكري كبير، وهو الخبر الذي كان المسؤولون في الجيش يتمنون عدم الإفصاح عنه مؤكدًا، سيأخذ الأمور إلى ناحية أخرى تمامًا، حيث التجمعات داخل الجيش وفي العنابر والسجون، بخلاف المشروعات التي تشرف عليها المؤسسة العسكرية، التي من المتوقع أن تزيد معها رقعة انتشار الفيروس.
حد ملاحظ حاجة في القايمة دي
بعد وفاة اللواء أركان حرب / خالد شلتوت
وفاة اللواء شفيع عبدالحليم داوود بسبب #كورونا pic.twitter.com/O9MwsPbrMK— أبو نسمة العربي (@M_abu_Nesma) March 23, 2020
30 مليون في مأزق
بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) فتبلغ حجم قوة العمل في مصر 28.8 مليون مواطن، قرابة 6 ملايين منهم في القطاع العام بينما الغالبية العظمى في القطاع الخاص الذي يشمل 22.8 مليون بنسبة 75% تقريبًا، وهنا معضلة كبيرة تواجه النسبة الأكبر من المصريين.
الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة وتتطلب بقاء المواطنين في منازلهم، فضلًا عما يثار بشأن الحديث عن فرض حظر تجوال رسمي، سيكون المتضرر الأكبر منها بلا شك العاملين بالقطاع الخاص، حيث اتخذت بعض الشركات والمصانع قرارات بتخفيض عدد العمالة لديها وإعطاء الغالبية منها إجازات مفتوحة دون راتب.
ورغم المناشدات المتواصلة لتوفير الحد الأدنى من الحياة لهؤلاء العاملين الذي باتت حياتهم وأسرهم على المحك، فحتى كتابة هذه السطور اقتصرت المحاولات على جهود فردية خيرية، دون أن تتدخل الدولة للوفاء بالتزاماتها في هذه الجزئية رغم الدعم الشعبي الذي قوبلت به قراراتها.
علاوة على ذلك فإن عشرات الآلاف من أصحاب المحال التجارية يواجهون خسائر يومية بصورة كبيرة، جراء تلك الإجراءات التي أجبرتهم على الغلق، هذا بخلاف تراجع حركة البيع والشراء بصورة عامة، في ظل خوف الناس من النزول للشارع، وهو ما انعكس كذلك على شريحة ليست بالقليلة من المجتمع المصري.
أما فيما يتعلق بالعاملين بالقطاع الحكومي، فقد أصدر مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتخفيض عدد العاملين في المصالح والأجهزة الحكومية، ويشمل الموظفين العاملين بوحدات الجهاز الإداري للدولة من وزارات وأجهزة ومصالح حكومية ووحدات إدارة محلية وهيئات عامة وشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، ويستثنى من تطبيق هذا القرار الموظفون العاملون بالمرافق الحيوية التي تحددها السلطة المختصة بكل جهة مثل (خدمات النقل، الإسعاف، المستشفيات، خدمات المياه، الصرف الصحي، الكهرباء).
خسائر بالجملة تعرض لها الاقتصاد المصري بسبب تفشي كورونا، فيما يخيم الخوف على ميادين مصر وشوارعها، وبينما يتحسر البعض على الخسائر التي مني بها يترقب آخرون قرارات حاسمة في الساعات القليلة المقبلة من شأنها أن تشل جميع القطاعات حفاظًا على أرواح المصريين وللحيلولة دون تكرار السيناريو الإيطالي أو الإسباني.