“أنا صهيب منذر زكور مصاب بمرض الإنفلونزا الموسمي، أو هكذا أظن، أتعالج منذ عدة أيام بالعلاج التقليدي ولا يوجد أي فائدة ملموسة، أنا بمنطقة لا أستطيع معرفة ما إذا كنت فعلًا مصابًا بفيروس كوفيد 19 المسمى كورونا، ومدير الصحة في مدينتي قال إنه لا يوجد كيتات (أجهزة اختبار) المرض عندنا في إدلب!”، كان هذا كلام الناشط صهيب زكور من أبناء ونشطاء مدينة إدلب في الشمال السوري الذي تسيطر عليه المعارضة السورية، ويضيف زكور “نحن بخطر كبير، ومن يقول لي إني أخوف الناس فاسمحو لي أن أقول نعم أنا أخوف الناس لأن البشر في حال لم تخف ستموت!”.
لم يكن زكور الوحيد الذي تكلم بشأن هذا الخوف والتوتر من الحالة التي وصلت إليها مناطق الشمال السوري التي تحتوي على كثافة بشرية هائلة، تقارع 4 ملايين نسمة، فكان ممن تكلم أيضًا الدكتور قتيبة سيد عيسى (مدير منظمة بنفسج العاملة في الشمال السوري)، حيث أشار إلى موت أشخاص في تلك المناطق بأعراض كورونا إلا أنه قال: “الأطباء غير متأكدين بعد من سبب الوفاة لأن كيتات الكشف عن المرض لم تصل بعد من منظمة الصحة العالمية”، مضيفًا: “مع العلم أنها وصلت للنظام منذ أسبوعين ويستخدمها بهدر شديد وخاصة لشبيحته وللمحسوبين عليه”، وعلق سيدي عيسى على تأخر الصحة العالمية في إرسال المواد والأجهزة إلى الشمال بأن المنظمة قالت: “نحن لسنا دولة رسمية”.
الخوف من وصول كورونا إلى مناطق الشمال السوري محق فعلًا، فتلك المناطق لم يمض شهر على خروجها من معركة عنيفة كانت تشنها قوات النظام السوري والقوات الروسية والميلشيات الشيعية المتعددة، وأصبحت محور الاهتمام العالمي بالمواضيع السياسية العسكرية والسياسية، إلا أنها اليوم ومع دخول هذه المناطق دائرة خطر الوباء الذي يفتك بالعالم، فلا تجد من ينصرها بشكل عاجل لغوثها وحمايتها من تفشي الفيروس الجديد فيها.
يؤدي مهمة إغاثة إدلب والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام اليوم، بعض المنظمات المحلية وفرق الدفاع المدني وفرق توعية شعبية، لتكون المهمة الملقاة على عاتقهم كبيرة وخطيرة لإنقاذ تلك المناطق من وباء ضارب.
إدلب.. منطقة خطر
يُخشى وبشكل كبير من تفشي فيروس كورونا بسرعة في شمالي سوريا وخاصة ضمن المخيمات التي يقطنها مئات الألوف من النازحين جراء الحملات العسكرية المتعاقبة التي يشنها النظام السوري وروسيا، وبحسب تقرير لموقع ميديابارت فإن “المرض إذا بدأ اليوم فسيكون الوضع سيئًا جدًا، لأن لدينا أكثر من مليون شخص يعيشون في خيام، وليست لديهم أي فكرة عما يجب فعله مع الفيروس، لدينا آلاف الناس ينامون في مساحات مشتركة كبيرة، ولا يتطلب الأمر إلا شخصًا واحدًا ليصاب الجميع، ولن توجد الموارد الطبية لمساعدتهم إذا حدث ذلك”.
من جانبه، لفت مدير منظمة الإغاثة الإسلامية البريطانية أحمد محمود إلى مشكلة خطيرة أخرى، وهي أن “أجهزة المناعة لدى الناس شمالي سوريا قد تم القضاء عليها بشكل منهجي بسبب العنف وسنوات من سوء التغذية والفقر”، مضيفًا “الظروف مهيأة لوباء لا نملك الوسائل اللازمة لإدارته، مع وجود الكثير من الأشخاص المحاصرين في معسكرات الفقر”، مشيرًا إلى نقص خطير في الأسرة وأجهزة التنفس الصناعي والأدوية والمستشفيات التي استهدفت بشكل منهجي من قبل القوات الجوية السورية والروسية.
وفي حديث سابق أجراه موقع “نون بوست” مع الأستاذ محمد جمعة العامل بالشأن الطبي في الداخل السوري، أكدّ أنه “لم يتم اتخاذ إجراءات جدية تناسب خطورة الموقف في المخيمات في حال انتشار الفيروس حتى الآن”، مشيرًا إلى أن “ما تم إنجازه إلى الآن هو تشكيل ما يسمى “تاسك فورس” أو فريق عمل مخصص للتعامل مع تهديد فيروس كورونا، طبعًا الفريق يعمل تحت ظل القطاع الصحي ومنظمة الصحة العالمية، ولكن حتى هذه اللحظة لا يوجد شيء ملموس لمواجهة خطر الفيروس في حال أصاب المنطقة”.
بدورها، أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الأطباء في شمالي سوريا “يقدرون بأن نحو مليون قد يصابون بالفيروس في محافظة إدلب، وأن نحو 100 إلى 120 ألف منهم سيموتون، وأن 10 آلاف سيحتاجون المساعدة بأجهزة التنفس”، إلا أنها أوضحت أنه لا يوجد غير 153 جهاز تنفس في المحافظة الآن.
وإلى منظمة الصحة العالمية التي قالت عبر ممثلها في سوريا نعمة سعيد عبد، إنّ”عدد كبير من السكان مهددون في مخيمات اللاجئين والمناطق العشوائية على مشارف المناطق الحضرية الكبيرة”، مضيفًا: “إذا أخذنا السيناريو الذي حدث في الصين أو حتى إيران، فإننا نتوقع اكتشاف عدد كبير من الحالات، ونحن نستعد وفقًا لذلك”، وفي السياق ذاته تخوفت مسؤولة الشؤون السياسية في الأمم المتحدة روزماري ديكارلو من “احتمال أن يترك فيروس كورونا أثرًا مدمرًا في سوريا”.
إجراءات وقائية
لوحت الحكومة السورية المؤقتة بفرض حظر تجوال في الشمال السوري حرصًا على سلامة المواطنين من انتشار فيروس كورونا، جاء ذلك على لسان رئيس الحكومة عبد الرحمن مصطفى: “لا أريد أن يصاب السوريون بالذعر، لكن نحن نعيش مرحلة خطيرة وجدية ونحتاج للتعاون والالتزام الكامل بتوجيهات وقرارات المؤسسات السورية كوزارة الصحة والمجالس المحلية”، مؤكدًا أن الحكومة قد تضطر في مراحل مقبلة إلى إعلان حظر تجوال شامل في الشمال السوري حرصًا على السلامة والصحة العامة.
كانت الحكومة قد ناشدت، المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية “تنفيذ تعهداتها بمساعدة وزارة الصحة التابعة لها بمواجهة جائحة فيروس كورونا الجديد ومنعه من الانتشار في الشمال السوري، محذرةً من حدوث كارثة وشيكة.
أعلنت عدة منظمات عاملة في المجال الإنساني في مناطق شمالي سوريا إطلاقها حملات للوقاية من انتشار الوباء في تلك المناطق، وشملت هذه الحملات قسمًا توعويًا وقسمًا يعمل على تعقيم المرافق العامة، وأعلن فريق الدفاع المدن السوري “الخوذ البيضاء” أن فرقه وضمن “الإمكانات المتوافرة مستمرة اليوم في تطهير المرافق العامة بالشمال السوري للوقاية من فيروس كورونا، بالتوازي مع مواصلة حملة “خليك ببيتك” التي تهدف لحث المدنيين على البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا في حال الضرورة واتباع إرشادات الوقاية من الفيروس”.
يستمر فريق الحماية في منظمة بنفسج المحلية بتوعية مئات الأطفال عن وباء الكورونا عبر عدة أنشطة مختلفة منها المسرحيات وعرض الفيديوهات وجلسات التوعية وتوزيع المطبوعات الخاصة بالوباء. ومن خلال المتابعة لحساب المنظمة على تويتر فقد انتهت هذه المؤسسة الخيرية من تأسيس خيم حجر صحي مُخصصة لاستقبال الحالات المحتملة بالوباء لتشمل 15 مشفى في الشمال السوري، وقبل كل ذلك كانت المنظمة دربت العديد من كوادرها والمتطوعين فيها على التعامل مع الحالات المحتملة وتأمين المصابين وآليات التعقيم.
هذه الإجراءات التي اتخذتها هذه المنظمات ما هي إلا احتراز وقائي بوسائل وأدوات متاحة فقط، وفي حال لم تُدعم المشافي ومديريات الصحة بشكل كبير فإن هذه المنظمات لن تستطيع تأمين الحد الأدنى من الوقاية أو العلاج، خاصةً أن هذه المنظمات خرجت للتو من حالة حرب عنيفة واستجابة طارئة للنازحين الجدد في المدينة.
وفي تأخر واضح من منظمة الصحة العالمية فإن اختبارات الكشف عن فيروس كورونا ستصل قريبًا إلى محافظة إدلب وفق ما قال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية هيدين هالدورسون، مشيرًا إلى أن “300 فحص مخبري سيتوافر في إدلب خلال يومين على أن يبدأ العمل بها في وقت قريب بعد ذلك”، وتعمل المنظمة العالمية بحسب هالدورسون على “تأمين ألفي فحص مخبري إضافي على أن يتم إيصالها في أقرب وقت ممكن”، كما سيتم الأسبوع الحاليّ إرسال معدات أخرى ضرورية من بينها عشرة آلاف قفاز طبي وعشرة آلاف قناع طبي”.
وأعلن وزير الصحة في الحكومة، مرام الشيخ، تشكيل فريق عمل ووضع خطط لمواجهة الفيروس منذ شهر لكن تنفيذ هذه الخطة بـ”انتظار التمويل”، وتساءل الشيخ عما تنتظره منظمة الصحة العالمية والمانحون.
روسيا شريك كورونا في الشمال
تبرز اليوم المعاناة شمالي سوريا والتخوفات الكبيرة من انتشار الوباء نتيجة لضعف الإمكانات الصحية والطبية في تلك المناطق، ومما أسهم في إضعاف تلك البنية بشكل أساسي هو الاستهداف الروسي واستهداف جيش النظام للمنشآت الطبية والمشافي والمستوصفات في حملاته العسكرية على مدار الشهور الماضية، والمتابع يرى أن روسيا تنتهج تدمير المشافي والمنشآت الصحية كشكل من أشكال الضغط على تلك المناطق لإعادتها لسيطرة النظام.
وفي تقرير سابق للشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت فيه: “تسبب التصعيد العسكري لقوات النظام السوري والروسي على شمال غرب سوريا، في مقتل ما لا يقل عن 19 من الكوادر الطبية 9 منهم على يد النظام السوري و10 على يد القوات الروسية”، مضيفةً “أنَّ ما لا يقل عن 67 منشأة طبية قد تعرضت لقرابة 88 حادثة اعتداء على يد قوات الحلف السوري الروسي منذ 26 من أبريل/نيسان 2019 حتى 18 من فبراير/شباط 2020، كانت 52 منها على يد قوات النظام السوري، و36 على يد القوات الروسية”، وأشارت الشبكة إلى أنه من بين المراكز الطبية الـ67 هناك 7 مراكز طبية تعرضت للقصف 12 مرة، ووثق الدفاع المدني السوري استهداف وتدمير 57 منشأة صحية منذ مطلع عام 2019 وحتى شباط/فبراير 2020.
إجراءات تركية
في إطار حملات التوعية التي تقوم بها تركيا، وزعت بعض المنظمات والهيئات التركية كتيبات أعدتها رئاسة الاتصالات بشأن الحماية من تفشي فيروس كورونا في المناطق التي تستلم أنقرة إدارتها، في الوقت الذي ترسل مستشفيات إدلب عيناتها إلى مختبرات في تركيا لفحصها، وستقدم مختبرات مدينة غازي عنتاب الدعم خلال الأيام والأسابيع المقبلة في حال الضرورة، إلا أن هذه الإجراءات التركية تعتبر متواضعة مقارنةً بعدد السكان الكبير المنتشر في هذه المنطقة الممتلئة بالخيام.
أخيرًا.. إن نُذر الكارثة بالإصابة بالأوبئة غالبًا ما تكون أقرب لمناطق الحروب والصراعات، غير أن مناطق إدلب وشمالي سوريا ستكون في مأزقٍ أكبر مما هي عليه كثير من المناطق للأسباب التي ذكرناها في هذا التقرير، وطالما أن المنظمات الأممية تتأخر في دعم هذه المناطق يزداد الخطر اشتعالًا واقترابًا، وبما أن تلك المؤسسات عجزت عن إيقاف عدوان النظام في السنوات السابقة، فلتمنع الآن عدوان كورونا على أهل الشمال الذين تجتمع عليهم المصائب تباعًا.