ترجمة وتحرير: نون بوست
اعتلى السخي بيل غيتس مسرح مؤتمر “تيد” وأرسل تحذيرًا صارمًا للعالم: “لسنا مستعدين للوباء المقبل”. ولكن يمكننا أن نكون مستعدين لو تخيلنا فقط أننا نستعد للحرب من خلال إنشاء احتياطيات، وإدارة محاكاة للمناورة الجرثومية، والاستثمار بكثافة في البحث والتطوير. والأهم من ذلك، أورد غيتس أن العنصر الأساسي يتمثل في دعم نظام قوي للصحة العامة.
في الواقع، كان غيتس يفكر في البنية التحتية الصحية العامة الهشة وضعيفة التمويل في البلدان الفقيرة. والجدير بالذكر أن الصحة العامة العالمية لطالما كانت أحد الأهداف الرئيسية للأعمال الخيرية لغيتس.
في نيسان/ أبريل سنة 2018، التقى غيتس بالرئيس دونالد ترامب لحثه على السير على منوال الرؤساء السابقين وتعزيز البنية التحتية للاستجابة للوباء في الولايات المتحدة. يُذكر أنه ردا على تفشي فيروس إيبولا في سنة 2014، أصدر الرئيس باراك أوباما الخطة العالمية للأمن الصحي، ووجه أكثر من مليار دولار للوقاية من الأمراض والتصدي لها على الصعيد العالمي.
ردد الرئيس جورج دبليو بوش قبله نقاط المناقشة التي طرحها غيتس من أهمية الكشف عن انتشار المرض، وتخزين اللقاحات، والتخطيط لحالات الطوارئ، في الإعلان عن خطط بقيمة 7.1 مليار دولار بشأن الاستعدادات لمواجهة جائحة الإنفلونزا، وهو ما يشكل التهديد الذي نواجهه اليوم مع فيروس كوفيد-19.
عندما تخذلنا الحكومة، فإن الانجذاب إلى الأغنياء على غرار بيل غيتس يعتبر عاملًا مغريًا
بدلاً من تعزيز هذه المبادرات أو حتى الحفاظ عليها، قام ترامب بحل هيئة مجلس الأمن القومي للأمن الصحي العالمي والدفاع البيولوجي. وحتى قبل الاجتماع مع غيتس، رفض ترامب تجديد 600 مليون دولار من التمويل لمركز السيطرة على الأمراض لمنع الأوبئة العالمية، التي وافق عليها أوباما في وقت سابق. علاوة على ذلك، طردت إدارة ترامب مستشار الأمن الداخلي توم بوسرت، الذي يقال إنه دعا إلى “إستراتيجية شاملة للدفاع البيولوجي ضد الأوبئة”.
في 18 آذار/ مارس، صنّف ترامب رد إدارته على تفشي فيروس كورونا بأنه رد ممتاز، ونحن جميعا نعرف ذلك على نحو أفضل. وينبغي لنا ألا نندهش عندما نعلم أن إدارة ترامب قد خذلت الرأي العام الأميركي. وعندما تخذلنا الحكومة، فإن الانجذاب إلى الأغنياء على غرار بيل غيتس يعتبر عاملًا مغريًا. ومن المؤكد أن التمويل الخاص للصحة العامة العالمية أمر بالغ الأهمية. لكن متطلبات مكافحة الوباء تتجاوز بكثير قدرة حتى أكثر المتبرعين ثراءً في القطاع الخاص.
بعبارة أخرى، وهبت مؤسسة غيتس حوالي خمس مليارات دولار السنة الماضية، فيما حرر ترامب مؤخرًا ما يصل إلى 50 مليار دولار للتصدي لوباء فيروس كورونا (وهذا لا يعني شيئًا أمام التريليوني دولار التي يسعى الرئيس إلى الحصول عليها من أجل توفير الإغاثة المباشرة لدافعي الضرائب).
على الرغم من هذا، تفاقمت مخاوف غيتس، وهو حاليا يعامل الولايات المتحدة كما لو كانت أفقر دولة على لائحة تبرعاته لصالح الصحة العامة العالمية. كما تعهد غيتس الشهر الماضي بتقديم بما يصل إلى 100 مليون دولار لمكافحة فيروس كورونا. وقد جاء دعم المؤسسة في شكل متدرج، أولاً لمساعدة الصين على الاستجابة للوباء، ثم لتعزيز عملية الكشف والحجر على مستوى العالم، ثم لتعزيز استجابة سياتل، وأخيرًا لتطوير العلاجات.
بلغ الوباء حدود مدينة سياتل وانتشر بشكل كبير، وشهدت مقاطعة كينغ في سياتل 693 حالة و60 حالة وفاة حتى بعد ظهر الخميس. يعيش بيل وميليندا غيتس في سياتل، حيث يقع مقر مؤسستهما. مع شعورها بالإحباط من عدم وجود الاختبارات المقدمة فيدراليا، أكدت منظمة “سياتل فلو ستادي” الممولة من قبل عائلة غيتس ظهور الحالة الأولى المصابة بفيروس كورونا في ولاية واشنطن. ومنذ ذلك الحين، أعربت “سياتل فلو ستادي” عن نيتها للاستثمار في مجموعات الاختبار في المنزل.
حسب اعتقادنا، فإن بيل غيتس، لو كان بإمكانه، لما اختار فعل ذلك، حسب ما تشيره إليه اجتماعاته مع ترامب، ذلك أن بادرة بيل غيتس تعتبر وظيفة سياسية بحتة، فتوفير مجموعات الاختبار وتنسيق الاستجابة للوباء مهمة الحكومة بالأساس.
جائحة فيروس كورونا تقدم لنا حاجة فورية للاستجابة وتذكرنا بأهمية الاستثمار حتى نتجنب الكوارث التي يمكن الوقاية منها في المستقبل
ليس غيتس بمفرده، في منطقة خليج سان فرانسيسكو. من جانبها، أعلنت تشان زوكربيرغ عن مبادرتها للاستثمار في توسيع الاختبارات في سان فرانسيسكو. كما تبرع جاك ما، الملياردير الصيني، بالآلاف من أقنعة الوجه ومجموعات الاختبار للولايات المتحدة. وتقود مؤسسة فورد جهودا من المؤسسات الكبيرة بهدف السماح للجهات الممنوحة بممارسة مرونة قصوى مع الأموال من أجل توفير الموارد للتصدي لفيروس كورونا.
تقدر منظمة “كانديد”، التي تسعى إلى جعل الأعمال الخيرية أكثر شفافية، أنه وقع إنفاق 1.9 مليار دولارا على الإغاثة من فيروس كورونا من قبل هيئات خاصة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن للأعمال الخيرية الكبرى دورًا مهما. وتتمثل وظيفتها المميزة والأساسية في أن تكون بمثابة رأس مال استثماري لمجتمع ديمقراطي، وتوجيه الموارد لتمويل البحوث واكتشاف حلول للمشاكل الاجتماعية التي يعجز السوق والحكومة على الوصول إليها. المثال النموذجي هو تمويل أندرو كارنيغي للمكتبات العمومية، وهي تجربة في تنمية مواطنين متعلمين.
في الواقع، إن الميزة الفريدة للأعمال الخيرية تكمن في دورها في تحسين النتائج على المدى الطويل، وتقديم نجاحاتها للحكومة لتعم الفائدة على جميع المواطنين. لا يشكل العمل الخيري توقعا للفشل في توفير الخدمات الأساسية والسلع العامة. فالصحة العامة هي سلعة عامة نموذجية. وينبغي لنا عدم الاعتماد أبدًا على نزوات المتبرعين الأثرياء، حيث يسيطر الأثرياء على صحتنا الجماعية ورفاهيتنا بشكل متزايد. ومن شأن هذا الأمر أن يشكل خيانة للديمقراطية، وبدلا من العمليات الديمقراطية التي تحدد احتياجاتنا الجماعية وكيفية التعامل معها، سيبقى مصيرنا بين أيادي الأثرياء. لقد أردنا حكم الأغلبية وقد نحصل على حكم الأغنياء في المقابل.
إن جائحة فيروس كورونا تقدم لنا حاجة فورية للاستجابة وتذكرنا بأهمية الاستثمار حتى نتجنب الكوارث التي يمكن الوقاية منها في المستقبل. في الوقت الحالي، أصبح الأمر برمته على أهبة الاستعداد لحالات الطوارئ، ولكن ليس هذا هو الغرض من الأعمال الخيرية الهائلة، أو ما الهدف الذي يمكنها ضمان ديمومته. في الحقيقة، يجب على الدولة الأغنى في العالم أن تكثف تمويل الصحة العامة بدلا من الاعتماد على أغنى الناس في العالم للقيام بذلك بشكل تدريجي
المصدر: وايرد