ترجمة وتحرير: نون بوست
تُعدّ المستشفيات نفسها في مختلف أرجاء العالم الغربي، لمواجهة تسونامي من المرضى الذين يعانون من صعوبات في التنفس بسبب فيروس كورونا.
في بريطانيا تتدافع شركات صناعة السيارات باتجاه إنتاج أجهزة التنفس، ويجري إعداد الخطط ليقوم الجيش بإقامة المستشفيات في مراكز المؤتمرات. وفي أونتاريو بكندا، يجري إخلاء الأجنحة، وإعداد الخطط، كما يجري فحص أنماط العدوى. إذا لم ينجح سبعون بالمائة من السكان في تقليص تواصلهم الاجتماعي بمقدار سبعين المائة فلن يجدي نفعا الإغلاق. الأعصاب مشدودة والناس في قلق.
نقطة الانكسار
فكيف تتصور الأمور في غزة إذن؟ هذا سؤال لا يُطرح كثيرا هذه الأيام حيث تم إسقاط الفلسطينيين من جدول الأعمال الدولي، سواء كلاجئين أو كشعب.
ماذا تظن سيحدث لقطاع محاصر لا يوجد فيه سوى 56 جهاز تنفس اصطناعي وأربعين سرير عناية مركزة لخدمة ما يقرب من مليونين من البشر؟
بالمقارنة، وطبقا لأرقام صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يوجد في ألمانيا 29.2 سرير عناية مركزة لكل 100 ألف شخص، وفي بلجيكا 22، وفي إيطاليا 12.5 وفي فرنسا 11.6 وفي بريطانيا 6.5. أما غزة ففيها 2 لكل مائة ألف.
في كل مكان يتساءل العاملون في الإسعاف الطبي ما إذا كان كوفيد 19 سيركعهم ويفرض عليهم الاستسلام، أما في غزة فلا يسألون أنفسهم ذلك، وذلك أن المنظومة الصحية هناك جاثية على ركبيتها منذ حين، وعن قصد، لدرجة أن الأمر يبدو طبيعياً جداً، ولا يعتبر خبراً يستحق أن يعبأ به.
لم يزل الوضع على ذلك منذ ثلاثة عشر عاما، ولم تتوقف طوال ذلك الوقت التحذيرات من أن منظومة الصحة في غزة على وشك الانهيار.
في حزيران/ يونيو من عام 2018، في مطلع عام قتل فيه الجنود الإسرائيليون 195 فلسطيني وجرحوا ما يقرب من 29 ألف إنسان خلال مسيرات العودة الكبرى، قال خبراء الأمم المتحدة إن الرعاية الصحية في عزة وصلت نقطة الانكسار.
أعمال توحش
خلال الحرب في عام 2014، استهدف الإسرائيليون بالقصف المستشفيات ذاتها، مثل مستشفى الأقصى في دير البلح ومستشفى الوفاء في الشجاعية. واستهدفوا بنيرانهم كذلك عن عمد سيارات الإسعاف. ولكن، هذا هو الذي يجري في غزة بشكل يومي على كل حال، حيث ترتكب ضد أهل القطاع أعمال في غاية التوحش لا ترقى لأن تصبح عناوين رئيسية في وسائل الإعلام حول من ذا الذي يموت ومن ذا الذي يعيش في غزة.
خذ على سبيل المثال ما حدث لمنى عوض على حاجز إيريتز في شهر مايو / أيار من العام الماضي. كان على منى أن تسلم ابنتها عائشة ذات الخمسة أعوام، والتي تعاني من مرض شديد، إلى امرأة لم يسبق أن رأتها من قبل لكي تأخذها إلى حيث يوفر لها العلاج الطبي في القدس الشرقية. تم تشخيص عائشة على أنها تعاني من سرطان في الدماغ، وهو مرض لا قبل للمستشفى المتخصص في غزة بعلاجه.
“إسرائيل” رفضت 769 طلباً للدخول من غزة إلى “إسرائيل” في النصف الأول من عام 2018 لأن أصحاب هذه الطلبات كانوا أقارب من الدرجة الأولى لنشطاء في حركة حماس
لا منى ولا زوجها وسام سمح لهما بالسفر مع ابنتهما، وحتى جدة عائشة التي تبلغ الخامسة والسبعين من عمرها لم يسمح لها بالدخول (في العادة لا تسمح “إسرائيل” بدخول النساء ممن هم دون الخامسة والأربعين ولا الرجال ممن هم دون الخامسة والخمسين).
كان تلك آخر مرة، عند نقطة عبور إيريتز، ترى فيها أم عائشة ابنتها وهي في وعيها. أجريت للفتاة الصغيرة عدة عمليات في القدس الشرقية، ولكنها عادت في غيبوبة ولم تصح منها أبداً، وتوفيت في غزة. إلا أن حكاية عائشة ليست فريدة من نوعها.
لقد وثق مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة 25658 حالة لفلسطينيين تقدموا للحصول على تصاريح للسفر من أجل العلاج الطبي خارج غزة في 2018. من كل ذلك العدد، عطل الإسرائيليون أو رفضوا مباشرة التعامل مع 9832 من الطلبات، أي ما نسبته 38 بالمائة من الحالات.
إذا أردت أن تعرف ماذا يعني العقاب الجماعي في غزة فحاول أن تمرض.
من أجل استعادة جثة أحد جنودها، هدار غولدن – الذي قتل في المعركة في عام 2014، خفضت “إسرائيل” عدد تراخيص الدخول من غزة، وذلك استجابة لحملة قادتها عائلة غولدن، حيث نشر مقال رأي حول ذلك في صحيفة الواشنطن بوست، فما كان من الحكومة إلا أن استجابت لهم.
تشير الأرقام التي حصلت عليها صحيفة هآريتز من منسق نشاطات الحكومة في المناطق إلى أن “إسرائيل” رفضت 769 طلباً للدخول من غزة إلى “إسرائيل” في النصف الأول من عام 2018 لأن أصحاب هذه الطلبات كانوا أقارب من الدرجة الأولى لنشطاء في حركة حماس.
إذن، من ذا الذي يمسك بمفتاح الانهيار الطبي في غزة؟ إنها “إسرائيل”.
الانهيار الطبي
ولهذا السبب فقد طالبت وزارة الصحة في قطاع غزة المجتمع الدولي بإجبار “إسرائيل” على رفع الحصار وسط نقص حاد في أجهزة التنفس الاصطناعي وأسرة العناية المركزة والأدوية ومعدات الوقاية.
ولهذا السبب ينبغي على المجتمع الدولي أن يسمع. في تصريح لموقع ميدل إيست آي قال مجدي ظهير، مدير الطب الوقائي بوزارة الصحة في غزة، إن أكبر صعوبة يواجهونها هي القدرة على توفير العدد المطلوب من أسرة العناية المركزة.
ونظرا للنقص الذي يعانون منه أصلا، فإنه لا يوجد متاحاً لديهم سوى 26 سرير عناية مركزة للتعامل مع انتشار وباء كوفيد 19.
وقال ظهير: “هذه هي أكبر مشكلة تواجهنا، كل المتوفر هو 65 سريراً للعناية المركزة للصغار وللكبار، وهذا العدد يكفي في الأوضاع العادية والحالات الروتينية، ونحن نحتاج إلى ذلك العدد لمثل تلك الحالات. توجد ستة أسرة في المستشفى الميداني، وهناك ما بين 18 و 20 سريراً في كل الأماكن للتعامل مع انتشار وباء الكورونا”.
وأضاف: “نقوم بتدريب الطواقم، ولكن هذا العدد لا يكفي. لم يتم توظيف أي عاملين جدد، والمشكلة هي أنه يوجد متطوعون، أما فرص التوظيف فمحدودة، والموظفون لا يتلقون سوى 40 إلى 50 بالمائة من رواتبهم”.
لقد عانت غزة بما فيه الكفاية. لا يمكن لأحد أن يقعد على الهامش متفرجا علي ما يجري. يجب أن يقال لـ”إسرائيل” إن عليها أن ترفع الحصار أو ستعاني نفسها من تداعيات العقوبات والعزلة.
إنها بذاءة – وهي واحدة من كثير في الشرق الأوسط – لن يكون في وسع أي حكومة غربية غض النظر عنها.
المصدر: ميدل إيست آي