تتكثّف الضربات الجوية على المناطق التي تخضع إلى سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرّف، فيما عمد هذا الأخير إلى قطع رأس رهينةٍ أميركيةٍ ثانية. مع ذلك، يصعب إيجاد أي مؤشرات واضحة على وجود استراتيجية من شأنها أن تحلّ مشكلة تنامي الدولة الإسلامية. فالرئيس الأميركي باراك أوباما أكّد في تصريح له، في أواخر آب/أغسطس، أن الولايات المتحدة لاتمتلك بعد أي استراتيجية لمكافحة هذا الخطر التطرّفي.
بيد أن الرئيس اختار إقامة المزيد من التعاون مع “الشركاء السنّة” ضد الدولة الإسلامية. صحيح أن مثل هذه الشراكات الإقليمية ضروري، إلا أن التشديد على اللاعبين السنّة يغفل عنصراً أساسياً من دونه لايمكن أن تنجح أي استراتيجية ضد الدولة الإسلامية. وهذا العنصر هو إيجاد وسيلة لتخفيف التنافس بين إيران والسعودية.
تنظر كلٌّ من طهران والرياض إلى الدولة الإسلامية باعتبارها خطراً، ومع ذلك، تسعى الاثنتان إلى حماية مصالحهما قبل كل شيء. وهذا يعني أن استئصال الدولة الإسلامية بالنسبة إليهما لايمكن أن يحصل إلا إذا تعاطفت القوى التي ستنتصر في سورية والعراق، في أعقاب ذلك، مع هذه المصالح.
تعتبر إيران أن الدولة الإسلامية قادرة على أن تنمو لتصبح خطراً وجودياً.
والواقع أن تقدّم الدولة الإسلامية في العراق شكّل نقطة التحوّل في علاقتها مع النظام السوري، إذ كانت حكومة الأسد امتنعت، قبل ذلك، عن مهاجمة التنظيم لأنه كان مفيداً لمقاتلة القوات المتمرّدة مثل جبهة النصرة والجيش السوري الحر. والتقدّم الذي أحرزه التنظيم في العراق لم يكن هجوماً على حليفٍ سوريٍّ – أي الحكومة العراقية – وحسب، بل أظهر الدولة الإسلامية باعتبارها خطراً محدقاً على حدود إيران.
سارع كلٌّ من نظام بشار الأسد في سورية وإيران إلى مهاجمة الدولة الإسلامية. فقصفت دمشق معقل التنظيم في الرقّة في سورية. وفي غضون ذلك، حشدت طهران قوّاتها – لواء أبو الفضل العباس، الميليشيا الشيعية متعدّدة الجنسيات التابعة لها والمؤيّدة للأسد، وحليفها اللبناني حزب الله (وكلاهما يقاتل في سورية)، إضافة إلى قوات النخبة لديها، الحرس الثوري – للمساعدة في مقاتلة الدولة الإسلامية على الأراضي العراقية، قبل أن تتمكّن من الوصول إلى إيران.
وبينما تزايدت حدّة التوتر الطائفي في العراق، مع اصطفاف القبائل السنّية في الموصل إلى جانب الدولة الإسلامية ضد الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي آنذاك، رأت إيران أنه سيكون من مصلحتها أن تضحّي بالمالكي لصالح الاستقرار. فدعمت طهران انتخاب حيدر العبادي رئيساً جديداً للوزراء في العراق.
وهكذا أصبحت إيران، بدعمها العبادي، متحالفةً عن غير قصد مع منافسها، السعودية. ورأت الرياض في استبدال المالكي وسيلةً لتخفيف حدّة النزاع، وفرصةً لزيادة التمثيل السنّي في السياسة العراقية من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.
تنظر السعودية بدورها إلى الدولة الإسلامية على أنها تهديد خطير، لأنّ التنظيم يضمّ عدداً من الجهاديين من دول الخليج، ويُحتمَل أن تجلب عودةُ هؤلاء الجهاديين إلى بلدانهم المزيدَ من عدم الاستقرار الإقليمي.
لكن مع أن السعودية تتشارك مع إيران العداء تجاه الدولة الإسلامية، لاتزال السعودية قلقةً مما قد يحدث إذا تم القضاء على التنظيم في ظل الوضع الراهن في العراق وسورية. ففي سورية، نظام الأسد أقوى من المعارضة المعتدلة، فيما العراق لم يشكّل بعد حكومة وحدة وطنية. ويمكن أن يعني القضاء على الدولة الإسلامية من دون إيجاد بديل عن نظام الأسد، وعن الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد، بقاءَ حليفَي إيران في هاتين الدولتين. ومن شأن استمرار الوضع السياسي الراهن في سورية والعراق أن يوطّد نفوذ إيران في المنطقة.
من العقلاني حتماً أن الولايات المتحدة لن – وعليها ألا – تسعى إلى المشاركة في عملية مطوَّرة ضد الدولة الإسلامية، أسواء كانت عسكرية أم سياسية، من دون مشاركة شركائها الإقليميين. لكن، في حال سعت الولايات المتحدة إلى إقامة تحالف دولي وإقليمي ضد الدولة الإسلامية، سيكون نجاح هذا المجهود رهناً بما إذا كانت السعودية وإيران قادرتَين على التوصّل إلى تسوية ما حول دور كلٍّ منهما في الشرق الأوسط. وسيتطلّب هذا الأمر أساساً أن يوافق الفريقان على تقاسم السلطة بين حلفائهما.
ستوافق إيران على الأرجح على سيناريو للأسد في سورية يكون شبيهاً بسيناريو المالكي في العراق. تُعزى هذه الدرجة من المرونة إلى واقع أن هدف إيران النهائي ليس دعم الأسد، بل وجود حكومة في دمشق تضمن المصالح الإيرانية. لكن إيران لاترى في المشهد السياسي السوري الراهن بديلاً عن الأسد من شأنه أن يؤدّي هذا الدور.
كذلك، لن تدعم السعودية عملية متعددة الجنسيات ضد الدولة الإسلامية إلا إذا استطاعت أن تضمن لنفسها دوراً في سورية والعراق بعد هزيمة التنظيم.
يشي هذان السيناريوان بالحاجة الماسة إلى الحوار بين السعودية وإيران، ما من شأنه أن يؤدّي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة انتقالية في العراق وسورية، يحظى أعضاؤها بقبول اللاعبين الإقليميين. فقط حين يصبح مثل هذا البديل السياسي متاحاً، يمكن أن تطبَّق بشكل فعّال استراتيجية لمحاربة الدولة الإسلامية، تنطوي على التعاون بين الشركاء في الشرق الأوسط.
نُشر هذا المقال على موقع مركز كارنيجي بيروت