ينتشر فيروس كورونا المستجد COVID- 19 في دول العالم كالنار في الهشيم، ومع تصاعد أعداد المصابين التي تجاوزت الـ 460 ألفاً وتجاوز الوفيات الـ 20 ألفا، لم تكن دول العالم العربي ومن ضمنها العراق استثناءً، إذ سجل الأخير وحتى لحظة كتابة التقرير أكثر من 346 إصابة و29 حالة وفاة مع تسجيل المزيد من الإصابات في كل ساعة.
الأسطر التالية لـ “نون بوست” تقرأ في قدرة مواجهة العراق فيروس كورونا من حيث قدرة المختبرات على كشف حالات الإصابة، وكذلك من ناحية أعداد أجهزة الرعاية التنفسية الفائقة اللازمة في معالجة حالات الإصابة الخطيرة، فضلا عن الوضع الاقتصادي في البلاد.
كورونا في العراق
سجل العراق أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في 24 من فبراير/ شباط الماضي، وكانت الإصابة لطالب إيراني يدرس في حوزة النجف، ومع تصاعد أعداد المصابين في العراق سجل العراق اكثر من 346 إصابة خلال شهر من موعد إعلان أول إصابة.
فرض العراق جملة من الاجراءات الوقائية التي بدأت بتعليق الدراسة في المدارس والجامعات في 28 من الشهر ذاته وصولا إلى تعطيل الحياة العامة وفرض منع التجوال الشامل ، إلا أن أعداد المصابين لا تزال في تصاعد.
يقول الخبير الإحصائي “سامي سالم” في حديثه لـ “نون بوست” إن أعداد الإصابات في العراق ومن منظور إحصائي تبدو أقل من الواقع بكثير، إذ وبحسبة بسيطة فإن نسبة الوفيات بالفيروس عالميا لا تتجاوز الـ 3% وفق تقارير منظمة الصحة العالمية، في حين أن نسبة الوفيات في العراق تقارب الـ 10% على الرغم من أن النسبة العالمية للوفيات بالفيروس سجلت في مجتمعات تتصف بالشيخوخة على عكس العراق الذي يعد مجتمعه شاباً.
ويضيف سالم أنه ووفقا لهذه المعادلة الحسابية، فإن أعداد المصابين بالفيروس ووفقا لما كشف عنه من أرقام قد يصل إلى ما لا يقل عن 5 الاف إصابة، إلا أن قلة أجهزة الفحص الخاصة بالفيروس والمعروفة بالـ PCR قد تكون سببا في عدم كشف الفيروس، إضافة إلى عدم التزام المواطنين بحظر التجوال والتباعد الاجتماعي.
صعوبة مواجهة الفيروس في العراق
تتعدد المصاعب التي تواجه العراق في خضم انتشار فيروس كورونا، إذ يقول الناشط من العاصمة العراقية بغداد “وسام خليل” في حديثه لـ “نون بوست” إن العراقيين غير مبالين بفيروس كورونا وكأن الأمر لا يعنيهم.
إيطاليا التي تعد من الدول المتقدمة طبيا والتي يبلغ عدد نفوسها 60 مليون نسمة عجزت طاقة وحدات العناية المركزة فيها عن استيعاب المرضى
ويضيف خليل (29 عاما) أنه وعلى الرغم من فرض منع التجوال في جميع المدن العراقية، إلا أن أحياء كثيرة في العاصمة بغداد التي يزيد عدد سكانها عن 8 ملايين نسمة لا تزال كثير من أحياءها الشعبية مليئة بالمارة والمتبضعين والتجمعات الشبابية، ما يشي بأن خطرا كبيرا يواجه العراق.
ويشير خليل الذي يسكن منطقة شعبية في جانب الرصافة من العاصمة إلى أنه وعلى الرغم من خطورة الفيروس، إلا أن كثيرا من الناس لا تزال تستهزئ بالأشخاص الذي يرتدون الكمامات والقفازات الواقية من العدوى، لافتا إلى أن العراق لن يكون باستطاعة مشافيه مواجهة تفشي الفيروس وإصابة آلاف العراقيين به، بحسبه
تقرير لوكالة “رويترز” نشر في الـ 2 من مارس/ اذار الجاري أشار إلى جملة من المشكلات التي تواجه قطاع الصحة العامة في العراق، ففي عام 2019 على سبيل المثال، خصصت الحكومة الاتحادية للعراق 2.5% فقط من موازنة الدولة البالغة 106.5 مليار دولار لوزارة الصحة، وبحسب رويترز، فإن هذا المبلغ يعد زهيدا مقارنة بما يتم إنفاقه في دول أخرى بالشرق الأوسط.
في المقابل حصلت قوى الأمن (وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني وغيرها) على 18% من إجمالي الموازنة، اما وزارة النفط فكان نصيبها 13.5%.
تظهر بيانات منظمة الصحة العالمية WHO أن الحكومة الاتحادية للعراق، أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبالغ أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا مجاورة للعراق، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الانفاق 161 دولارا في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان.
وزير الصحة العراقي السابق “علاء العلوان” أفاد في حديثه لرويترز بأن الوضع الصحي في العراق تراجع بشكل كبير جدا خلال العقود الـ 4 الماضية، مرجعا ذلك إلى جملة من الأسباب أهمها عدم إعطاء أولوية من قبل الحكومات المتعاقبة للصحة في العراق.
يقول كبير مستشاري مركز المشاركة الصحية العالمية (The Center for Global Health Engagement) الدكتور “شاكر جواد” في منشور له على صفحته في الفيسبوك إنه وبعد أن ثبت أن أهم عامل في شفاء الحالات الحرجة بفيروس كورونا هو دعم الجهاز التنفسي من خلال أجهزة التنفس الاصطناعي Ventilators، فإن إيطاليا التي تعد من الدول المتقدمة طبيا والتي يبلغ عدد نفوسها 60 مليون نسمة عجزت طاقة وحدات العناية المركزة فيها عن استيعاب المرضى رغم ان لديها 5200 سرير عناية تنفسية مركزة.
ويشير جواد في الوقت ذاته إلى أن العراق الذي يبلغ عدد سكانه قرابة الـ 40 مليون نسمة لا يمتلك اكثر من 350 – 400 سرير عناية مركزة تنفسية فقط حسب تقارير وزارة الصحة الاحصائية، في الوقت الذي تحتاج البلاد فيه إلى ما يقرب من 3500 وحدة عناية تنفسية حتى نصل إلى ما مستوى إيطاليا، بحسبه.
على الجانب الآخر، يقول “همام الطائي” الذي يعمل في مجال التجارة بالأجهزة الطبية، إن سعر وحدة العناية النفسية الواحدة يبلغ 15 ألف دولار، إن تم شراؤها من الأسواق المحلية عن طريق مكاتب التجهيزات الطبية.
ويضيف الطائي أنه وفي حال تعاقدت وزارة الصحة على شراء هذه الأجهزة من الصين وبجودة تصنيع عالمية، فإن سعر الوحدة الواحدة لا يزيد عن 6 الاف دولار، وهو مبلغ زهيد نسبة إلى موازنات العراق الهائلة.
يضاف لكل ذلك مشكلة أخرى لا تقل أهمية، إذ أن وزارة الصحة في العراق لا تزال تعتمد على مختبرات الصحة العامة التابعة لوزارة الصحة في بغداد من أجل الكشف عن الإصابات بفيروس كورونا، وهو ما يؤدي إلى بطء في إجراءات الكشف، إذ يتطلب كل كشف أن تنقل الفحوصات بسيارات اسعاف إلى بغداد برا.
على الجانب الآخر، ومن ناحية اقتصادية، وفي ظل تفشي فيروس كورونا عالميا، فإن الوباء أثر على مجمل الاقتصاد الدولي وأدى إلى انهيار كبير في أسعار النفط بما لا قل عن 50%، وهو ما سيؤثر على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على 95% منه على إيرادات النفط.
ليس هذا فحسب، فالقطاع الخاص في العراق الذي أصيب بالشلل جراء تفشي فيروس كورونا وحظر التجوال، يعاني مزيدا من التأزم، إذ أ نالقطاع الخاص يعتمد على القطاع العام وعلى رواتب الموظفين العموميين في البلاد.
مشكلات معقدة يواجهها العراق في ظل تفشي فيروس كورونا، إذ ان الواقع الصحي المقلق وعدم الوعي الشعبي لخطورة الفيروس والأزمة الاقتصادية كلها تدق ناقوس الخطر من أن العراق يواجه جائحة عالمية لم تفلح العديد من دول العالم المتقدمة من مواجهتها حتى الآن.