ادعت جريدة كويتية وجود معلومات تفيد بالتخطيط لانقلاب عسكري في العراق تدعمه واشنطن، وذلك بناءً على معلومات من مصادر في الحرس الثوري الإيراني، وبعيدًا عن التسريبات الواردة في الجريدة ومصداقيتها وحقيقتها، هل من الممكن حصول انقلاب عسكري في العراق؟ وهل يستطيع الاستمرار إن حصل؟ ولمصلحة من تُروج هكذا معلومات في توقيت حساس في أثناء فراغ السلطة وانتقالها من حكومة تصريف أعمال إلى مكلف خلافي جديد؟
إمكانية حصول انقلاب
إن الانسداد السياسي والتراخي المؤسسي والفراغ السياسي والإداري يدفع القوى المتنفذة والخاسرة إلى زيادة سلطتها وقوتها بملء ذلك الفراغ، سواء بانقلاب عسكري أم بالتفاعل والنشاط الاجتماعي وزيادة الرصيد الشعبي قبل حصول أي انتخابات أو تغييرات سياسية على مستوى القوة والنفوذ، لكن التسريبات الموجهة تفيد بدعم واشنطن لذلك الانقلاب المحتمل والتخطيط له، والولايات المتحدة هي من أسسست النظام العراقي وتدعمه إلى الآن، ومن غير الممكن أن تنقلب على نظام أسسته لوجود أدوات تغيير ديمقراطية غير عنيفة ضمن النظام نفسه قادرة على التغيير دون الحاجة إلى انقلاب عسكري غير محسوب العواقب والنتائج.
لقد أسست الولايات المتحدة نظامًا فيدراليًا لا مركزيًا بعد 2003 ودعمت فيه مبدأ المحاصصة الذي يدفع باتجاه تقاسم السلطة بين مكوناته، ومن الصعب جدًا حصول انقلاب في سلطة لا مركزية، فالانقلابات غالبًا ما تحصل في الدول ذات السلطة المركزية التي تُسهل عملية السيطرة على الدولة من خلال السيطرة على العاصمة والمؤسسات الحيوية فيها.
من جهة أخرى، الانقلاب العسكري يقوم به الجيش أو أي مؤسسة عسكرية قادرة على مسك الدولة والمؤسسات، وهناك عدد من الميليشيات والأجهزة الأمنية العراقية المختلفة الولاءات بما فيها الجيش العراقي ومن المستحيل إقناعها جميعًا بفكرة واحدة ودعم مشروع انقلاب غير شرعي، فهذا سيخلق نوعًا من النزاع بين الأجهزة الأمنية العراقية (حشد شعبي وجيش وشرطة اتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وبيشمركة، إلخ)، وإن حصل فسيكون بمثابة انتحار سياسي للطرف الذي قام به وسيؤدي إلى الفوضى والصراع الداخلي ولن تكون نهايته غير التقسيم.
إن القيام بانقلاب في المرحلة الحاليّة سيكون بمثابة طوق النجاة للقوى الشيعية والميليشيات المنقسمة وإعادة توحيد صفوفها بعد اغتيال سليماني، وستكون واشنطن قد ضيعت النتائج الإيجابية من اغتيال سليماني وهو ما لا يمكن أن يحصل بالمطلق إلا في أحلام فيلق القدس وميليشياته الولائية.
واشنطن بطيئة في تقويض نفوذ إيران وسياسة العقوبات والأزمات التي تمر بها إيران بالإضافة لوباء كورونا ستُعجل من انهيارها المفاجئ أو استسلامها لضغوط إدارة ترمب وإيجاد حل للميليشيات في العراق والمنطقة، فهي بعيدة كل البُعد عن التفكير بهكذا خيار في العراق.
لماذا يُروج حلفاء إيران للفكرة الآن؟
لا شك أن هناك مناورات في الخليج وتحركات عسكرية أمريكية في العراق وإعادة تموضع ونصب بطاريات باتريوت لحماية قوات التحالف الدولي من هجمات الكاتيوشا وتعزيز وجودها في القواعد المحصنة وإفراغ المعسكرات ذات البنى الدفاعية الضعيفة، وهو ما يقلق الميليشيات التي تتوجس من تلك التحركات وتفرغ هي الأخرى مقراتها المكشوفة بعد القصف الأمريكي عليها في الأسابيع الماضية، فهي مرتبكة من دعم الولايات المتحدة التوجهات العراقية والأجهزة الأمنية الموثوقة في ضبط الدولة والأجهزة الأمنية وإنهاء سطوة الميليشيات وفقًا للمسار والضغوط الدولية في هذا الاتجاه.
وتخشى الميليشيات فعليًا من انقلاب الدولة وأجهزتها وبعض قواها السياسية عليها من خلال دعم فكرة حصر السلاح بيد الدولة، وهو ما تسميه وتُروج له على أنه “انقلاب عسكري”، وفي الحقيقة يمكن تسميته “بقلب الطاولة” على القوى المدعومة من إيران وتأسيس نهج وأسس أمنية جديدة في التعامل مع قوى الإرهاب الشيعي والميليشيات الولائية.
القوى الشيعية المسيطرة داخل البيت الشيعي تواجه اليوم تفككًا وتصدعًا لم تشهده منذ 2003 مع تراجع دور المرجعية الدينية وغياب قاسم سليماني ورفض سياسي لمساعي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الطموح لتشكيل نوع من المرجعية السياسية أو “الأبوية” لقادة الكتل والأحزاب داخل البيت الشيعي المتصدع، فمراكز القوى شيعيًا وعراقيًا اختلت في هذه المرحلة وقد يقود ذلك لتحولات على مستوى السلطة والحكم وهو ما يُشعر هذه القوى بالخطر، فتروج لمخطط انقلاب عسكري قد يُخيف المجتمع المنتفض ويرضى بهذه الطبقة الفاسدة ويساهم في لملمة تلك الأطراف السياسية المختلفة على قرار يوحدها مرة أخرى.
مساعي واشنطن المخيفة
تتعامل إدارة ترمب مع إيران بطريقة “مصارعة الثيران”، تأتي إيران وميليشياتها مندفعة فتناورها واشنطن وتتجنب قرونها، لكنها تصيبها بضربات بالعمود الفقري لتنهكها، ومع تكرار الحالة تحاول واشنطن شل حركتها لدفعها للاعتراف بتغير موازين القوى وعليها التعامل مع الواقع الجديد في مرحلة ما بعد سليماني والنهج الأمريكي الصارم في تقويض نفوذها.
القوى السياسية القريبة من إيران والميليشيات الولائية يحاولون مقاومة المسارات الجديدة التي تتبعها واشنطن وتتلخص في هزيمة إيران بالعراق بأي وسيلة وقطع الصلات بسوريا ولبنان، فالعراق خندق المواجهة مع إيران ورئتها الاقتصادية ومحطة رئيسية للالتفاف على العقوبات الأمريكية، ومصدر تمويل مهم لفيلق القدس الإيراني والميليشيات، وقاعدة انطلاق تهدد دول الخليج وحلفاء واشنطن، فالانقلاب في موازين القوى يتحقق بعامل الوقت ولا تحتاج الولايات المتحدة لانقلاب عسكري يفقدها مقبولية ما تفعل تجاه طهران وميليشياتها.
أخيرًا، إن فكرة حصول انقلاب عسكري في العراق مدعوم من واشنطن تعد عبثية، لخلط الأوراق المبعثرة ومنح مبرر للميليشيات للقيام بأعمالها وكسب الشرعية والمقبولية لدى الشارع العراقي الذي فقد ثقته بها.