تشهد أرقام الوفيات والإصابات بفيروس كورونا المستجد ارتفاعًا كبيرًا، ما جعل الأطباء والباحثين من دول عديدة يسارعون لإيجاد دواء يخلص البشرية من الوباء الذي انتشر عبر العالم وفرض حالة حجر صحي لأكثر من مليار نسمة.
ضمن هذه المساعي لعلاج المصابين، جرب الأطباء عددًا من الأدوية المستخدمة من قبل في علاج أمراض وفيروسات مشابهة للكورونا، على غرار دواء “كلوروكين” الذي كان يستخدم سابقًا لعلاج مرضى الملاريا، وقد أعطى هذا الدواء نتائج إيجابية، فهل يكون “كلوروكين” منجدنا اليوم أيضًا؟
الوضع الوبائي العالمي
قبل الحديث عن هذا الدواء، سنعود لآخر الإحصاءات المرتبطة بوباء كورونا، فوفق إحصائية أعدها “نون بوست” استنادًا إلى مصادر رسمية، سُجلت إلى حدود الساعة 9 من صباح اليوم الخميس بالتوقيت العالمي 473 ألف و137 إصابة منذ بدء تفشي الوباء نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
سجلت إيطاليا حصيلة وفيات جراء فيروس كورونا أكبر من أي دولة أخرى، إذ بلغ إجمالي الوفيات 7503 حالات، في حين بلغ عدد الإصابات في هذا البلد الأوروبي 74 ألف و386 إصابة، ولا تزال لومبادريا، المنطقة التي تضم ميلانو العاصمة الاقتصادية في البلاد، المنطقة الإيطالية الأكثر تأثرًا بالفيروس، وتأتي بعدها إيميليا-رومانيا (منطقة بولونيا) وفينيتو (منطقة البندقية).
أما في إسبانيا، فقد أعلنت وزارة الصحة هناك، ارتفاع أعداد الوفيات إلى 3 آلاف و647 حالة وفاة، لتتخطى إسبانيا معدلات الوفاة بسبب المرض في الصين التي بدأ فيها انتشار الفيروس في ديسمبر/كانون الأول الماضي 2019.
وتحتل إسبانيا المركز الثاني عالميًا في أعداد الوفيات بعد إيطاليا، بزيادة 27% عن أرقام الضحايا خلال الـ24 ساعة الماضية، ورصدت السلطات الإسبانية 49 ألفًا و515 إصابة بفيروس كورونا المستجد، في الوقت الذي طالب فيه الجيش الإسباني، حلف شمال الأطلسي بمساعدات طبية لمواجهة انتشار الفيروس في البلاد.
أما في الصين – البلد الذي انطلق منه الوباء -، فقد بلغت الوفيات هناك صباح اليوم 3287، بعد تسجيل 6 وفيات فقط، فيما بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا 81 ألف و285 إصابة بعد تسجيل 67 إصابة في الـ24 ساعة الأخيرة.
تم التوصل إلى أن دواء “كلوركين” الذي كان يستخدم سابقًا لعلاج مرضى الملاريا، يعالج مرضى هذا الوباء بعد أن أعطى نتائج إيجابية في هذا الشأن
وفي إيران – البؤرة الكبرى لفيروس كورونا في الشرق الأوسط – استقر عدد الوفيات جراء الوباء، إلى حد كتابة هذه الكلمات، في حدود 2077، كما استقر عدد المصابين عند 27 ألف و17 إصابة، أما الولايات المتحدة الأمريكية فتتجه إلى أن تكون البؤرة الجديدة للوباء.
وتواجه الولايات المتحدة ارتفاعًا متسارعًا في عدد المصابين بالفيروس، حيث بلغ عدد المصابين بالعدوى في البلاد نحو 68 ألف و489 حالة، توفي بينهم أكثر من ألف و32 شخصًا، وسبق أن حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الولايات المتحدة قد تكون البؤرة التالية لانتشار وباء فيروس كورونا بعد إيطاليا، فيما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الطوارئ في ولايات واشنطن ونيويورك وكاليفورنيا، بعد تزايد أعداد الإصابات.
وظهر هذا الفيروس لأول مرة في مدينة ووهان وسط الصين، وذلك في 12 من ديسمبر/كانون الأول 2019، وانتشر لاحقًا في معظم الدول، ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية، حالة الطوارئ على نطاق دولي لمواجهة تفشي الفيروس الذي انتشر لاحقا في عدة بلدان، ما تسبب في حالة رعب سادت العالم أجمع.
استخدام الكلوروكين
هذه الأعداد كما قلنا، سرعت في عمليات البحث عن دواء لهذا الوباء يتيح تطويق فيروس كورونا، فتم التوصل إلى أن دواء “كلوركين” الذي كان يستخدم سابقًا لعلاج مرضى الملاريا، له أن يعالج مرضى هذا الوباء بعد أن أعطى نتائج إيجابية في هذا الشأن.
وينتمي الكلوروكين إلى فئة من الأدوية تسمى مضادات الملاريا، ويستخدم لمنع وعلاج نوبات الملاريا الحادة، كما أنه يستخدم لعلاج أمراض أخرى مثل الذئبة الحمامية والتهاب المفاصل الروماتويدي في المرضى الذين لم تتحسن أعراضهم مع العلاجات الأخرى، ويباع تجاريًا باسم “بلاكونيل”.
يأتي الكلوروكين في صورة أقراص، ويؤخذ بجرعات مختلفة حسب الحالة والشخص، فمثلًا للوقاية من الملاريا لدى البالغين، عادة ما يتم تناول قرصين مرة واحدة في الأسبوع في اليوم نفسه من كل أسبوع، وتؤخذ الجرعة الأولى قبل أسبوع إلى أسبوعين قبل السفر إلى منطقة تنتشر فيها الملاريا، ثم تستمر الجرعات لمدة ثمانية أسابيع.
أعلنت مجموعة “سانوفي” الدوائية الفرنسية أن دواء الكلوروكين الذي يباع تحت اسم العلامة التجارية “بلاكنيل” المضاد للملاريا الذي تنتجه، أعطى نتائج “واعدة” في معالجة مرضى فيروس كورونا الجديد، وكشفت تجارب سريرية للدواء أجريت في معهد للأبحاث بمدينة مارسيليا جنوبي فرنسا على 24 مريضًا أن ثلاثة أرباعهم تعافوا من الوباء.
دواء “كلوروكين” يزيل الفيروس من الجهاز التنفسي مما يقلل احتمال نقل المريض للعدوى ويحسن وضعه الصحي
كما أعلنت الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية سيبيت ندياي أن “فرقًا طبية جديدة ومستقلة تمامًا عن فريق ديدييه راؤول الطبي ستشرع في القيام بتحاليل على نطاق واسع لمعرفة مدى جدوى الكلوروكين في معالجة فيروس كوفيد 19”.
وتعد الصين من بين البلدان الأوائل التي اختبرت الكلوروكين لمعالجة المصابين بالفيروس في بداية شهر فبراير/شباط الماضي، وحسب غزو نانبينغ، نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، أسفرت عملية اختبار مادة الكلوروكين على 135 مصابًا بفيروس كوفيد 19 عن نتائج جيدة جدًا، مظهرة أن الحالة المرضية للمصابين لم تتدهور أكثر بعد تناول هذا العقار.
وشاع استخدام هذا الدواء منذ أكثر من نصف قرن في العالم، لا سيما في القارة الإفريقية وعدد من دول أمريكا اللاتينية، وينصح كل مسافر إلى هذه المناطق (إفريقيا وأمريكا اللاتينية) استخدام هذا الدواء، وتناوله بغرض تجنب الإصابة بالملاريا.
تقول بعض الأبحاث إن هذا العقار يثبط الخطوات المعتمدة على معامل الحموضة والضرورية لدخول فيروس كورونا للخلية ولاستنساخ الفيروس، ويثبط إنتاج وتحرر المواد السامة المؤذية بشدة للرئتين والعضلة القلبية والمسؤولة عن التفاعلات الالتهابية المؤذية عند مرضى الحالات الشديدة من كورونا الجديد.
كما يقول الطبيب الفرنسي ديدييه راؤول مدير المعهد الاستشفائي الجامعي في مرسيليا، إن دواء “كلوروكين” يزيل الفيروس من الجهاز التنفسي مما يقلل احتمال نقل المريض للعدوى ويحسن وضعه الصحي.
بدء استخدام العقار
دول كثيرة عبر العالم بدأت تنظر إلى الكلوروكين على أنه عقار ناجع في شفاء المصابين بفيروس كورونا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حيث صرح الرئيس دونالد ترامب بأن دواء “كلوروكين”، حقق نتائج واعدة في علاج فيروس كورونا، وأضاف أن إدارة الدواء والغذاء ستجيزه قريبًا، ليكون متوفرًا في السوق الأمريكية، ويؤمن ترامب بأن تلك الأدوية تمثل في الوقت الراهن الأمل الوحيد لمعالجة المصابين بكورونا.
شرع أطباء تونسيون في استخدام دواء “الكلوروكين” الخاص بعلاج الملاريا، مع أدوية أخرى، ضمن تجارب سريرية لعلاج المصابين
وجه خبراء الصحة العامة الفرنسيون، ملاحظة تحذيرية بشأن استخدام عقار الكلوروكين المضاد للملاريا، ضد المرض الناجم عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، لكنهم قالوا إنه يمكن استخدامه للمرضى ذوي الحالات الخطيرة وفي ظل ظروف صارمة.
وأعلنت وزارة الصحة الأردنية استخدام العقار “هيدروكسي كلوروكين” في علاج فيروس كورونا المستجد، وقال الناطق باسم اللجنة الوطنية للأوبئة الدكتور نذير عبيدات إن العقار له تأثير إيجابي على المرضى بيد أنه ليس علاجًا نوعيًا.
من جهتهم شرع أطباء تونسيون في استخدام دواء “الكلوروكين” الخاص بعلاج الملاريا، مع أدوية أخرى، ضمن تجارب سريرية لعلاج المصابين بفيروس كورونا، وقال شكري حمودة المدير العام للرعاية الصحية الأساسية (حكومية تابعة لوزارة الصحة)، إن مجموعة من العلماء والباحثين في تونس ضبطوا طريقة استخدام ”الكلوروكين” مع إضافة أدوية أخرى له، في إطار علاج المصابين بفيروس كورونا.
بدوره، بدأ المغرب في استخدام هذا الدواء، وقالت وزارة الصحة المغربية، إن استعماله لعلاج المغاربة المصابين بـ”كوفيد 19″، يأتي نظرًا للنتائج الإيجابية التي حققها بعدد من دول العالم كالصين وأمريكا، كما أنه قرار “سيادي ومستقل وآمن”.
كما قال عبد الرحمان بن بوزيد وزير الصحة الجزائرية إن بلاده قررت اعتماد بروتوكول علاج جديد بدواء مصنع محليًا ومستورد ومتوافر بكميات كافية، ووفق تعليمة أبرقت بها الوزارة لمختلف مديريات الصحة والمستشفيات، فالأمر يتعلق بدواء “كلوروكين” الذي اعتمدته عدة دول كعلاج للمصابين بالفيروس.
كما قررت دول أخرى مثل إيطاليا ودول خليجية عدة استخدامه لأنه ببساطة لا يوجد حتى الآن علاج أفضل منه للحد من انتشار هذا الفيروس الذي يهدد مستقبل البشرية عامة.