ترجمة وتحرير نون بوست
بعد الحوادث الرهيبة التي أدت إلى وفاة أكثر من 1880 مهاجر غير شرعي إلى أوروبا خلال العام الجاري، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستتحمل مسئولية القيام بدوريات في البحر المتوسط اعتبارًا من أغسطس 2014، قُدرت أعداد طالبي اللجوء إلى أوروبا بأكثر من 124380 شخص، وهو أكبر رقم في التاريخ الحديث!
بالمعدل الحالي، تستعد 2014 لكسر الرقم القياسي في 2011، حيث وصل عدد المهاجرين إلى أكثر من 140 ألف مع بداية الربيع العربي، لكن الصراعات في سوريا والعراق وعدم الاستقرار بشكل عام في أفغانستان وإريتريا والصومال دفعت المزيد من الناس لترك منازلهم بحثًا عن ملاذ آمن في أوروبا، ومع ذلك، يدفعون مبلغًا مرتفعًا ليخوضوا معركة قاسية وخطيرة في طريقهم إلى تلك البلاد.
وفي مواجهة هذا العدد المتزايد من اللاجئين، ظهر عوار نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2003 وعدد من الدول الأعضاء في اتفاقية شنغن بما في ذلك سويسرا والنرويج وأيسلندا قامت بتطبيق سياسة لجوء مستقلة نادت بها قوانين دبلن، بموجب هذا التشريع، يجب على طالبي اللجوء الحصول علي اللجوء في البلد الأول الذي يجمع بصمات أصابعهم، وفي حال وُجدوا في دول أخرى، فإنهم يواجهون الطرد إلى نقطة دخولهم إلى الاتحاد الأوروبي.
عندما تم تأسيس هذا النظام، كان أحد أهدافه هو منع ما يُعرف بـ “لجوء التسوق”، عندما يقدم نفس الشخص طلبات اللجوء في أكثر من دولة أو يذهب إلى الدول التي تقدم رعاية أفضل للاجئين.
منذ 2013، تم جمع البصمات لجميع المتقدمين وتخزينها في قاعدة بيانات مشتركة تسمى يوروداك، وقد أدى ذلك إلى أن يحرق المهاجرون أيديهم بمجرد أن يتم أخذ بصمته في دول مثل إيطاليا أو اليونان من أجل التقديم على طلب اللجوء في دول مثل السويد أو بريطانيا.
نتيجة أخرى، ربما هي مقصودة من هذا الإجراء، وهي خلق منطقة عازلة بين المهاجرين ودول شمال أوروبا الثرية ذات الاقتصادات الأقوى والمزيد من الموارد لتوفير خدمات أفضل لطالبي اللجوء، في الواقع، أفضل عشر اقتصادات في الاتحاد الأوروبي، جميعها تقع في تلك المنطقة الشمالية.
ألمانيا، أكبر اقتصاد وبين الأقوى في الاتحاد الأوروبي، يتم “حمايتها” على جوانبها الأربعة من قبل دول أخرى ستكون مسئولة عن المهاجرين بموجب لائحة دبلن، في مارس 2013 وصل 300 مهاجر من أفريقيا إلى مدينة هامبورج الساحلية الشمالية على أمل إيجاد تصاريح عمل في ألمانيا بسبب انعدام الفرص في إيطاليا، وجهتهم الأولى بعد وصولهم عقب رحلة مروعة من ليبيا، رفضت الحكومة مطلبهم واستمرت التظاهرات في جميع أنحاء البلاد من قبل طالبي اللجوء ومؤيديهم.
وضع هذا النظام عبئًا كبيرًا على دول جنوب وشرق أوروبا، مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا وبلغاريا وحتي تركيا، قبل لائحة دبلن، كثير من هذه الدول كانت تعرف باسم بلدان العبور، حيث يعبر منها المهاجرون في طريقهم إلى الشمال، الآن، تواجه هذه الدول صعوبات في التعامل مع الأعداد القياسية الجديدة من الوافدين في خضم الأزمة الاقتصادية.
في اليونان، قامت سلطات الهجرة بالقبض على 14800 مهاجر حتى الآن في 2014، بزيادة قدرها 143٪ عن العام السابق، وهذا ما كلف الحكومة 81 مليون دولار في ميزانية عام 2013 حيث يبلغ معدل البطالة أعلى معدلاته في أوروبا، تلقت اليونان انتقادات شديدة بسبب تعاملها مع المهاجرين، واتهمت منظمة العفو الدولية حرس الحدود بإبعاد قوارب المهاجرين تجاه المياه التركية، في حين كشف تقرير منظمة أطباء بلا حدود عن الأوضاع المزرية في مراكز الاحتجاز اليونانية، وفي النهاية، إذا استطاع المهاجرون البقاء على قيد الحياة من الجحيم اليوناني، فإن فرصتهم في الحصول على لجوء تصل إلى 4٪ أو أقل!
ومع ذلك، تحصل إيطاليا على نصيب الأسد من طالبي اللجوء، فوفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، هبط 108172 شخص على سواحل إيطاليا حتى 24 أغسطس، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، نظرًا لقربها الجغرافي من أفريقيا، أصبحت إيطاليا نقطة دخول لكثير من المهاجرين إلى أوروبا، الحكومة أُغرفت، المخيمات مكتظة والبلاد تواجه ضغوطًا مالية كبيرة.
في 2013، توفي عدة مئات من المهاجرين على سواحل لامبيدوسا في أكتوبر، ومنذ ذلك الحين، أطلقت الحكومة الإيطالية حملة بحرية لإنقاذ المهاجرين من السفن غير الصالحة للإبحار في المتوسط، البرنامج يتكلف حوالي 12 مليون دولار شهريًا، وطلبت إيطاليا مرارًا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقاسم عبء طالبي اللجوء، طلب وجد أخيرًا آذانًا صاغية من خلال مبادرة على مستوى الاتحاد الأوروبي، فالاقتصاد الإيطالي ينوء بعبء 61٪ من طالبي اللجوء إلى أوروبا.
تدفق العديد من المهاجرين إلى بلغاريا كذلك، أفقر دول الاتحاد الأوروبي تشارك الحدود مع تركيا، واحدة من بلدان العبور الرئيسية على طريق أوروبا، الحكومة تفكر في إقامة سياج بالفعل لمنع المزيد من طالبي اللجوء من الدخول، بينما تحاول بلغاريا التوفيق بين إمكاناتها المتواضعة وبين استقبال عدد أكبر من اللاجئين بنسبة قبول 87٪، العديد من المهاجرين يناضلون لإثبات وجودهم هناك بسبب انعدام الفرص والموارد.
بالنسبة للكثيرين، الوصول إلى أوروبا ليس ضمانة لبدء حياة جديدة، فأكثر من ثلثي طلبات اللجوء تم رفضها، ومن المفارقات أن العديد من البلدان الأكثر ثراءً والتي تقبل أكبر عدد من المتقدمين هم خارج المنطقة العازلة، فعلى سبيل المثال، ترحب خمس دول (السويد، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا وبريطانيا) بأكثر من 70٪ من طالبي اللجوء، في حين أن السويد وسويسرا والنمسا تقدم أكبر قدر من الحماية لجميع السكان.
العملية أكثر تعقيدًا بسبب التفاوت الكبير بين معدلات القبول في البلدان المختلفة، مما يدل على ضرورة وجود أداة تقييم أوروبية شاملة لدراسة طلبات اللجوء جميعها، هذا من شأنه أن يساعد على تبسيط النظام الذي يعاني حاليًا من حالة من الشيزوفرانيا، وسيسمح لأوروبا ككل باستقبال أعداد أكبر من طالبي اللجوء، خاصة من مناطق النزاع في سوريا والعراق وأفغانستان، بدلاً من ترك المهاجرين للمقامرة بحياتهم، حيث تتعلق فرصهم في الحصول على اللجوء بالشواطئ التي يهبطون عليها لا باستحقاقهم للجوء من عدمه.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية