ظهرت العديد من التقنيات الحديثة في عصرنا الحاليّ التي كانت في يومٍ من الأيام مجرد ضربٍ من ضروب الخيال، ومن ضمن تلك التقنيات تقنية الواقع الافتراضي VR التي تنقلك من العالم الواقعي إلى عالمٍ آخر مبني على الخيال تعيشه كأنك في الواقع، تتحكم به وتتحرك فيه بحرية لدرجة تُثير لديك الشك بأن ما تراه مجرد خيال.
إلى جانب ذلك برزت تقنية أخرى موازية لها عُرفت باسم الواقع المعزز AR، وهي تقنية جديدة قلبت موازين الحياة الواقعية بقدرتها على إضافة تفاصيل عديدة إلى عالمك الحقيقي.
ما هو الواقع الافتراضي Virtual Reality؟
الواقع الافتراضي هو عالم يصنعه الحاسوب بطريقة مجسمة ثلاثية الأبعاد، بحيث يُمكنك أن تتحرك فيه وتعيش مغامرات عديدة خلاله بمساعدة بعض الأجهزة التقنية المرافقة، مثل خوذة الرأس المخصصة والنظارات والسماعات وقفازات خاصة تُمكنك من مسك الأشياء في عالمك الوهمي.
ما هو الواقع المعزز Augmented Reality؟
هي تقنية حديثة تشبه إلى حدٍ كبير تقنية الواقع الافتراضي، لكن مع اختلاف جوهري بارز، وهو أن المستخدم سيتمكن من رؤية مشاهد وهمية في محيطه الحقيقي بعرض 2D و3D، حيث تندمج المشاهد مع الواقع الحقيقي للمستخدم لتُنتج ما يُعرف بالواقع المعزز أو AV.
تعتبر الصناعة العسكرية من أكثر الصناعات جذبًا لكل ما هو حديث، فما إن تظهر تقنية حديثة أو نهج جديد، إلا وكان المجال العسكري أول المستخدمين لها، وهذا الشيء ينطبق على تقنيتي الواقع الافتراضي والمعزز.
نتعرف في هذا التقرير الذي يندرج في ملف التكنولوجيا والدفاع، على أهم الاستخدامات لتلك التقنيتين في المجال العسكري:
استخدام تقنيتي AR & VR في تدريب الجنود بالمجالات العسكرية
إذا علمنا أن 1 من أصل 20 جنديًا يتوفون في التدريبات العسكرية، لأدركنا أهمية هاتين التقنيتين في التدريب دون خسارة الأرواح، إذ تعتبر هاتان التقنيتان آمنتان جدًا إضافةً إلى أنهما أقل تكلفة.
ويتضمن التدريب استخدام شاشات العرض المثبتة على الرأس (HMD) وقفازات البيانات ليتمكن العسكريون من التفاعل مع الأشياء داخل بيئة افتراضية. وينقسم إلى أنواع تشمل كل المجالات:
التدريب الجوي
استخدام تقنية الواقع الافتراضي في التدريب على الطيران مقارنة بالطائرات الفعلية يكون أقل تكلفة، بالإضافة إلى إمكانية إدخال عنصر خطر في هذه التدريبات ولكن دون التسبب في ضرر مادي حقيقي للمتدربين.
تدريب المظليين
استخدام هاتين التقنيتين في التدريب على الهبوط والتعامل معه في أجواء مناخية مختلفة وبيئات تضاريسية قاسية يتيح تجربة هذه الحالة والتفاعل معها حتى إن ارتكبت أخطاء والاستفادة دون خسائر مادية أو خسائر فى الأرواح.
التدريب الطبي الميداني
يجب أن تكون الفرق الطبية العسكرية قادرة على العمل بسرعة ومهنية في الظروف الخطرة، ويتطلب أن يكون الجندي متأهبًا لأي حالة طارئة والتعامل معها بسرعة لإنقاذ الأرواح.
وهنا يظهر فائدة التدريب بتقنيتي AR وVR، اللتين أعطتا الأطباء والمسعفين الخبرة اللازمة في حالات القتال.
التدريب على القتال
لتدريب الجنود على المواقف القتالية في البيئات الخطرة، حيث يتوجب عليهم تعلم كيفية التصرف بطريقة مناسبة. تمكنهم هاتان التقنيتان من القيام بذلك ولكن دون تعرضهم لخطر الموت أو لإصابة خطيرة.
التدريب البحري
تستخدم تقنيتا الواقع الافتراضي والمعزز في تدريب الجنود على الملاحة البحرية وتزويدهم بالخبرة في التعامل مع أي مخاطر محتملة في البحر وقيادة السفن وقت السلم والحرب للتدريب بأقل خسائر.
استخدام التقنيتين AR&VR في ساحات المعركة
تقدم هاتان التقنيتان تطبيقاتٍ عديدةً في المجال العسكري للقوات البرية والجوية والبحرية، إذ تعد لوحات العرض الافتراضية أو العائمة (Heads-Up Display) أفضل مثالٍ على ذلك، إذ يستطيع الطيارون استخدامها لأنها عملية، فلا يحتاج الطيار أن يقوم بأي حركةٍ أو أن يدير رأسه، بذلك يستطلع كل المعلومات الرئيسية دون أن يتشتت انتباهه.
تشتمل المعلومات المعروضة أمام الطيار ارتفاعه وسرعته وخط الأفق وزوايا انحرافه، كما يمكن أن تُعرض معلوماتٌ عن الأجسام الغريبة مثل سرعتها وغير ذلك من البيانات المهمة.
يمكن كذلك استخدام هذه التقنية لدى الجنود المشاة من خلال تقنية Head-mounted display التي يرمز لها اختصارًا HMD، وذلك من خلال خوذٍ يرتديها الجنود يستطيعون استعراض إحداثياتهم من خلالها، ومعرفة مواقع العدو وتمييزهم.
يمكن أن تثبت كاميرات في الخوذ، ويستطيع الجنود من خلالها استطلاع المحيط من حولهم دون تعرضهم للإصابة، وكما الحال عند الطيارين، فمن المهم تركيز الجندي بشكلٍ كاملٍ على المراقبة من حوله، وقد يؤدي توقفه لحظةً واحدةً لمعرفة إحداثياته لتعرضه لخطرٍ، وهنا تكمن أهمية هاتين التقنيتين.
AR&VR في الصناعة العسكرية
يستفاد من هاتين التقنيتين فى التخطيط لهيكلة المعدات والآلات العسكرية مسبقًا قبل تصنيعها، مما يسهل على المصممين تعديل واقتراح تغيرات على التصميم قبل دخوله مرحلة التنفيذ، وعرضها على الممولين لإقناعهم بمدى أهمية التصميم ودفعهم للإنفاق بسخاء عليه.
استخدام AR&VR في العلاجات النفسية للجنود
يمكن للجنود الذين يعانون من صدمة في ساحة المعركة وغيرها من الحالات النفسية أن يتعلموا كيفية التعامل مع أعراضهم في بيئة “آمنة”.
وهذا له تأثير في تقليل الأعراض ومواجهة مرضهم وعلاجه، فعلى سبيل المثال هاتان التقنيتان تستطيعان تقليد أجواء المعارك والأصوات، ولنجاح العلاج توضع مقاعد ونظام مضخم للصوت، ما يُمكِن المريض حينها من مواجهة ما يسبب له القلق والخوف، وجهًا لوجه، في بيئة مُسيطر عليها.
وكجزء من العلاج يتم قياس الاستجابات الفسيولوجية مثل معدل ضربات القلب وعضلات الوجه والنشاط الكهربائي والتنفس وتحديد فكرة أفضل عما يخلق الخوف، ومن ثم توفير علاج فعال.
سلبيات تقنيتي الواقع الافتراضي والمعزز في المجال العسكري
على الرغم من فاعلية الواقع الافتراضي وأهميته في مجال العسكري والتدريب، فإنه لا يخلو من السلبيات التي تعيق التوسع في استخدامه، ومن هذه العيوب والسلبيات:
محدودية استخدام الواقع الافتراضي نتيجة للتكاليف المبدئية الباهظة عند شراء الأجهزة المطلوبة وارتفاع سعر تكلفة إنتاج البرامج الافتراضية، كذلك محدودية تأثير الحواس الخمسة في نظام الواقع الافتراضي الذي لا يتجاوز في استخدامه إلا حاسة السمع والبصر واللمس، ولكن ربما ستظهر مستجدات أخرى تستخدم الحواس الأخرى مستقبلًا.
إضافة إلى أن الاستخدام المفرط لبرامج الواقع الافتراضي وأجهزة الحاسوب، له تأثيره الصحي السلبي، فاستخدام نوعيات خاصة من نظم الحاسب الآلي التي تتضمن تواتر إطارات الصور المتحركة التي تزيد على خمسة عشر إطارًا في الثانية يؤدي إلى إصابة الفرد بالغثيان والصداع وأعراض أخرى مثل إرهاق الجهاز العصبي وتوتره.
والأهم أن التدريب بهذه التقنية لا يكون مماثلًا للتدريب الحقيقي من حيث تلقي المتدرب، حيث يكون لديه معرفة مسبقة بأن ما سيتعرض له خيالًا أو وهمًا ومن هنا لا يمكن الحكم على ردة فعله الحقيقية.