تترقب الجزائر، سنة اقتصادية صعبة لم تعرفها البلاد منذ سنوات عدة، نتيجة التراجع الحاد في أسعار النفط بالأسواق الدولية لتبلغ أدنى مستوياتها منذ عقود وتفشي جائحة كورونا بالبلاد وتعطيلها لأغلب مرافق الحياة.
صعوبات كبيرة، حتمت على السلطات الجزائرية اتخاذ إجراءات عاجلة لتفادي أزمة يمكنها أن تعصف بالسلم الاجتماعي في البلاد، من بين تلك الإجراءات تسريع مسار إنشاء بنوك إسلامية خاصة في البلاد (الصيرفة الإسلامية)، فهل يمكن لهذه البنوك إنقاذ الجزائر؟
تراجع الاقتصاد الجزائري
انهيار أسعار النفط بأكثر من 9% لتبلغ أدنى مستوياتها منذ عقود، بعد رفض روسيا اقتراح منظمة “أوبك” تخفيض إنتاج النفط لتحقيق استقرار في الأسعار واشتعال الحرب النفطية وانتشار كورونا في البلاد، كلها أسباب جعلت السلطات الجزائرية تدق ناقوس الخطر.
وتوقعت الجزائر في سنة 2020 مداخيل بحدود 35 مليار دولار بسعر مرجعي في الميزانية العامة قدر بـ50 دولارًا للبرميل، لكن مع تراجع أسعار النفط ستتغير الأرقام، فمن المنتظر أن تخسر الجزائر ما يعادل 15 دولارًا في البرميل وهي قيمة مرتفعة وإذا تواصلت الأسعار على ما هي عليه فإن الخسائر السنوية قد تصل إلى حدود 15 مليار دولار.
يعتبر هذا القرار إنجازًا كبيرًا في دولة تشهد ركودًا في مجال المالية الإسلامية، رغم مرور عقود على تبني هذا النظام المالي
انهيار إيرادات الطاقة، أدى إلى هبوط احتياطات النقد الأجنبي في الجزائر إلى 62 مليار دولار من 72.6 مليار دولار في أبريل/نيسان من العام الماضي، و79.9 مليار دولار في نهاية 2018، و97.3 مليار في نهاية 2017 وفقًا لبيانات رسمية.
حدد النظام مفهوم العملية البنكية التي تدخل ضمن الصيرفة الإسلامية في كل عملية لا يترتب عليها تحصيل أو تسديد فوائد
ويتوقع خبراء اقتصاد جزائريون، استنفاد هذا الاحتياطي في ظرف سنة كأقل تقدير إذا استمرت الأزمة لأشهر عديدة دون تسجيل أي تعاف، ما سيحتم على الحكومة إجراء العديد من المراجعات، وسبق أن توقعت ميزانية الدولة للعام الحاليّ تقلص هذه الاحتياطات إلى 51.6 مليار دولار مع نهاية العام.
هذه المؤشرات من شأنها أن تؤدي إلى تراجع اقتصاد البلاد، ذلك أن الاقتصاد الجزائري يعتمد بالكامل على عائدات النفط والغاز، وتمثل هذه العائدات 98% من تمويل موازنة الدولة، ما يجعل الاقتصاد مرتبطًا بالكامل بالنفط وأسعاره.
منتجات مصرفية إسلامية جديدة
في ظل هذه الأزمة وسعيًا منه لمواجهة تداعيات الصدمة النفطية وانتشار فيروس كورونا، رخص البنك المركزي الجزائري، بقيام البنوك العاملة في السوق المحلية، بالتسويق لثمانية منتجات مصرفية إسلامية جديدة، وأورد آخر عدد للجريدة الرسمية، الخميس، أن الترخيص جاء تنفيذًا لما أقره مجلس الوزراء قبل أيام، باعتماد هذا النظام في العمليات المصرفية.
ضم هذا القرار الذي وقعه محافظ بنك الجزائر أيمن بن عبد الرحمان، كل تفاصيل تجسيد التعامل بالصيرفة الإسلامية عبر البنوك العمومية والخاصة.
كما حدد النظام مفهوم العملية البنكية التي تدخل ضمن الصيرفة الإسلامية في كل عملية لا يترتب عليها تحصيل أو تسديد فوائد، ووفق الوثيقة فإن البنوك مرخص لها بتسويق 8 منتجات مصرفية إسلامية هي: المرابحة والمضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع وحسابات الودائع وودائع الاستثمار.
يعود اعتماد أول بنك إسلامي إلى عام 1991، وهو بنك البركة الجزائري
وسابقًا، كانت خدمات الصيرفة الإسلامية في الجزائر تتمثل في تمويلات لشراء عقارات (أراضٍ وعقارات) وسيارات ومواد استهلاكية (أثاث وتجهيزات)، فضلًا عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة، وبهذا القرار الجديد ستزيد خدمات الصيرفة.
يعتبر هذا القرار إنجازًا كبيرًا في دولة تشهد ركودًا في مجال المالية الإسلامية، رغم مرور عقود على تبني هذا النظام المالي، وتعود المحاولة الأولى لتأسيس بنك إسلامي في الجزائر إلى ثلاثينيات القرن الماضي بمبادرة من الشيخ أبي اليقظان، حيث تقدم حينها بعض التجار والأثرياء الجزائريين بطلب الترخيص لتأسيس مصرف إسلامي جزائري، لكن سلطات الاحتلال الفرنسي آنذاك رفضت الطلب.
أما في خصوص الجزائر المستقلة، فيعود اعتماد أول بنك إسلامي إلى عام 1991، وهو بنك البركة الجزائري برأسمال نصفه من القطاع الخاص الأجنبي، ثم تلاه عام 2008 مصرف السلام الجزائري، وقبل عامين أقبلت بعض البنوك التقليدية على فتح نوافذ تقدم خدمات مصرفية إسلامية، وفي سنة 2017، أعلنت الحكومة الجزائرية إدراج الصيرفة الإسلامية في 6 بنوك حكومية، لكن العملية لم تترجم على أرض الواقع لأسباب لم تفصح عنها الحكومة.
وتوجد في البلاد حاليًّا 30 مؤسسة بنكية، منها 7 عامة (حكومية)، وأكثر من 20 بنكًا أجنبيًا من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية، وواحد بريطاني وآخر إسباني، وتقتصر الصيرفة الإسلامية في البنوك المعتمدة على الأجنبية منها، (خليجية) بالدرجة الأولى، على غرار فرع الجزائر لمجموعة “البركة” البحرينية وفرع “بنك الخليج الجزائر” كويتي وبنك السلام الإماراتي.
سبق أن أقرت السلطات الجزائرية بعجزها عن احتواء الأموال المتداولة خارج السوق الرسمية والمكتنزة في البيوت
تجميع الأموال المتدوالة في السوق الموازية
هذا الإجراء تطمح من خلاله السلطات الجزائرية أن يساهم في استرجاع الثقة بالمؤسسات المالية واستقطاب الموارد المالية الشاردة والنائمة خارج القطاع الرسمي نحو البنوك، فالحكومة تراهن على الصيرفة الإسلامية لامتصاص الأموال المتداولة خارج البنوك أي في السوق الموازية والمقدرة بأكثر من 50 مليار دولار، وهو ما يقارب حجم ميزانية الدولة حسب تقديرات غير رسمية.
ويعود ارتفاع قيمة الأموال في السوق المركزية إلى فقدان نسبة كبيرة من الجزائريين الثقة بالبنوك ما جعلهم يفضلون الاحتفاظ بها نقدًا في بيوتهم في خزانات الأموال الحديدية أو التعامل نقدًا دون المرور عبر البنوك.
وسبق أن أقرت السلطات الجزائرية بعجزها عن احتواء الأموال المتداولة خارج السوق الرسمية والمكتنزة في البيوت، داعية البنوك إلى ضرورة استقطاب أموال الجزائريين عن طريق الخدمات الإسلامية وتسهيل عملية جمع أموال السوق السوداء، ويعتبر فتح المجال للبنوك العمومية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية بالموازاة مع مواصلة التعامل بالطريقة الكلاسيكية، أداةً لتشجيع أصحاب الأموال على التعامل مع البنوك.
يعتبر فتح المجال للبنوك العمومية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية بالموازاة مع مواصلة التعامل بالطريقة الكلاسيكية، أداةً لتشجيع أصحاب الأموال على التعامل مع البنوك وفتح الحسابات
ينتظر الجزائريون، وفق الخبير الاقتصادي الجزائري عمر هارون، المراسيم التنفيذية للنظام الجديد على غرار الهيئة الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية، التي تعتبر هيئة شرعية وطنية الهدف منها الضبط الشرعي للمنتجات المالية، بالإضافة لآليات الفصل المالي والمحاسبي بين الشبابيك الإسلامية ونظيرتها التقليدية داخل البنك الواحد.
ويؤكد عمر هارون في حديث لنون بوست أن إطلاق نظام الصيرفة الإسلامية في الجزائر أصبح ضرورة وهو ما تفطنت له السلطة السياسية، خاصة أن التوجه العام الذي يريده الرئيس هو التحول نحو تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ومن شأن ترخيص البنك المركزي الجزائري، بقيام البنوك العاملة في السوق المحلية، بالتسويق لثمانية منتجات مصرفية إسلامية جديدة، أن يدفع عددًا مهمًا من الجزائريين الذين لديهم موقف رافض للتعامل مع البنوك الربوية، بوضع الأموال التي يملكونها لدى البنوك الإسلامية.
ويعتبر فتح المجال للبنوك العمومية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية بالموازاة مع مواصلة التعامل بالطريقة الكلاسيكية، أداةً لتشجيع أصحاب الأموال على التعامل مع البنوك وفتح الحسابات والأرصدة المصرفية، دون الوقوع في المحاضر الشرعية واختلاط أموالهم بالفوائد الربوية.