ترجمة وتحرير: نون بوست
إن أفريقيا التي تتسم مدنها الكبرى بكثافة سكانية عالية وبنية أساسية صحية رديئة وضعف الاستثمار الصيني لا تزال تشكل مصدر قلق متنامي فيما يتعلق بفيروس كورونا، وذلك حتى مع استجابة الحكومات الأفريقية بقوة لتهديد الصحة العامة. ويعتبر شرق أفريقيا مُعرضًا للخطر بشكل خاص نظرًا لأن جائحة فيروس كورونا تتزامن مع وصول أسراب الجراد التي قد تدمر الزراعة والاقتصاد.
في 23 آذار/ مارس، أتيحت لي فرصة التواصل مع عمر علي عبد الله، وزير الصحة في أرض الصومال، عبر البريد الإلكتروني للتحدث عن كيفية تمكن الدولة الأكثر عزلة دبلوماسيًا في العالم حتى الآن من البقاء في مأمن من تفشي جائحة فيروس كورونا. وفي الوقت الذي أبلغت فيه جميع الدول المجاورة عن تفشي الفيروس، كانت أرض الصومال الفقيرة ولكن التقدمية قادرة حتى الآن على منع تفشي الفيروس.
تعتبر أرض الصومال نموذج نجاح غير متوقع. عندما حكم سياد بري مدينة مقديشو بقبضة حديدية، شن حملة إبادة جماعية ضد قبيلة إسحاق في أرض الصومال، مستخدمًا القصف الجوي والمدفعي الذي تسبب في دمار 85 بالمئة من عاصمتها هرجيسا. وعندما أجبرت قوات المعارضة في نهاية المطاف سياد بري على الفرار في سنة 1991، انهارت الدولة الصومالية ودخلت في حالة من الفوضى. ومع ذلك، ظلت أرض الصومال تنعم بالسلام إلى حد كبير، ثم أعادت التأكيد على استقلالها سنة 1960 رغم عدم اعتراف أي دولة أخرى باستقلالها.
تسيطر أرض الصومال على 460 ميلاً من الساحل على طول خليج عدن، والحدود البرية مع جيبوتي وإثيوبيا والصومال. فضلا عن ذلك، تعدّ أرض الصومال الدولة الأكثر تأييدا للولايات المتحدة في القرن الأفريقي. وفي حين أن الصومال لم يجر انتخابات حرة نزيهة، أجرت أرض الصومال خلال أكثر من نصف قرن خمسة انتخابات، وأمّنتها من خلال تقنية مسح قزحية العين البيومترية لضمان شرعية الناخبين. كما تعدّ دولة أرض الصومال غير المعترف بها رائدة إقليميًا في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية وخدمات الأموال المتنقلة، وتظل سالمة من الإرهاب والعنف الذي يعاني منه كل من الصومال وإثيوبيا وغيرها من الدول في المنطقة.
لا تعترف الأوبئة بالحدود الجغرافية، لذلك إن تجاهل احتياجات أرض الصومال في وقت الأزمة الصحية قد يتردد صداه إلى ما هو أبعد من حدودها
النظام الصحي في أرض الصومال يتأهب لمكافحة فيروس كورونا
يعدّ النظام الصحي في أرض الصومال هشًّا. وفي حديثه عن وضع قطاع الصحة في فترة إعادة التأكيد على الاستقلال، قال عبد الله: “لقد انهار نظام الرعاية الصحية بالكامل وقُتِل أغلب كبار المهنيين والمتخصصين في مجال الصحة أو أرغموا على مغادرة البلاد (بسبب حملة الإبادة الجماعية التي شنها سياد بري). كما دُمّرت معظم المستشفيات الكبرى والمؤسسات الصحية الهامة الأخرى جزئيا أو كليا على غرار مدارس التمريض”.
في الوقت الراهن، شهدت أرض الصومال تحسينات كبيرة ولكن العزلة الدبلوماسية التي تعيشها البلاد تضر بتطورها. ومثلما تستخدم الصين استراتيجيات دبلوماسية واقتصادية لتخنق تايوان، ويعمل الأتراك على قطع روابط الأكراد السوريين مع العالم، تحاول الصومال أيضا معاقبة أرض الصومال من خلال رفض تزويدها بالمساعدات الدولية والإنمائية، والمطالبة بوقف سير عمل جميع المنظمات غير الحكومية في المنطقة. وعلى مدى السنتين الماضيتين، حاولت السلطات في مقديشو تعطيل الرحلات الجوية إلى المنطقة المسالمة لعزلها بالكامل.
نشرت وزارة الصحة ملصقات توعوية في جميع المعابر الحدودية، وأنشأت محطات إذاعية وتلفزيونية لضمان فهم الجمهور لإجراءات الوقاية وتعزيز النظافة العامة
لقد أدى ذلك إلى عجز قطاع الرعاية الصحية. ومن جهته، أوضح عبد الله “تفتقر مناطق معينة إلى خدمات الرعاية الصحية التي يحتاج إليها الشعب بسبب نقص المعدات والأدوية والمهنيين المناسبين”. يوجد اليوم 26 مستشفى لـ 3.5 مليون شخص. وأضاف عبد الله: “مع ذلك، تعاني جميع المستشفيات إلى حد كبير من نقص في المعدات الأساسية”. وفي سنة 2016، وجد تقييم منظمة الصحة العالمية أن 52 بالمئة فقط من المرافق الصحية في أرض الصومال تتوفر فيها المعدات الأساسية.
لا تعترف الأوبئة بالحدود الجغرافية، لذلك إن تجاهل احتياجات أرض الصومال في وقت الأزمة الصحية قد يتردد صداه إلى ما هو أبعد من حدودها، خاصة أن إثيوبيا – أكبر شريك تجاري لها – تحتضن أكثر من 105 مليون ساكن. ولحسن الحظ، تتبنى منظمة الصحة العالمية نهجا إقليميا في التعامل مع القرن الأفريقي، وبالتالي لا يزال هناك تعاون جيد مع سلطات أرض الصومال. وفي الوقت الذي تتعاون فيه إثيوبيا وجيبوتي على البروتوكولات الحدودية والفحوصات الصحية، يمكن للحالات غير المصحوبة بأعراض أن تساهم في تفشي الفيروس.
في إطار التأهب للطوارئ في مجال الصحة العامة والاستجابة الوطنية لها في أرض الصومال، نشرت وزارة الصحة ملصقات توعوية في جميع المعابر الحدودية، وأنشأت محطات إذاعية وتلفزيونية لضمان فهم الجمهور لإجراءات الوقاية وتعزيز النظافة العامة.
بالإضافة إلى ذلك، بُثّت برامج أسئلة وأجوبة متلفزة دورية حول المرض برعاية السلطات الصحية، كما تبث الإذاعة المعلومات الأساسية حول الوقاية من فيروس كورونا قبل جميع البرامج المذاعة الجديدة. وتحمل جميع حافلات المدن وداخل المدن ملصقات تعرض أهم المعلومات. كما أنشأت الحكومة مرافق الحجر الصحي لضمان عدم نشر الأشخاص المصابين للعدوى. كما أن اعتماد العديد من سكان أرض الصومال على المدفوعات الرقمية بدلاً من الدفع نقدا قد يساهم في إعاقة انتشار المرض.
نظرا لأن وزارة الصحة لا تملك القدرة على التصدي لجائحة فيروس كورونا بشكل كامل، جادل عبد الله قائلا إن “دعم أرض الصومال يمثل مسؤولية المجتمع الدولي”. وفي حين أن أرض الصومال لم تؤكد بعد أي حالات إصابة، من غير المحتمل أن تظل محصنة ضد الفيروس، حيث أبلغت الدول المجاورة لها على غرار إثيوبيا والصومال وجيبوتي عن تسجيل حالات إصابة.
من جهته، صرح عبد الله: “تحتاج مستشفياتنا إلى أجهزة التنفس الصناعي ومولدات الأكسجين ومعدات الحماية الشخصية والمطهرات والقفازات والأثواب الطبية والأقنعة والمواد الاستهلاكية. لا تمتلك معظم مستشفياتنا وحدات العناية المركزة باستثناء مستشفى الإحالة في هرجيسا، الذي يمكن أن يقدم الرعاية لعدد محدود من المرضى. إذا ظهرت لا سمح الله حالات لمرض فيروس كورونا في المستشفيات، فإن كيفية إدارة هذه الحالات عندما لا توجد وحدات عناية مركزة سيكون من مهام وزارة الصحة”.
مع ارتفاع سرعة انتشار جائحة فيروس كورونا في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وأفريقيا، لا توجد أخبار جيدة، ويرى معظم الخبراء أن الوضع يزداد سوءًا
أشار عبد الله أيضا إلى نقص سيارات الإسعاف اللازمة لنقل الحالات من المناطق النائية إلى المستشفيات، وكذلك إلى نقص القدرة على اختبار الإصابة بالفيروس، حيث قال “لدينا حاليًا جهاز اختبار تفاعل بوليميراز متسلسل واحد، ولكن من الواضح أن كل منطقة تتطلب ما لا يقل عن 25 إلى 30 جهاز تفاعل بوليميراز متسلسل، وإلى مجموعات من أدوات الاختبار السريع لكشف مرض فيروس كورونا”.
رغم نقص الموارد المادية، اتبعت حكومة أرض الصومال نهجا استباقيا. بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أن مرض فيروس كورونا يمثل حالة طوارئ صحية عالمية، أنشأ عبد الله فرقة عمل وطنية لتنسيق الجهود في الكشف المبكر والمراقبة والإبلاغ عن مخاطر العدوى ومكافحتها.
عمل كل من الرئيس ووزير الشؤون الدينية ووزير التربية والتعليم معًا لتحديد التدابير اللازمة للاستجابة للطوارئ. استخدمت السلطات الدينية خطب الجمعة لنشر المعلومات بشكل أكبر. والجدير بالذكر أن التعاون المتبادل مثل مفتاحًا لوقف الانتشار المحلي وضمان استجابة موحدة، كما أنه يمثل نموذجا ليس فقط للقرن الأفريقي وإنما أيضًا للشرق الأوسط. بعد كل شيء، أدى غياب التنسيق مع السلطات الدينية في إيران والعراق إلى تمكين الفيروس من الانتشار على نطاق واسع. لكن لم يحدث في أرض الصومال مثل هذا الانفصال.
مع ارتفاع سرعة انتشار جائحة فيروس كورونا في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وأفريقيا، لا توجد أخبار جيدة، ويرى معظم الخبراء أن الوضع يزداد سوءًا قبل أن يتحسن. وغالبًا ما يُترجم افتقار أرض الصومال للاعتراف الدبلوماسي إلى إهمال دولي، ولكن في بعض الأحيان، يمكن أن تأتي النماذج التي يُحتذى بها للإدارة السليمة والاستباقية للفيروس من أماكن غير متوقعة. ومع ذلك، لن تستطيع أرض الصومال أن تستمر في الافتخار بأمجاد أعمالها، ولا ينبغي أن يترجم المجتمع الدولي الافتقار إلى العلاقات الدبلوماسية الرسمية إلى إهمال.
المصدر: ناشيونال إنترست