بالنسبة لبعض مرضى الوسواس القهري، فإن عدم غسلهم لأيديهم باستمرار جزء من علاجهم، لذلك فإن توجيهات الغسيل الدائم للأيدي ما هي إلا إحياء لمخاوفهم وإثارة قلقهم! فتلك الخطوة هي خطوة للخلف في صحة مريض الوسواس، ومرضى الوسواس ليسوا أقلية، فحسب إحصاءات مستشفى الأمل للطب النفسي وعلاج الإدمان، فإن من بين كل 20 شخصًا هناك شخص واحد على الأقل مصاب بمرض الوسواس القهري.
يقول الدكتور أحمد المسيري استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان بمستشفى الأمل، وعضو الكلية الملكية للأطباء النفسيين: “الوسواس القهري أحد الأمراض النفسية الموجودة داخل المجتمعات بنسب مرتفعة، ولكن للأسف يتم تشخيصه متأخرًا، وبالتالي يحتاج إلى وقت طويل لعلاجه، ويتكون هذا المرض من أفكار وسواسية وأعمال قهرية، والأفكار الوسواسية عبارة عن أفكار متكررة تأتي للإنسان، منها مخاوف من النظافة، الأمراض، التعاملات، أو شكوك في كل ما حول الشخص”.
مدى تأثير تفشي فيروس كورونا على المصابين بالوسواس القهري؟
إن انتشار الفيروس يؤثر بشكل كبير على المصابين بالوسواس القهري، ففي المقام الأول قد يؤدي إلى تصاعد القلق وتعزيز المخاوف السائدة من التلوث، وقد يؤدي إلى إجراءات وقائية مدمرة، فبالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض قد يصبح فيروس الكورونا كل ما يفكرون به.
يقول ديفيد فيل David Veale استشاري الطب النفسي بمستشفى “بيريوري” Priory في لندن: “لقد رأيت ثلاثة مرضى هذا الأسبوع فقط، بدأ هوسهم يتركز على فيروس COVID-19، إنه وقت عصيب للأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري”.
الوسواس القهري يمثل تحديًّا طوال الوقت، غالبًا ما يُصور على أنه غرابة سلوكية لأنه عبارة عن تكرار لأفكار وأفعال غير عقلانية. إن اضطراب الوسواس القهري الذي يتربت على فيروس كورونا لن يكون الأول، فهناك الوسواس القهري الخاص بالإصابة بمرض الإيدز، الذي انتشر في الثمانينات، فهناك جيل كامل أصيب بصدمة نفسية.
فقد كتبت الطبيبة النفسية الأمريكية جوديث رابوبورت Judith L. Rapoport في كتابها “الصبي الذي لا يستطيع التوقف عن الاغتسال: التجربة والعلاج لاضطراب الوسواس القهري”، وهي رئيسة فرع الطب النفسي للأطفال في المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH): “بحلول عام 1989 أصبح تركيز ثُلث مرضى الوسواس القهري على فيروس نقص المناعة، وأن المرض بدا مرعبًا لغاية وغير منطقي لدرجة أنه من الممكن أن يكون قد خلق أسوأ الخيالات لدى مرضى الوسواس القهري”!
كذلك في العشرينيات من القرن الماضي، الكثير من أطباء الولايات المتحدة أبلغوا عن زيادة ما سموه “رهاب مرض الزهري”، الذي تزامن مع حملة تسليط الضوء على مخاطر المرض، بينما في الستينيات والسبعينيات كان هناك ارتفاع حاد ومخاوف غير منطقية من مادة الأسبستوس، كذلك عام 2009 كان هناك خوف شديد من إنفلونزا الخنازير.
إن الوسواس القهري ليس عقلانيًّا، وعلى الرغم من أن العديد من مرضى الوسواس القهري يغسلون أيديهم بشكل متكرر، فهذا ليس لأنهم يعتقدون أنهم متسخون، إنها مجرد طريقة لإيجاد الراحة
ماذا سيحدث لمرضى الوسواس القهري إذا لم تتم السيطرة على فيروس كورونا؟
يتوقع الخبراء ارتفاع حالات اضطراب الوسواس القهري، وهذا مبني على التجارب السابقة وردود الفعل الخاصة بانتشار بعض الأمراض في أزمنة متفرقة، فدفع الناس لغسل أيديهم بعد إمساك النقود أو رش مفاتيح الأبواب بالكحول شيء جيد لتفادي الإصابة، ولكنه جحيم لمرضى الوسواس القهري لأنه يجعلهم أكثر قلقًا بشأن صحتهم.
يقول دكتور ديفيد فيل: “علامات الوسواس القهري واضحة كذلك استجابتها مختلفة، إن الشخص المصاب بالوسواس القهري سوف يغسل يده حتى يشعر بالراحة، لكن المشكلة ليست في ذلك، المشكلة في أن بعض المرضى يأخذهم القلق إلى مستوى جديد وغير منطقي، فمثلًا بدا أحد مرضاي مقتنعًا أن بإمكانه التقاط الفيروس من الطعام الصيني”!
إن الوسواس القهري ليس عقلانيًّا، وعلى الرغم من أن العديد من مرضى الوسواس القهري يغسلون أيديهم بشكل متكرر، فهذا ليس لأنهم يعتقدون أنهم متسخون، إنها مجرد طريقة لإيجاد الراحة، وتخفيف العبء العقلي من الهواجس غير العقلانية، مثل أن شيئًا مروعًا سوف يحدث له إذا لم يغسل يديه.
إذا كنت أحد المصابين باضطراب الوسواس القهري، عليك اتباع نصيحة الطبيب والبقاء على اتصال مع عائلتك وأصدقائك
يقول دكتور أندرو إيل Andrew Eils الطبيب النفسي بمجموعة “بريوري” في لقائه على BBC: “مرضى الوسواس القهري يشعرون أن بعض الأفعال لم تتم بشكل مناسب، لذلك فهم يعيدونها حتى يتأكدون من ذلك”، ويضيف: “عزل النفس قد يولد بداخله بعض المخاوف بأن الوضع الحاليّ هو وضع خطير، وأنه كان على حق في خوفه من هذا، ربما يجلب هذا الأمر بعض الراحة، لكون بعض مرضى القلق قد يجدون مغادرة المنزل أمرًا صعبًا، ربما كانوا يخشون الأمر منذ البداية، كونهم لا يستطيعون التحكم في البيئة خارج المنزل”.
ما الذي ينبغي لمرضى الوسواس القهري فعله في الوقت الراهن؟
ينصح دكتور أندرو إيل قائلًا إن هناك بعض الأشياء الإيجابية التي يستطيع البعض فعلها حتى لا تسوء حالتهم وهي أن يبقوا على اتصال مع الآخرين، إذا كانوا يقيمون وحدهم، فعليهم الاتصال بأصدقائهم بشكل دائم أو بعوائلهم، سواء عن طريق الهاتف أم مكالمات الفيديو.
كذلك أن يفعلوا أشياء تشتتهم، سواء أشياء يحبون فعلها ويستمتعون بها أم بعض الأعمال المنزلية، كذلك أن يتبعوا النصائح بعدم المبالغة في غسل الأيدي، لأن ذلك سيؤثر سلبًا على وضعهم.
قد يصبح بعض الناس مهووسين بغسيل الأيادي، ممن ليسوا مرضى بالوسواس القهري، لكن يخبرنا الدكتور أندرو أن الأمر ليس خطيرًا في تلك الحالات، هناك بالطبع بعض الحالات التي قد تولد نمطًا من الهوس، ولكن الأمر نادر الحدوث فيما يخص الأشخاص المعافين من المرض.
إذا كنت أحد المصابين باضطراب الوسواس القهري، عليك اتباع نصيحة الطبيب والبقاء على اتصال مع عائلتك وأصدقائك، أما إذا كان لديك صديق ما لديه هذا الوسواس، فحاول أن تظل على اتصال معه بقدر الإمكان في مثل هذا الوقت العصيب.