ترجمة وتحرير نون بوست
قبل عشرة أيام فقط، كانت إسرائيل في حالة حرب مع غزة، وكان الجو العام للجمهور الإسرائيلي هو اليأس المحيط بالإحباط. لكن بعد ذلك جاء وقف إطلاق النار، وكما هو الحال دائما، وبعد هذه الجولات الدورية من العنف، عاد كل شيء في إسرائيل إلى وضعه الطبيعي. خمسون يوما من إطلاق الصواريخ من غزة لم تعطل الحياة في إسرائيل، لكن الضرر كان صغيرا نسبيا، لا ينبغي مقارنة ما حدث في إسرائيل بالدمار الذي لحق بغزة. كان هناك 72 إصابة بين الجنود والمدنيين، وهو أكثر مما كان متوقعا لدى الإسرائيليين، لكنه أقل مما يكفي لخلق صدمة على مستوى الشعب. حتى النقاشات في الإعلام حول “من فاز في الحرب” اختفت بسرعة! كما لو أن الحرب لم تحدث!
إن آثار الحرب على المدى الطويل لم تُر بعد: بداية بمصير الحصار على غزة مرورا بمبادرات استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أو التواصل مع الأمم المتحدة لتحديد موعد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وصولا إلى التأثر الذي لحق بالحالة المعنوية للفلسطينيين وانعكاساته على الصراع. لكن الأثر على المدى القصير ماثل للعيان: ميزانية إسرائيل تأثرت للغاية.
الجيش الإسرائيلي يدعي أن خمسين يوما من الحرب كلفته 9 مليارات شيكل، أو ما يقارب 2.6 مليار دولار. وهذا يعني أن كل يوم من الحرب يكلف إسرائيل 50 مليون دولار. إذا كان سيتم تعويض الجيش بالكامل عن الأموال التي أنفقها في حرب الجرف الصامد، فإن ميزانية الدفاع ستصل إلى مستوى قياسي ب72 مليار شيكل أو أكثر من 20 مليار دولار، وهو ما يوازي 18٪ من الميزانية الإسرائيلية، وهو أعلى معدل في السنوات الثلاثين الماضية.
لسنوات عديدة، كانت ميزانية الدفاع تُعد نوعا من المحرمات في إسرائيل، لا أحد يجرؤ على لمسها أو الشك في ضرورة كل شيكل يتم إنفاقه فيها. كان الجيش قبل كل شيء، وكان واجب المواطنين هو تمويل ذلك الجيش بلا سؤال. لكن في العقد الأخير، وخاصة مع اتساع نطاق المظاهرات الاجتماعية على نطاق واسع منذ ثلاث سنوات، بما فيها الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الإيجار في تل أبيب، والتي انتشرت في جميع أنحاء البلاد مع المطالبات بإعادة دولة الرفاه، تغير الوضع تماما. مئات الآلاف من الإسرائيليين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بخدمات اجتماعية أفضل. كان عبء ميزانية الدفاع يُصور على أنه أحد الأسباب الرئيسية لحقيقة أن إسرائيل في ذيل قائمة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث النفقات المدنية.
فجأة أثيرت تساؤلات حول المزايا السخية الممنوحة للضباط، مثل التقاعد المبكر مع المعاشات التقاعدية الكاملة في سن الـ45، في حين أن الرجل الإسرائيلي “العادي” يتقاعد عند سن الـ67. وزارة المالية، بدعم من قطاعات كبيرة من الصحافة، انتقدت الجيش للإنفاق غير المنضبط، وافتقار ميزانيته للشفافية. تتمكن وزارة الدفاع والجيش عادة من الحصول على ما تريد، وأحيانا باستخدام تهديدات أمنية حقيقية أو متوهمة من أجل تبرير ميزانياتها. لكنهم لم يعودوا مُحصنين مثل ذي قبل.
وزير المالية الإسرائيلي الحالي، يائير لابيد، بنى الكثير من حملته الانتخابية الناجحة على وعده لإجابة سؤال “أين ذهبت الأموال؟” ويهدف بذلك وبشكل رئيسي، ميزانية الدفاع. قرابة 15٪ من الإسرائيليين، معظمهم من الطبقة المتوسطة والعليا، قرروا تصديق وعوده والتصويت لصالحه. مبادرته لإلغاء الضريبة على القيمة، والتي تبلغ 18٪ على شراء أول شقة (مع اشتراط أن يكونوا قد خدموا في الجيش، وهذا يعني استثناء فلسطينيي الداخل) كان محاولة للوفاء بوعوده. تكلفة هذا الاستحقاق السخي والتي تبلغ مليار دولار سنويا من المفترض أن تأتي أيضا من جيوب الجيش.
حطمت الحرب في غزة كل هذه الأحلام، فخلال الأسبوع الماضي وافقت الحكومة على خفض ميزانية الوزارات جميعها بنسبة 2٪ عدا وزارة الدفاع، مهددة الخدمات الاجتماعية الضعيفة بالفعل. وبالإضافة إلى 9 مليارات شيكل التي يطلبها الجيش الآن، يطالب الجيش بإضافة 11 مليار شيكل (3.1 مليار دولار) على الميزانية القادمة في 2015. وبما أن الاقتصاد كان أصلا يتجه نحو الركود، حتى قبل العملية العسكرية على غزة، فمن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية ستجد صعوبة في تمويل هذه المبالغ الضخمة.
قبل بضعة أشهر، تم تعيين لجنة من قبل الحكومة، أوصت بزيادة كبيرة في الإنفاق الاجتماعي تقارب 7 مليار شيكل سنويا من أجل إخراج إسرائيل من مكانتها باعتبارها دولة ذات أسوأ معدل للفقر بين 34 دولة عضوا في منظمة التعاون والتنمية. من الواضح بالفعل أن هذه التوصيات سيتم تجاهلها تماما، وأن الفقراء لا سيما من العرب واليهود المتشددين الذي لا يخدمون في الجيش، سيظلون فقراء وستبقيهم إسرائيل كذلك. ومن المؤكد أن الإسرائيليون الذين صوتوا لصالح تعزيز خدمات مثل التعليم والصحة والنقل، سيعانون من المزيد من النقص في هذه الخدمات.
المشكلة الحالية التي تواجه حكومة نتنياهو هو ما إذا كان سيفضل تكبير العجز، أو رفع الضرائب من أجل تمويل الزيادة في الإنفاق العسكري. هذا لن يكون مشكلة اقتصادية فحسب، لكن أيضا مشكلة سياسية. يواجه وزير المالية بالفعل تراجعا في شعبيته في استطلاعات الرأي، يعارض لابيد أي فرض لضرائب جديدة، ويصر على مبادرته لإلغاء ضريبة القيمة المضافة VAT على الشقق الجديدة، وكلا القضيتين يعدان هامتين بالنسبة لناخبيه من الطبقة المتوسطة. نتنياهو عادة ما يكون محافظا على الصعيد الاقتصادي، وهذا ما يعني أنه لن يكون راغبا في السماح للعجز بالخروج عن نطاق السيطرة.
الحكمة الشائعة في إسرائيل تقول أن أحزاب الائتلاف ستمتنع عن الذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد أقل من عامين في السلطة. ولذلك يتوقع معظم المحللين السياسيين أن تقوم الحكومة بتقديم بعض التنازلات، وهذا يعني أن ميزانية العام القادم ستحصل على موافقة الأغلبية التي تحتاجها في الكنيست. لكن هذه الحالة قد تكون مختلفة. بعض القادة الكبار في حزب لابيد عبروا بالفعل عن إحباطهم من الجمود السياسي بشأن المفاوضات مع الفلسطينيين. وبعد النتائج غير السعيدة من الحرب الأخيرة في غزة، يعلي هؤلاء أصواتهم أكثر وأكثر. الخلاف حول الميزانية قد يكون ذريعة جيدة لهم لترك الائتلاف. هل هذا سيؤدي إلى انتخابات مبكرة في بداية العام المقبل؟ هذا احتمال لا يمكن استبعاده
المصدر: ميدل إيست آي