إن المصائب لا تأتي فرادى، هكذا يقولون عادةً عندما تتزاحم الأخبار السيئة، فمنذ بداية جائحة كورونا والعالم يترقب تبعات هذا الفيروس الذي شل الأسواق العالمية وأغلق أبواب الشركات وأوقف الدراسة وأي نشاط روتيني في حياتنا حتى فرغت شوارع المدن من الحركة بشكل شبه كامل على إثر الإجراءات الحكومية والتعليمات الصحية التي توصي بالابتعاد الاجتماعي والحجر المنزلي للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
ولا خلاف على أهمية هذه التدابير الوقائية وفعاليتها، لكن بينما تصارع دول العالم لاحتواء خطر فيروس كورونا بالعزل والحظر، تواجه النساء والأطفال خطر العنف المنزلي وسوء المعاملة، فبدلًا من أن يكون البيت ملجأ الأمان، رصدت عدة تقارير ارتفاع معدلات العنف المنزلي وحالات الطلاق في هذا الوقت الحرج، فما الذي يحدث داخل هذه المنازل؟
خطورة مرتفعة من التعنيف الأسري
قالت دوبرافكا سيمونوفيتش، خبيرة أممية معنية بقضايا العنف ضد المرأة: “من المرجح جدًا أن تزيد معدلات العنف المنزلي المنتشرة حسبما توضح لنا تقارير الشرطة الأولية وخطوط الإبلاغ الساخنة، بسبب إجراءات الحجر المنزلي الذي أدى إلى انعدام أو تقليل خدمات مساعدة الضحايا وجمعيات الدعم المجتمعي وتدخلات الشرطة”، وبحسب قولها فإن الأمور تزداد سوءًا لأن القيود على الحركة والمال والإحساس العام بعدم اليقين، عوامل تشجع جميعها على الإجرام وتزيد الجناة سلطةً وسطوةً.
كما أنها أضافت أن حالة الطوارئ الحاليّة زادت من ثقل الأعباء على النساء ما بين التزاماتها تجاه وظيفتها والعمل المنزلي وما يشمله من رعاية الأطفال ومسؤوليات عائلية أخرى مثل رعاية الأقارب المسنين، مشيرةً إلى 3 أنواع من النساء قد يكن الأكثر تعرضًا لخطر العنف المنزلي، الأول ممن يتعايشن مع احتياجات خاصة، والثاني المهاجرات دون أوراق ثبوتية، والثالث ضحايا الاتجار بالبشر.
ودعت سيمونوفيتش الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان لاتخاذ الإجراءات الضرورية والعاجلة تجاه ضحايا هذا العنف، وطالبت بعدم تعليق إجراءات حماية الضحايا وحثتها على مواصلة مكافحة العنف المنزلي في زمن انتشار كوفيد-19، ولكن بطرق جديدة ومبتكرة لأن الاتصال هاتفيًا لطلب المساعدة قد يكون خطرًا في سياق ظروف الحجز المنزلي الشائعة اليوم، وطالبت بتوفير خدمات المساعدة عبر الدردشات عبر الإنترنت وخدمات الرسائل النصية للضحايا.
تدعم كاتي راي جونز، نائبة المدير التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، موقف سيمونوفيتش، وتقول: “الإجراء عينه الذي نتخذه لحماية الناس من الفيروس يمكنه التأثير بشكل سلبي على ضحايا العنف المنزلي”، وتضيف “نؤكد بشكل قاطع على الحاجة إلى الالتزام بقوانين التباعد الاجتماعي والعزل، إلا أننا ندرك كذلك أنها تطلق العنان للمعنفين لممارسات أكثر إيذاءً”.
لماذا يزداد العالم عنفًا في وقت الأزمات؟
ظاهرة العنف الأسري ليست اكتشافًا جديدًا أو استثنائيًا، إذ تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها، ولكن الخطر يزداد في خضم الصراعات وانشغال الجهات المسؤولة بحالة الاضطرابات الموجودة، وبذلك تصبح أجساد النساء ساحة للاضطهاد والقمع والإذلال، بسبب سهولة اختراق الحدود في ظل غياب أنظمة الحماية الاجتماعية والقانونية.
ارتفعت معدلات العنف المنزلي في الصين بنسبة 300% حالة، وتراوحت بين 40 و50% في البرازيل، وفي كاتالونيا تزايد عدد الاتصالات التي تطلب النجدة من العنف المنزلي بنسبة 20%، بينما ارتفعت 30% في قبرص اليونانية
يضاف إلى ذلك، ازدياد الأجواء السلبية والمُوَتّرة في الأنحاء، وتحديدًا لدى الأشخاص الذين يعانون من ضغوط مالية بسبب حالة الركود التي أصابت الاقتصاد وأدت إلى فقدانهم وظائفهم، إلى جانب ذلك، فإن قضاء وقت طويل في المنزل بشكل إجباري والوقوع في شراك الملل والرتابة قد يثير بعض مشاعر الاستياء والغضب بين الشريكين، ومن باب التفريغ النفسي قد يؤذي أحدهم الآخر جسديًا أو لفظيًا بدلًا من التوجه إلى العمل أو التنقل بحرية خارج المنزل، وذلك وفقًا لوجهة نظر نائبة رئيس الشرطة في منطقة ويست منلاندنس، لويزا رولف، في المملكة المتحدة.
ترجمت بعض الجهات الرسمية حالات الانتهاكات إلى أرقام خاصة، وأظهرت جميعها ارتفاعًا مقلقًا، حيث ارتفعت معدلات العنف المنزلي في الصين بنسبة 300% حالة، وتراوحت بين 40 و50% في البرازيل، وفي كاتالونيا تزايد عدد الاتصالات التي تطلب النجدة من العنف المنزلي بنسبة 20%، بينما ارتفعت 30% في قبرص اليونانية، كما أعلنت أستراليا أن محركات جوجل سجلت زيادة بنسبة 75% في عمليات البحث عن مساعدة، وتشابه الوضع نسبيًا في فرنسا التي قفزت فيها المعدلات إلى أكثر من 30%، بينما ارتفعت في العاصمة باريس وحدها إلى 36%.
ترتبط هذه الحالات بشكل مباشر بإجراءات الإغلاق التام في البلاد، ولا يقتصر حدوثها على الدول الغربية، وإنما تنتشر أيضًا في المنطقة العربية، ففي تونس أكدت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة، أسماء السحيري العبيدي وجود ارتفاع في حالات العنف الأسري ضد النساء بزيادة خمس مرات في 23 و27 مارس/آذار الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ومع عدم وجود أي إحصاءات رسمية من الدول العربية الأخرى، كشفت منصات التواصل الاجتماعي الغطاء عن تصاعد العنف المنزلي والتنمر ضد المرأة، إذ تصدر وسم الأردنية إيمان الخطيب قائمة الأخبار الأكثر تداولًا على موقع تويتر بعد أن نشرت مقطعًا مصورًا وهي تستنجد بالمسؤولين لإنقاذها من التعنيف الأسري وتخليصها من العذاب وتهديدات القتل التي تتلقاها من أهلها خلال فترة الحجر المنزلي.
انتشرت مقاطع ومنشورات و”ميمز” أخرى عن العنف ضد المرأة في المنزل خلال الحجر المنزلي، ولكن على سبيل الفكاهة التي تعكس جزءًا من الواقع المؤلم الذي تعيشه بعض النساء العالقات مع معنفيها داخل المنزل خلال فترة الحجر، فمثلًا، تتضمن النكات عبارات مثل “والله لأطلقك بعد هالأزمة”، أو فيديو يظهر شابًا وهو يصفع أخته على وجهها لأنها لا تجيد لعب الطاولة كما اعتاد مع أصدقائه في المقاهي قبل إغلاقها.
المثير للتشاؤم أن أزمة كورونا ما زالت ببدايتها نسبيًا، ولا يملك العالم حاليًّا خيارات عديدة لإدارتها، وليس لديه كذلك سيناريوهات حاسمة عن نهايات سعيدة ومشرقة، ما يعني أننا قد نكون بصدد تحديات غير مسبوقة وأكثر قسوة مما نظن، وإذا لم نتحلى بالصبر والهدوء على دوام الوقت، ولم نحسن استغلال أوقاتنا في المنزل بطريقة إيجابية، نستفيد منها ونفيد بها، فإننا نضيف إلى أزمة كورونا العالمية مشكلة جديدة لا داعٍ لوجودها أو تفاقمها، لا سيما في الوقت الذي يحتاج فيه الجميع، الغرباء والأقرباء، إلى الوحدة والتكافل لمواجهة هذا الوباء بأقل خسائر ممكنة.
ما الحل إذن؟
اتخذت بعض الحكومات إجراءات مختلفة للحد من العنف المنزلي في هذا الوقت، مثل تسهيل وصول النساء إلى أرقام المساعدة أو ضخ أموال في ميزانيات المنظمات المسؤولة عن تأمين الملاجئ والخدمات القانونية والمجتمعية في هذا الشأن، كما تحدث بعض الخبراء النفسيين والاجتماعيين عن مجموعة من الأساليب التي يمكن الالتزام بها في فترة الحجر المنزلي للحفاظ على علاقات سعيدة ومتناغمة والتقليل المشاحنات العائلية على الرغم من الظروف الصعبة.
تقول الدكتورة أنجيلا رو، عالمة النفس الاجتماعية في جامعة بريستول البريطانية: “من المهم إجراء محادثات منتظمة حول احتياجات أفراد الأسرة، فضلًا عن خطط الأنشطة المشتركة، لذا حاول إنشاء حوار مفتوح منذ البداية، فليس هناك أي فائدة من الالتفاف حول الأشياء الحساسة”، لأن ذلك سيؤدي إلى إثارة الفوضى والاستياء من أصغر المشاكل التافهة التي تنتهي بتوليد نزاعات كبيرة لا داعٍ لها.
ولنحاول، كما تنصح الدكتورة رو، بالاستمتاع بهذه الأوقات، فالأنشطة المشتركة طريقة مثالية للترابط وتجديد العلاقات بين أفراد الأسرة، وذلك لا يمنع وجود بعض المساحة الخاصة لكل شخص، إذ يحتاج الجميع إلى قضاء بعض الوقت مع أنفسهم للحفاظ على هدوئهم وترتيب أفكارهم وأولوياتهم، خاصة لأولئك الذين لا يميلون كثيرًا للتفاعلات الاجتماعية المكثفة.