“فلتأخذ دول العالم كوريا الجنوبية كمثال للتعامل مع الفيروس الخطير”، بهذه الكلمات لخص رئيس منظمة الصحة العالمية أدهانوم غيبريسوس قدرة كوريا الجنوبية على احتوائها للأزمة، فخلال فترة شهر استطاعت حكمة الكوريين أن تنقل البلاد من ثاني أكبر عدد إصابات بعد الصين إلى أيقونة نجاح في تخطي كورونا.
كوريا الجنوبية ذات الـ51 مليون نسمة، قبل شهر من اليوم كانت على حافة الكارثة، فعدد الإصابات يوم 29 من فبراير بلغ ذروته (909 حالات جديدة)، أما اليوم ينخفض العدد بشكل كبير، ويعلن رئيس وزراء كوريا الجنوبية جونغ – ساي كايون تخطي بلاده الأزمة.
فكيف استطاعت كوريا الجنوبية أدارة الأزمة بنجاح؟ وكيف جعلت رئيس أكبر دولة في العالم دونالد ترامب يطلب العون من الكوريين لتزويد الولايات المتحدة بمعدات طبية لتخطي جائحة كورونا؟
- السرعة
- الشفافية
- الابتكار
- المشاركة المدنية الطوعية
بهذه العناصر الأربع، نجحت خطة عمل الحكومة الكورية الجنوبية لاحتواء الأزمة التي وردت على لسان رئيس وزرائها جونغ – ساي كايون.
السرعة
“ببساطة احتواء أي تفشٍ محتمل يعني تشخيص وعزل المصابين بالسرعة الممكنة لمنع انتشار العدوى”، هذا ما يقوله الدكتور جستن فيندوس الحاصل على الدكتوراه في بيولوجيا الخلية من جامعة Yale، ويضيف أن الحكومة الكورية تمتلك Standard Operating Pogram SOPs فعّال ومرن (نظام إدارة يعتمد على وضع تعليمات وافية، خطوة بخطوة للوصول إلى إنتاجية أكثر بكفاءة أعلى)، فمنذ اليوم الأول الذي سُجلت فيه أول حالة إصابة أجرت السلطات الكورية ما يقارب 376961 فحصًا بحسب الـKCDC (المركز الكوري للسيطرة والوقاية من الأمراض).
فالمؤسسات الصحية الكورية تجري ما يقارب 10.000 فحص يوميًا وتظهر النتيجة خلال 24 ساعة، وتمتلك قدرة استيعابية لإجراء 20.000 فحص يوميًا (أي بمعدل 5.200 فحص لكل مليون نسمة بينما تجري الولايات المتحدة الأمريكية 74 فحصًا فقط لكل مليون نسمة).
هذه القدرة على الاستيعاب كانت محصلة تعاون السلطات الكورية مع الشركات الأهلية المصنعة لكيتات الفحص، ما مكن السلطات الكورية من سرعة إجراء الفحوص الضرورية لمعرفة الأعداد الحقيقية للإصابة على أرض الواقع وبالتالي اتخاذها الإجراءات التي تليها بسرعة.
الشفافية
استفادت كوريا الجنوبية من تجربتها السابقة في مواجهة الـMERS (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، حيث وضعت السلطات الكورية كل المعلومات والإحصاءات التي تخص COVID 19 على صفحة الإنترنت الخاصة بالمركز الكوري للسيطرة والوقاية من الأمراض (KCDC) أمام المشرعين والإعلام بكل شفافية ولم يكن هناك أي حظر على المدن أو إغلاق للطرق والحدود الدولية.
الابتكار
ربما يكون الابتكار وليد حب كبير يُصاحبه شعور بالمسؤولية أكبر، فالابتكار يصنعه الأفراد وتدعمه الحكومات، وهذا ما حدث فعلًا في كوريا الجنوبية.
– الابتكار الأول كان من طالب الدكتوراه الكوري جونغ يون الرئيس التنفيذي لشركة molecular biotech company الذي وجه إمكانات فريقه لتصنيع عدة فحص لفيروس كورونا المستحدث قبل تسجيل أي حالة إصابة في بلاده، وفي خلال ثلاثة أسابيع فقط كانت عدة الفحص جاهزة.
– تطبيق Corona 100m للأجهزة الذكية ابتكره الشاب الكوري باي – وون سيوك الذي يتيح للمستخدم الدخول للبيانات الحكومية، لتجنب الأماكن القريبة من الأشخاص المثبت إصابتهم بـCovid-19، كما يتيح التطبيق إمكانية معرفة الأماكن وتواريخ زيارتها من المرضى المثبت إصابتهم، ويعطي البرنامج تحذيرًا إذا اقترب المستخدم من مسافة 100 متر لموقع تم زيارته من مريض مثبت الإصابة.
– رغم أن الحكومة الكورية لم تغلق الحدود باتجاه الوافدين، لكنها منذ الـ16 من مارس/آذار بدأت بإجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا لكل الوافدين إلى مطاراتها ويُطلب منهم تحميل تطبيق خاص على أجهزتهم الذكية لمتابعة وضعهم الصحي من السلطات الصحية الكورية خلال 14 يومًا من تاريخ الدخول.
– استخدام طرق مختلفة لإيصال المعلومة التثقيفية الصحيحة للمواطنين، فقد حاولت السلطات الكورية استخدام التلفاز والصحف والرسائل النصية والإعلانات الممولة على شبكات التواصل الاجتماعي لإيصال المعلومات التي تهدف إلى زيادة وعي الناس وطرق منع انتشار العدوى.
– نظام عزل وعلاج مطور، فالتحدي الأكبر لأي تفشٍ محتمل، هو عدد المرضى الذي يفوق القدرة الاستيعابية للمؤسسات الصحية، يقول الدكتور وانغ لي مدير مستشفى مايونجي إن السلطات الكورية استفادت من تجربتها السابقة أيام تفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الـMERS، بحيث استطاعت تطوير نظام عزل وعلاج فعّال، حيث خصصت خمسة مستشفيات لعزل ما يقارب 19% من مرضى الـCOVID 19 الذين يعانون من أعراض خطيرة ويحتاجون إلى عناية طبية مشددة.
– مواجهة نقص البنى التحتية بأفكار خلّاقة، حيث جرى تخصيص قسم من المباني الحكومية كردهات عزل، ويتم متابعة المصابين بأعراض بسيطة عن طريق تطبيقات الأجهزة الذكية، كما تم تجهيز قسم من النوادي الرياضية والفنادق بأسرة لاستيعاب الأعداد الإضافية.
– وضع محطات خاصة للفحص خارج المستشفيات لتقليل خطر انتشار العدوى.
المشاركة المدنية الطوعية
كل الجهود الحكومية مصيرها الفشل إذا لم يكن هنالك نسبة وعي عالية للأفراد، والمجتمع الكوري تأثر كثيرًا بواقعة المريضة 31 الشهيرة.
الكل بالتأكيد قرأ عن السيدة الستينية أو “Patient 31 ” من مدينة داينجو المسؤولة عن تفشي كورونا في كوريا الجنوبية، حيث تشير السلطات أنها مسؤولة عن ما يقارب 80% من الإصابات بالـCOVID 19، لأنها بكل بساطة لم تأخذ تدابير السلامة المتبعة لمنع انتشار العدوى، حيث حضرت تجمعًا لكنيسة شينجونجي الذي صادف وجود مراسم تأبين لجنازة، وذهبت لفطور بأحد الفنادق، واحتكت بعدد غير معروف خلال فترة إصابتها مما أدى إلى انتشار العدوى بأرقام كبيرة.
مثل هذه التصرفات الرعناء تكلف المجتمعات الكثير، لذلك كان التطوع لإجراء الفحص من المشتبه بإصابتهم واتباع التدابير مثل ارتداء الكمامة وغسل الأيدي والحجر الفردي كان سببًا أساسيًا لتخطي الأزمة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى دور الحكومة الكورية لترغيب وترهيب الأفراد بضرورة اتباع الحجر الفردي، فقد خصصت معونة شهرية قدرها 454.900 ون (ما يقارب 370 دولارًا) وفرضت غرامات مالية مقدارها 10 ملايين ون (نحو 8.200 دولار) والسجن لمدة سنة لمن ينتهك الحجر الصحي، وبذلك وضعت قوانين تحمي المجتمع الكوري من خطر انتشار العدوى.
“ربما أخمدنا النار الملتهبة، لكننا ما زلنا أمام بقايا الرماد” هذا ما قاله رئيس الوزراء الكوري، الذي يعطينا فكرة عن إدراك السلطات الكورية للمرحلة القادمة، رغم سيطرتها على تفشي COVID 19، فإنها أمام تحدٍ جديد بإعادة فتح المدارس والجامعات والالتفات إلى القطاع الاقتصادي ومحاولة تصدير التجربة الكورية الناجحة لبلدان العالم للسيطرة على جائحة كورونا.