الإمارات تواجه كورونا بقانون عنصري يبيح التنكيل بالوافدين

في الوقت الذي تعزف فيه الإمارات على أوتار وجهها الحضاري عبر الترويج لفكرة إسعاد المواطن وتخصيص وزارة كاملة لهذا الغرض، تكشف العديد من التقارير الحقوقية والإجراءات الداخلية عن الوجه المقابل للصورة المُصدرة، حيث الممارسات العنصرية والانتهاكات بحق الوافدين لديها الذين يشكّلون 80% من سكان الدولة.
ففي خطوة تكرس العنصرية وعدم المساواة بين أبناء الدولة والأجانب، أصدرت وزارة الموارد البشرية والتوطين قانونًا ببعض القرارات التي تتيح للشركات التنكيل بالعاملين الوافدين، في إطار حزمة الإجراءات الاحترازية التي تتخذها السلطات لمواجهة تفشي فيروس كورونا الجديد.
وبحسب القانون الصادر أمس فإن للقطاع الخاص الحق في إعادة تنظيم العمالة الوافدة لديه، بما يشمل منحهم إجازة إجبارية دون أجر أو تخفيض أجورهم بشكل مؤقت وصولًا إلى تخفيض أجورهم بشكل دائم، وفي الوقت نفسه فإن هذا القانون يحمي الشركات من أي إجراءات قانونية قد تلجأ لها العمالة في ظل توقف وتخبط الشركات بسبب تفشي فيروس كورونا.
استثناء الإماراتيين من تلك الإجراءات القاسية وتحميل العمالة الوافدة البالغ عددها 8.4 مليون نسمة من إجمالي 9.45 مليون مقيم ووافد بما نسبته 88.5% من عدد السكان، أثار حالة من السخط لدى قطاع كبير من المغتربين بالإمارات أو المهتمين بالشأن الحقوقي والانتهاكات بحق العاملين.
وقد أعلنت الإمارات بالأمس (30 من مارس 2020) تسجيل 102 إصابة بفيروس كورونا المستجد، بالإضافة إلى وفاة سيدة عربية جراء الفيروس، ليصل إجمالي عدد المصابين 570 شخصًا، الأمر الذي دفع السلطات إلى اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية منها إغلاق مراكز التسوق التجارية، وبينها المراكز الشهيرة في دبي لمدة أسبوعين، في محاولة للحد من انتشار الفيروس.
عنصرية ضد الوافدين
القرارات المتخذة تأتي ضمن برنامج أعدته وزارة الموارد البشرية مع الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات الكوارث “البرنامج الوطني لاستقرار سوق العمل في القطاع الخاص”، ويهدف وفق ما هو معلن لدعم أصحاب العمل والعاملين في القطاع الخاص، وذلك في إطار السعي نحو تخفيف أثر وانعكاسات الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الوباء على الاقتصاد الوطني.
الوزارة في برنامجها كشفت عن رفع جميع القيود المطبقة على جميع المنشآت المسجلة لديها، وهو ما يتيح لها الحصول على تصاريح عمل داخلية جديدة وإمكانية تجديد تصاريح العمل للعمالة المسجلة على المنشآت المستهدفة، فيما تتضمن عددًا من القرارات الخاصة بالعمالة الوافدة مقسمة على عدة مراحل.
أول تلك المراحل التي تضمنتها القرارات بحق الوافدين تطبيق نظام العمل عن بُعد، بحيث لا تزيد نسبة العاملين الذين يتطلب عملهم الوجود في مكان العمل على 30% من مجموع العاملين لدى المنشأة الواحدة، ثانيًا منح إجازة مدفوعة الأجر، فيما أكدت الوزارة إمكانية منح العامل إجازة دون راتب خلال فترة الإجراءات الاحترازية، وذلك في ضوء الاتفاق بين صاحب العمل والعامل.
أبو ظبي أطلقت وبشكل كبير يد الشركات الخاصة بتعديل عقد الوافدين أو إجبارهم على إجازة غير مدفوعة الأجر أو خفض الراتب بشكل دائم أو مؤقت
كذلك أتاحت لأصحاب المنشآت خفض أجر العمالة الوافدة بشكل مؤقت أو دائم، بالإضافة إلى إتاحة المجال أمام تعديل عقود العمل بشكل مؤقت خلال فترة تطبيق الإجراءات الاحترازية بالتراضي بين الطرفين وبما يراعي الظروف الحاليّة.
وبحسب الصيغة الحاليّة لتلك القرارات فإن أبو ظبي أطلقت وبشكل كبير يد الشركات الخاصة بتعديل عقد الوافدين أو إجبارهم على إجازة غير مدفوعة الأجر أو خفض الراتب بشكل دائم أو مؤقت، هذا بالإضافة إلى أنها تحمي الشركات قانونًا، إذ لا يحق للعامل التظلم أو اللجوء إلى القضاء.
وفي المقابل كشفت الوزارة عن إجراءات أخرى بشأن العمالة الوطنية، فيما يتعلق بالعلاقة بين الموظف وصاحب العمل، في نظام “العمل عن بُعْد”، الذي يؤدي فيه العامل العمل من خارج المواقع المخصصة لذلك، سواء بشكل جزئي أم أسبوعي أم شهري أم بشكل كامل.
وعلى موقعها الإلكتروني أشارت الوزارة أن الموظف الذي يؤدي عمله عن بُعْد، تنطبق عليه جميع الشروط والمزايا التي تنطبق على الموظفين العاملين بنظام الدوام الكامل، وأن له الحق في الخصوصية، وفي أن يكون مؤهلًا للحصول على ترقية أو مزايا، وله الحق أيضًا في أن يحصل على العبء نفسه للعمل والتوقعات كالموظفين العاملين بنظام الدوام الكامل في مكان العمل.
التمييز.. عرض مستمر
التمييز والعنصرية ضد العمالة الوافدة ليست بالشيء الجديد على حكومة أبو ظبي وفق ما أشارت التقارير الصادرة عن بعض الجهات الحقوقية، الإقليمية والدولية، فللدولة باع طويل في استهداف العمال الأجانب لديها، رغم الآلة الإعلامية التي تسعى ليل نهار لتقديم صورة مغايرة للواقع.
ففي أغسطس 2019 اتهمت “الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات”، حكومة أبو ظبي بممارسة العنصرية وعدم تطبيق لوائح الأمن والسلامة للعمال الأجانب، داعية في بيان لها إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية للتحقيق في جميع الانتهاكات والتمييز التي تحدث في البلاد، وخاصة الاتجار بالبشر، لافتة إلى أن معظم العمال الأجانب في الإمارات يخضعون لنظام عمل يشبه إلى حد كبير نظام العبودية.
الحملة أشارت إلى أن أبو ظبي أساءت معاملة العمال الأجانب وانتهكت المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بشكل يومي داخل البلاد، لافتة إلى أن العمالة الوافدة هناك يعانون أيضًا من تأشيرة عمل تجبرهم على الحصول على كفيل إماراتي يسيطر دائمًا على العمال في جميع جوانب الحياة هناك، موضحة أن العمال كانوا خائفين من الإبلاغ عن سوء المعاملة إلى السلطات بسبب خوف الترحيل أو الاحتجاز في السجون.
في يناير الماضي فضح تحقيق أمريكي تورط الإمارات في انتهاكات وممارسات الاتجار بالبشر عبر ما تفرضه من تعسف بحقوق العمال الأجانب ومواصلتها فرض نظام الكفالة سيئ السمعة
وفي أكتوبر 2017 نشرت الحملة قائمة موسعة تشمل شركات مملوكة للحكومة الإماراتية، وشركات خاصة أخرى تمهيدًا لمقاطعتها “في ظل استمرار الأخيرة في انتهاكاتها ضد مواطنيها، وجرائم الحرب التي تقوم بها في اليمن، وانتهاكها لحقوق العمال الأجانب، حسبما جاء في بيان الحملة”.
وذكرت في بيان صحافي أن “العديد من الشركات المدرجة في القائمة انتهكت حقوق العمال الأساسية وأساءت معاملتهم، فضلًا عن عمليات الفصل التعسفي من العمل التي طالت عشرات العمال الهنود المهاجرين، مبينة أن العمال المهاجرين في مجال الإنشاءات والنقل، هم أكثر الفئات تعرضًا للانتهاك من الشركات الإماراتية”.
وعن تورط الحكومة في تلك الانتهاكات لفتت الحملة إلى الشركات المملوكة للدولة تجبر الأصوات التي تطالب بحقوقها على الصمت خشية التعرض لأي مضايقات أو انتهاكات أخرى، معتبرة أن هذا الموقف السلبي يشجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق العمال.
وفي 22 من نوفمبر 2017 كشفت القناة العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية، المعروفة اختصارًا بـ(RTS)، عما أطلقت عليه “الوجه الآخر لبلد وزارة السعادة”، حيث يُضطهد العمال الأجانب ويعانون من الاستغلال ويُكابدون ظروفًا قاسية، مستعرضة العديد من النماذج العمالية التي تعرضت للتنكيل والانتهاكات من الشركات الإماراتية في ظل صمت السلطات الرسمية.
ودوليًا فقد استنكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية المعاناة اللاإنسانية للعمال في موقع بناء متحف اللوفر أبوظبي عشية افتتاحه، مذكرةً بحجم الانتهاكات التي تقترفها دولة الإمارات بحقهم، فيما قالت مديرة المنظمة في باريس، بنديكت جانرو، إن هذا المشروع شابته منذ البدء ببنائه في جزيرة السعديات انتهاكات لحقوق العمال المهاجرين الذين شيدوه.
وأضافت في مقال، نُشر في صحيفة “ليبراسيون”، أن منظمتها نشرت ثلاثة تقارير عن ورشات البناء في جزيرة السعديات، أحدها عن متحف اللوفر، حيث رحّلت الحكومة عدة مئات من عمال البناء في جزيرة السعديات بشكل تعسّفي، ومنعتهم من دخول البلاد لمدة سنة، لأنهم مارسوا حقهم في الإضراب، كما أن ظروف المعيشة والعمل المؤسفة هذه تعتبر المسؤولة جزئيًا عن زيادة معدل الانتحار بين هؤلاء العمال.
وفي يناير الماضي فضح تحقيق أمريكي تورط الإمارات في انتهاكات وممارسات الاتجار بالبشر عبر ما تفرضه من تعسف بحقوق العمال الأجانب ومواصلتها فرض نظام الكفالة سيئ السمعة، ودحض التحقيق الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” التصريحات الحكومية المتتالية في الإمارات عن مساعي إنهاء ممارسات الاتجار بالبشر داخل أراضي الدولة.
الصحيفة أشارت إلى أن حرم جامعة نيويورك في أبوظبي يظهر كمبنى مميز مع أشجار النخيل والمرافق الحديثة، ما يعكس رغبة دولة الإمارات في تقديم نفسها كرائدة في مجال التعليم، ومع ذلك، فإنه يمثل أيضًا رمزًا دامغًا لعدم المساواة في الإمارات، والعبودية الحديثة، وإساءة معاملة العمال الذين دفعوا التقدم الاقتصادي للبلاد وكثيرًا ما يتم تجاهلهم.
وذكر التحقيق أنه منذ بدء إنشاء الحرم الجامعي عام 2009، تم إغراء المهاجرين من إفريقيا وجنوب آسيا بوظائف واعدة في مشروع البناء، ومع ذلك فقد انتهى بهم الأمر في ظروف عمل لا إنسانية، فيما كشف عن التجربة المؤلمة لهؤلاء العمال المهاجرين، بما في ذلك الإقامة في معسكرات معزولة وبائسة، وتحمل أيام عمل لمدة 11 ساعة، مع قيود الوصول إلى الهاتف الخليوي ودفع أجور قليلة، أو مواجهة سرقة الأجور حتى، وقد فاقم الأمر تكاليف المعيشة التي لا يمكن تحملها وديون رسوم التوظيف.
وهكذا تتساقط أوراق التوت يومًا بعد الآخر فيما يتعلق بمزاعم الوجه الحضاري لدولة الإمارات، إذ تكشف الممارسات الداخلية والقرارات المستحدثة مع كل أزمة عن عنصرية بغيضة تتخفى خلف ستائر الدعاية والتسويق الإعلامي، لكنها سرعان ما تصطدم بالممارسات الميدانية على أرض الواقع التي تضرب بتلك الشعارات عرض الحائط.