سجلت تركيا في تاريخ 11 مارس/آذار أول إصابة بفيروس كورونا المستجد، وفي غضون أسابيع وصل العدد إلى آلاف الحالات، وكغيرها من الدول أعلنت الحكومة حالة طوارئ في البلاد لمواجهة هذا الفيروس ضمن مجموعة من التدابير الوقائية، ولكن رغم ازدياد حالات الإصابة يومًا بعد يوم، تعاملت السلطات مع هذه الأزمة بثبات وحزم شديدين، ما قلل من الأجواء السلبية في البلاد ومنع انتشار الشائعات والأخبار الزائفة، وبالتالي لم يعد هناك مجال لإثارة الخوف والهلع في الأوساط العامة.
ذلك لا ينفي تمامًا مشاعر القلق في البلاد، ولا يتجاهل التساؤلات التشكيكية حول قدرة النظام الصحي التركي في مواجهة الوباء وما ينتظر اقتصاد البلاد من احتمالات، ولا سيما أن فاتورة كورونا باهظة على القطاعات الاقتصادية في البلاد، وتحديدًا بالنسبة لقطاعي الصناعة والسياحة، الأمر الذي أثر سلبًا على العملة التي تراجع سعر صرفها أمام الدولار لأدنى مستوى لها خلال شهور، ومع ذلك لم تخلق هذه التداعيات وحالة عدم اليقين العامة فوضى عارمة بين أفراد الشعب التركي أو حتى بين رجال سياسة وأصحاب القرار، إذ غابت الاختلافات السياسية في هذا الوقت الحرج، وركز الجميع انتباهه على النقطة الأساسية، وهي التغلب على الفيروس بأقل الخسائر الممكنة، بعيدًا عن الحسابات والانتماءات الحزبية.
ساعد هذا الموقف في تسهيل عملية السيطرة على الوضع، وساعد الحكومة على اتخاذ قرارات سريعة وفعالة لدعم الاقتصاد والفئات المتضررة من أزمة كورونا، فقد ذكرت الصحافة التركية أنه تراكمت على الشركات التركية ديون خارجية بنحو 75 مليار دولار، بما في ذلك ائتمان تجاري، ورغم أن الحكومة يتعين عليها إعادة تمويل نحو خمسة مليارات دولار فقط هذا العام، فإن هناك ثلاثة بنوك كبيرة مملوكة للحكومة ستحتاج إلى الدعم في الأزمة.
الإجراءات الداخلية
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إطلاقه حملة تبرعات وطنية لدعم متضرري فيروس كورونا، افتتحها بتبرعه براتب 7 أشهر، وما إن أعلن أردوغان عن هذه الحملة حتى لحق به سياسيون كبار وقادة أحزاب وفنانون، متبرعين بمبالغ مالية للحملة، كما أن الرئيس التركي دعا المواطنين للمشاركة في الحملة.
دعمًا للكوادر الطبية التي تصل ليلها بنهارها في العمل من أجل مصابي كورونا قال أردوغان: “نوفر دعمًا إضافيًا من 6 مليارات ليرة لأجور العاملين في مجال الصحة”، وكانت الحكومة التركية قد قررت دفع أجور إضافية يحددها وزير الصحة للعاملين في القطاع الصحي لمدة 3 شهور، كما أُصدرت قرارات تتعلق بإعفاء العاملين في القطاع الطبي، من أجور المواصلات العامة ورسوم ارتياد المرافق الاجتماعية العامة، حتى نهاية مايو/آيار المقبل.
أعلنت أنقرة إلى جانب دعمها للقطاع الصحي أنها ستقدم دعمًا ماليًا لقرابة مليوني أسرة من أصحاب الدخل المحدود، وأكد أردوغان قائلًا: “سنقدم دعمًا نقديًا بقيمة 1000 ليرة لمليوني أسرة ذات دخل محدود، وسنرفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين إلى ألف و500 ليرة”، مضيفًا “سيتم توفير 7 مليارات ليرة تركية كدعم فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، وسنرفع مخصصات مؤسسات التكافل الاجتماعي إلى 180 مليون ليرة”.
وزعت تركيا حتى الآن على المشافي والوحدات الصحية 24 مليون كمامة جراحية وأكثر من 3 ملايين كمامة من نوع N-95، إضافةً إلى أكثر من مليون من الملابس الواقية، و181 ألف نظارة واقية، ذلك بحسب أردوغان الذي قال: “لدينا الإمكانات لرفع إنتاج هذه المعدات”، مشيرًا إلى افتتاح مشفى “أوك ميداني” الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 600 سرير، بالإضافة إلى افتتاح مستشفى يني شهير بإسطنبول الذي تبلغ قدرته الاستيعابية 1150 سريرًا، ومستشفى إكيتيلي بقدرة استيعابية تبلغ ألفين و682 سريرًا”.
ضمن المساعدات التي تقدمها أنقرة في إطار جهود مكافحة كورونا أعلن أردوغان أن بلاده أعادت “أجور السكن إلى طلاب التعليم العالي عن أيام لم يبيتوها خلال مارس/آذار، وسيتم إعفاؤهم من أجور الشهور الثلاث المقبلة”، وكانت وزارة التربية والتعليم التركية قد قررت إغلاق الجامعات والمدارس واعتماد نموذج التعليم عن بعد، وأشار وزير التربية والتعليم التركي: “سيتم إعادة ترتيب البرنامج الدراسي لتلاميذ المرحلتين الابتدائية والإعدادية في المدارس كافة، ليتولى نظام شبكة معلومات التعليم عبر الإنترنت وهيئة الإذاعة والتليفزيون الرسمية عبر شاشات التلفزة تعويض دروس التلاميذ عن بعد”، مضيفًا أن الإنترنت أتيح بشكل مجاني لجميع التلاميذ والطلاب الذين سيحضرون دروسهم عن بعد.
أكد أردوغان أنهم نفذوا العديد من التأجيلات والدعم للتجار والحرفيين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مشيرًا إلى أنهم أجلوا مدفوعات أكثر من مليوني مكلف بدفع الضرائب، موضحًا أن القروض والمنح الدراسية للطلاب لم يقتطع منها شيء، وبالنسبة للقروض يمكنهم تأجيل سدادها 3 أشهر مقبلة، دون تكاليف إضافية.
بعد أن حظرت تركيا التجول على المسنين الذين تتجاوز أعمارهم الـ65 عامًا، قدمت ولاية إسطنبول دفعة مساعدات شملت مواد غذائية ومنظفات، لكبار السن الخاضعين للحجر المنزلي في المدينة، وأطلقت ولاية إسطنبول حملة تشمل تقديم 333 ألف سلة مساعدات للمحتاجين ممن تتجاوز أعمارهم الـ65، في عموم إسطنبول.
صناعة أجهزة تنفس
كشف سلجوق بيرقدار المدير الفني لشركة بيكار التركية عن أول جهاز تنفس اصطناعي منزلي من إنتاج محلي، وأشار بيرقدار إلى أن “إنتاج هذا الجهاز تم بالتعاون بين عدد من الشركات التركية التي سخرت فريقًا كبيرًا من المهندسين لإنجاز المشروع”، وكان بيرقدار قد أعلن عن فريق مؤلف من 100 مهندس ومن عدة شركات تركية محلية، يعملون على إنتاج الجهاز، وأشار الرئيس أردوغان إلى أن العمل يجري بشكل حثيث لإنتاج الأجهزة، وذلك في إطار عدة جهود وخطوات لوقف تفشي الوباء وتسببه بالمزيد من الوفيات.
مساعدات خارجية
قدّمت تركيا مساعدات للدول الأكثر معاناة من الفيروس وخصوصًا إسبانيا وإيطاليا وقال أردوغان في هذا الخصوص: “نبذل جهودنا لتلبية احتياجاتنا واحتياجات الدول الصديقة، وفي هذا الإطار أرسلنا مستلزمات صحة ونظافة إلى العديد من الدول خلال هذه الأيام الصعبة”، مضيفًا “سنرسل طائرة محملة بتلك المستلزمات إلى إسبانيا إحدى أكثر الدول تضررًا بالوباء، وكنا قد أرسلنا سفينة مستلزمات إلى إيطاليا أيضًا عبر الهلال الأحمر، وهناك دول أخرى أرسلنا لها مستلزمات نصنعها محليًا”، وكانت إيطاليا قد شكرت تركيا عبر وزير خارجيتها لتقديمها المساعدة.
من جهته أعلن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم، بدء تشغيل مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، في قطاع غزة لمواجهة فيروس كورونا، حيث بدأت الحكومة التركية ببناء مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، عام 2011، وانتهى العمل به عام 2017، وفي هذا الصدد قال خليل الحية القيادي في حركة حماس، إن تركيا أبدت استعدادها لإمداد غزة بالمساعدات الطبية اللازمة لمواجهة كورونا.
وأكد القنصل التركي في مدينة الموصل العراقية، محمد كوجوك صاقالي “تقديم بلاده مساعدات طبية للمدينة، لمكافحة انتشار وباء فيروس كورونا”، وقال كوجوك صاقالي: “كورونا وباء فتاك في العالم. تركيا والعراق تكافحان بجدية للحيلولة دون انتشار هذا الوباء، ومن أجل هذا نقدم مساعدات، تشمل أقنعة واقية ومعدات تنظيف وتعقيم”، من جهته أعرب السفير الإيراني لدى أنقرة محمد فرازمند، عن شكره لتركيا على المساعدات الإنسانية والطبية التي قدمتها لبلاده في إطار مكافحة وباء كورونا.
وأوضح بيان صادر عن المعهد الوطني للغذاء والدواء في كولومبيا، أن “المساعدات التركية وصلت البلاد، وتتضمن 26 ألفًا من مستلزمات تشخيص كورونا”، وبحسب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فإن بلاده قدمت مساعدات طبية إلى 16 دولة للمساهمة في مكافحة كورونا، مضيفًا أنهم تلقوا طلب مساعدة من 44 دولة بحاجة إلى لوازم طبية.
يعد هذا جزء من سياسات تركيا الخارجية التي تمثل فيها المساعدات الخارجية إحدى أولوياتها في فتح ممرات جديدة نحو علاقات دبلوماسية وثيقة من جهة، وتأسيس ولاءات جديدة على الصعيد الإنساني من جهة أخرى، ولم يكن تحقيق ذلك ممكنًا في الغالب لولا أنها لم تنجح أولًا في السيطرة على الأوضاع الداخلية.