مباشرة عقب احتوائها وباء فيروس كورونا في بلادها، وبداية انتشاره في باقي أنحاء العالم، سارعت الصين إلى تقديم المساعدات الصحية بسخاء لدول عدة مستغلة ضعف العمل الأوروبي المشترك في مواجهة الوباء والانكفاء الأمريكي.
مساعدات دولية تتنزل تحت غطاء “الدبلوماسية الصحية”، يرى بعض المتابعين أن هدفها تلميع الصين لصورتها بعد حالة الفشل التي أعقبت انتشار الفيروس من أراضيها، فيما يرى آخرون أن الغاية منها تسريع مخططات قديمة باختراق أكبر عدد ممكن من دول العالم.
سخاء صيني
مساعدات طبية صينية وجهت إلى دول مختلفة في أنحاء العالم، كانت البداية نحو إيران، حيث أرسلت الصين الشعبية في فبراير/شباط الماضي عشرات الآلاف من المعدات المتطورة للتشخيص السريع للفيروس وأجهزة توليد الأكسجين.
بعد ذلك، وصلت المساعدات الصينية إلى العراق، حيث أرسلت جمعية الصليب الأحمر الصينية فريقًا من الخبراء مع شحنة من المساعدات والأجهزة الطبية لدعم جهود العراق في مجابهة فيروس كورونا الجديد خاصة في مجال الفحص ومتابعة الحالات المرضية.
المساعدات الصينية وصلت دول الاتحاد الأوروبي أيضًا، حيث وصلت في الـ12 من هذا الشهر رحلة جوية تقل فريق مساعدة صيني، مؤلف من تسعة أفراد ويحمل معه أطنانًا من الإمدادات الطبية، إلى مطار “فيوميتشينو” بروما، وكان في استقبالها حشد من الخبراء المحليين من الصليب الأحمر الإيطالي ومسؤولون من وزارة الخارجية الإيطالية ومندوبون من السفارة الصينية لدى إيطاليا.
بعد إيطاليا، أرسلت الصين مليون قناع طبي واقيًا لفرنسا للتصدي لفيروس كورونا، بعد أن أعلنت المصالح الطبية الفرنسية أن البلاد تعاني من نقص كبير في المستلزمات والأقنعة الطبية والمواد المطهرة مع سرعة انتشار المرض على أراضيها.
ثالث المساعدات الصينية نحو أوروبا وجهت نحو صربيا بعد طلب الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ذلك، حيث وصلت مساعدات عاجلة لصربيا، من قبيل اختبارات المرض وأجهزة التنفس، إلى جانب فرق طبية تتمتع بخبرة واسعة في مكافحة الأمراض.
فضلًا عن ذلك تلقت جمهورية التشيك واليونان والنمسا مواد طبية إغاثية أيضًا كتبرع من الحكومة الصينية، كما تنتظر في هذه اللحظات عدة دول أوروبية دورها في الحصول على الملايين من الكمامات القادمة من الصين، وذلك بعد أن تعهدت بكين المتهمة بالتأخر في التصدي لفيروس كورونا المستجد، بتزويد الاتحاد الأوروبي بأكثر من مليوني كمامة و50 ألف جهاز فحص.
لم تكتف بكين بتقديم المساعدات لدول أوروبا وحسب، ففي الأسابيع الأخيرة تبرعت الصين بمئات الآلاف من أجهزة التنفس واختبارات الفيروسات لدول إفريقية وآسيوية عدة على غرار الجزائر والفلبين وباكستان، فيما يسافر أطباء وخبراء صينيون أيضًا حول العالم لتقديم المساعدة في محاربة الفيروس التاجي الجديد.
وحتى يوم الخميس الماضي، قدمت الصين مساعدات عاجلة إلى 83 دولة ومنظمة دولية لمكافحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، وقال نائب وزير الخارجية الصيني لوه تشاو خلال مؤتمر صحفي إن المساعدات تم تقديمها إلى دول ومنظمات دولية وإقليمية مثل منظمة الصحة العالمية والاتحاد الإفريقي، وتشمل إمدادات طبية مثل كواشف الاختبار والكمامات، مشيرًا إلى أن الصين تبرعت أيضًا بمبلغ 20 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية لتسهيل التعاون الدولي ذي الصلة.
تلميع صورة
الهدف من هذه المساعدات تدارك الصين لأمرها وتلميع صورتها بعد حالة الفشل التي أعقبت ظهور الفيروس في أراضيها، وانتشاره لاحقًا في عدة بلدان في مختلف قارات العالم دون استثناء، ما تسبب في حالة رعب سادت العالم أجمع.
ظهر فيروس كورونا لأول مرة في مدينة ووهان وسط الصين، وذلك في الـ12 من ديسمبر/كانون الأول 2019، وانتشر لاحقًا في معظم الدول، ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية، حالة الطوارئ على نطاق دولي لمواجهة تفشي الفيروس.
ووفقًا لإحصائية أعدها “نون بوست” استنادًا إلى مصادر رسمية، سُجلت إلى حدود الساعة الـ11 من صباح اليوم الثلاثاء بالتوقيت العالمي 780 ألف إصابة منذ بدء تفشي الوباء نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، فيما تم تسجيل قرابة 39 ألف حالة وفاة، أغلبها في إيطاليا التي سجلت أكثر من 11 ألف حالة وفاة.
التوسع في عمليات تسليم المساعدات الطبية إلى جميع أنحاء العالم، الغاية منه أيضًا تسريع الصين لمخططات قديمة باختراق أكبر عدد ممكن من دول العالم
قبل بدء الصين عملياتها الإنسانية الواسعة، كانت أصابع الاتهام توجه إليها، فهي السبب في انتشار هذا الوباء الخطير وفق العديد من المسؤولين، حيث وصل الأمر بالرئيس الأمريكي إلى وصف كورونا بالفيروس الصيني، موجهًا لومًا كبيرًا للصين بشأن محاولاتها في البداية التغطية على أخبار انتشار الفيروس في ووهان وفشلها في السيطرة على الأمر.
لم يبق الحال كما هو، فقد بدأت الصين تحوز على إشادات من أعلى المستويات في العالم، ووصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدحنوم غيبريسوس في تغريدة على تويتر، التعاون الصيني الإيطالي بأنه “مثال للتضامن الحميم”، ليرد عليه تشانغ جون سفير الصين لدى الأمم المتحدة قائلًا: “الصديق عند الحاجة هو الصديق حقًا”.
Heartwarming example of solidarity #Italy #China . We all need to unite and support each other in the fight against #COVID19, a common enemy. https://t.co/6ndxQcV5LR
— Tedros Adhanom Ghebreyesus (@DrTedros) March 16, 2020
تقول مارينا رودياك المتخصصة في الدراسات الصينية الحديثة والكلاسيكية بجامعة هايدلبرغ الألمانية: “من خلال تقديم الصين مساعدتها حول العالم، تحاول بكين أيضًا تحويل الانتباه عن الانتقادات الشديدة التي وجهت إليها على طريقتها في معالجتها الأولية لانتشار الوباء كما تحاول تقديم نفسها بدلًا من ذلك كمنقذ للدول الأخرى في أزمة كورونا”.
بدوره، يرى الخبير فرانسوا هيسبورغ أن بكين تريد أيضًا “التخلص – في الداخل كما في الخارج – من الخطيئة الأصلية”، المتمثلة في ظهور الفيروس على أراضيها، ويرجع قادة العالم تفشي الفيروس إلى إخفاء مسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني معلومات أساسية في بداية انتشار كورونا.
اختراق أكبر عدد ممكن من دول العالم
التوسع في عمليات تسليم المساعدات الطبية إلى جميع أنحاء العالم، الغاية منه أيضًا تسريع الصين لمخططات قديمة باختراق أكبر عدد ممكن من دول العالم، في الوقت الذي تعجز فيه معظم الدول عن السيطرة على فيروس كورونا.
وتسعى الصين التي تروج إلى أنها تمكنت من احتواء الوباء على أراضيها، لاستغلال المساعدات التي تقدمها، بخاصة للدول الأوروبية في الدعاية لنظامها والتباهي بنموذج قوتها، حتى تتمكن من تثبيت نفوذها في القارة العجوز.
يمكن القول هنا، إن جائحة كورونا تمثل طريقًا جديدًا للصين من أجل بسط نفوذها في مختلف دول العالم مستغلة الوضع العالمي، فالعمل الأوروبي المشترك في مواجهة الوباء ضعيف ولا يكاد يرى والولايات المتحدة الأمريكية منكفئة على نفسها.
هذه التحركات الإنسانية المتزايدة للصين في كل أنحاء العالم يخدم تحركات بكين السياسية، فقد نجحت مساعدات الصين الشعبية للدول والمنظمات في الترويج لصورة بكين “الإنسانية” وأيضًا في تثبيت مكانتها في العديد من الدول التي كانت سابقًا تكن عداءً كبيرًا لها.
صحيح أن انتشار فيروس كورونا المستجد بدأ من أسواق الصين وكانت أضراره كبيرة على الاقتصاد والنظام السياسي الصيني، إلا أن سلطات بكين أحسنت استثمار هذه الأزمة، حيث خرجت منها منتصرة وحولتها لصالحها، أو هكذا تأمل.