كورونا: بين ما هو حقيقي وما هو مزيف.. مسؤوليات أخلاقية

INAF_20200306202554679

لم يعد بمقدور الكثير منا اليوم معرفة ما يجري حوله حتى في أضيق نطاق وعلى بعد أمتار منا حيث نلتزم الحجر المنزلي، فقد اقتصرت إطلالتنا على العالم من حولنا على شاشات هواتفنا الصغيرة بين أيدينا، وعلى صغر حجم تلك الشاشات، إلا أنها تزدحم بكم هائل من المعلومات الواردة من مصادر معروفة وغير معروفة على شكل رسائل نصية وصور وفيديوهات ومقاطع صوتية يتبادلها الناس، تشكل في مجموعها تصوراتنا المختلفة والمتنوعة عن واقعنا وتهديد فيروس كورونا المحيط بنا.

أمام واقعنا كمتلقين يبرز واقع آخر يتمثل بشغف الانتشار المحفز لكل صحفي للبحث في الملفت والمشوق من القصص، خيال الصحفي يمكن أن يحول قصة يومية نعيشها إلى دراما شيقة لم يكن في حسباننا أن ننظر إليها من هذه الزاوية، في الغالب عند وقوفنا على تفاصيل بناء القصة الصحفية سنرى أن هناك ما قد تم تضخيمه أو المبالغة فيه، على الأقل من وجهة نظرنا الشخصية في بعض الأحيان.

التشويق عنصر مهم حاضر في العقل الباطن للصحفي، وهو يبحث عن قصصه ويصوغها، بل قبل ذلك بأبجديات الإعلام في السعي الحثيث لوسائله – على تنوعها – لاجتذاب جمهور أكبر، حيث تتأتى الكثير من معايير وسائل الإعلام بناءً على ما يرغبه الجمهور محكومًا بمسؤولية اجتماعية وأخلاقية التي قد تأتي لاحقًا وقد تغيب في أحيان أخرى.

يهاجمنا فيروس كورونا ليخلق حالة من القلق والهلع مع كم هائل من المعلومات المتداولة، نسبة كبيرة منها مغلوطة ومضللة، إجراءات صارمة اتخذتها العديد من وسائل التواصل الاجتماعي للحد من تداول المعلومات المضللة، وكبرى المنصات الاجتماعية وضعت قيودًا على المواد التي تتناول كورونا من خلال تحليل المعلومات وإحالتها إلى مصادرها، ولا يزال العمل على توحيد مصادر المعلومات واعتماد الموثوق منها ليكون موقع منظمة الصحة العالمية في طليعة تلك المصادر.

وكما كان على الكوادر الطبية التصدي لانتشار الفيروس ومحاولة إنقاذ المصابين، كان على الصحفيين التصدي لإدارة المعلومات المتداولة وتدقيقها وتمحيصها بدرجة عالية من المهنية.

كان هناك مواقف تحدٍ من متزمتين لحصر التجمعات وتطبيق التباعد الاجتماعي بزعم أن الفيروس لا يمكن أن ينتشر بين أوساط المؤمنين

الكثير من المؤسسات المتخصصة بمراقبة الأداء الصحفي في العالم، توجهت للصحفيين المعنيين بتغطية انتشار الفيروس بأن يكونوا على درجة عالية من الحذر في تغطياتهم تلك، حيث تتضاعف المسؤولية عندما يهدد الخوف من الفيروس التوازن الاجتماعي.

الشائعات تعتبر الخطر الرئيسي في تأجيج الذعر والهلع لدى المتلقين، وهو ما يضاعف العبء والمسؤولية على الصحفي، ليس فقط في الامتناع عن الترويج لها، وإنما في محاربتها أيضًا، إذ تنصح مؤسسة First Draft  الدولية، الصحفيين باتخاذ عدة تدابير بأن يعالج الصحفي تلك الإشاعات من نقاط ضعفها فلا يساهم في الترويج لها من دون قصد ولا يتجاهل انتشارها.

التوظيف الديني بدوره ساهم في تأجيج الكثير من نقاط الخلاف في المجتمع، حيث نشبت اتهامات متبادلة بين التيارات الدينية وغيرها، حيث تعمد البعض إهانة الكثير من الرموز الدينية لزعم وقوفها عاجزة أمام انتشار الفيروس. 

في المقابل كانت هناك مواقف تحدٍ من متزمتين لحصر التجمعات وتطبيق التباعد الاجتماعي بزعم أن الفيروس لا يمكن أن ينتشر بين أوساط المؤمنين بهذه العقيدة أو تلك، عندما انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لتجمعات دينية رفضت الاستجابة للتوجيهات الحكومية.

كان على الصحفيين في تلك النقطة الحرجة إيجاد مخرج من هذه الدوامة في اختيار الأصوات الدينية المتعقلة التي حددت الوظيفة المطلوبة للشعائر الدينية وضرورة الالتزام بالتعليمات، وقد وفق الإعلامي الأردني عامر الرجوب في استضافته للداعية الاسلامي محمد راتب النابلسي عبر الأقمار الصناعية في برنامج صوت المملكة عبر قناة المملكة الأردنية، حيث أكد النابلسي خلال مقابلته الصحفية أن من حسن الاقتداء بالتشريعات الدينية، الاستجابة للتوجيهات الصحية والحكومية.

الفيديو حاز انتشارًا واسعًا وكان أحد حبال النجاة التي انتشلت المتلقين من سجال الدعوات المتطرفة.

التحديث المستمر ومتابعة انتشار الفيروس عبر العالم تطلب من الصحفي التزامًا أخلاقيًا ومهنيًا بقول الحقيقة وتجنب إضفاء قلق غير مبرر، عندما يرى دينيس مولر زميل مركز النهوض بالصحافة في جامعة ملبورن الأسترالية، أن وظيفة وسائل الإعلام أن تروى القصة بالتفاصيل اللازمة لفهم الجمهور لما يحدث. أهمية القصة وشهرتها مبررة بانعكاسها على حياة الناس ومن خلال صياغتها بلغة تتناسب مع المخاطر التي تواجه المجتمع، وأن نقص المعلومات والتستر عليها (كما حصل في الصين) أضاع أيامًا وفرصًا ثمينة كان يمكن أن تُتخذ خلالها التدابير بشكل أفضل لتجنب الصين وربما العالم من بعدها هذه التبعات الثقيلة.

ومع تضارب المعلومات في أصل ظهور الفيروس برز أمام الصحفيين في نقلهم للأخبار تحدٍ آخر وهو التنميط والعنصرية في التعامل مع المرض على أنه تهمة، وقد بدت بعض مظاهر التمييز العرقي مع أول تفاقم أزمة كورونا، كانت تلك واحدةً من بين عدة توصيات دعت مديرة شبكة الأخلاقيات الصحفية هانا ستورم، الصحفيين فيها إلى تجنب التنميط والتميز العرقي من خلال تكرار مكان ظهور الفيروس.

يبقى على الصحفي بين معايير التقصي والوصول إلى مصادر الخبر ثم صياغته وبين التزاماته الأخلاقية أن يأخذ مكانه الصحيح في تشكيل رأي عام قادر على مواجهة جائحة كورونا وخروج العالم منها بأقل الخسائر الممكنة.