ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبحت ضرورة إجراء “الاختبارات” شعارًا لوباء فيروس كورونا، وذلك منذ أن أكد رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على أهميتها الشهر الماضي. لكن حتى البلدان الغنية التي تكافح من أجل تتبع انتشار الفيروس بين سكانها قد فشلت في تحقيق هذا الهدف البسيط.
كانت ألمانيا وكوريا الجنوبية من أوائل الدول التي بدأت بإجراء الاختبارات على نطاق واسع، لكن المملكة المتحدة والولايات المتحدة تقاعست عن فعل ذلك. ولكن كلما تأخر إجراء الاختبارات، زادت فترة عدم اليقين بشأن حجم التهديد الذي يشكّله الفيروس. ومع تنامي الحاجة إلى التشخيص، حيث يتم رفض العديد من أدوات الاختبار وبدأ صبر المواطنين ينفذ من الحكومة، لابد من النظر في التقنيات المتاحة وإمكاناتها ونقائصها.
ما هي الاختبارات المتاحة لعدوى فيروس كورونا؟
هناك نوعان رئيسيان من الاختبارات. يتمثّل الأول في اختبار مستضد فيروس كورونا المستجد، الذي يسبب مرض كوفيد-19. أما الاختبار الثاني، فيتمثّل في اختبار الأجسام المضادة، الذي يبحث عن أي علامات إصابة سابقة من خلال البحث عن استجابة مناعية. ومنذ أن نشر العلماء الصينيون في منتصف كانون الثاني/ يناير الشفرة الوراثية الكاملة للفيروس، المعروف رسميًا باسم سارس- كوف-2، تمكنت المختبرات في مختلف أنحاء العالم من استخدام اختبار المستضدات لتحديد جيناته في العينات المأخوذة من المرضى.
استخدم العلماء إجراءً يسمى تفاعل البوليمراز المتسلسل الذي كان بمثابة ممارسة معتادة في المختبرات لمدة 30 سنة. يمكن أخذ عينات تفاعل البوليمراز المتسلسل من مناطق مختلفة من جسم المريض. وتتمثل أبسط طريقة في أخذ عينة من جوف الأنف، في حين يقوم الخيار الآخر على أخذ عينة من الجزء الخلفي من الحلق. وبالنسبة للمرضى في المستشفى، قد تعطي عينة من الجهاز التنفسي السفلي أفضل النتائج. ويكشف اختبار المستضد عما إذا كان شخص ما مصابًا بالعدوى الحالية وبالتالي نقل فيروس كوفيد-19 إلى الآخرين.
في المقابل، تعمل اختبارات الأجسام المضادة (أو المصلية) على عينات الدم للكشف عن المناعة التي يكتسبها الجسم من العدوى السابقة. وحسب أستاذة علم المناعة بجامعة إدنبرة إليانور رايلي، فإن أدوات الاختبار تستخدم بروتينات الفيروس “كطعم” لاصطياد الأجسام المضادة الموجودة في الدم. وبمساعدة كمية الدم التي يمكن جمعها من عملية وخز الإصبع، يمكن الكشف عن نوعين من الأجسام المضادة ضد فيروس سارس-كوف-2.
يتمثّل النوع الأول في الأجسام المضادة “الغلوبولين المناعي م” قصيرة العمر، التي قد تشير إلى أن الفيروس لا يزال موجودًا. وعادة ما تختفي بعد أسبوعين من الإصابة. ويظهر في مكانها نوع ثاني أكثر استدامة، وهي الأجسام المضادة “الغلوبولين المناعي ج”. لا أحد يعرف حتى الآن إلى متى ستستمر هذه الأجسام المضادة في مقاومة التقاط العدوى مجددا، حيث أنه حسب التخمينات من المحتمل أن تستمر بضعة أشهر أو بضع سنوات.
تمنح الحكومات اختبارات الأجسام المضادة الأولوية، بما في ذلك المملكة المتحدة وألمانيا، لأنها ستكون ضرورية لإبلاغ الأفراد عما إذا كان بإمكانهم العودة إلى الاختلاط بالأشخاص دون نقل أو التقاط العدوى. عند أخذ عينة تمثيلية من الأشخاص، فإن العلماء مطالبون أيضًا بالإجابة عن أسئلة رئيسية تتعلق بالأوبئة – بما في ذلك عدد الأشخاص الذين ظهرت عليهم أعراض خفيفة أو حتى لم تظهر. وبمجرد إجرائها، تكون نتائج اختبارات الأجسام المضادة أسرع من اختبارات تفاعل البوليمراز المتسلسل التقليدية وقد تستغرق بضع دقائق بدلاً من بضع ساعات، على الرغم من أن أدوات اختبار المستضد الأسرع بكثير لا تزال قيد التطوير.
من يقوم بالاختبارات؟
عندما بدأت السلطات الصحية تدرك أن تفشي فيروس كورونا قد يشكل تهديدًا عالميًا، شرعت في تطوير اختبارات في المختبرات الحكومية مثل التي تديرها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ووكالة الصحة العامة في إنجلترا، التي تملك بالفعل خبرة واسعة في استخدام تقنية تفاعل البوليمراز المتسلسل للتشخيص. من الناحية التقليدية، تجرى اختبارات المستضد غالبا في القطاع العام، بالتعاون مع الشركات الخاصة التي توفر معدات الاختبار على غرار الكواشف الكيميائية والمسحات لعينات المرضى – وقد كان عدد بعضها غير كاف.
في الأسابيع الأخيرة، كانت هناك تعبئة ضخمة لموارد القطاع الخاص حيث تتسابق الشركات في جميع أنحاء العالم لدخول سوق سريعة التوسع، وقد شرعت في طرح أجهزة اختبار تفاعل البوليمراز المتسلسل الآلية التي تعالج العينات بسرعة أكبر بكثير من المختبرات التقليدية. في هذا الصدد، قال المحاضر السريري في كلية الطب في ورويك، جيمس جيل، إن إجراء اختبارات المستضد الجديدة سهل نسبيًا لأن “اختبار تفاعل البوليمراز المتسلسل يعدّ بمثابة إضافة صغيرة للاختبار الحالي”.
لكن اختبارات الأجسام المضادة تستغرق وقتًا أطول للتطور لأنه يجب إنشاؤها من الصفر. وأضاف جيل: “كان على الأطباء سحب الدم من جسم المريض، والعثور على الأجسام المضادة في عينة الدم (جزيئات أصغر من الفيروس)، وإنشاء جسم مضاد قابل للاستنساخ في المختبر، ثم إنشاء اختبار كاشف سيتفاعل في وجود ذلك الجسم المضاد – الذي يمكن قراءته من قبل فرق الصحة”.
لعب القطاع الخاص دورًا كبيرًا في تطوير وتصنيع اختبارات الأجسام المضادة، على الرغم من أنه لا بد من المصادقة عليها من قبل السلطات المعنية بالصحة العامة قبل استخدامها. برز وجود الشركات الصينية في محاولة لتعزيز الإمدادات من كلا النوعين من الاختبار. من بين 202 شركة حول العالم تنتج أدوات اختبار كوفيد-19، 92 شركة منها من الصين، حيث ظهر المرض وازدهر قطاع التكنولوجيا الطبية المبتكرة.
وفقًا لبيانات مؤسسة التشخيصات المبتكرة الجديدة (فايند)، وهي مجموعة غير ربحية مقرها في جنيف وتتعقب تطوير المنتجات، يوجد ثاني أكبر عدد من شركات اختبار فيروس كورونا في الولايات المتحدة، التي تضم 29 شركة. ولا تعد قائمة مؤسسة “فايند” شاملة ولا تتضمن بعض اللاعبين الرئيسيين الذين لم يسعوا للظهور. من بين هذه الشركات شركة هولوجيك المدرجة في بورصة ناسداك، التي سمحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باستخدام اختبارها خلال حالات الطوارئ.
بخلاف اختبارات الأجسام المضادة التقليدية واختبارات المستضد، يقوم الباحثون في الجامعات وشركات التكنولوجيا الحيوية بتطوير تقنيات تشخيصية مبتكرة جديدة. فعلى سبيل المثال، يمكّن تعديل كريسبر، وهي تقنية تحرير الجينات التي أسرت عالم التكنولوجيا الحيوية، من التعرّف على التسلسلات الجينية المحددة في سارس كوف-2 وقطعها، والتي يمكن تحديدها بعد ذلك عن طريق التغيرات الطارئة على الألوان.
ما مدى سرعة تنفيذ الاختبارات؟
تُجرى الاختبارات بشكل متفاوت وليس بالسرعة الكافية في العديد من البلدان. وفي ظل غياب قاعدة بيانات مركزية رسمية، جمعت مؤسسة “فايند” البيانات التي تشير إلى أنه وقع إجراء مجموع تراكمي يزيد عن 4.9 مليون اختبار حول العالم بحلول 29 آذار/ مارس. لكن يستثني هذا الرقم الصين لأن المؤسسة لا يمكنها الحصول إلا على بيانات موثوقة لمقاطعة صينية واحدة. حتى اللحظة الراهنة، أجرت كوريا الجنوبية، البلد الذي بدأ أولاً باختبار فيروس كوفيد-19 بشكل مكثف، 394 ألف اختبار (ما يعادل 770 اختبار لكل 100 ألف شخص)، في حين أجرت أيسلندا 4160 اختبارًا لكل 100 ألف شخص.
في البداية، كانت الولايات المتحدة بطيئة جدًا، لأن الاختبار الأوّل لمركز السيطرة على الأمراض لم يحقق نجاحًا، لذلك كان عليها العودة إلى طور الإعداد لإنشاء اختبار جديد. لذلك، تباطأت عملية السماح لمختبرات أخرى بإجراء اختبار كوفيد-19. ولكن على مدى الأسبوعين الماضيين، كثّفت الولايات المتحدة من حجم الاختبارات التي تُجريها بسرعة.
من بين البلدان الأوروبية الكبرى، يبدو أن ألمانيا تتصدر قائمة الدول التي تُجري أكثر عدد من الاختبارات، حيث قدّر مسؤولو الصحة العامة أن المختبرات الألمانية تجري ما يصل إلى 500 ألف اختبار لفيروس كورونا في الأسبوع. وعلى الرغم من أن البيانات الرسمية لم تؤكد بعد هذا الرقم، إلا أن هذا يشير إلى أن القدرة على إجراء الاختبار توسعت بسرعة في الأسابيع الأخيرة. وتوضح الصبغة اللامركزية لإجراء الاختبارات في ألمانيا والبنية التحتية للمختبرات أن الاختبارات لا تُجرى في المستشفيات وعيادات الأطباء فقط وإنما أيضًا في مواقف السيارات الخاصة.
المشاكل التي واجهتها الجهات الصحية الإسبانية من المحتمل أنها تعود إلى الطريقة غير الصحيحة لجمع العينات أو كيفية استخدام المنتج
في الواقع، إن المُصنعين مستعدون لتزويد العالم بالملايين من أدوات اختبارات الأجسام المضادة، لكن السلطات الصحية والهيئات التنظيمية لا تزال تُقيّم دقتها قبل السماح بانتشارها على نطاق واسع. في الأسبوع الماضي، أعلن وزير الصحة البريطاني مات هانكوك أن “الدولة طلبت 3.5 مليون مجموعة من أدوات اختبار الأجسام المضادة من مختلف الشركات المصنعة”.
ما مدى موثوقية الاختبارات؟
يعد تحليل تفاعل البوليمراز المتسلسل دقيقا للغاية عندما يقع إجراؤه بعناية من قبل أخصائيين تقنيين ذوي خبرة في مختبر مجهّز بشكل جيد. في هذا الإطار، أفاد أندرو بريستون، الأستاذ المشارك في قسم إمراض الميكروبات في جامعة باث، بأنه “نظرا لأن هذا الاختبار يكتشف على وجه التحديد الجينات الموجودة فقط في فيروس سارس- كوف-2، فإنه سينتج نسبة قليلة من النتائج الإيجابية الكاذبة”.
لكن المشكلة في هذا التحليل تتعلق بالنتائج السلبية الكاذبة التي تشير بشكل مضلل إلى خلو شخص من العدوى. غالبًا ما تكون هذه المشاكل ناتجة عن أوجه قصور في جمع عينات المرضى ومعالجتها. فيما يتعلق بالفيروسات الأخرى، تُقبل مُعدلات سلبية كاذبة بنسبة 10 في المئة على نطاق واسع ويمكن أن تصل حتى إلى 30 في المئة. في هذا الصدد، أفاد الدكتور جيل من كلية الطب في وارويك: “لذلك تُستخدم اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل في كثير من الأحيان لتأكيد الإصابة بدلاً من تأكيد أن شخص ما غير مصاب بالعدوى”.
عموما، لن تكون دقة وموثوقية اختبارات الأجسام المضادة الجديدة معروفة إلا بعد التحقق من صحتها واكتساب الأخصائيين التقنيين المزيد من الخبرة التشغيلية. خلال الأسبوع الماضي، سحبت وزارة الصحة الإسبانية ثمانية آلاف مجموعة من أدوات اختبار الفيروس صينية الصنع وقع تسليمها إلى حكومة مدريد الإقليمية، وذلك بسبب مخاوف من أن تكون نتائجها غير دقيقة.
في المقابل، صرّحت الشركة المصنعة “شينجين بايو إيزي” بأن المشاكل التي واجهتها الجهات الصحية الإسبانية من المحتمل أنها تعود إلى الطريقة غير الصحيحة لجمع العينات أو كيفية استخدام المنتج. حيال هذا الشأن، قال الدكتور بريستون: “ليس من السهل تكثيف قدرة الاختبار بسرعة وعلى نطاق واسع لأن ذلك يتطلب أدوات اختبار ذات جودة عالية وموظفين مدربين بشكل صحيح”
المصدر: فاينشال تايمز