عاش الجيش التشادي أسوأ نكسة في تاريخه القريب أواخر الشهر الماضي، حيث فقد 92 مقاتلًا (ارتفع عددهم لاحقًا إلى 98)، عندما هاجمته قوة من جماعة بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد حيث تلتقي حدود كل من تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر، إذ استغلت الحركة إضافة إلى عنصر المفاجأة، خبرة عناصرها بطبيعة المنطقة الجغرافية التي تتميز بكثرة الجزر والأراضي الوعرة.
تطور نوعي خطير
رغم أن جماعة بوكو حرام أخذت تصعّد من هجماتها الإرهابية في الفترة الأخيرة، فإن الهجوم الأخير يعد تطورًا نوعيًا خطيرًا لكثرة أعداد الضحايا، ولأن تشاد كانت بعيدة نسبيًا عن العمليات الكبرى للجماعة، فقد كانت الأخيرة تركز على نيجيريا والنيجر والكاميرون ومالي.
تُعد بحيرة تشاد موردًا حيويًّا بالنسبة للدول المطلَّة عليها (الكاميرون والنيجر وتشاد ونيجيريا)، وباتت تشهد تقلصًا رهيبًا على مستوى متوسط مياهها، وما زاد من تدهور وضع البحيرة هو تمركز بوكو حرام وغيرها من المجموعات المسلحة في البلدان المحيطة بها، وهو الأمر الذي حال دون الانطلاق في مشاريع ومخططات الإنقاذ الخاصة بهذا المورد المائي الحيوي، الذي تبنته الدول المطلة على البحيرة قبل 10 أعوام، ولكن حالت سلسلة الهجمات الإرهابية في المنطقة دون الحصول على التمويلات اللازمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك البحيرة التي تعد شريانًا حيويًّا بالنسبة لاقتصادات ثالوث الدول المطل على البحيرة، الذي يعد مصدر رزق لنحو 30 مليون شخص تقريبًا.
ونظرًا لتزايد خطر جماعة بوكو حرام في المنطقة، أثَّر ذلك على أولويات وترتيبات الدول المطلَّة على بحيرة تشاد، ليصبح عنصر الأمن في طليعة الاهتمامات الوطنية، وهذا على حساب كل من قطاعي التنمية والصحة.
بوكو حرام هجّرت أكثر من 3 ملايين شخص
بوكو حرام هي “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”. مجموعة إسلامية نيجيرية سلفية جهادية مسلحة، غيّرت اسمها بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى ولاية غرب إفريقيا، أما لفظ “بوكو حرام”، فهو يعني بالهوساوية “التعاليم الغربية حرام”، وتقول الجماعة إنها تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا بما فيها الولايات الجنوبية التي تسكنها أغلبية مسيحية.
أُسست الجماعة في يناير/كانون الثاني عام 2002، على يد محمد يوسف الذي دعا إلى تبني إسلام متشدد صارم وإقامة خلافة إسلامية، واعتبر القيم الغربية التي فرضها المستعمرون البريطانيون مسؤولة عن المشاكل التي تعاني منها البلاد، فجذب إليه الشبان العاطلين عن العمل في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو (شمال شرق) مع خطابٍ انتقد فيه الحكومة واعتبر أنها تُهمل التنمية الاجتماعية الاقتصادية في المنطقة المأهولة بأغلبية مسلمة.
وبعد فترة بسيطة من تأسيسها أصبحت الحركة تضم نحو مئتي شاب مسلم، بينهم نساء ومنذ ذلك الحين تخوض من حين لآخر اشتباكات مع قوات الأمن في عدة مناطق أخرى بنيجيريا قبل أن توسع في السنوات الأخيرة نطاق هجماتها لتغزو دول حوض بحيرة تشاد جميعًا.
تسببت هجمات جماعة بوكو حرام الإرهابية في تهجير أكثر من 3.3 مليون شخص، خلال السنوات الأربعة الماضية، حسب أرقام رسمية للسلطات النيجيرية، حيث أوضحت وزيرة الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث والتنمية الاجتماعية في نيجيريا، ساديا فاروق، أن جماعة بوكو حرام هجّرت 3.3 مليون شخص من تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا.
قرر الرئيس إدريس ديبي إتنو إطلاق عملية عسكرية ضد بوكو حرام وبإشرافه الشخصي
وقالت في كلمة لها خلال فعالية بأبوجا عن اللاجئين: “بوكو حرام أكبر مشكلة أمنية في البلاد”، مشيرة إلى أن الآلاف من الأشخاص فقدوا حياتهم في حوض بحيرة تشاد بسبب هجمات الجماعة المتطرفة.
وقبل أيام قليلة من هجوم بوكو حرام على الجيش التشادي، نصبت الحركة كمينًا للجيش النيجيري قرب الحدود مع الكاميرون مما أدى إلى مقتل 6 جنود نيجيريين، وأوضح متحدث عسكري حينها أن قافلة الجند كانت متّجهة إلى بانكي عندما هاجمها الإرهابيون بأسلحة ثقيلة و”آر بي جي”، لافتًا إلى أنه “تم نقل الجثث إلى مايدوغوري بمروحية عسكرية”.
وبعد الضربة القاسية التي مُني بها الجيش التشادي، قرر الرئيس إدريس ديبي إتنو إطلاق عملية عسكرية ضد بوكو حرام، وبإشرافه الشخصي حيث تحمل اسم “انتقام بوما”، في إشارة إلى الجزيرة التي شهدت مقتل جنوده، ووصل ديبي إلى المنطقة الحدودية سريعًا ليشرف على الموجة الأولى من الهجوم التي جرت يوم 29 من مارس/آذار.
تحرُّك في أكثر من اتجاه
تشاد تحركت على أكثر من جبهة للرد على جماعة بوكو حرام، إذ دفعت بعدد من الجنود إلى الجارتين النيجر ونيجيريا في إطار عملية الانتقام، بحسب تصريحات أدلى بها وزير الدفاع والأمن التشادي محمد أبا علي صلاح، على قنوات التلفزة المحلية.
وأوضح الوزير أن بلاده أطلقت عملية عسكرية لملاحقة الإرهابيين على خلفية الهجوم الذي شنته بوكو حرام يوم 23 من مارس بولاية “بحيرة تشاد”، ما أسفر عن مقتل 98 جنديًا، ولفت الوزير أنهم أسرلوا 5 كتائب عسكرية إلى كل من النيجر ونيجيريا بعد موافقتهما، مضيفًا “هدفنا تطهير بحيرة تشاد وما حولها من العناصر الإرهابية، وسنواصل إبلاغكم بكل جديد مع استمرار العملية”.
تشير التقديرات الأمنية إلى أن انخراط تشاد في الحرب على بوكو حرام، قد يكون سلاحًا ذو حدّين: إما أن تنجح إنجامينا في إلحاق الهزيمة بجماعة بوكو حرام أو تحجيمها بمساعدة دول الجوار وبدعم فرنسي، لتنزاح أكبر مشكلة تؤرق دول الإقليم، أو أن تتحول تشاد إلى ثقب أسود يستقطب ويمتص مجموعات متطرفة أخرى وهو ما سيورطها في صراع لن يتوقف بسهولة.
ويرجع الأمر إلى كون تشاد شاركت سابقًا بقواتها المسلحة في الحرب على تلك التنظيمات عام 2013، وذلك تحت ضغط وإيعاز فرنسي، لتتحول على إثر ذلك إلى هدف لتلك المجموعات التي تسعى من أجل تأسيس تحالف كبير، يضم جبهات عديدة مفتوحة (في شمال النيجر وشمال تشاد وفي شرق نيجيريا وغربي تشاد) وهو ما سيشكِّل خطورة كبيرة على المصالح الاقتصادية والإستراتيجية لبعض دول المنطقة، التي غالبًا ما تُمثل الهدف المفضل لأي جماعة جهادية.
إسناد فرنسي لتشاد
تشير تسريبات نشرها موقع أفريكا إنتلجنس إلى أن وكالة المخابرات الخارجية الفرنسية DGSE، تعمل جنبًا إلى جنب مع الجيش التشادي في العملية التي يشنها الأخير ضد بوكو حرام، ولفت الموقع إلى أن الصورة التي نُشرت على حساب تويتر للرئيس إدريس ديبي في 29 من مارس/آذار تعرضت للسخرية من قادة الجيش في أنحاء إفريقيا، فقد ظهر إدريس ديبي في زي قتالي مع جهاز اتصال لاسلكي متصل بحزامه ونظارات شمسية رياضية بإطار ذهبي في منطقة بحيرة تشاد، حيث كان يشرف على عملية “انتقام بوما” التي تجريها القوات المسلحة التشادية ضد جماعة بوكو حرام.
وكان ديبي قد تعهد بهزيمة جهاديي بوكو حرام الذين اتهمهم بالتسبب في معاناة لا توصف لشعبه، وأعلن أن العملية التي وصفها بـ”المهمة الوطنية” لن تنتهي إلا بهزيمة المتمردين.
ومع الحماس الكبير الذي أظهره الرئيس التشادي فإن هناك تحديات كبيرة تواجهه وجيشه حتى يتمكنوا من تحقيق نصر حاسم على الجماعة، يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
1- تدريب قوات الأمن والجيش وتأهيلها: لا يعرف مدى قدرة الجيش التشادي على خوض المعركة مع جماعة متمرسة على حرب العصابات، وعلى معرفة ودراية بتضاريس المنطقة.
2- ضرورة توحيد الجهود الأمنية في مجال مكافحة الإرهابيين لكل الدول المطلة على بحيرة تشاد، بدءًا من أقصى غرب إفريقيا، وصولًا إلى الوسط حتى السودان، واتباع سياسة موحدة من أجل القضاء على منابع الإرهاب.
3- تعزيز مصادر المعلومات بين الأجهزة الأمنية وتنمية وسائل الحصول عليها بين الدول المطلة على البحيرة وبقية الدوائر الإفريقية الأخرى لرصد العناصر الإرهابية وكشف تحركاتها أولًا بأول.
4- دعم القوات العسكرية والأمنية المكلفة بمكافحة الإرهاب بالاحتياجات من معدات وتقنيات حديثة، وبالمؤهلين من ذوي الاختصاص وعقد دورات تدريبية في مجال مكافحة الإرهاب في الدول المطلة على البحيرة قصد الارتقاء بالمهارات.
5- تحسين أوضاع منسوبي القوات المسلحة في دول منطقة البحيرة، فالفقر يجعل بعض ضعاف النفوس يتواطؤون مع الحركات الإرهابية إذا قُدمت لهم مغريات مادية، ويمكن أن يمدوا الحركة بالمعلومات وخطط قوات الأمن.
6- الاستفادة من تجارب الدول التي قضت على آفة الإرهاب، واستقطاب الدعم من الدول الغربية.
7- تكثيف الجهود لمحاربة الفكر المتطرف حتى القضاء عليه، فأساس الحرب على الإرهاب يقوم على الحوار مع الشباب المتحمسين الذين نجحت الجماعات المتطرفة في التأثير عليهم، وضمهم إلى صفوفها.
وبالنظر إلى التحديات أعلاه، ربما استعجل إدريس ديبي الذي يحكم البلاد منذ 30 عامًا، بدء حملة “غضب بوما” للثأر لكرامة جيشه الذي فقد 100 من جنوده، لكن وزير دفاعه محمد أبا علي صلاح صرّح بأن هدفهم من العملية “تطهير كل منطقة الجزر”، مشيرًا إلى انتشار القوات التشادية في خمسة قطاعات، من دون أن يحدد عدد العسكريين الذين تم نشرهم.
صحيح أن “غضب بوما” التي يقودها الرئيس التشادي إدريس ديبي هدفها المعلن هو الانتقام لجنوده ولكنها تحمل مخاطر عديدة أبرزها ـ إذا فشلت ـ أن تصبح بلاده – لا قدر الله – بؤرة جديدة لنشاط بوكو حرام، ومنها قد تتوسع شرقًا إلى السودان، في ظل الحدود الشاسعة بين البلدين التي يصعب السيطرة عليها، وفي ظل التداخل القبلي والعلاقات الوثيقة بين الشعبين.