تتنافس دول العالم فيما بينها في المجالات كافة، وعلى مدار السنوات الأخيرة، اشتدت وتيرة المنافسة في القطاع الصحي وتقديم الخدمات الصحية، وكانت تركيا من أكثر البلدان صعودًا في هذا المجال، من خلال المشاريع الضخمة التي تعمل عليها، لتصبح من أهم البلدان التي تقدم الخدمات الصحية كافة.
اليوم جاء فيروس كورونا المستجد، ووضع هذه الدول أمام اختبارات صعبة، أبرزها كيفية احتواء الفيروس ووضع القطاع الصحي في هذه الدول، وهنا نسأل ما أحوال القطاع الصحي في تركيا؟ وهل مشاريع تركيا الصحية الضخمة تساعد في مواجهة كورونا الآن؟
تطور القطاع الصحي في تركيا
حققت تركيا إنجازات سريعة وفعالة في القطاع الصحي خلال الـ18 عامًا الماضية مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، حيث نفذت مشاريع كبيرة في هذا المجال غيرت بها ملامح تركيا، ومن الممكن ملاحظة ذلك بالأرقام.
وصل الإنفاق الصحي عام 2016 إلى 116.7 مليار ليرة تركية، بعدما كان 18.7 مليار في 2002، وارتفع عدد الأطباء لكل 100 ألف شخص من 138 طبيبًا عام 2002 إلى 184 عام 2016، كما زادت حصة النفقات الصحية من النفقات العامة من 12% إلى 16.1%، في الفترة ذاتها.
وفي عام 2016 بلغ عدد المستشفيات ألفًا و520 مستشفى، مقابل ألف و156 عام 2002، وفي عام 2017 ارتفع عدد الأسرّة فيها إلى 232 ألفًا بدلًا من 164 ألفًا عام 2002، بينما وصل عدد غرف العناية المركزة إلى 36 ألفًا و609 غرف، بعدما كان ألفين و214 غرفة عام 2002.
نظام الرعاية الصحية
أعادت الحكومة التركية هيكلة نظام التأمين والرعاية الصحية بشكل كامل، بهدف تشكيل مؤسسة واحدة تكون مسؤولة عن النظام الصحي لكل المواطنين والمقيمين في تركيا، وأصبحت مدينة إسطنبول وحدها تمتلك مراكز صحية ومستشفيات حكومية وأخرى خاصة في المجالات والتخصصات كافة، يستطيع الجميع الاستفادة منها على تأمينه الصحي.
وإضافة لهذه المشافي، يوجد في كل حي (محلة) مستوصف خاص بهذا الحي ويسمى عادة بمركز العائلة الصحي، كما تشرف وزارة الصحة على جميع الخدمات الصحية في تركيا، فضلًا عن نظام الضمان الاجتماعي الذي يمكّن الجميع من الحصول على رعاية صحية مجانية أو منخفضة التكلفة، وقد تلقى مليون و21 ألفًا و907 أشخاص خدمة الرعاية الصحية في منازلهم، بين عامي 2011 و2018.
مشاريع المستشفيات العملاقة
تفوقت تركيا على مستوى العالم في إنشاء المدن الطبية ومشاريع المستشفيات العملاقة، حيث أصبحت وجهة علاجية يأتيها الجميع من كل حدب وصوب، وفي السنوات الأخيرة تم افتتاح عدد منها في مدن تركية مختلفة.
وهذه المدن هي يوزغاط ومرسين وإسبرطة وأضنة وقيصري وإلازيغ وإسكيشهير ومانيسا وأنقرة، وتصل القدرة الاستيعابية لتلك المدن الطبية مجتمعة إلى 12 ألف و100 سرير، وتضم ألفين و831 عيادةً، وألف و999 سرير عناية مركزة، و410 غرف عمليات، وتستخدم أحدث التقنيات.
في عام 2017 مثلًا، تم افتتاح المدينة الطبية في ولاية أضنة التي تعد من أكبر المجمعات الطبية في تركيا، وتقدم خدمات طبية وعلاجية لـ16 ألف شخص يوميًا عبر طاقم عمل مؤلف من 5 آلاف شخص، فضلًا عن احتوائها على ألف و550 سرير.
في العام الماضي، تم افتتاح مستشفى “بيلكنت” في العاصمة أنقرة، الذي يعد أكبر مستشفى في أوروبا والثالث على مستوى العالم، ويضم المستشفى 3 آلاف و633 سريرًا، و131 غرفة عمليات، إضافة إلى 904 عيادات خارجية، كما يتميز بقدرته اليومية على استقبال 30 ألف مريض و8 آلاف حالة طوارئ، وبه أكبر معمل طبي في البلاد، علاوة على منطقتين لهبوط وإقلاع المروحيات.
وتعمل تركيا على افتتاح مستشفى باشاك شهير العملاق الذي سيخدم 23 ألف و600 مريض، بعدد أسرة يبلغ 2700 سرير، كما سيصل عدد الذين سيستخدمون المستشفى سنويًا إلى 23 مليون شخص، وهو رقم ضخم يوازي عدد سكان عدة دول مجتمعة.
وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزم بلاده افتتاح 5 مدن طبية ومشاريع صحية جديدة كبرى خلال العام الحاليّ 2020، في قونيا وإسطنبول وإزمير وتكيرداغ وكوجالي، ضمن حملة الإصلاحات المستمرة التي تقوم بها الحكومة في قطاع الرعاية الصحية.
وفي قلب مدينة إسطنبول التي يعيش فيها 15 مليون نسمة، أثبتت أنقرة جدارتها في مواجهة جائحة كورونا بافتتاح مدينة طبية بتجهيزات متطورة، للحد من انتشار الفيروس، فقد أعلن وزير الصحة التركي التركي، افتتاح مستشفى “أوك ميدان” للأبحاث والتدريب بشكل جزئي يوم الإثنين، بعد إعادة تجديده وتجهيزه بالكامل وقد تحول إلى مرفق صحي حديث بعد الأعمال الإنشائية الحديثة.
ويضم المستشفى الجديد الذي يغطي مساحة 180 ألف متر مربع، 240 عيادةً و28 غرفة عمليات و600 سرير و81 سرير لوحدات العناية المركزة و81 غرفة عمليات، مع استطاعته استيعاب 15 ألف مريض يومًا، ومزود بأحدث الأجهزة.
وكان الرئيس التركي قد افتتح في 3 فبراير/شباط 2017 أول مدينة طبية في مدينة مرسين، فيما افتتح في مارس/ آذار 2019 المدينة الطبية التاسعة في أنقرة وهي الأكبر في أوروبا والثالثة عالميًا، وذلك ضمن خطة طموحة لبناء 32 مدينة طبية في عموم البلاد بغضون 2023.
وتضم مدينة أنقرة الطبية 3633 سرير، و131 غرفة عمليات، إضافة إلى 904 عيادات خارجية، ويضم قسم العناية المركزة فيها 674 سريراً، كما تتميز بقدرتها اليومية على استقبال 30 ألف مريض، و8 آلاف حالة طوارئ.
الرئيس التركي أشار إلى أنه مع انتهاء مشاريع المستشفيات سيتحقق هدف 32 سرير مستشفى لكل 10 آلاف مواطن في تركيا، بحلول عام 2023، كما هو مخطط له.
إذًا، هل مشاريع تركيا الصحية الضخمة تساعد في مواجهة كورونا الآن؟
في تصريح حديث له، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، إن بلاده لديها نظام صحي قوي، يتفوق على العديد من البلدان من حيث نصيب الفرد من غرف العناية المركزة، فالنظام الصحي في البلاد في حالة جيدة جدًا، ونصيب الفرد من عدد غرف العناية المركزة فيها أكثر من نظيراتها في العديد من الدول بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا.
وأكد ألطون أن بلاده لا تعاني نقصًا في كميات الكمامات والمعقمات ومراكز الفحص من الفيروس، ولفت إلى أنه يمكن القضاء على الوباء عبر التدابير القوية والمبكرة التي اتخذتها الحكومة، وبعزيمة الشعب التركي.
ومنذ أيام، قال وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، إن مستشفيات تركيا تضم نحو 100 ألف غرفة جاهزة لتتحول إلى غرف عزل أو عناية مركزة إن قضت الحاجة، وتعمل تركيا على الوصول لإجراء 10 آلاف إلى 15 ألف تحليل يوميًا على الأقل.
إشادات بالنظام الصحي التركي
بالفعل، أشادت منظمة الصحة العالمية بنظام الصحة في تركيا، بوصفه قوي بما فيه الكفاية لمواجهة فيروس كورونا الجديد، حيث إن الاستثمارات في نظام الصحة والصحة العامة في تركيا قوية بما فيه الكفاية لكشف ومنع تفشي أي وباء، وليس فيروس كورونا فحسب، وذلك بسبب استثمار الحكومة في القطاع السياحي على مدار الـ15 عامًا الماضية.
علاوة على ذلك التقدم في المشاريع الصحية، أكد محللون اقتصاديون أن تركيا تحتل مركزًا مميزًا في الصناعات الطبية، ووجدنا في ظل أزمة كورونا كيف نجحت تركيا في تطوير منتج مهم جدًا للكشف عن الفيروس بشكل دقيق وسريع.
تساعد هذه المشاريع الشعب التركي في حربه ضد كورونا، فهي مثلت بنية تحتية صحية، تم تأسيسها لاستقبال عشرات الآلاف من الحالات، واليوم هي مجهزة لكل من يعيش في الأراضي التركية، وجوهر الأمر هنا هو الرؤية السليمة، فالحكومة بنفسها أشرفت على هذه المشاريع، وهي نفسها من اتخذت التدابير الصحية الصارمة منذ بداية تفشي الفيروس، وقبل فوات الأوان.