اجتمع على السوريين في هذه الأيام أمران صعبان جدًا، وباءٌ وحرب، ومن كان منهم قد فرّ من الحرب فاليوم يجتمع عليه اللجوء وفيروس كورونا. إذًا لا مفر من الوباء الذي بات يحاصر العالم بأسره دون أية مؤشرات على نهايته أو الاقتراب من وجود علاج له، غير أن تبعات الفيروس ستكون أشد صعوبة على أهل سوريا داخلها وخارجها مع طول أمد الوباء.عانى السوريون من ويلات الحرب التي شنها بشار الأسد عليهم، لتصل بهم الحال إلى مستويات عالية من الفقر المدقع والحاجة الماسة لشتى أنواع المساعدات، واليوم مع وجود فيروس كورونا أصبحت الحاجة أكبر والعوز أشد، في شتى البقاع وخاصة ممن هم داخل البلاد بمختلف مناطق السيطرة والجغرافيا.
تصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، وتأتي هذه البيانات التي أصدرها الموقع متوافقةً مع ما تصدره الأمم المتحدة التي قدرت نسبة السوريين تحت خط الفقر بـ 83%، بحسب تقريرها لعام 2019، وذكر التقرير أن 33% من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مضيفًا أن 11.7 مليون سوري بحاجة شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.
هذه الإحصائيات ماهي إلا نتيجةً للحرب، والتوقعات تشير إلى أنه ومع الإغلاق الذي سببه فيروس كورونا بأن ترتفع تلك النسب وتصبح الحالة مزريةً أكثر فأكثر، فالحالة الاقتصادية الصعبة التي يفرضها الوباء والإغلاق العام يؤثر أضعافًا مضاعفة على قوت السوريين وخاصة أولئك الذين يعملون بنظام الأجرة اليومية في المعامل والمصانع ومحلات التصنيع والمهن، ليس في سوريا فحسب وإنما في دول العالم وخاصةً تركيا.
عواقب شديدة
الأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشتي، قالت: “ستكون عواقب هذه الأزمة شديدة على الفئات المعرّضة للمخاطر، ولا سيما النساء والشباب والشابات، والعاملين في القطاع غير النظامي ممّن لا يستفيدون من خدمات الحماية الاجتماعية ولا من التأمين ضد البطالة”، معلنةً أن 8.3 مليون شخص في الدول العربية سيدخلون بمستوى الفقر خلال العام 2020 نتيجة للآثار المترتبة على انتشار فيروس كورونا”
أضافت دشتي: “لا بد من أن تنفذ الحكومات العربية استجابةً طارئة وسريعة من أجل حماية شعوبها من الوقوع في براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي نتيجة لتداعيات وباء كورونا. ولا بد من أن تكون الاستجابة الإقليمية داعمةً للجهود الوطنية، وأن تعبّئ الموارد والخبرات لحماية الفقراء والأشخاص المعرّضين للمخاطر”.
كان لزامًا على المجتمعات في ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية على السوريين خاصة والعرب عامة التكافل فيما بينها لإنقاذ من لا يملكون قوت يومهم والذين يعملون بالأجرة اليومية وانقطعت أرزاقهم نتيجة الإغلاق الذي سببه الوباء، فعددٌ لا بأس به العاملين السوريين في تركيا يعملون على أساس هذا النظام، ولا يملكون الحقوق القانونية التي تخولهم المطالبة بتعويضات.
وصف مدير “الرابطة السورية لحقوق اللاجئين” مضر حماد الأسعد الأوضاع الاقتصادية للاجئين السوريين بتركيا ب”المعقدة”، قائلًا أنه مع فقدان عدد كبير من العاملين منهم لفرص عمله، نحن على أبواب أزمة كبيرة، تتطلب تدخلاً عاجلاً للتعامل معها”، مطالبًا “الأمم المتحدة بزيادة مساعداتها للسوريين في تركيا لتجاوز هذه الأزمة، نظراً لحجم الالتزامات المالية الكبيرة التي ترهق اللاجئ في الأحوال العادية، والتي تزداد مع الأوضاع غير العادية، في وقتنا الراهن”. كما صرح الأسعد لـ “المدن“.
تواصلنا في “نون بوست” مع الشاب أحمد أبو طارق والذي يعمل في أحد مصانع الخياطة في مدينة إسطنبول، ليذكر لنا أنه أُعطي إجازة مفتوحة بدون راتب، ويقول أبو طارق إنه كان يعمل ويتلقى أجرته أسبوعيًا، بينما يحدثنا عن أخيه الذي ما زال يذهب إلى عمله في طباعة الملابس رغم كل المخاطر المحدقة به من الإصابة بالفيروس، ويشكو أحمد وأخيه من ضياع الحقوق القانونية وخاصة بهذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها الجميع، فيما يشكو من غياب الهيئات السورية عن المشهد.
حملات خيرية
تعلم السوريون على مدار السنوات الماضية كيفية التكافل الاجتماعي في ظل التعامي الدولي عن إغاثتهم وتقدير ظرفهم الإنساني الاستثنائي، فتجد الحملات الإغاثية تنتشر في كل أزمة قاسية، خاصة في السنوات الأخيرة والتي خفت فيها صوت المنظمات الإنسانية الكبيرة والتي تنسحب شيئًا فشيئًا.
تأتي أزمة كورونا اليوم فتعصف بالحالة الاقتصادية الصعبة أصلًا فتزيدها سوءًا، إلا أن بعض الجمعيات السورية المحلية والمنظمات الإنسانية تعمل لتدارك وضع السوريين في سوريا وتركيا بإطلاق حملات إغاثية لتدارك الحالة الصعبة، ولم يقتصر ذلك على المنظمات والجمعيات بل تعداها إلى المبادرات الفردية التي أحس أصحابها بضرورتها لمساعدة ما يمكن مساعدته في ظل هذه الجائحة.
من خلال مطالعتي لبعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مرّ معي أحد المبادرات الفردية لشابٍ سوريٍ في ولاية غازي عنتاب التركيّة، وتقوم مبادرة هذا الشاب بنشر رقم هاتفه بين كبار السن الذين يحتاجون للمساعدة وليس لديهم معيل ولا يستطيعون الخروج من منزلهم بسبب الفيروس، ويساعد الشاب أحمد أبو صبري في تأمين حاجياتهم الأساسية.
لم يكن أحمد وحيدًا في مبادرته، أيضًا كانت الناشطة السورية الإنسانية إسراء خليلي ممكن أطلق مبادرةً لجمع الأموال وإيصالها لداخل سوريا ومساعدة المحتاجين والذين أوقف كورونا أعمالهم، وكان عنوان هذه الحملة “يالله نسند بعض”.
إسراء متطوعة بفريق ملهم التطوعي السوري، وتعمل أيضًا على حملة مع فريقها بعنوان “لنحمي بعض”، تحدثنا معها في “نون بوست”، وتكلمت لنا عن هذه المبادرة التي حسب ما ذكرت لنا بدأت حينما “رأينا عددًا كبيرًا من الناس قد تضرروا بسبب أزمة كورونا وتوقفت المعامل والشركات، خصوصاً للطبقة المتوسطة التي تحيا باليومية أو براتب شهري ثابت مقابل عمل محدد”.
تقول الناشطة خليلي “هذه هي الفئة الأكبر المتضررة من الأحداث، كونها لا تملك رفاهية العمل عن بعد، وليس لديها مخزون مالي كافٍ لمواجهة الظروف الجديدة، وقد تواصل معنا عدد كبير من المتضررين سواء كانوا داخل سوريا أو في دول الجوار مثل تركيا ولبنان”.
قام فريق ملهم التطوعي بإطلاق مبادرته هذه يوم 25 آذار/ مارس وبحسب خليلي شاركت الفنانة السورية يارا صبري بافتتاح هذه الحملة بفيديو قصير على صفحتها الشخصية، والحملة تستهدف المتضررين بشكل كبير من جراء هذا التوقف في تركيا ولبنان وسوريا.
وفقًا لخليلي، “المبادرة كانت في بداية انطلاقها بمجهود فردي وتبرع شخصي حيث جمع مبلغ 26 ألف دولارًا، ثم حظيت هذه المبادرة على اهتمام بعض المنظمات الخيرية الذين ساهموا وتبرعوا بمبلع 80 ألف دولار، لمساعدة عدد أكبر من المتضررين”.
أطلقت أيضًا بعض الفرق التطوعية السورية في ولاية إسطنبول التركيّة، مبادرةً إنسانية عاجلة لسكان هذه الولاية من السوريين، وجاء في هذه الحملة “لم تكن إسطنبول بعيدةً عما يحدث، شُلّت بها الحركة وتوقف الناس عن الذهاب لأعمالهم التي يجنون منها قوت يومهم، وباتوا يعيشون الآن على أمنية أن يذهب المرض ليعودوا لممارسة أعملاهم”.
تضيف هذه الحملة بأن قرابة 500 ألف سوري في إسطنبول جزء كبير منهم يعمل وفق نظام العمل بالأجرة اليومية، باتوا الآن بلا أي مصدر دخل، عوائل بأكملها تحتاجكم الآن “لتمدوا لهم يد العون، لتكونوا الرحمة الإلهية لهم في ظل هذه الأزمة”. و”أطلقنا حملة “كمثل الجسد الواحد لنشعرهم أننا معهم، وأن جوعهم من جوعنا، وما يصيبهم يصيبنا”.
حسب إعلان الحملة فإنها ستعمل لتأمين حاجيات العوائل السورية في إسطنبول حسب قدرة واستطاعة كل فريق مشارك في الحملة وسيكون تقديم للمساعدات على نوعين، مساعدة مالية أو كوبونات شرائية من أحد متاجر الغذائيات في المدينة.
أطلق منبر الجمعيات السورية في إسطنبول من جهته بالتنسيق مع إدارة الهجرة التركية الحملة العربية لمكافحة كورونا، وطالب المنبر من الأسر السورية المحتاجة لمساعدات في مدينة إسطنبول تقديم معلوماتهم عبر رابط خاص قام بتوفيره المنبر على موقعهم الرسمي.
انطلقت هذه الحملات التي تعتبر خجولة إلى حد ما للمساعدة ولو بشكل خفيف، إذ أن السوريين يحتاجون إلى دول لمساعدتهم ولا يكفيهم هذا العدد القليل من الاستجابات الطارئة التطوعية، وبهذا الصدد يُلاحظ غياب صوت المؤسسات السورية المعارضة في تركيا والتي تضع نفسها موضع تسيير الأمور السورية في تركيا، لكن السوريين لم يجدوا منهم حتى الآن أي جهد يذكر.