ترجمة وتحرير نون بوست
في أقل من عقد من الزمان، ساعد المبلغون عن المخالفات أمثال إدوارد سنودن من وكالة الأمن القومي وكريستوفر ويلي من شركة “كامبريدج أناليتيكا” في تحفيز تغيير شامل لسلوك الناس فيما يتعلّق بالخصوصية وشبكات البيانات العالمية. ولعلّنا نواجه في هذا الوقت العصيب أزمة أخرى في تاريخ الخصوصية الرقمية، حيث أن سبل المراقبة الشاملة من شأنها أن تنقذ الأرواح في جميع أنحاء العالم، مما يسمح للسلطات بتتبع والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد بسرعة ودقة لم تكن متوفرة خلال الأوبئة السابقة.
إنها بمثابة لحظة استثنائية قد تستدعي أساليب مراقبة خارقة للعادة، لكن دعاة الخصوصية صرّحوا لموقع “ذا إنترسيبت” بأن أزمة الصحة العامة المستمرة لدينا لا تعني بالضرورة خلق أزمة حريات مدنية في المقابل.
لا تزال إجراءات تتبع فيروس فيروس جارية بالفعل في جميع أنحاء العالم. تستخدم السلطات في كل من كوريا الجنوبية وتايوان وإسرائيل، بيانات موقع الهاتف الذكي لفرض تدابير الحجر الصحي الفردية. ويُذكر أن شرطة موسكو قالت إنها ضبطت بالفعل 200 من مخالفي الحجر الصحي، حيث قُبض عليهم بمساعدة كاميرات مزودة بميزة التعرف على الوجه. وتساعد شركة “بالانتير”، مقاول وكالة الأمن القومي ومتتبّع مرتكبي الجرائم، هيئة الخدمات الصحة الوطنية البريطانية في تتبع تفشي العدوى.
نُشرت تطبيقات هواتف الذكية، التي تستفيد من أجهزة الاستشعار المدمجة عالية الدقة لفرض التباعد الاجتماعي أو رسم خريطة لتحركات المصابين، في سنغافورة وبولندا وكينيا، حيث يقوم باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حاليًا بتقديم تطبيق مشابه، ولكن أكثر “خصوصية”. وفي المكسيك، أرسلت شركة “أوبر” إلى السلطات الحكومية بيانات سائق لتتبع مسار أحد السياح المصابين، وحظرت أيضًا 240 حريفا قاموا برحلات مع السائق نفسه.
مع تفاقم جائحة كوفيد-19 وارتفاع عدد القتلى، من المنطقي أن تجعل فكرة إعادة تخصيص تقنيات الحرب هذه والنجاح في حماية الإنسان، المراقبة الجماعية أكثر استساغة للشعب الخائف
وفقا لتقارير إخبارية، يسعى مسؤولو الصحة العامة في الولايات المتحدة، الذين يأملون في تقييم الامتثال الواسع لأوامر الحجر الصحي ورصد الحشود التي تشّكل تهديدا، للحصول على بيانات المواقع الشخصية بالجملة من المصادر الإعلانية عبر الإنترنت ذوات اللوائح غير الصارمة، وقد ناقشوا إجراءات الحصول عليها من غوغل. علاوة على ذلك، أنشأت شركة “هيلث كينسا”، التي صنعت موازين الحرارة “الذكية”، موقعًا إلكترونيًا خاصًا لتسهيل الوصول إلى تجمعات الحمى الجغرافية والبيانات الأخرى التي وقع تحميلها من مئات الآلاف من المنازل التي تستخدم أجهزتها المتصلة بالتطبيق. وساهم ذلك في اكتساب شركة “كينسا” لبعض الشهرة، بما في ذلك الظهور في مقال في صحيفة “نيويورك تايمز”، أشاد فيه خبراء الصحة العامة بالقدرة التنبؤية لبيانات مستخدمي التطبيق.
توفّرت أساليب المراقبة هذه بفضل ظهور حوسبة الهاتف الذكي والحوسبة السحابية، ومنظومة تتبع بيئية شاملة من حولهم. وعلى مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، عملت الجهات المعارضة في صناعة الإعلان ومجتمع الاستخبارات بلا كلل على مسارات موازية لاستكمال استغلالهم لمسارات البيانات الشخصية الشاسعة التي لا يمكن تصورها والتي جُمّعت بمساعدة تطبيقات الهاتف المحمول المختلفة. إن القدرة على معرفة موقعك والتنبؤ بسلوكك لا تقدر بثمن لكل من وادي السيليكون والبنتاغون، سواء كان الهدف النهائي هو استهدافك بإعلان شركة “واربي باركر” أو صاروخ هيلفاير.
ومع تفاقم جائحة كوفيد-19 وارتفاع عدد القتلى، من المنطقي أن تجعل فكرة إعادة تخصيص تقنيات الحرب هذه والنجاح في حماية الإنسان، المراقبة الجماعية أكثر استساغة للشعب الخائف، خاصة ذاك المتضرر من انتشار الهواتف الذكية وتطبيقات نقل البيانات.
في الواقع، هناك مشكلة صارخة تتمثل في حقيقة أننا سمعنا كل هذا من قبل. فبعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، قيل للأمريكيين إن تضاعف إجراءات المراقبة وتبادل البيانات ستسمح للدولة بوقف الهجمات الإرهابية قبل أن تحدث، مما دفع الكونجرس إلى منح صلاحيات لسلطات مراقبة كانت قد فشلت سابقا في التنبؤ بأي شيء. إن استمرار عملية التجسس هذه وتوسيعها فيما يقرب من عقدين من الزمن، إلى جانب الانتهاكات التي كشفها سنودن وغيره، تذكرنا بأن قوى الطوارئ قادرة على تجاوز حالات الطوارئ الخاصة بها.
يجب أن تكون القرارات أو السياسات التي يقع تنفيذها فيما يتعلق بالتصدي لهذه الكارثة هي نفسها التي يطالب بها مسؤولي وخبراء الصحة العامة
على الرغم من أنه كان من الممكن تجنب انتهاك الحريات المدنية لما يسمى بالحرب على الإرهاب، إلا أن النهج القائم على استهداف البيانات للاستجابة للوباء يتوافق مع الحقوق الفردية، حسب قول المدافعين عن الحريات المدنية، وذلك فقط في حال طالبنا بحدود ومبررات في كل خطوة. إليك بعض اقتراحاتهم:
ينبغي على مسؤولي الصحة أن يقودوا القرارات المتعلقة بالبيانات
قال محمد تاجسار، محامي في اتحاد الحريات المدنية الأمريكية في جنوب كاليفورنيا: “يجب أن تكون القرارات أو السياسات التي يقع تنفيذها فيما يتعلق بالتصدي لهذه الكارثة هي نفسها التي يطالب بها مسؤولي وخبراء الصحة العامة” على عكس الآخرين في الحكومة، ولا سيما “الأشخاص الذين يعملون في مجال الأمن أو إنفاذ القانون”.
أضاف تاجسار قائلا إن ذلك من شأنه أن يساعد الحكومات على ضمان الفعالية من خلال جمع سوى المعلومات المهمة بالفعل بدلا من الاستيلاء على أي شيء قد يكون مفيدا. وقال: “تميل الحكومات إلى أن تكون لها شهية شرهة عندما يتعلق الأمر بالبيانات دون فهم قيود المعلومات وحالات الاستخدام المناسبة للاستجابة لأزمات من هذا القبيل”.
يجب أن تكون المراقبة المتعلقة بفيروس كورونا مبررة بوضوح مقابل التكاليف
لمجرد أن الدولة أو الوكالة تعلن أنها تحتاج إلى الوصول إلى بعض البيانات أو التكنولوجيا، فهذا غير كافٍ. في هذا الشأن، قال آدم شوارتز، محامي مؤسسة الحدود الإلكترونية: “إن السؤال الحاسم هو: هل أظهرت الحكومة أن أداة المراقبة المقترحة ستعالج الأزمة بشكل فعال وملموس؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن مؤسسة الحدود الإلكترونية ستعترض على ذلك. أما إذا كان الأمر كذلك، فإننا نتساءل: هل تفوق فائدة المراقبة تكاليفها للخصوصية والتعبير وتكافؤ الفرص؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن مؤسسة الحدود الإلكترونية ستعترض على ذلك”.
وأضاف تاجسار أن هذا النوع من الشكوكية ينبغي أن ينطبق حتى على الوصول واسع النطاق إلى البيانات ‘المصنفة منها ومجهولة المصدر’. ويجب أن تكون هناك محادثة ثانية، حتى في السياق الذي يقول فيه إطار الصحة العامة أنهم يريدون نوعا معينا من البيانات”.
تميل البيانات الشخصية التي يقع جمعها لغرض معلن إلى الانجراف نحو مستخدمين آخرين
يجب أن تنتهي صلاحية البيانات التي جُمعت لأغراض كوفيد-19
قالت فايزة باتل، مديرة مركز برينان للحرية والعدالة وبرنامج الأمن القومي في كلية الحقوق بجامعة نيويورك: “يجب أن يُحدَّد أي برنامج بوقت معين. سلامتنا الجسدية هي الأهم، ولكن في مرحلة ما سنخرج من هذه الأزمة”. وأضافت أنه عندما يحدث ذلك، ينبغي أن يتوخى المشرعون والمواطنون اليقظة لضمان عدم وجود أي تنازل عن الحريات المدنية الدستورية وعدم الاحتفاظ بالبيانات التي وقع جمعها من أجل كوفيد-19.
يجب أن تكون البيانات التي جُمعت من أجل كوفيد-19 مسيجة
تميل البيانات الشخصية التي يقع جمعها لغرض معلن إلى الانجراف نحو مستخدمين آخرين، إذ يقع تمرير الصور الجنائية التعريفية القديمة على أنظمة التعرف على الوجه، وتباع رسائل البريد الإلكتروني للمستخدم من معلن لآخر. وقد تؤدي إمكانية حدوث انحراف مماثل مع البيانات المتعلقة بفيروس كورونا إلى ردع بعض الفئات المهمشة على غرار المهاجرين غير الشرعيين أو الأشخاص الذين لديهم سجلات إجرامية، من المشاركة في جهود جمع البيانات.
من جهته، قال المؤسس والمدير التنفيذي لمشروع الإشراف على تكنولوجيا المراقبة، ألبرت فوكس كان إن إحدى الطرق للقيام بذلك تتمثل في معالجة بيانات كوفيد-19 مثل بيانات الإحصاء السكاني في الولايات المتحدة. في الواقع، تشجع القيود المشددة على كيفية استخدام بيانات الإحصاء السكاني الناس بالفعل على التطوع. حيال هذا الشأن، قال كان عن الإحصاء السكاني: “لا يمكنك استخدامه لوضع الناس في السجن. لا يمكنك استخدامه لتنفيذ قوانين الهجرة. لا يمكنك استخدامه لتحصيل الضرائب”.
يتمثل الحاجز الواضح بشدة في أنه لا ينبغي لأي بيانات تُجمع لتدابير الاستجابة للمرض أن تكون متاحة أمام سلطات إنفاذ القانون
أفاد كان أيضا: “لدينا مثل هذه الضمانات الفعالة للخصوصية، ليس لأن هذه المعلومات لن تكون مفيدة للجهات الأخرى، ستكون مفيدة بشكل كبير، ولكن لأنهم يعلمون أن الأمريكيين لن يعطونا عددًا دقيقًا أبدا”. من جهة أخرى، شددت ليندسي باريت، وهي محامية في معهد القانون بجامعة جورجتاون للتمثيل العام على أهمية حجب بيانات الصحة العامة من أولئك الذين لا دور لهم في الصحة العامة.
علاوة على ذلك، أوضحت باريت قائلة: “يتمثل الحاجز الواضح بشدة في أنه لا ينبغي لأي بيانات تُجمع لتدابير الاستجابة للمرض أن تكون متاحة أمام سلطات إنفاذ القانون”. وذكرت باريد أن “التقارير تفيد أن مراكز مكافحة الأمراض واتقائها والولايات والحكومات المحلية تستخدم بيانات الموقع من شركات الإعلان لتتبع تحركات الأشخاص الذين يشتبه في أنهم يحملون كوفيد-19. ما الذي سيمنعهم من تمرير هذه البيانات إلى وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة، والتي يُقال أنها تحاول تتبع الأشخاص عن طريق شراء بيانات الموقع من مجمعي البيانات؟ “.
احذر من محاولات “تبييض السمعة”
تمثل جائحة فيروس كورونا فرصة ذهبية للشركات والجهات الحكومية لإعادة توظيف سلوك غير محبّذ سابقًا كتدخل منقذ للحياة. كما يقال إن مجموعة إن إس أو، وهي شركة برمجيات ضارة تشتهر بتمكين عملائها من مراقبة الصحفيين والناشطين في جميع أنحاء العالم، تتجه نحو ما يسمى بأدوات تتبع جهات الاتصال لتتبع الأشخاص الذين تواصلوا مع الشخص المصاب. من جهته، أعاد مفوض هيئة الجمارك وحماية الحدود مؤخرًا صياغة نظام التعرف على الوجه المثير للجدل في المطارات باعتباره “طريقة صحية لا تتطلب اللمس للتحقق من هويتك، وكذلك الحماية من التعرض لكوفيد-19”.
في سياق متصل، قال مدير شؤون الدعوة لدى مؤسسة الخصوصية الدولية، سعيد الدين عمانوفيتش، إن “شركات المراقبة مثل بالانتير ومجموعة إن إس أو وشبكات التواصل الاجتماعي وشركات الاتصالات الكبرى قرروا الآن أن الوقت قد حان للتحدث عن عملهم وعملائهم. أنا أكره أن أكون ساخرا في مثل هذا الوقت، لكنني أعتقد أن هناك صفقة لتبييض السمعة هنا بدلاً من محاولة إيثار تهدف لمساعدة الأوضاع بناءً على نصيحة خبراء الصحة”. السمعة مهمة، ولا يوجد سبب يدعو الحكومة أو المواطنين إلى تجاهل السمعة السيئة عند اختيار من ستعمل معه أو ما ينبغي مشاركته.
تذكر حدود المراقبة والتكنولوجيا
وفقا لباريت، “لا يجب على الحكومة أن تولّي استعمال التكنولوجيا كامل اهتمامها، بل يجب أن تركز على جعل الاختبارات أكثر سهولة وتشجيع تدابير التباعد الاجتماعي الآمنة، والحصول على المزيد من أجهزة التهوية وتوزيعها، والتأكد من قدرة الأشخاص الذين تضررت سبل عيشهم على الحفاظ على سقف فوق رؤوسهم وإطعام أطفالهم. لن يصلح وادي السليكون ذلك”.
المصدر: ذي إنترسبت