تواصل جائحة فيروس كورونا الانتشار في مختلف دول العالم، مخلفة أعداد كبيرة من الوفيات والإصابات فضلًا عن الخسائر الاقتصادية الفادحة، في الأثناء كشف هذا الوباء الذي يهدد مستقبل البشرية عن سلوكات وممارسات فوقية في حق بعض الشعوب والدول.
ممارسات أظهرت عنصرية البعض تجاه من يرونهم أقل منهم مكانةً وقدرًا، ما أثار ردود فعل غاضبة على نطاق واسع، كما حصل مع طبيبين فرنسيين طرحا إمكانية إجراء تجارب سريرية في إفريقيا للقاح “بي سي جي” المضاد لداء السل، لمعرفة مدى فعاليته ضد فيروس كورونا.
عنصرية فرنسية تجاه الأفارقة
خلال برنامج بثته قناة “LCI” الفرنسية عن آخر مستجدات فيروس كورونا وعمليات البحث المتواصلة لإيجاد لقاح أو دواء لهذا الوباء، تحدث مدير مركز الأبحاث في المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية “كامي لوشيت” عن لقاح “بي سي جي” المضاد لداء السل وإمكانية استعماله للتصدي لفيروس كورونا المستجد وعلاج المرضى.
في الأثناء، سأل رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى “كوشين” بباريس جون بول ميرا، الطبيب “كامي لوشيت”: “إذا استطعت أن أكون مستفزًا، ألا يجب إجراء هذه الدراسة في إفريقيا، حيث لا توجد أقنعة ولا علاج ولا إنعاش”؟
أضاف جون بول ميرا: “يشبه ذلك – إلى حد ما – ما تم القيام به في أماكن أخرى لبعض الدراسات عن الإيدز، حيث تم إجراء تجارب على بائعات الهوى، نحاول لأننا نعلم أنهن معرضات بشدة للخطر ولا يحمين أنفسهن”، أجابه كامي لوشيت أن ثمة تفكير بإجراء اختبارات في إفريقيا لمعرفة مدى فعاليتها على كورونا، حيث قال: “أنتم على صواب، ونحن بصدد التفكير في إجراء بحث في إفريقيا لاعتماد نفس المقاربة مع لقاح بي سي جي المطبق ضد السل”.
ما ينكره الكثير صرح به الطبيبان
حديث الطبيبين الفرنسيين والعنصرية الظاهرة منه تجاه الأفارقة، ليس بالأمر الجديد على أبناء القارة السمراء، فما قاله الطبيبان واقع تعيشه المستعمرات الفرنسية السابقة، هما فقط تفوها بالحقيقة التي كان ينكرها الكثير من الفرنسيين والأفارقة على حد سواء.
الفنان المغربي رشيد غلام ذكر بتاريخ فرنسا “الاستعماري والعنصري”، وكتب “فرنسا العنصرية المقيتة؛ استولت وما زالت تستولي على مقدرات إفريقيا، وجعلتها حقل تجاربها النووية والبيولوجية وغيرها.. وبكل وقاحة يطلب صحافيوها علنًا بإجراء تجارب دواء كورونا على الأفارقة.. نجرب في الأسود ليعيش الأبيض”.
فرنسا العنصرية المقيتة …
استولت ولازالت تستولي على مقدرات أفريقيا
وجعلتها حقل تجاربها النووية والبيولوجية وغيرها . وبكل وقاحة يطلب صحفيها علانا اجراء تجارب دواء #كورونا على الأفارقة
نجرب في الأسود ليعيش الأبيض pic.twitter.com/FdiEoMDIub
— Rachid Gholam رشيد غلام (@rachidgholam) April 3, 2020
يرى رشيد علام وغيره من الأفارقة أن السلوك الذي كشفه الطبيبان الفرنسيان ليس سلوكًا شاذًا ولا وليد اليوم، فمنذ عقود عدة والفرنسيون يعتبرون أن الأفارقة فئران تجارب، سواء للأسلحة أم للأدوية، الاختلاف البسيط هو ما كان في كواليس الأنظمة الغربية وكان طي الكتمان باح به هذان الطبيبان.
بدوره كتب محمد خلف “فرنسا هي أكبر دولة عنصرية في العالم، نحن التونسيين أعلم أهل الأرض بالفرنسيين فهم أعداء البشرية جمعاء وخاصة الأفارقة والعرب حتى إحصائيات مرضى الفيروس فيها ليست صحيحة لأن فرنسا تقع بين إسبانيا وإيطاليا”.
فرنسا هي اكبر دولة عنصرية في العالم نحن التونسيون أعلم أهل الأرض بالفرنسيين فهم اعداء البشرية جمعاء وخاصة الافارقة والعرب حتى احصائيات مرضى الفيروس فيها ليست صحيحة لان فرنسا تقع بين اسبانيا وايطاليا
— محمد خلف (@moh_khalaf_) April 4, 2020
وكتب مغربي يدعى عبد القادر “ابتعدت فرنسا لأسبوعين فصنعنا الكمامات وأجهزة التنفس وأسرة طبية عازلة. ماذا فعلت فرنسا؟ صدرت بيانات عنصرية لتجربة اللقاح في الأفارقة. هذه الدولة الإرهابية من أهم أسباب تأخر الدول الإفريقية ولو قطع الأفارقة إمدادها بالثروات ستهوي وترجع لمكانها الحقيقي بمصادر عيش محدودة.”
ابتعدت #فرنسا لأسبوعين فصنعنا الكمامات وأجهزة التنفس وأسرة طبية عازلة.
ماذا فعلت فرنسا؟
صدرت بيانات عنصرية لتجربة اللقاح في الأفارقة.
هذه الدولة الإرهابية من أهم أسباب تأخر الدول الإفريقية ولو قطع الأفارقة إمدادها بالثروات ستهوي وترجع لمكانها الحقيقي بمصادر عيش محدودة.#المغرب?? pic.twitter.com/rjNiIVoLZa
— A.Kader Achar?93:41???? (@AcharKader) April 3, 2020
ويرى العديد من الأفارقة أن فرنسا خانت مبادئ ثورتها وتخفت وراء مظاهرها، فهي ما زالت إلى الآن تتعامل مع الأفارقة كمختبر للتجارب في جميع المجالات الصحية والغذائية وكذلك تجارب كيماوية وبيولوجية خاصة بالأسلحة الفتاكة.
ويعتبر العديد من الفرنسيين مستعمراتهم القديمة في القارة الإفريقية مزرعة خاصة يعبثون فيها كيف يشاؤون ومتى أرادوا ذلك، لذلك نمت في ثقافتهم عنصرية واحتقار وتكبر تجاه سكان دول شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، وهو ما يظهر جليًا من خلال إعلامهم وساستهم ومثقفيهم.
فـرنـسـا الـعـنـصـريـة دولـة تـقـتـات عـلـى خـيـرات و ثـروات الـقـارة الـسـمـراء ، قـارة إفـريـقـيـا الـغـنـيـة الـتـي بـهـا 40%مـن ثـروات الـعـالـم، ثـم تـأتـي دولـة عـنـصـريـة مـثـل فـرنـسـا تـريـد تـجـربـة دواء الـكـورونـا عـلـى الـشـعـب الإفـريـقـي، الـلـعـنـة عـلـيـهـا pic.twitter.com/f8sniFpXOa
— KAMEL??HB (@kmhbtn) April 3, 2020
وكثيرًا ما كانت فرنسا تستغل الأفارقة خدمة لمصالحها استنادًا إلى أيديولوجية عنصرية بارزة، فقد سبق لها أن حولت العديد من الدول الإفريقية المطلة على الساحل الأطلسي إلى أسواق للعبيد، على غرار بنين والسنغال وكوت ديفوار، لتؤكد همجية الفرنسي في تعامله مع شعوب إفريقيا، حيت كان تجار العبيد يفرقون العائلة الواحدة إلى وجهات متعددة عند ترحيلهم، ثم يتم مسح هويتهم حيث يعطونهم أسماءً جديدةً قبل أن يتفننوا في تعذيبهم حتى يصبحوا عبيدًا مستسلمين.
فئران تجارب
استغلال الأفارقة كفئران تجارب لم يقتصر على الفرنسيين فقط، فقد تحولت القارة السمراء منذ زمن بعيد إلى مخبر للتجارب السريرية للعديد من الدول وتحولت شعوبها إلى فئران تجارب باسم العلم، حتى أصبح اسم القارة السمراء مرتبطًا بالتجارب الطبية.
ويرجع اختيار القارة الإفريقية لإجراء معظم التجارب السريرية إلى كون تكلفتها أقل بخمس مرات من البلدان المتقدمة، بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تكون الظروف الوبائية في إفريقيا أكثر ملاءمة لإجراء التجارب، فضلًا عن سهولة مراوغة السلطات والمواطنين على حد السواء.
وحولت العديد من شركات الأدوية الكبرى سكان القارة الإفريقية إلى “فئران تجارب” لأدويتهم الجديدة، مستغلة تعاون الحكومات معهم والتسهيلات التي تمنح لهم مقابل حفنة من الدولارات، فضلًا عن سذاجة العديد من الأفارقة الذين لا يرون مانعًا في استعمال أجسادهم للتجربة، فالمهم أن يكون الأمر بمقابل.
ورغم أن القانون الدولي ينص صراحة على احترام المبادئ الأخلاقية للبحث الطبي منها كفاءة المحققين واحترام موافقة المشاركين والسرية وحماية الأشخاص، فإن أغلب التجارب السريرية في الدول الإفريقية أجريت بشكل غير قانوني.
ترى حكومات الدول الإفريقية أن الحاجة الملحة لتلبية الاحتياجات الصحية في دولهم تسمح بتخفيف القيود التنظيمية للتجارب السريرية حتى يتم اكتشاف أدوية للأمراض التي تعرفها القارة، لكن قليلًا ما تتوافق الأدوية التي تم اختبارها في إفريقيا مع احتياجات القارة.
من الأخلاق أن تشمل التجارب السريرية الجميع بشرط أن تكون بموافقة الشخص المعني ومعرفته الكاملة بالمخاطر التي يمكن أن تحصل له
وبدأت العديد من المخابر وشركات الأدوية المصنعة أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في إجراء تجارب سريرية في الخارج، على أمل اكتشاف أدوية جديدة لأمراض حديثة، وذلك لإجراء الدراسات الرئيسية هناك قبل أي تسويق محتمل لمنتجاتها المستقبلية.
فوفقًا لمسح أجرته منظمة Public Eye غير الحكومية السويسرية نُشر عام 2016، تعد مصر الوجهة الثانية المفضلة لشركات الأدوية متعددة الجنسيات لإجراء تجاربها السريرية في القارة الإفريقية، بعد جنوب إفريقيا.
ويعود هذا الأمر إلى انخفاض تكلفة البحث في مصر وتوفر شريحة واسعة من المتطوعين، كنتيجة طبيعية لسهولة التحايل على القانون المصري وللظروف الاقتصادية المتردية في البلاد وتفشي الفساد في النظام المصري، وقلة وعي هذه الفئة بالآثار الجانبية لهذه التجارب على حالتهم الصحية.
من المؤكد أن تسويق أي دواء يتم اكتشافه يتطلب بداية إجراء بعض التجارب السريرية لمعرفة سلامته وفعاليته، لكن ذلك لا يعني أن تكون تلجا الدول المتقدمة إلى مستعمراتها السابقة لإجراء تجاربتها بلا ضوابط أو معايير سوى نفوذها الباقي هناك، فمن الأخلاق أن تشمل هذه التجارب الجميع بشرط أن تكون بموافقة الشخص المعني ومعرفته الكاملة بالمخاطر التي يمكن أن تحصل له.