تتزايد حدة القلق إزاء التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) يومًا بعد يوم، مع توقعات بركود اقتصادي عالمي قد يستمر لأشهر عدة، وتترافق هذه المخاوف مع محاولة الخبراء النفسيين والاقتصاديين توقع شكل وطبيعة فترة ما بعد كورونا، لكن رغم هبوط سوق الأسهم العالمية وارتفاع خسائر الكثير من الشركات حول العالم، فإن معظم الخبراء حتى الآن يستبعدون حدوث سيناريو الكساد العظيم، فما الفرق بين الركود والكساد بدايةً؟
الركود مقابل الكساد
أبسط طريقة لتمييز الفارق بينهما هو المدة الزمنية، فالركود عبارة عن ربعين متتاليين من النمو الاقتصادي السلبي، أي أنه تراجع كبير في النشاط الاقتصادي يستمر لأشهر.
على الجهة المقابلة، الكساد يعتبر كارثة اقتصادية حادة ينخفض خلالها الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 10%، ومن الممكن أن تستمر آثاره لسنوات.
أما من الناحية التطبيقية لكل منهما، فيحدثان لعدة عوامل أبرزها ارتفاع المعروض مقابل انخفاض الطلب في السوق، وهذا ما سيحدث حال ارتفعت نسبة البطالة بسبب فيروس كورونا، مما يضعف القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من المستهلكين.
ارتفاع نسبة البطالة والركود الاقتصادي أمر مرهون بطريقة تعامل الحكومات مع هذه الأزمة
ارتفاع نسبة البطالة
عمدت معظم الحكومات حول العالم إلى تطبيق خطة الحجر الذاتي والحد من التجمعات البشرية قدر الإمكان، في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس السريع، وشمل هذا الإجراء إغلاق جميع المطاعم ودور السينما والأماكن الترفيهية وغيرها من المنشآت والمحال التجارية غير الضرورية حاليًّا، مع الإبقاء على مخازن الطعام والحاجات الأساسية مفتوحة للمواطنين في بعض الدول، وإغلاقها في دول أخرى، بالإضافة إلى تعطل عمل شركات الطيران وإلغاء العديد من رحلاتها، تسببت هذه الإجراءات بخسارة الآلاف لوظائفهم، حيث سجلت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها فقدان 701.000 شخص لوظائفهم خلال شهر مارس 2020.
من جهته يؤكد الخبير الاقتصادي بول دونوفان أن ارتفاع نسبة البطالة والركود الاقتصادي أمر مرهون بطريقة تعامل الحكومات مع هذه الأزمة، ويفسر دونوفان ذلك بأن بعض الحكومات الأوروبية على سبيل المثال، عملت على محاربة البطالة من خلال دعم الشركات قدر الإمكان في هذه الأزمة من جهة، وإعطاء تعويضات للموظفين من جهة أخرى، أما في الولايات المتحدة، ركزت الحكومة جهودها على دعم العاطلين عن العمل أكثر.
تدابير طارئة للتخفيف من آثار الوباء على الاقتصاد
تعمل الآن العديد من الحكومات حول العالم على تجهيز خطط مالية لمواجهة تبعات الانحدار الاقتصادي الذي يشهده العالم حاليًّا، وتشمل هذه الخطط تخفيض الضرائب وتأجيل سداد القروض وتقديم التعويضات المادية للأفراد والقطاعات المتضررة.
كما عملت البنوك المركزية في الكثير من دول العالم – ومنها بريطانيا – على تخفيض نسبة الفوائد، في محاولة لجعل عملية الاقتراض أسهل، حتى يتمكن المواطنون من استخدام هذه القروض وإنفاقها بالسوق المحلية وبالتالي إنعاش الاقتصاد.
وشهدت الأسواق العالمية تعافيًا معقولًا بعدما قدمت الحكومة الأمريكية مساعدات مادية للعمال والشركات بقيمة ترليوني دولار أمريكي.
الأعمال الصغيرة ستواجه تحديات كبيرة لإعادة الإقلاع من جديد
ما المدة التي سوف يستغرقها الاقتصاد للتعافي؟
وفقًا للخبير الاقتصادي ستيفن روتش فإن التعافي سيكون بطيئًا جدًا.
“من الممكن للشركات أن تعود للإنتاج بصورتها السابقة خلال مدة وجيزة، ولكن هل من الممكن أن يعود المستهلكون إلى سلوكهم السابق مع تخوفهم من الإنفاق وما يحمله المستقبل من جهة، ومن الوجود بالأماكن المزدحمة والمطارات من جهة أخرى؟”.
هذا بالنسبة للشركات الكبرى، أما الأعمال الصغيرة فستواجه تحديات كبيرة لإعادة الإقلاع من جديد، ولكن يعتمد هذا أيضًا على سياسة الحكومات كما ذكر سابقًا، وعلى المدة التي سيستمر خلالها تعطيل الأعمال التجارية.
عندما تستيقظ فجأة على حقيقة أن العالم أكثر هشاشة مما توقعت، بالطبع سوف تقل شهيتك على المخاطرة بالمستقبل
هل تخلف هذه الأزمة جيلًا من المدخرين؟
ذكرت مورغان هوسل مؤلفة كتاب “سيكولوجية المال” في مقابلة لها مع قناة CNBC أنه من المتوقع أن تقود أزمة فيروس كورونا إلى خلق جيل من المدخرين للأموال، نظرًا لتخوفهم من المستقبل.
“عندما تستيقظ فجأة على حقيقة أن العالم أكثر هشاشة مما توقعت، بالطبع سوف تقل شهيتك على المخاطرة بالمستقبل”.
ولكن يترتب على تخوف المستهلكين من الإنفاق ضعف العجلة الاقتصادية. من جهته يؤكد بول دونوفان أنه بحال عملت الحكومة على حماية المواطنين من خسارة وظائفهم، فلن تغير هذه الأزمة من سيكولوجيتهم أو سلوكهم الاستهلاكي.
وفي حين تتنوع وجهات نظر الخبراء بين متفائل ومتشائم، يبقى المستقبل مبهمًا حتى نهاية الأزمة الحاليّة، التي تتعلق بدورها إما باكتشاف لقاح للفيروس أو بابتكار طرق جديدة للتعامل معه ومتابعة النشاط البشري رغم وجوده.