ترجمة وتحرير: نون بوست
قامت صحيفة نيويورك تايمز بتحويل أعمالها الصحفيّة إلى كتب بطرق مختلفة لأكثر من قرن. وعادةً ما تتعاون الصحيفة مع ناشري الكتب التقليديين، مع العلم أنها نشرت 15 كتابًا مع تسعة ناشرين مختلفين في سنة 2019. لكن بدأت تختار بشكل متزايد السير على طريقتها الخاصة، بحيث ترى الكتب وسيلةً أخرى لتوسيع علامة تايمز التجارية.
على مدار بضعة أيام جنونية من الشهر الماضي، نشرت التايمز كتابًا إلكترونيًا بعنوان “إجابات لأسئلتك عن فيروس كورونا” جمعت فيه مقالات تفسيرية عن الفيروس تخدم في الحقيقة أهداف الصحيفة. في المقابل، قالت كارولين كيو، المسؤولة عن تطوير الكتب في صحيفة “نيويورك تايمز”: “لقد كانت رحلة سريعة من تحديد المفاهيم التي سيقع العمل عليها إلى النشر، استمرت خمسة أيام. وحتى مع تضمين المقولات الفرعية أو مقولات المساهمين مما يقارب 30 صحفيًا، فإن الكاتب يجمع جزءا صغيرا فقط من تغطيتنا”.
أضافت كيو أن صحيفة التايمز نشرت الكتاب بصفة مباشرة ومجانا، وذلك لتحل محل “العروض الأقل جودة” جزئيا، مثل تلك الموجودة على موقع أمازون، الذي يزخر بالكتب عن فيروس كورونا المنشورة ذاتيًا. هذا يعني أن بعض الكتب التي تظهر في أعلى نتائج البحث تتضمن أفكارًا مسروقة أو معلومات لم يقع التحقق منها من قبل كتّاب يزعمون أنهم خبراء. في هذا الصدد، قالت كيو: “إنه شعور جيد حقًا أن تكون هناك معلومات عالية الجودة لجمهور متنوع وفي شكل مختلف”.
وقع تنزيل الكتاب الإلكتروني لصحيفة التايمز، الذي كان متاحًا أيضًا على شكل ملف نسق المستند المنقول (بي دي إف) أو على صيغة إي- باب أو موبي، 30 ألف مرة من برنامج “آبل بوكس” في أسبوعه الأول. وأشارت كيو إلى أن “هذا الرقم واعد للغاية”، إذ حصل الكتاب الإلكتروني على المرتبة الأولى للكتب المجانية على منصة أبل. حاليًا، لا يزال الكتاب يحتل المرتبة الثامنة والأربعين، حيث تتصدّر التصنيف الكثير من الكتب الرومانسية وبعض كتب إلمو للترفيه عن الأطفال الذين يمكثون في المنزل.
يقول عنه أحد القرّاء الذي يحمل اسم المستخدم “ماني ـ إم دي”: “المعلومات ممتازة: إنها معلومات متماسكة بطريقة منظمة بشكل جيد”. في المقابل، صرّحت القارئة “كيلي إم سي سي”: “لا تصدقوا أن ورقة الدعاية هذه تعود إلى موقع مراكز مكافحة الأمراض واتقائها لتحصل على المعلومات الحقيقية”.
قدّرت كيو أن الكتاب الإلكتروني “كان وراء مليون مشاهدة إضافية” للمقالات التفسيرية والخدمية التي كتبها صحفيو نيويورك تايمز حول الموضوع، بين مبيعات أبل بوكس والتنزيلات المباشرة من موقع الصحيفة. هذا الأمر يفترض أن كل من قام بتنزيل المقالات قرأ الكتاب بأكمله المتكوّن من 160 صفحة. في الواقع، هذا الكتاب، الذي لا يتمتّع بغلاف ذي تصميم جذاب، يتضمّن مجموعة مختلفة من المحتوى، تتراوح بين كيفية حماية فرد من العائلة في دار رعاية إلى إجابات على 401 ألف سؤال حول أفضل طريقة لتخزين المأكولات في حجرة المؤن أثناء الأزمة.
إن المنظمات الإخبارية التي تنشر الكتب الإلكترونية بطريقة مباشرة ليست جديدة. خاصة في الأيام الأولى من انتشار جهاز الكيندل، رأى الكثيرون الكتب الإلكترونية كوسيلة لتحقيق الدخل من الأعمال الصحفية التي كانوا ينشرونها عبر الإنترنت مجانًا. لكن تلك الآمال تلاشت بالنسبة لمعظمهم، إذ لم تتحقّق المبيعات بأعداد كبيرة وتراجعت الكتب الإلكترونية مقارنة بالنسخ المطبوعة.
فكرت كيو في فترة الصلاحية للصحافة الرقمية وكيفية إعادة عرض الصحافة المكتوبة بشكل أفضل مع الاستمرار في التركيز على الأخبار
لكن مشروعًا مثل كتاب فيروس كورونا لا يهدف إلى تحقيق الإيرادات المباشرة بقدر ما يسعى إلى توسيع العلامة التجارية لنيويورك تايمز كصحافة عالية الجودة عبر منصات جديدة. من المحتمل أن يصبح شخص ما يقوم بتنزيل كتاب صحيفة التايمز مجانا على جهاز الآي فون الخاص به مشتركا دافعا، أو على الأقل أن يكون لديه انطباع إيجابي عن الصحيفة. من جهة أخرى، استخدمت التايمز وصحيفة وول ستريت جورنال وآخرون في أوقات مختلفة كتبًا إلكترونية حصرية كميزة للمشتركين المميزين.
إن تطوير الكتب في الصحيفة في نمو مستمر، حيث عينت كيو مدير مشروع لمساعدتها في تنفيذ المزيد من المشاريع. وهذا التوسع يشكل جزءا من جهد أكبر يبذل في الصحيفة للتقدم نحو أشكال أخرى. وعلى الرغم من أن عدد العاملين في مجال تطوير الكتب يقل عن عدد العاملين في فريق العمل الصوتي المتنامي، على سبيل المثال، قالت كيو إن لديها “تفويضا واسع النطاق” للتفكير على نحو إبداعي في “رفع وتوسيع” الأعمال الصحفية إلى هيئة كتاب.
حسب كيو “إن الصحيفة تنتقل إلى العديد من الميادين الجديدة على غرار الأفلام والتلفزيون والإنتاج السمعي، بسرعات مختلفة. ويندرج برنامج تطوير الكتب مع بعض هذه الأشياء باعتبارها واحدة من العروض الحديثة التي تقدمها صحيفة نيويورك تايمز”.
كخطوة أولى، علينا التفكير بشكل تعاوني مع مراسلي الصحيفة بشأن الكتب بدلا من فقدان تقاريرهم الكتابية ومقترحات كتبهم. (“لقد تحولت نيويورك تايمز إلى مصنع لصفقات الكتب”، هكذا قال أحد المراسلين لمجلة “فانيتي فير” السنة الماضية عندما قام أكثر من عشرين مراسل صحفي في الصحيفة مؤخرا بتنزيل صفقات الكتب).
في سياق متصل، أضافت كيو: “بالنسبة لي، يبدو أن أسوأ سيناريو هو أن تستثمر صحيفة نيويورك تايمز في سلسلة من التقارير لمدة ستة أشهر، ثم يذهب الصحفي في حال سبيله. نحن نلقي نظرة ثاقبة على كيفية إدارة بعض هذه الأمور. أعتقد أن هناك مجالا لجعل عملية [مدة تحرير الكتب] أفضل وأكثر شفافية. أسعى إلى إنشاء نظام يشعر فيه الصحفيون بمزيد من الدعم”.
في الصيف الماضي، تسلمت كيو مكتبها بعد أن أمضت معظم حياتها المهنية في الأخبار اليومية الرقمية. منحتها تجربتها العميقة في مجال التحرير نظرة ثاقبة عن الفرص الضائعة التي تنشأ خلال أغلب عمليات صنع الأخبار. وقالت كيو: “أعرف أن الصحفيين يتركون الكثير في دفاتر ملاحظاتهم. يمنحنا شكل الكتاب فرصة لتوسيع الصحافة وإدراج الكثير من التفاصيل والبنية التي لا يمكنك إيجادها في التقرير اليومي على الإطلاق، بسبب ضيق المكان، والقيود الزمنية للقارئ، والعديد من القضايا الأخرى”.
تخطط نيويورك تايمز لنشر عشرة كتب أخرى في سنة 2020، مع المزيد من التخطيط لسنة 2021
لعدة سنوات، وفي العديد من الأدوار المختلفة، فكرت كيو في فترة الصلاحية للصحافة الرقمية وكيفية إعادة عرض الصحافة المكتوبة بشكل أفضل مع الاستمرار في التركيز على الأخبار. حتى القراء العاديون ينغمسون فقط في التيار اليومي للمعلومات الرقمية والأعمال الصحفية التي تنشرها صحيفة نيويورك تايمز، مما يعني أن البعض يفوت حتمًا العمل المهم.
استخدمت كيو مثال صحيفة تنشر أهم ما جاء في الأسبوع يوم الأحد والمستخدم الذي لن يزور الموقع حتى يوم الثلاثاء، بعد أن يكون المقال قد اختفى على الأرجح بسبب ورود تقارير جديدة. وأفادت كيو: “هذا تحد تقني صعب لابد من حله. لقد أجرينا تجارب على التخصيص وأشياء أخرى، ولكن من الممكن العودة إلى الوراء والنظر من خلال عدسة الكتاب. إنها طريقة لقول “حسنا، هذا يستحق حقًا دفعة أخرى أو منصة أخرى أو جمهورا آخر”.
تخطط نيويورك تايمز لنشر عشرة كتب أخرى في سنة 2020، مع المزيد من التخطيط لسنة 2021. وسلطت كيو الضوء على كتاب من الدرجة المتوسطة تزامن مع الذكرى المئة للمصادقة على التعديل التاسع عشر بعنوان “أنهي القتال!” وعمل قصصي روائي يتوسع في التقارير الاستقصائية التي تقوم بها إيريكا غرين وكاتي بينر.
المصدر: نيمانلاب