تتشابه طاجيكستان بعزلتها وتضاريسها وديكتاتورية حكمها مع جمهوريات آسيا الوسطى الأخرى، ومع ذلك لا نرى فيها ما نراه في الدول الأخرى، حيث تحفظ ذاكرتها التاريخية مشاهد من الهزات السياسية العنيفة التي شوشت استقرار وهوية شعبها لعقود من الزمن، فقد انتقلت أصغر الجمهوريات وأكثرها فقرًا خلال 20 عامًا من الشيوعية إلى الرأسمالية، ومن الإلحاد إلى الصحوة الإسلامية، وبين تلك العبارتين الموجزتين ظهر الخراب والفقر واندلعت حرب أهلية مهلكة.
حملت طاجيكستان تبعات هذه المتغيرات والتناقضات وكأنها علل لا علاج لها ولا سبيل للتخلص من ثقلها، فضاقت الأفق عليها وتورطت في التحديات التي تفرضها جغرافيتها وتضاريسها وتاريخها السياسي المتناقض، إذ تحتفظ البلاد بعلاقات ثقافية وثيقة مع جارتها الغربية إيران، بينما يستمر الشبح الروسي في إضفاء الطابع السوفيتي على الهوية الحديثة لطاجيكستان.
ولكن في السنوات الأخيرة، بدأت الدولة في الظهور كدولة مميزة تفتخر بتقاليدها الإقليمية، فارتبط اسمها إعلاميًا بالعديد من الموروثات الثقافية مثل لعبة الشطرنج والوريث الشرعي لإمارة بخارى وجلال الدين الرومي والترمذي وغيرها من الزوايا التي لا تعطينا الصورة الكاملة عن الحياة في طاجيكستان، ولذلك قررنا في “نون بوست” الحديث باختصار عن أهم المحطات والمنعطفات التاريخية التي شكلت هذه البلاد، وثم تدريجيًا سنبدأ الخوض في التفاصيل عن الحريات الدينية والإنسانية والشخصيات السياسية البارزة.
بدايات الخلق.. أصول الشعب الطاجيكي
تقع طاجيكستان في قلب آسيا الوسطى، تحيط بها جبال أكثر وأعلى من أي دولة أخرى في المنطقة، حتى إن بعضها لا يملك اسمًا محددًا من كثرة أعدادها (أكثر من 90% من أراضيها جبلية)، ولكنها أصغرها مساحةً وأطولها حدودًا مع أفغانستان. تعتبر الأراضي التي تشكل حدودها الرسمية موطنًا قديمًا للعديد من الإمبراطوريات المندثرة، ومنها الأخمينية والمغولية والتيمورية وإمارة بخارى، إضافة إلى عدد من الديانات المختلفة مثل البوذية والزرادشتية والإسلامية.
وسكانها بالأصل من الشعوب الآرية (الفرس والأكراد والبشتون والبلوش وجزء من الأوزبكيين) التي كانت تعيش منذ آلاف السنين في البقعة الجغرافية التي سميت ببلاد فارس، ويعني اسمها الشعوب الحرة أو النبيلة، ولذلك فإن الثقافة السائدة في الجمهورية الحبيسة هي الثقافة الفارسية على الرغم من انتماء القسم الأكبر من سكانها إلى السنة، إذ جلب العرب الإسلام لآسيا الوسطى في منتصف القرن السابع، لكن الخلافات القبلية أضعفت العرب، ومع صعود السامانيين (819-999)، أصبح الطاجيك تحت حكم سلالة إيرانية، وذلك حتى منتصف القرن الثامن عشر، عندما أصبحت جزءًا من إمارة بخارى.
تركت كل حضارة وسلالة آثارها الخاصة على الهوية الطاجيكية، ومع ذلك ارتبط الشعب الطاجيكي بشكل وثيق بتاريخ وثقافة الدولة السامانية على وجه الخصوص، وهي التي ظهرت خلال حكم الدولة العباسية عام 819 ميلاديًا وصمدت حتى عام 999 ميلاديًا.
يتحدث غالبية الطاجيك اللغة الطاجيكية وهي فرع من اللغة الدارية، وهي أفغانية فارسية ومفهومة بشكل متبادل في إيران وأفغانستان
ومنذ ذلك الحين باتت هذه المنطقة مطمعًا للصراعات الاستعمارية بين روسيا القيصرية وبريطانيا الإمبريالية، ففي أوائل القرن التاسع عشر، أسس الطاجيك دولة شبه مستقلة، ولكن لم تكن حتى العشرينيات من القرن الماضي توجد بعد وحدة إدارية إقليمية رسمية باسم طاجيكستان، فسرعان ما ضمتها الإمبراطورية الروسية عام 1918 إلى جمهورية تركمانستان الاشتراكية، وفي أعقاب الثورة الروسية تأسست جمهورية طاجيكستان السوفيتية الاشتراكية عام 1929 وأصبحت حينها واحدة من الدول التابعة للاتحاد السوفيتي حتى استقلالها عام 1991.
يتحدث غالبية الطاجيك اللغة الطاجيكية وهي فرع من اللغة الدارية، وهي أفغانية فارسية ومفهومة بشكل متبادل في إيران وأفغانستان، تضم 50% من مفرداتها كلمات عربية أو ذات أصول عربية. غيرت أبجديتها 3 مرات على مر التاريخ بحسب السياقات السياسية، فكتبت بالأبجدية العربية الفارسية أولًا من القرنين السابع والتاسع إلى أوائل العشرينيات من القرن الماضي، ثم انتقلت إلى اللاتينية تدريجيًا بين الأعوام 1928 و1940 بأمر من ستالين بهدف إبعاد المتحدثين باللغة الفارسية في آسيا الوسطى عن الناطقين بها في إيران، ومن بعدها أُقر إصلاح جديد وأصبحت الكتابة السيريلية النظام الرسمي في البلاد.
تنتشر في البلاد مجموعات عرقية مثل الروس والتتار والألمان واليهود والأرمن والأوكرانيين والقرغيز، ولكن أكثر من 80% من السكان هم من الطاجيك
يتحدث الطاجيك إلى جانبها، اللغة الأوزبكية التي تعد اللغة الأكثر انتشارًا بعد اللغة الأم، إضافة إلى اللغة الروسية التي تستخدم في الدوائر والخطابات الرسمية، فعلى الرغم من أن اللغة الطاجيكية أصبحت اللغة الوطنية لطاجيكستان المستقلة عام 1991، بعد حل الاتحاد السوفيتي وإصدار قانون يفرض استخدامها في الدوائر الرسمية بدلًا من الروسية، فإن تنفيذ هذا القرار أعاقه حقيقة أن ثلث السكان فقط في طاجيكستان يتكلمون اللغة الطاجيكية، ولكن اليوم تغيرت الأحوال وباتت منصات الإذاعة والتليفزيون تبث باللغة الطاجيكية وتنشر الكتب والصحف أيضًا باستخدمها في جمهوريتي طاجيكستان وأوزبكستان، الأمر الذي يشير إلى مدى انتشارها.
وبالعموم، فإن سكان المنطقة مختلطون عرقيًا، حيث تنتشر في البلاد مجموعات عرقية مثل الروس والتتار والألمان واليهود والأرمن والأوكرانيين والقرغيز، ولكن أكثر من 80% من السكان هم من الطاجيك، ومع ذلك يُشار إلى جميع مواطني طاجيكستان بغض النظر عن أصولهم العرقية باسم الطاجيك.
كما يختلط الطاجيك مع الأوزبك لدرجة أن التقسيم السوفيتي للمنطقة عام 1924 فشل في فصل الجنسيتين عن بعضهما بدقة، وذلك مع ما يقرب من مليون طاجيكي في أوزبكستان وأكثر من مليون أوزبكي في طاجيكستان، وهو تداخل يدل على العلاقة الوطيدة بين الشعبين، ولكنه لا يعني أنها كانت ودية دائمًا.
ثروات طاجيكستان.. مصدر القوة والصراع
تمتلك الجمهورية الحبيسة بعض الموارد الطبيعية القيمة، مثل الطاقة المائية والمعادن العامة كالألمنيوم والحديد والرصاص والزنك والزئبق والذهب والقصدير والأنتيمون، واحتياطات متواضعة من الفحم والنفط والغاز الطبيعي، ولكن الأراضي الصالحة للزراعة شحيحة والقاعدة الصناعية ضيقة والبنية التحتية للاتصالات والنقل ضعيفة التطور، فقد دمرت الحرب الأهلية التي أعقبت استقلال طاجيكستان كل نقاط قوتها.
تعتبر الصين وتركيا وروسيا وإيران وكازاخستان الشركاء التجاريين الرئيسيين للبلاد والمصادر المهمة للعملة الصعبة
ورغم ضيق الأفق الاقتصادي فإنها واحدة من البلدان التي لديها أكبر إمكانات للطاقة الكهرومائية في العالم، فقد منحها موقعها الجغرافي أهمية كبرى على مستوى السياسة الإقليمية، فهي أحد اللاعبين الرئيسيين بملف المياه في آسيا الوسطى، حيث تسيطر طاجيكستان على حوض نهر أموداريا وبذلك تمتلك موارد مياه هائلة تضعها في المرتبة الثامنة على مستوى العالم، ولكن هذه الثروة كما أثرت سيرتها الاقتصادية، تسببت أيضًا في إحداث خلافات مع دول المنطقة التي تحاول الاستفادة من مياه النهر.
مثلًا، في عام 1976، بدأت طاجيكستان في إنشاء سد روجون المقرر أن يكون أعلى وأطول سد في العالم (ارتفاعه 335 مترًا)، مع قدرة مركبة تعادل سعة ثلاث محطات للطاقة النووية، لكن المشروع ضعف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم تم استئناف البناء في عام 2016، بتكلفة 3.9 مليار دولار رغم أن جيرانها اعترضوا على المشروع لأنه سيؤثر على أنشطتهم الزراعية وتحديدًا أوزبكستان.
تعتمد أيضًا بشكل أساسي على زراعة “الذهب الأبيض” القطن، لكن هذا القطاع تحول في السنوات الأخيرة إلى خيبة أمل لأن السكان المحليين يعتقدون أن “الذهب الأبيض” يسهم في إثراء النخبة الحاكمة والتجار الذين يتعاملون معها، ما أثر بطبيعة الحال على مزارع القطن التي تراجعت اليوم، إذ كانت تُـغطي هذه الزراعة ما يزيد قليلا على 60% من الأراضي المروية في طاجيكستان مقابل ما يقرب من 100% في الحقبة السوفيتية.
وتعتبر الصين وتركيا وروسيا وإيران وكازاخستان الشركاء التجاريين الرئيسيين للبلاد والمصادر المهمة للعملة الصعبة، حيث تشمل صادراتها الرئيسية الخامات المعدنية والذهب والقطن والكهرباء والمنسوجات والملابس، بينما تستورد المواد الغذائية والآلات والبترول.
طاجيكستان السوفيتية.. 70 عامًا من الحداثة والقمع
في عام 1924، أصبحت طاجيكستان جمهورية مستقلة داخل جمهورية أوزبكستان السوفيتية الجديدة، وفي عام 1929 صارت جمهورية سوفيتية منفصلة، ولم يكن هذا يعني فقط تمييز الطاجيك عن الأوزبك الذين كان لديهم الكثير من القواسم المشتركة بينهم على الرغم من لغاتهم الأصلية المختلفة، ولكن أيضًا عن زملائهم الناطقين بالفارسية خارج الاتحاد السوفياتي، فعلى الرغم من أن الهويات الوطنية “طاجيك” و”أوزبكي” لم تكن اختراعات سوفيتية بحتة، لم يكن لهما معنى كبير بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين تم تطبيقها عليهم فجأة، ما أحدث الكثير من الارتباك عندما كان يُطلب من الناس تعريف أنفسهم من خلال أحد هذين التصنيفين الوطنيين.
كان جوزيف ستالين، زعيم الاتحاد السوفيتي، هو الشخص الذي أراد فصل المنطقة الطاجيكية في جمهورية منفصلة ليجعل منها منطقة عازلة بين الاتحاد السوفيتي والعالم الإسلامي، فقد أعطى الطاجيك جمهوريتهم الخاصة، لكنها كانت تفتقر إلى بخارى وسمرقند، المدن التي معظم سكانها من الطاجيك والمراكز الثقافية والتجارية التقليدية الطاجيكية، في محاولة للتخفيف من الثقافة والتأثير الطاجيكي في المنطقة، ما أفقد هذه البلاد عمقها التاريخي.
عام 1976 تم تشكيل حزب النهضة الإسلامية الذي كان مدعومًا من المسلمين المحافظين والقوميين الطاجيك
وبينما كان هذا يحدث، شهدت طريقة الحياة الطاجيكية تغيرًا كبيرًا في قطاع التعليم والرعاية الصحية والتنمية الصناعية التي سجلت تحسينات كبيرة، ففي تلك الحقبة، تم توسيع الري في النظام الزراعي في طاجيكستان، وتطورت الصناعات، وارتفع مستوى التعليم، إذ صمم الاتحاد السوفيتي اقتصاد طاجيكستان لإنتاج القطن والألمنيوم واليورانيوم والذهب، ومع ذلك كانت الجمهورية الطاجيكية أفقر جمهورية داخل الاتحاد السوفيتي.
في السبعينيات، بدأ المد المتصاعد للتطرف الإسلامي في أفغانستان يشق طريقه إلى طاجيكستان، خاصة في المناطق الجنوبية، وفي عام 1976 تم تشكيل حزب النهضة الإسلامية الذي كان مدعومًا من المسلمين المحافظين والقوميين الطاجيك. من ناحية أخرى، أدى دفء العلاقات بين إيران والاتحاد السوفيتي في السبعينيات إلى توثيق العلاقات والتبادلات الثقافية بين الطاجيك والإيرانيين، الأمر الذي زاد النزعة الإسلامية في الجمهورية السوفيتية.
الحرب الأهلية بين القيادة الشيوعية والمعارضة الإسلامية
بعد وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وتحقيق الاستقلال، ابتليت البلاد باضطرابات داخلية حادة تحولت إلى حرب أهلية دامية، بين نظام الرئيس الطاجيكي الشيوعي رحمن نابييف والمعارضة الإسلامية بزعامة حزب النهضة، وبدأت المرحلة الأولى من الحرب الأهلية مع نزول الآلاف إلى شارع روداكي بالعاصمة، دوشانبي، في مظاهرات حاشدة سلمية احتجاجًا على طرد نابييف عناصر المعارضة من مناصب إدارية وحكومية. تصدت القوات الحكومية لهذا الغضب الشعبي بفتح النار على المتظاهرين في أبريل/نيسان، وسرعان ما امتد العنف إلى مدينة كولوب الجنوبية وأماكن أخرى.
طردت المعارضة نابييف من منصبه في سبتمبر/أيلول واستولت على السلطة لفترة وجيزة، ولكن بحلول نوفمبر/تشرين الثاني، تشكلت سلطة شيوعية مرة أخرى بقيادة إمام علي رحمانوف وبدعم من القوات الروسية وأوزبكستان للسيطرة على البلاد. تبع هذا التهاوي نزوح جماعي لأفغانستان ومقتل نحو 200 ألف مواطن وتهجير 250 ألفًا، وتركت ما يقرب من 500 ألف شخص بلا مأوى، إضافة إلى خسائر مادية قدرت بسبعة مليارات من الدولارات.
اضطرت الأطراف المتصارعة بعد الخوض في عدة مفاوضات وجولات إلى توقيع اتفاقية للسلام في موسكو بعد 6 سنوات من الحرب، برعاية روسيا وإيران والأمم المتحدة، وسمح الاتفاق للمعارضة التي تمثلها أحزاب إسلامية بأن تستحوذ على 30% من المناصب الحكومية، مع الاعتراف بها ومنحها صفة الشرعية، وفي المقابل تعهدت المعارضة بنزع السلاح وانضمام بعض من قواتها إلى الجيش الطاجيكي، كما سمح الاتفاق للجيش الروسي بالانتشار في البلاد تحت اسم قوات حفظ السلام، وبذلك كتبت آخر سطور الحرب الأهلية في طاجيكستان. لكن بمرور الوقت نجح رحمن في طردهم وإرساء سيطرة حازمة على الحكومة، ولم يعتبر المراقبون الأوروبيون أن أي انتخابات رئاسية أو برلمانية طاجيكية كانت حرة ونزيهة.
انعكست هذه السلسلة من الأزمات على الواقع الاقتصادي في البلاد، فقد تأخرت الإصلاحات وهاجرت الموارد البشرية وتدهورت البنية التحتية، وبناءً على هذه المعطيات، صنفت طاجيكستان عام 2000 من بين 20 دولة في العالم، بمتوسط دخل سنوي للفرد يبلغ نحو 130 دولارًا أمريكيًا، حيث يعيش ما يقارب 85% من الطاجيك تحت خط الفقر، ويعتقد أن أكثر من مليون طاجيكي أو نحو ثلث السكان، يعملون في روسيا وتمثل تحويلات هؤلاء العمال المهاجرين نحو 52% من الناتج المحلي، بحسب بيانات البنك الدولي.
أدت هذه الأوضاع المتهالكة إلى خلق مشاكل اجتماعية وسياسية، فعلى الصعيد الأول نشطت تجارة المخدرات عبر الحدود وترك ملايين الرجال منازلهم وعوائلهم بحثًا عن عمل في الخارج مما تتسبب بارتفاع ظاهرتي الطلاق والتفكك الأسري بالمجتمع، أما الصعيد الثاني ففتح باب التدخل الإقليمي والدولي على مصراعيه، وعليه باتت البلاد مركزًا لمصالح ومنافع الدول الأخرى.
حكم الحزب الواحد.. الحرب على الإرهاب أم الحرية الدينية؟
بعد فوزه الانتخابي في عام 1999، سعى رحمانوف إلى إرساء سلطة الحكومة المركزية في جميع أنحاء طاجيكستان، فاعتقل أفرادًا من المعارضة ونفذ حملة لنزع سلاح المليشيات غير التابعة للدولة. كما بدأ ما اعتبره العديد من المراقبين انجرافًا نحو الاستبداد باستخدام الرئاسة لزيادة سلطته الشخصية وتوجيه البلاد بعيدًا عن التعددية السياسية التي دعا إليها اتفاق السلام لعام 1997، وفي الوقت نفسه استمر في تثبيت عائلته الممتدة وشركائه الشخصيين في أدوار مهيمنة في السياسة والأعمال في طاجيكستان.
منعت الحكومة كل مظاهر التدين مثل أداء الصلاة خلال ساعات العمل، وحظرت ارتداء الحجاب وإطلاق اللحى، فقامت بحلاقة لحي 13 ألف رجل، كما أجبرت أكثر من ألف امرأة على خلع الحجاب
أجرى رحمانوف استفتاءً بشأن مجموعة من التعديلات الدستورية التي ستطبق فقط في فترة حكمه، لكونه “زعيم الأمة” كما يقول، وكان أهم تلك التغييرات فرض حظر على الأحزاب الدينية والترشح لعدد غير محدد من الولايات الرئاسية وتخفيض الحد الأدنى لسن المرشحين لتولي الحكم من 35 إلى 30 سنة، مما سيسمح لابنه الحاليّ الترشح للانتخابات المقبلة.
اتخذ رحمانوف أيضًا إجراءات تعسفية ومجحفة بحق الحريات الدينية، فقد استغل إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب في أفغانستان لمحاربة حزب النهضة الإسلامي ولتحقيق ذلك اتبع خطة مدروسة ومجزأة لكن هدفها واحد ومباشر، ففي البداية أصدر قانون “حرية الاعتقاد والمؤسسات الدينية” عام 2009 الذي يعطي الحكومة الحق في تحديد أنشطة الأحزاب والجماعات والمؤسسات الدينية وتحديد أيضًا أماكن أداء العبادة والمراسيم الدينية، كما يمنحها الحق في ممارسة الرقابة الشديدة على المنشورات الدينية، وانتهت هذه الإلزامات بإغلاق مساجد ومدارس دينية كثيرة في البلاد.
فرضت الحكومة قانون “المسؤولية الأبوية” الذي يحظر التحاق جميع السكان دون سن 18 عامًا من العبادة في المساجد والكنائس أو غيرها من المواقع الدينية. إضافة إلى ذلك، منعت الحكومة كل مظاهر التدين مثل أداء الصلاة خلال ساعات العمل، وحظرت ارتداء الحجاب وإطلاق اللحى، فقامت بحلاقة لحي 13 ألف رجل، كما أجبرت أكثر من ألف امرأة على خلع الحجاب، كخطوة لمواجهة “التطرف الديني”، فالحكومة تستغل انضمام أكثر من 600 من مواطني طاجيكستان إلى صفوف تنظيم الدولة في العراق وسوريا لتبرير حملتها ضد الإسلاميين في البلاد.
وبحسب ستيف سويردلو، باحث يعمل لصالح هيومن رايتس ووتش في آسيا الوسطى، فقد ازداد الوضع سوءًا في سبتمبر عام 2015، عندما اُتهم حزب النهضة الإسلامية بالمساعدة على محاولة إحداث انقلاب إسلامي، حيث اندلعت اشتباكات في طاجيكستان في 4 من سبتمبر بين المسلحين الذين يقودهم نائب وزير الدفاع السابق عبد الحليم نزار زوده، وقوات الحكومة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 26 شخصًا بينهم تسعة من رجال الشرطة ونزار زوده ذاته، وحينها أصدر حزب النهضة الإسلامية بيانًا يدين فيه كلًا من رواية الحكومة عن الأحداث وانتفاضة نزار زوده، موضحًا بأن الأخير لم يكن عضوًا في الحزب.
ولكن مع ذلك، وبعد يومين فقط، اعتقلت دوشنبه العشرات من قادة حزب النهضة دون أي أدلة تتمتع بالمصداقية تربطهم بأحداث العنف التي شهدتها البلاد، وفي الأشهر التي تلت ذلك، وُسّعت الحملة لتشمل أي شخص كان عضوًا في الحزب، أو أي شخص ذي صلة مع أعضائه، وحتى المحامين الذين كانوا يعملون لصالح الحزب، وبالمحصلة، أشارت التقديرات إلى أن طاجيكستان اعتقلت نحو 200 شخص من النشطاء السياسيين في تلك الفترة.
إذًا، المشاكل في طاجيكستان لا تنتهي، ولا تقتصر على حقل معين، فمن الواضح أن طاجيكستان منذ انهيار الاتحاد السوفيتي لم تلتقط أنفاسها ولم تقترب حتى من بر الديمقراطية، فنظام رحمانوف الاستبدادي وتركيزه المفرط على المعارضة والجماعات الدينية أخر الإصلاحات الاقتصادية في البلاد وضيق الخناق على المجتمع الطاجيكي الذي تبدلت عليه الوجوه والأنظمة الحاكمة على مر العقود، ولكن الفساد وسوء الإدارة كانا المنهجية الثابتة.