“لو توقفنا البلد هتفلس، كلها هتفلس، مينفعش نقف، مينفعش أبدًا، كل حد له طاقة استحمال، وإحنا دولة ضعيفة طاقتنا خلصت خلاص، لازم نشتغل فورًا، فيه ناس هيمرضوا وفيه ناس هيموتوا، لكن البلد هتعيش، أنور السادات لما راح دخل إسرائيل أو دخل سيناء، وهو داخل سيناء عارف إن هيموت عنده عساكر، لكن كان لازم يدخل سيناء، النهاردة أروح أقعد الناس في بيوتهم ونقفل البلد”.. حالة من الجدل أثارتها تلك التصريحات الصادرة عن رجل الأعمال المصري حسين صبور، التي تتعارض نظريًا مع شعارات الوقاية وفعاليات الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة المصرية في مواجهة فيروس كورونا الجديد.
لم يكن صبور وحده صاحب رؤية عودة النشاط الاقتصادي مجددًا بعد حالة الركود التي شهدها خلال الأسبوعين الماضيين منذ بدء تطبيق القرارات الاحترازية، حيث خرج العديد من رجال الأعمال ليعزفوا على ذات الوتر، لافتين إلى أن الاقتصاد أولى وأهم في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.
ردود فعل منددة من البعض حيال تلك المواقف التي وصفها البعض بـ”الرأسمالية المتوحشة” التي لا تضع في حسبانها إلا الربح والمكسب، حتى ولو كان ذلك على حساب حياة الإنسان نفسه، لكن الأمر لم يقتصر على أباطرة الرأسمالية فقط، بل إن العديد من المؤشرات الأخيرة تذهب إلى توجه غير معلن من الحكومة المصرية للسير في هذا الاتجاه أيضًا.
تتشابه الأجواء في مصر مع ما يحدث في إيران التي أعلنت نيتها استئناف عدد من الأنشطة الاقتصادية رغم أنها أكثر دولة بمنطقة الشرق الأوسط تضررًا من كورونا، إذ أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن بلاده ستستأنف الأنشطة الاقتصادية “منخفضة المخاطر” في 11 من أبريل الحاليّ.. فهل تسير القاهرة على ذات الخطى؟
يذكر أنه حتى مع تشكيك البعض في الأرقام المعلنة بشأن الإصابات والضحايا، فإن القاهرة بعيدة تمامًا عن درجة التفشي التي تعاني منها طهران على سبيل المثال، ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت الحكومة المصرية لتخفيف حدة الاحتراز رويدًا رويدًا، وهو ما تكشفه تصريحات بعض الوزراء في هذا الشأن.
بلغ عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في مصر، حتى أمس الأحد 5 من أبريل، قرابة 1173 حالة من ضمنهم 247 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفى العزل، فيما توفيت 78 حالة، وتحذر منظمة الصحة العالمية المصريين من الوصول إلى مرحلة صعبة من الإصابة حال عدم الالتزام بالإجرءات الوقائية المتخذة.
الاقتصاد في مأزق
العديد من التقديرات ذهبت إلى أن الأزمة الراهنة والمستمرة تجاوزت الأزمة العالمية في 2008، وربما تصبح أسوأ من أزمة الركود العالمي الكبير الذي ضرب العالم في 1929، فيما تصاعدت موجات التحذير من الانهيار العالمي الكبير، وهو ما ألقى بظلاله القاتمة على كبريات الاقتصادات العالمية.
وكان للإغلاق الجزئي والكلي الذي شهدته الساحة المصرية تأثير كبير على منظومة الاقتصاد التي تلقت خلال الشهر الأخير خسائر فادحة جعلته غير قادر على الاستمرار في الاستثمار بالأسواق الناشئة لحاجتها للسيولة في مواجهة أزمتها الخاصة، تعزز هذا الأمر مع تراجع الإيرادات في المجالات الحيوية التي كان يعتمد عليها الاقتصاد.
تعمقت الأزمة بصورة أكبر نتيجة السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة، على رأسها المراهنة على الاقتراض والتمويل المالي الخارجي
وخلال الآونة الأخيرة تعرض قطاع السياحة على وجه التحديد إلى ضربة موجعة جراء وقف وتعليق الرحلات الجوية والبرية على حد سواء، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على إيرادته التي كانت تشكل المورد الأكبر للدخول الأجنبية المصرية، إضافة إلى الانخفاض المتوقع في مصادر الدخل الأخرى مثل قناة السويس والاستثمارات في السندات وغيرها من أوراق المال المصرية التي اكتسبت زخمًا بعد التعويم.
تعمقت الأزمة بصورة أكبر نتيجة السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة، على رأسها المراهنة على الاقتراض والتمويل المالي الخارجي – التي طالما حذر منها خبراء اقتصاد طوال السنوات الماضية – التي أدت إلى ارتفاع الدين الخارجي لمصر نهاية سبتمبر الماضي بنسبة 17.7% إلى 109.4 مليار دولار، وزاد الدين العام المحلي بنسبة 7.7% على أساس سنوي إلى 4.186 تريليون جنيه (نحو 266 مليار دولار) بنهاية سبتمبر/أيلول 2019 بزيادة بلغت 298.2 مليار جنيه عن 2018، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
الخسائر التي من المتوقع أن يمنى بها الاقتصاد المصري أثارت حالة من الهلع لدى رجال الأعمال المصريين، وهو ما جاء على ألسنة بعضهم، في مقدمتهم رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس الذي قال: “مصر ستشهد أنهارًا من الدماء بسبب تردي الوضع الاقتصادي بسبب الإجراءات الاحترازية التي أقرتها الدولة لمواجهة الفيروس”.
وتابع ساويرس في تصريحات إعلامية، أن الإجراءات الاحترازية الاستباقية التي اتخذتها السلطات المصرية قللت من آثار تفشي كورونا، محذرًا: “الأسبوع المقبل سيشهد نزيفًا ودماءً اقتصادية حال عدم عودة العمل بشكل طبيعي لتضرر العديد من القطاعات، كالسياحة التي استغنت عن ملايين العاملين أو مهددة بذلك”، وتابع: “بعض الشركات تصرف ربع المرتب، واستمرار الوضع مع التزام القطاع الخاص سيجعله مهددًا بالإفلاس ولن تستطيع الحكومة مواجهة ذلك، ونحتاج لقرار فوري لذلك أيًا كانت التبعات”.
تخفيف الإجراءات الاحترازية
أمام هذه الوضعية الحرجة ظهرت بعض المؤشرات التي تشير إلى تخفيف الإجراءات الاحترازية في مصر، ورغم أن الحكومة المصرية لم تكن صريحة في إعلان نيتها تخفيف تلك الإجراءات، فإن التصريحات الصادرة عن منسوبيها وبعض القرارات الجزئية الأخرى تكشف هذا التوجه بشكل أو بآخر.
البداية كانت مع دعوة رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، شركات المقاولات إلى العمل بكامل طاقتها فى كل المواقع، بدعوى أن قطاع التشييد والبناء من أهم القطاعات التي توفر فرص العمل وتحقق أهداف التنمية المنشودة، حيث يرتبط به أكثر من 90 صناعة، حسب قوله.
المقاولات لم يكن القطاع الوحيد الذي يشهد انفراجة في عودة نشاطه، فهناك مؤشرات على عودة تدريجية للمحاكم، إذ أصدر المستشار بدري عبد الفتاح، رئيس محكمة استئناف القاهرة قرارًا بعودة العمل في المحكمة يوم السبت الماضي 4 من أبريل/نيسان 2020، غير أن القرار قوبل بتحفظات من القضاة، الأمر الذي دفع رئيس المحكمة إلى إلغائه وتأجيل الجلسات كافة حتى 16 من أبريل الحاليّ.
“المشروعات التي تنفذها شركات مصرية مستمرة الآن بنسبة إشغال تصل تتراوح من 70% إلى 90%” وزير النقل المصري
وعلى الأرجح فإن خروج عدد من كبار رجال الأعمال على التوالي للمطالبة بعودة الإنتاج لم يكن مصادفة، إذ خرج عملاق صناعة السيارات المصرية رؤوف غبور مطالبًا بعودة العمل، رغم الانتقادات التي وجهت لرجل الأعمال نجيب ساويرس عندما طالب بنفس الأمر.
من جانبه أوضح وزير النقل، كامل الوزير، أن المشروعات التي تنفذها شركات مصرية مستمرة الآن بنسبة إشغال تتراوح بين 70% إلى 90%، وذلك تعليقًا على قرار تأجيل فعاليات الاحتفال بافتتاح المشروعات القومية الكبرى، قائلًا: “تفقدت مشروع القطار الكهربائي الذي يبدأ من منطقة السلام حتى العاصمة الإدارية الجديدة، وقرار الرئيس اختص بالتحديد المتحف الكبير والعاصمة الإدارية كونها ستفتتح عبر احتفالات كبرى يشهدها قادة العالم”، مشيرًا إلى أن السيسي أكد في الوقت ذاته أهمية الاستمرار في تنفيذ المشروعات.
الوزير أكد في مداخلته الهاتفية مع برنامج “على مسئوليتي” المذاع على فضائية “صدى البلد” أن الجميع يعمل بكامل طاقته، وأن الأمور تعود تدريجيًا، فيما أجاب عن سؤال مقدم البرنامج عن موعد نومه قائلًا: “بنام من 12 بليل لـ5 الصبح وأصلي الفجر وأطلع على الشغل بتاعي”.
على خطى إيران
اعتبر الرئيس الإيراني في أكثر من مناسبة أن إغلاق البلاد بشكل كامل وإيقاف جميع الأعمال، هو هدف أعداء الجمهورية الإسلامية من وراء تفشي فيروس كورونا في البلاد، على حد قوله، فيما أكد مستشاره السابق، علي أكبر تركان، أن “السبب وراء رفض روحاني فرض الحجر الصحي أو أي إجراءات مشابهة، هو سبب اقتصادي بحت، فالبلاد على حافة الانهيار الاقتصادي، ولا يمكنها تحمل تبعات الإغلاق التام”.
ورغم ما تبذله طهران من جهود للحد من تفشي الوباء، فإن هناك حالة من القلق بشأن تداعيات تلك الإجراءات الاحترازية التي ربما تصيب الحياة العامة بالشلل، وهو ما ينعكس على اقتصاد الدولة التي ترزح تحت وطأة العقوبات التي أنهكت قدراتها الاقتصادية لسنوات طويلة.
إطالة أمد الأزمة لفترات قادمة ربما تضع المشهد المصري على أبواب مغامرة محفوفة المخاطر، ما بين مطرقة تعريض حياة المواطنين لخطر الإصابة بالفيروس وسندان انهيار الاقتصاد الوطني
روحاني أشار إلى أن “ثلثي العدد الإجمالي للموظفين الحكوميين سيعمل من خارج المكاتب اعتبارًا من الأسبوع الحاليّ.. لا يناقض القرار نصيحة البقاء في المنزل التي أصدرتها السلطات الصحية”، بينما لم يحدد ما يعنيه بالنشاط منخفض المخاطر، لكنه قال إن تعليق الأنشطة عالية المخاطر بما يشمل المدارس والجامعات والأحداث الاجتماعية والثقافية والرياضية والدينية سيمدد حتى 18 من أبريل.
وتعد إيران أكبر دول الشرق الأوسط إصابة بالفيروس، حيث بلغ عدد الإصابات 58226 حالة، تجاوزت عدد الوفيات منهم 3600 مواطن، بمتوسط 100 حالة وفاة يوميًا، وفق ما ذكرت وزارة الصحة الإيرانية التي حذرت أكثر من مرة من موجة جديدة من الإصابات حال عدم التزام المواطنين بالإجراءات المفروضة.
إطالة أمد الأزمة لفترات قادمة ربما يضع المشهد المصري على أبواب مغامرة محفوفة المخاطر، ما بين مطرقة تعريض حياة المواطنين لخطر الإصابة بالفيروس وسندان انهيار الاقتصاد الوطني جراء استمرار الوضع على ما هو عليه، لتبقى الأيام القليلة القادمة وحدها ما تملك القدرة على فك طلاسم تلك المعادلة الصعبة.