ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو كما لو أننا نتعامل مع فيروس كورونا منذ سنوات عدّة. لكن في الحقيقة، قبل ثلاثة أشهر من الآن، اعتبر كوفيد-19 نقطة سوداء غامضة لم يعرف أحد عنه شيئا. وأصبحت بعض العبارات شائعة ومتواترة على غرار العزلة الذاتية وتسطيح منحنى كورونا والحجر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نعرف كيف سينتهي فيروس كورونا؟
بداية فيروس كورونا، انتشاره ونهايته ؟
البداية
إلى غاية الآن، تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، مليون حالة وبلغ سقف الوفيات 54 ألف حالة. وتؤكد الأمم المتحدة أن هذه أخطر حالة طوارئ عالمية منذ الحرب العالمية الثانية.
يزعم كثيرون أن الفيروس التاجي قد ظهر في ووهان في الصين داخل “سوق رطبة” وهو مصطلح يصف السوق التي تباع فيها الحيوانات الميتة والحيّة على حدّ سواء. وينتشر الفيروس بسرعة في مثل هذه الظروف إذ يتم تعبئة الكثير من الحيوانات الميتة والحية، وهو ما يجعل الحفاظ على مقومات النظافة أمرًا صعبًا للغاية ويمهد لانتشار الجوائح.
تصيب فيروسات كورونا أساسا الحيوانات. ويرجّح الخبراء أنّ خفاشا حاملا لكوفيد- 19 قد تسبب في نقل العدوى إلى بعض الحيوانات التي تباع في هذه السوق الرطبة. وانتقلت من ثمة إلى البشر، ثمّ تنتقل العدوى من خلال السعال الذي قد يترسب على الأسطح في بعض الحالات على غرار بقائه على الأسطح المعدنية لمدة تصل إلى 9 أيام.
نعلم جميعا بقية أحداث هذه القصة المروعة، فقد انتقل الفيروس إلى جميع أنحاء العالم، واجتاح جل البلدان ليتسبب في عمليات إغلاق كاملة. أطبق الصمت على الطرقات. وأخذ التلوث يتناقص والناس يتهافتون على تخزين المؤونة والتسابق على الشراء بدافع الهلع.
نعيش الآن المراحل الوسطية من انتشار الفيروس وما زلنا نجهل كيف سينتهي. تباينت ردود فعل عامة الناس عند بداية انتشار الفيروس. ولم يأخذ البعض الأمر على محمل الجد وحافظوا على أسلوب حياتهم العاديّ. في حين قام البعض الآخر بالتسارع لتخزين ما يكفي من المؤونة.
المرحلة الوسطيّة
أما في الوقت الحالي، يعي الجميع الخطر المحدق بصحة الإنسان وتتخذ الحكومات في جميع أنحاء العالم إجراءات صارمة لوقف الانتشار. تستأنف المحلات التجارية التي كانت رفوفها تعود تدريجياً وتيرة عملها الطبيعيّ. ويتقيد معظم الناس بالعزل الذاتي ويحاولون التكيف مع أسلوب الحياة الجديد. ولئن يحاول معظمنا النجاة والالتزام بالإرشادات الصحية، فما رأي الخبراء فيما يتعلق بالنهاية المحتملة لفيروس كورونا؟
كيف سينتهي فيروس كورونا؟
يعتقد الخبراء أن هناك عددًا من السيناريوهات التي يمكن أن تبشر بنهاية فيروس كورونا.
1- مناعة القطيع
سمعنا الكثير في الأسبوعين الماضيين عما يعرف بمناعة القطيع، التي تعني أن يصاب عدد من الناس ثمّ يتعافون على نحو يجعلهم محصنين من هذا الفيروس. يترتب عن هذه الظاهرة اكتساب مجموعة من الناس مناعة ضد الفيروس على نحو يجد فيها صعوبة للعثور على أجسام مضيفة ويموت بشكل طبيعي.
تكمن المشكلة عند هذا المستوى في التكلفة الباهظة التي تتمثل في خسارة الكثير من الأرواح البشريّة، حيث يتجاوز عدد الوفيات جراء فيروس كوفيد -19 عدد الوفيات التي تتسبب فيها الأنفلونزا كما يصيب عددا متزايدا من الناس. فالسماح للفيروس بالانتشار وانتقال العدوى بحرية دون قيود سيتسبب في وفاة الملايين ويؤثر على حياة الكثيرين. في الواقع، اعتمدت المملكة المتحدة في البداية على حصانة القطيع لكنها أقصت الفكرة عندما أصبحت العواقب واضحة.
2. الطابع الموسميّ
قد نتمكّن من الصمود في الصيف، إذ تبلغ معظم الفيروسات التاجية الذروة في أشهر الشتاء ثم تأخذ في الاندثار في فصل الصيف وذلك نظرا لتفاعل العدوى بشكل مختلف حسب درجة حرارة الطقس.
“يحتوي” الفيروس على غشاء واقي خارجي يتفاعل مع البيئة. ويحتمي فيروس كوفيد -19 بغشاء دهني، وهو ما يفسر أهمية استعمال الصابون الذي يتسبب في انحلال الفيروس بشكل طبيعي حيث يتفتت الجزء الدهني ويموت الفيروس. وتؤثر عوامل أخرى على هذه الدهون الخارجية على غرار الحرارة والرطوبة. في هذا الصدد، تقول “مايا ماجومدار”، مختصة من كلية الطب بجامعة هارفارد ومستشفى بوسطن للأطفال،: “ينتظر العالم بفارغ الصبر رؤية تأثير الصيف عند انتقال الفيروس إلى النصف الشمالي من الكرة الأرضية”.
3- اللقاح
يعتقد الكثيرون أن انتشار فيروس كورونا سيتواصل إلى حين إيجاد لقاح. وحتى ذلك الوقت، سيتعين علينا فقط التعامل مع الفيروس بأفضل طريقة ممكنة من خلال الحرص على إبقاء المدارس والشركات مغلقة وتقييد الحركة بين عامة الناس وفرض التباعد الاجتماعي والعزلة الذاتية لضعفاء المناعة في الوقت الحالي.
مع ذلك، يستغرق إنتاج اللقاح وقتا طويلا. لقد اعتدنا على صنع لقاحات الأنفلونزا وتعديلها لتتناسب مع أحدث تفش للمرض، ولكن لم يسبق لنا أن تعاملنا مع فيروس كورونا من قبل. وبالتالي، نحن ما زلنا في مرحلة التخطيط. علاوة على ذلك، حتى إذا طوّرنا لقاحا ناجحا، فسيتعين علينا صنع الملايين منه وذلك سيستغرق بعض الوقت.
4. الإغلاق المتقطع
إن رؤية فيروس كورونا في طور التدفق والانحسار، هو الاحتمال الأكثر ترجيحا. كما وقع الحديث عن “تسوية المنحنى” لوقف الانتشار. ولكن من المحتمل أن تعود الحياة إلى نسقها الطبيعي بمجرد استواء هذا المنحنى بالقدر الكافي. كما سيقع رفع القيود ثم سيظهر تفش آخر من جديد. بعد ذلك، من المحتمل أن يُفرض التباعد الاجتماعي مرة أخرى، ولكن سيقتصر على المنطقة المحلية المتضررة فقط. في هذا السياق، يزعم العديد من الخبراء أن الوضع الطبيعي الجديد سيكون على هذا النحو. وسترفع القيود بمجرد أن يصبح الوضع تحت السيطرة. ولكن إذا ظهر الفيروس مرة أخرى، سنعود إلى العزل.
كيف يؤثر فيروس كورونا على الاقتصاد؟
تؤثر عمليات الإغلاق على العديد من أنواع الأنشطة التجارية. ومن الواضح أنها تشكل تأثيرا كبيرا على الاقتصاد. إذا، من الذي سيصمد وهل سيتغير اقتصادنا؟ حسنا، يعتمد كل هذا على كيفية تعامل هذا البلد مع فيروس كورونا. على سبيل المثال، إذا فشلت الدولة في وقف الانتشار الواسع للفيروس، فسوف ينهار نظام الرعاية الصحية. وسيستمر الوباء في التفاقم، مما سيؤدي إلى انكماش طويل الأمد في الاقتصاد.
إن البلدان المستعدة للتصدي لهذا الفيروس بشكل سريع ومحكم ستسيطر عليه في غضون بضعة أشهر. لا ينفي هذا الأمر تعرض الاقتصاد لبعض الأضرار، ولكن سيتجه نحو النمو على المدى الطويل. ومن الواضح أن هناك بعض الصناعات التي قد لا تتعافى بشكل تام.
الفئات الأكثر تضررًا
لقد ضرب فيروس كورونا قطاع السياحة بشدة. في بعض الحالات، قد تلجئ شركات الطيران إلى إعلان إفلاسها. كما تعاني شركات تصنيع السيارات على حد سواء، حيث انخفضت نسبة المبيعات إلى 10 بالمئة منذ تفشي المرض كما أن إغلاق الفنادق والمطاعم والعديد من الشركات الصغرى أمرا مرتقبا.
يتوقع الخبراء أن الفقراء وذوي الدخل المنخفض هم الذين سيعانون أكثر من غيرهم نظرا لأنهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض صحية مزمنة والعيش بمداخيل محدودة. كما ستتأثر الصحة العقلية لأغلب الناس. لقد طُلب من الأشخاص الضعفاء عدم التواصل مع الآخرين في الوقت الذي يحتاجون فيه وبشدة إلى زيارة أو عناق يشعرهم بالطمأنينة.
بينما يصبح التباعد الاجتماعي عادة طبيعية جديدة، سيتنامى الشعور بالوحدة لدى المسنين. وستزداد الهجمات العنصرية بسبب الفيروس الذي عرف باسم “الفيروس الصيني”. فضلا عن ارتفاع حالات العنف المنزلي وإساءة معاملة الأطفال، حيث يكافح الناس للحفاظ على العلاقات المدنية أثناء حجزهم في المنزل مع بعضهم البعض. ومن يدري ما إذا كان أولئك الذين أصيبوا بالفيروس سيُرحب بهم مرة أخرى في مجتمعاتهم بعد انتهاء هذه المرحلة أم لا.
هل هناك أثر إيجابي لفيروس كورونا؟
للمرة الأولى في حياة العديد من الناس، نشهد أعمالًا خيرية جديرة بالذكر، والاعتراف بالضعفاء والمسنين. لم يعد الذهاب إلى العمل عند المرض شيئا مهما، كما يقضي الآباء وقتا ممتعا مع أطفالهم. وتتماسك بالتالي المجتمعات. وتقوم الشركات بإعادة استخدام معداتها لصنع معدات السلامة للمستشفيات.
يومًا بعد يوم، نثني على هيئة الخدمات الصحية الوطنية بسبب عملها الجبار في مقاومة الفيروس. لذا، بالفعل، أدى الفيروس إلى صحوة لما يشكل أهمية كبرى في الحياة وما لا يشكل أهمية. وفي الختام، لا أحد يستطيع حقًا معرفة كيفية انتهاء فيروس كورونا، ولكن ربما يمكننا أن نستغل هذا الوقت لمساعدة الناس على أقصى قدر ممكن.
المصدر: لورنينغ مايند