في العقد الماضي، ازدادت أنظار كثير من دول العالم نحو تركيا، ودورها في المنطقة، وتفاعلها مع أحداث دول الجوار، وتصريحات قادتها، حتى وصل الحال إلى اهتمام العالم العربي بكل ما هو تركي من طبيعة الحياة في تركيا، مرورا بالاطلاع على تجربة النهضة هناك، وليس انتهاءا بزيادة عدد الدارسين العرب في الجامعات التركية.
فلسطين كغيرها من العرب، اتجهت انظارها الى تركيا حيث وجدت في تركيا الشعور بالمساندة والمساعدة في تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في نيل حريته واستقلاله وبناء دولته والعيش بكرامة، الأمر الذي أدى إلى زيادة اهتمام أبناء الشعب الفلسطيني بكل أطيافه بتركيا، الأمر الذي انعكس على كثير من أحاديث أبناء هذا الشعب، فلا تكاد تجد اثنين يتناولون موضوعا معينا سياسيا او اقتصاديا او حتى اجتماعيا او علميا إلا وتساءل عن تركيا ودور تركيا فيه!!!
قطاع غزة كغيره، تعلقت أنظاره في تركيا، خصوصا في سنوات الحصار التي تعرض لها _وما زال الى الآن_، وفي العدوان الاسرائيلي الذي تعرض له في العام 2008-2009، وعدوان العام 2012، وأخيرا عدوان العام 2014، وما بينهم من أيام.
في هذا المقال نرصد أهم محطات الدعم التركي لقطاع غزة وللقضية الفلسطينية بشكل عام خلال العدوان على غزة، وتطور أشكال هذا الدعم من عدوان الى آخر.
عدوان العام 2008-2009:
قبل هذا العدوان كانت تركيا على علاقة سياسية واقتصادية وعسكرية قوية مع الاحتلال الاسرائيلي، وقد كانت تركيا تلعب دور الوسيط في مباحثات السلام السورية_الاسرائيلية آنذاك، وقبل اعلان العدوان على غزة، زار أولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتها أنقرة للتباحث بشأن مباحثات السلام مع سوريا، ولكن مع اندلاع العدوان على غزة اعتبرت تركيا أن زيارته جاءت لتغطية مخطط العدوان، وهو ما اعتبرته اهانة لها ولشعبها. فبدأت العلاقة بين تركيا واسرائيل بالتوتر وهو ما استمر حتى بعد انتهاء هذا العدوان، سواء على الصعيد الشعبي أو الرسمي، وهو ما كان واضحا بما قام به رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان في مؤتمر دافوس عندما وجه كلمته وبكل قسوة الى بيريز الرئيس الاسرائيلي قائلا له ان اسرائيل هي من تقتل الأطفال في غزة وانسحب من الجلسة وقتها.
خلال العدوان انتفض الشعب التركي في المظاهرات الحاشدة تنديدا بالعدوان وبقتل الأطفال والنساء والأبرياء، واستقبلت تركيا الكثير من جرحى العدوان، وأرسلت المساعدات العينية والطبية إلى غزة، وأرسلت مندوبا لحضور قمة الدوحة التي كانت مخصصة لغزة.
استمر الدعم التركي الانساني لقطاع غزة بعد انتهاء العدوان، وذلك دعما لصمود أهالي القطاع وشعورا بالمسؤولية الانسانية تجاههم، حتى العام 2010 وتحديدا في 31 مايو 2010 حيث اعتدى الاحتلال الاسرائيلي على اسطول الحرية الذي كان متوجها الى قطاع غزة عن طريق البحر لايصال المعونات الانسانية وكدلالة رمزية على كسر الحصار المفروض على القطاع، فقُتل 10 من المواطنين الأتراك الذي كانوا على متن سفينة “مافي مرمرة”، حينها تم طرد السفير الاسرائيلي من أنقرة، وتجميد الاتفاقيات العسكرية مع اسرائيل، بالاضافة الى تحديد رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان الى ثلاثة امور لعودة العلاقات التركية الاسرائيلية منها رفع الحصار الاسرائيلي عن قطاع غزة.
عدوان العام 2012:
استمرت تركيا في دعم قطاع غزة انسانيا واغاثيا عن طريق الكثير من المؤسسات الاغاثية التركية التي بدأت العمل في قطاع غزة، وعن طريق دعم مؤسسات المجتمع المدني، إلى أن شن الاحتلال الاسرائيلي عدوانه الثاني على قطاع غزة في نوفمبر من العام 2012م، وكالعادة فإن المواطن التركي خرج في مظاهرات حاشدة في مدن تركيا الكبرى تنديدا بهذا العدوان، الا أن اللافت في هذا العدوان هو قدوم وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو مع وفد من وزراء خارجية الدول العربية الى قطاع غزة وزيارة مستشفى الشفاء بغزة ومشاهدة الأطفال والنساء الجرحى، والشهداء، حيث أجهش بالبكاء من هول ما رأى وما سمع. كما قام بعمل جولة ميدانية على المناطق التي تعرضت للقصف والتدمير.
وفي موعد لاحق من انتهاء هذا العدوان على قطاع غزة، ساندت تركيا وبكل قوة الفلسطينيين في قرارهم التوجه الى الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل صفة دولة مراقب غير عضو، وقد كانت تركيا أيضا من أوائل المهنئيين لحصول الفلسطينيين على هذه الصفة في الامم المتحدة وهو ما ظهر جليّا في تهنئة السيد احمد داوود اوغلو للوفد الفلسطيني داخل قاعة الجمعية العامة، وقد كان هذا الدعم ايماننا من تركيا الدائم بأحقية الشعب الفلسطيني في انشاء دولته المستقلة والعيش بحرية وكرامة.
عدوان العام 2014:
لم يتأثر دور تركيا الانساني في قطاع غزة بعد انتهاء عدوان العام 2012 بل ازداد كمّا ونوعا، فقد باشرت فعليا بإنشاء مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني على أرض قطاع غزة، واستمرت في المساعدة في عمليات اعمار ما دمره الاحتلال، وفي تقديم المنح الدراسية للطلاب، والمساعدات الاغاثية للأسر المحتاجة. كل ذلك جعل المواطن الفلسطيني يثق بدور تركيا الانساني اتجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، حتى وصل الأمر إلى تفكير الفلسطينيين بانشاء ميناء بحري يشرف عليه الأتراك وقد قطعوا شوطا كبيرا في ذلك من حيث التفكير والمشاورات، إلا أن الحصار على قطاع غزة اشتد أكثر، حتى جاء العدوان الثالث على القطاع في يوليو 2014م وهو العدوان الأطول حيث استمر 51 يوما من القتل والتدمير واستهداف المدنيين والمنازل والبنية التحتية والمدارس والأبراج السكنية.
تركيا ومنذ اليوم الأول أدانت العدوان الاسرائيلي وطالبت بوقفه فورا على لسان رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والخارجية وحتى على لسان نواب البرلمان الذي تظاهروا أمام السفارة الاسرائيلية تنديدا بالعدوان ومطالبةَ بوقفه. كما ودعا الاتراك الامم المتحدة الى العمل على وقف العدوان الاسرائيلي فورا. وقد قام الصحفيون والعمال الأتراك بالتظاهر أيضا دعما لزملائهم الفلسطينيين ودعوة لوقف هذا العدوان.
لقد عاود أردوغان أيضا التأكيد على أن تطبيع العلاقات مع اسرائيل لن تتم في ظل عدم رفح الحصار عن قطاع غزة كما اشترطت تركيا في حادثة سفينة “مافي مرمرة” وفي ظل استمرار العدوان والظلم على الشعب الفلسطيني. كما وقامت المؤسسات الاغاثية والانسانية التركية بتقديم المساعدات العينية والطبية لاهالي القطاع، بالاضافة الى استقبال المستشفيات التركية العديد من مصابي العدوان، وقد قام كل من رئيس الجمهورية اردوغان ورئيس الوزراء داوود اوغلو بزيارة المصابين في هذه المستشفيات.
ماذا يعني كل ما سبق:
تركيا تؤمن بأحقية الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته والتمتع بالحرية والعيش الكريم، وهي تساعد في تحقيق ذلك عن طريق علاقاتها مع الدول المعنية.
تعلم تركيا بأن الشعب الفلسطيني يتعرض للظلم والقهر، والقتل والتدمير، وهو ما تعتبره تركيا يتنافى مع القيم والمبادئ التي تتخذها في حق الانسانية والبشرية، لذلك فهي تعمل على رفع هذا الظلم والقهر عن طريق العمل على رفح الحصار.
تسعى تركيا الى العمل على اعادة اعمار قطاع غزة بأقرب وقت ممكن وهو ما جاء على لسان نائب رئيس الوزراء التركي “أمر الله ايشلر”.
هناك فرصة حقيقية لأن يستفيد الفلسطينيون من تركيا ودعمها في تقوية اداء المؤسسات المحلية، وأداء الوزارات والهيئات الفلسطينية والاستفادة من الخبرات التركية، بالاضافة الى الاستعانة بها في علاقاتها مع الدول المعنية والمؤثرة بالقضية الفلسطينية.