رغم الإجراءات المتخذة من الحكومات كمحاولة لإبطاء تفشي فيروس كورونا المستحدث، لكن هذا لم يمنع تهاوي الأنظمة الصحية في أمريكا ودول أوروبا، حيث أظهرت جائحة كورونا مشاكل الأنظمة الصحية في البلدان المتقدمة من حيث النقص الحاد في عدد الأطباء والممرضين وضعف البنى التحتية للمؤسسات الصحية. في ظل ذلك يأتي السؤال المتبادر إلى الأذهان عن القناعة المترسخة بفوقية المؤسسات الصحية في البلدان المتقدمة وإمكاناتها الحقيقية.
نقص عدد الأطباء والممرضين
حاولت بريطانيا تدارك النقص في أعداد الأطباء والممرضين بإرسال خطاب استدعاء لـ65.000 طبيب وممرض متقاعد، كما طلب الـGMC (المجلس الطبي العام البريطاني) من 5000 طبيب عام لم يكملوا ترخيص مزاولة المهنة الالتحاق بالمستشفيات، بينما أرسلت إيطاليا 10.000 طالب من كليات الطب إلى المستشفيات لإدراك النقص في عدد الأطباء بحسب رويترز.
أما الولايات المتحدة التي يوجد الأطباء المهاجرون بمؤسساتها بنسبة 17% (أي طبيب واحد من أصول مهاجرة من أصل 4 أطباء في أمريكا) تحاول إصدار قوانين لتسهيل استقدام الأطباء والممرضين لمواجهة قلة عددهم.
صورة للممرضة الإيطالية إيلينا باكريلياني منهارة بعد عشر ساعات من العمل المتواصل.
نقص معدات الوقاية
المشكلة التي رافقت النقص في أعداد الأطباء والممرضين، هي النقص الحاد بمعدات السلامة الشخصية (البذلات الواقية، الكمامات، القفازات وباقي مستلزمات الوقاية)، هذا النقص زاد المشكلة تعقيدًا، ففي إسبانيا مثلًا هناك 15.000 مصاب من العاملين بالمؤسسات الصحية (أي نحو 14% من المصابين بـCOVID19 من العاملين بالمؤسسات الصحية)، هذه الأعداد المرتفعة للإصابات تزيد مشكلة نقص أعداد الأطباء والممرضين مما يفاقم الوضع في المؤسسات الصحية، ففي بريطانيا مثلًا هناك طبيب واحد من أصل أربعة أطباء في عزل صحي أو إجازة بسبب مرضه (بحسب الكلية الملكية لأطباء الباطنية).
هذا النقص في معدات السلامة دفع قسمًا من الأطباء والممرضين في إسبانيا لارتداء أكياس القمامة البلاستيكية أو البذلات المطرية كبديل لتقليل خطر العدوى.
“لم نكن مستعدين لمواجهة كورونا”، هذه كلمات الطبيب الإيطالي مارسيلو ناتالي الذي توفي بعد إصابته بـCOVID 19 في أثناء عمله بأحد المستشفيات الإيطالية دون قفازات واقية لنفادها.
المؤسف أن أعداد الوفيات المرتفعة في صفوف الأطباء والممرضين سببها الأساسي شح معدات الوقاية ما يجعل الكادر الطبي أكثر عرضة للإصابة.
الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية مختلف بعض الشيء، فالحديث عن نقص معدات السلامة قد يفقدك عملك، وهذا ما حدث مع طبيب الطوارئ بأحد مستشفيات واشنطن، الدكتور مينغ لين الذي فُصل من عمله بعد حديثه لإحدى الصحف عن نقص معدات الوقاية الفردية في مكان عمله.
“الكثير من المستشفيات مستمرة بالكذب على كوادرها، تخبرهم أن الكمامات البسيطة كافية لوقايتهم من كورونا ولكن الممرضات يمرضن ويمتن”، هذا ما قالته الممرضة لوري مازوركيوكز بعد تلقيها قرار الفصل من محل عملها في أحد مستشفيات شيكاغو بعد حثها زملاءها في العمل على ارتداء معدات سلامة أكثر.
يُجبر الطبيب على اختيار المرضى الذين يوضعون على أجهزة التنفس ويترك آخرون للموت بسبب ضعف البنى التحتية
فيما أعرب الدكتور جين هامون (رئيس أحد أكبر اتحادات الأطباء في فرنسا) في مقابلة تليفزيونية عن قلقه على سلامة الأطباء العاملين خارج المستشفيات والأطباء العامين الذين يعانون من قلة تجهيزهم بمعدات السلامة الوقائية، وأضاف “الدولة قطعًا غير مستعدة، ويجب عليها تفسير ذلك”.
النقص في البنى التحتية
ظروف العمل القاسية التي تعيشها الكوادر الصحية لم تكن بسبب ساعات العمل الطويلة أو بسبب نقص معدات الوقاية الشخصية فقط، بل هناك الضغوط النفسية التي يعيشها الطبيب ونمط طب الحروب الذي يطبق حاليًّا، ففي دول أوروبا كإسبانيا وإيطاليا، يُجبر الطبيب على اختيار المرضى الذين يوضعون على أجهزة التنفس ويترك آخرون للموت بسبب ضعف البنى التحتية، فأعداد المرضى يفوق بأضعاف أعداد الأسرة المتوافرة.
“المرضى الذين تفوق أعمارهم الـ80 عامًا، مع أعراض فشل التنفس غالبًا لا يستطيعون النجاة”، هذا ما تقوله اختصاصية التخدير الإيطالية الدكتورة كريستينا سالارولي، بعد الجدل عن مدى أخلاقية اختيار الأطباء للمرضى الذين سيتم علاجهم.
البلد | عدد الأسرة (لكل 1000 نسمة) | عدد أجهزة التنفس |
---|---|---|
اليابان | 13 | 32586 |
كوريا الجنوبية | 12 | 9795 |
ألمانيا | 8 | 25000 |
فرنسا | 6 | 30000 |
إيطاليا | 3 | 5000 |
إسبانيا | 2.9 | – |
بريطانيا | 2.5 | 8175 |
الولايات المتحدة الأمريكية | 2.7 | 68000 |
في الجدول أعلاه، نضع مقارنة لعدد الأسرة/1000 نسمة وعدد أجهزة التنفس الاصطناعي الـventilator، ونرى الفرق الكبير بين اليابان مثلًا وبقية دول أوروبا وأمريكا، حيث توفر اليابان 13 سريرًا طبيًا لكل ألف نسمة بينما إمكانية الولايات المتحدة لا تصل إلى 3 أسرة لكل ألف نسمة.
النقص في عدة الفحص للكشف عن كورونا
بعد موجة السخرية التي شنتها الصحافة البريطانية بسبب عدم جاهزية المؤسسة الصحية البريطانية لإجراء فحص الكشف عن فيروس كورونا، وعد بوريس جونسون بالإسراع في تجهيز أعداد كافية من عدة الفحص وتوفيرها بأسرع ما يمكن.
هذا النقص في أعداد الفحوصات لم يكن في بريطانيا وحدها، فالولايات المتحدة تعد الأسوأ من حيث عدم جاهزية معدات الفحص بسبب مشاكل ترخيص الفحوصات، الأمر الذي أدى إلى تفشٍ أكبر للفيروس بين مواطنيها.
الجدول أعلاه يوضح أعداد الفحوصات التي أجريت لكل مليون نسمة، ويظهر ضعف أداء المؤسسات الصحية في الولايات المتحدة وأوروبا مقارنة بالصين وكوريا الجنوبية.
سوء التخطيط والتنفيذ
لمواجهة مشكلة ما لا بد من وضع خطط وخطط بديلة، مبنية على دراسات مكثفة، وهذا لم يحدث في بريطانيا عند تبنيها خطة “مناعة القطيع” التي لاقت انتقادات واسعة، فقد وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالـ”الكارثية” وحذر بريطانيا من أن أعداد الموت ستكون لا حصر لها.
ورغم محاولة وزير الصحة البريطاني مات هانكوك تبرير فشل سياسته في إدارة أزمة كورونا، حيث أوضح حاجة البلاد ليس فقط لإجراء فحوصات بإعداد أكبر بل لنظام متابعة صحيح، لكن تبقى خطته المتبعة حتى الآن هي مناعة القطيع رغم التحذيرات التي تلقتها بريطانيا من الصين بأن هذه الخطة لا تنفع مع فيروس مثل كورونا بحسب ما جاء في الغارديان.
كورونا المستحدث ليس أول وباء يمر على الكوكب، فقد سبقه سارس وميرس وإيبولا والكثير من الأوبئة التي اجتاحت بلدان العالم، وقسم من البلدان أخذ دروسًا في إدارة الأزمة ووضع خططًا مستقبلية لعدم تكرار المشاكل التي وقعت بها كوريا الجنوبية واليابان، أما إهمال بعض الدول في تنفيذ خطط مكافحة الوباء، كإجراءات إغلاق المطارات وحظر التجمعات وغيرها من التدابير، جعل دولًا مثل إيطاليا وإسبانيا تقف عاجزةً أمام كورونا.
منظمة الشفافية الدولية تشير إلى السباق الدائر بين مراكز البحوث والشركات التي تحاول السبق في إيجاد لقاح للوقاية من فيروس كورونا، مما يزيد من استثمار الدول في المراكز البحثية وتخصيص ميزانيات مالية ضخمة مما يفسح مجال أكبر للفساد المالي في هذه المراكز.