بعد مرور نحو ثلاثة شهور على تفشي فيروس كورونا على مستوى العالم، وبينما تنشغل الحكومات بكوادرها العلمية والطبية ببث رسائل التوعية والبحث عن علاج ولقاح لوقف الفيروس، تظهر ظواهر وخرافات غريبة تسري بين الناس على شبكات التواصل وفي المجمعات العادية.
هذه التعاملات الغريبة قد تكون مضحكة في ظاهرها، إلا أن باطنها قد يكون خطيرًا جدًا بل وكارثيًا، يصل حد تفشي الفيروس بشكل أعنف، أو ينتج عنها انتحار جماعي بسبب عدم الوعي والخوف الشديد، وهنا نعرض هذه الظواهر حول العالم، التي يجب أن نبتعد عنها جميعًا.
مأساة شرب الكحول في إيران
منذ مطلع الشهر الماضي، أصبحت إيران أكبر بؤرة لتفشي فيروس كورونا المستجد بعد ووهان الصينية، وانتشر الذعر والخوف بين الناس، حتى أصبحوا يصدقون أي خرافة قد تصدر باعتبارها أفضل علاج كشرب المشروبات الكحولية الفاسدة والمطهرة كالميثانول، لاعتقادهم بأنها تقتل الفيروس، رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية.
فعلاوة على وفاة أكثر من 3500 حالة وإصابة أكثر من 55 ألف – حسب الأرقام الرسمية المعلنة في إيران -، أعلنت وزارة الصحة الإيرانية، منذ أيام، وفاة 300 شخصًا، بسبب تناول المشروبات الكحولية الفاسدة والميثانول، غير أن هناك مزاعم بأن الأرقام أكثر من ذلك.
هذه المشروبات تؤدي إلى الوفاة المباشرة في أسوأ الظروف، أما ما هو دون ذلك، فحالات التسمم التي بلغت أكثر من 3000 شخص، وإصابة نحو 62 شخصًا بالعمى، وكذلك إصابة 284 شخصًا آخر بالفشل الكلوي ويحتاجون إلى غسيل كلوي، بحسب الأرقام الرسمية، وكل هذه الحالات تتطلب عناية الدولة المنهكة أصلًا بسبب تفشي الفيروس.
وهذا ما أكده الدكتور حسين حسنين مستشار وزارة الصحة الإيراني، بقوله: “لدى الدول الأخرى مشكلة واحدة، تتمثل بجائحة فيروس كورونا، أما نحن فنقاتل هنا على جبهتين، إذ علينا أن نشفي المرضى من التسمم بالكحول وأن نحارب فيروس كورونا أيضًا”.
المأساة تتكرر.. ولكن في البيرو
بدأت السلطات البيروفية بفرضها لتدابير العزل الإلزامي وحظر التجول الليلي، منذ منتصف الشهر الماضي، في محاولة للحد من تفشي الوباء الذي أصاب حتى الآن 1595 شخصًا في هذا البلد وقتل 61، بحسب الأرقام الرسمية، وتحاول السلطات منع حدوث كوارث أخرى.
ولكن منذ أيام، تكررت المأساة الإيرانية، بعد مقتل 16 شخصًا على الأقل في منطقة نائية بالبيرو، جراء تناولهم مشروبات كحولية مغشوشة، اعتقدوا أنها تمنع الإصابة بمرض كوفيد-19، وفق وكالة الأنباء البيروفية (أندينا).
وأوضحت الوكالة أن الشرطة صادرت المشروبات الكحولية التي كانت تبيعها “مؤسسة ذات سمعة مشكوك فيها”، ونقلت الوكالة عن الحكومة الإقليمية أن الأعراض التي ظهرت لدى المتوفين كانت أعراض تسمم شديدة.
مأساة التركمانستانيين داخل تركيا
وعلى هذا المنوال، أكدت مصادر تركية أن عشرات التركمانستان الذين يعيشون في إسطنبول إما فقدوا حياتهم أو أصيبوا بجراح خطيرة بعدما شربوا كحولًا مركزًا بدرجة خطيرة لاعتقادهم أنه يقيهم من فيروس كورونا.
أطلقت الشرطة التركية تحذيرًا قويًا لمواطني تركمانستان بشكل خاص وكل المواطنين الأتراك بعدم الاستماع لأي ادعاءات تتعلق بشرب الكحول
وأوضحت وكالة الأناضول الرسمية أن عدد المتوفين ارتفع إلى 30 فيما يعاني 20 آخرين أوضاعًا صحية حرجة للغاية وجميهم من تركمانستان ويعيشون في إسطنبول وذلك نتيجة شربهم نوعًا من الكحول المركز بنسبة 100%.
وقعت المصيبة بعد أن استمع الضحايا إلى نصيحة أو طريقة أفتى لهم بها أحد الأشخاص من جنسيتهم، تقضي بدهن أجسادهم بكحول مركز وشرب كميات كبيرة منه، الأمر الذي أدى إلى وفاة الكثير منهم على الفور وأصيب آخرون بجراح خطيرة، يرقد 20 منهم بالعناية المركزة في أكثر من مستشفى بمناطق مختلفة من إسطنبول، وذلك بعدما أصيبوا بتسمم خطير.
بسبب هذا الأمر، فتحت الشرطة التركية تحقيقًا موسعًا في الحادثة، واعتقلت عشرات المشتبه بهم من بينهم أشخاص تناقلوا هذه النصيحة وأقنعوا الضحايا بجدواها في الحماية من فيروس كورونا، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تداولوا هذا النوع الفاسد من الكحول.
وعلى الرغم من التحذيرات والإرشادات التي توزعها الحكومة ليل نهار منذ بداية الأزمة، أطلقت الشرطة التركية تحذيرًا قويًا لمواطني تركمانستان بشكل خاص وكل المواطنين الأتراك والمقيمين الأجانب بشكل عام بعدم الاستماع لأي ادعاءات تتعلق بشرب كحول مركز أو كحول فاسد بدعوى الحماية من فيروس كورونا.
شرب الفودكا ببيلاروسيا
طالب رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاتشنكو، مواطني بلاده بمواصلة أعمالهم والذهاب إلى الحقول وقيادة جراراتهم التي تصنعها بلاده بكثرة، فقال: “الجرار يشفي الجميع”، كما حث شعبه على شرب الفودكا وممارسة الحمام البخاري كأفضل دواء لمحاربة فيروس كورونا.
شرب بول البقر في الهند.. وبول البعير في السعودية!
أما في الهند، فقد أخذت الأمور منحى آخر مختلف تمامًا، له علاقة بالطقوس الدينية الهندوسية، فتعمل بعض الجماعات الهندوسية على تنظيم حفلات لاحتساء بول الأبقار، لاعتقادها أنه يقي من فيروس كورونا، لأن كثيرين من الهندوس يعتبرون الأبقار مقدسة ويؤمن بعضهم أن لبولها خصائص علاجية.
ويدعي القائمون على هذا النشاط، بأن فيروس كورونا بكتيريا وبول البقر فعال ضد كل أنواع البكتيريا الضارة، فضلًا عن أن بعضهم يتحمم في بول أو روث البقر لاعتقادهم بقداسته أو قدراته العلاجية.
وتكمن الكارثة هنا بأمرين أساسين: الأول أن الفيروس ينتقل من مخالطة الإنسان مع الحيوان، أما الثاني فهو أن هذه الحفلات تجمع ما يزيد على 200 شخص، لتتوافر البيئة المناسبة للفيروس حتى يتفشى بين الناس.
أما في السعودية، فقد خرجت أصواتًا لشيوخ تنادي بشرب بول البعير والإبل للوقاية من فيروس كورونا، لتأكيدهم بأن بول البعير كان أحد وسائل الطب قديمًا في البادية حسب عاداتهم وتقاليدهم، “ولو عاد بنا الوقت لزمانهم لاستخدمنا علاجهم ولو تقدم بهم الوقت لزمننا لاستخدموا علاجنا”، بل وقام بعض المشايخ بتكفير من يستهزء بالأمر.
في مصر.. مظاهرة ضد كورونا والشلولو هو الحل
في واحدة من أكثر الظواهر غرابة في العالم، خرج العشرات من أهالي محافظة الإسكندرية في مسيرات تلهج بالتكبير والدعاء لرفع فيروس كورونا عنهم، رغم إجراءات الحكومة لمنع التجمعات وتعليمات وزارة الصحة للوقاية من العدوى.
وتناول المغردون المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد وفيديوهات لهذه المظاهرات “ضد فيروس كورونا”، معتبرين أن ذلك قد يساهم في نشر الوباء أكثر، وساخرين من فكرة التظاهر ضده، وتلته تجمعات بشرية كثيرة في محافظات مختلفة، متجاهلين حقيقة تفشي الفيروس.
أما عن أفضل الطرق الوقائية لفيروس كورونا، فقد حث خبراء وأطباء مصريون عبر القنوات الرسمية المصرية أن الأكلات الشعبية المصرية القديمة التي تعود لآلاف السنين، كـ”الشلولو” و”الفول”، من أكفأ مقومات المناعة والمضادات لفيروس كورونا، والشلولو هي أكلة قديمة تتكون من الملوخية الناشفة والماء المثلج والبصل والثوم والليمون والملح.
في قطاع غزة.. فحص الكورونا في الشارع
أطلقت جمعية خيرية في قطاع غزة حملة تحت عنوان “مقاومة ومكافحة فيروس كورونا”، حيث فحص القائمون على الحملة المواطنين من مختلف المناطق باستخدام جهاز الحرارة فقط، وبناء عليه يسجلون أن الحالة إيجابية أو سلبية.
شغلت الظاهرة وسائل الإعلام الفلسطينية التي استهجنتها واعتبرتها خطرةً جدًا، بسبب تجمهر المواطنين في الشوارع وعدم إجراء الفحوصات بمراكز آمنة، خاصة أن وزارتي الصحة في حكومة رام الله وغزة، حذرتا من التجمهر، لأنه يساهم بنقل أي عدوى لو كان أحد الأشخاص مصابًا دون علمه.
ختامًا، فإن التعامل مع فيروس كورونا يجب أن يكون على مستوى عالٍ من الحذر والوعي، وعدم التعاطي مع كل ما يتم تناقله في وسائل التواصل الاجتماعي، والآن يتداول الجميع خرافات وطرق تقي من الكورونا، قد تكون بعضها غير منطقية، فيما يمكن أن يكون بعضها الآخر خطرًا أو حتى مميت.