أعلن السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز، في خطوة غير مفاجئة، أمس الأربعاء، انسحابه رسميًا من المنافسة على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ليمهد الطريق أمام منافسه الأقوى، جو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما، لمنافسة الرئيس الحاليّ دونالد ترامب.
ساندرز (79 عامًا) في خطاب الانسحاب الذي أعلنه عبر بث مباشر من منزله في مدينة برلنغتون بولاية فرمونت، أعلن اصطفافه إلى جانب بايدن، واصفًا إياه “الرجل الجدير بالاحترام”، وداعيًا مناصري الحزب إلى تأييده، قائلًا: “يجب علينا الاتحاد من أجل هزيمة ترامب الرئيس الأسوأ في التاريخ الأمريكي الحديث”.
وتستعد الولايات المتحدة في الـ3 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لانتخابات رئاسية بين أكبر مرشحين في تاريخها للرئاسة، بايدن (77 عامًا) وترامب (73 عامًا)، الذي يسعى للفوز بولاية ثانية، في ظل موجة الانتقادات التي يتعرض لها جراء الفشل الواضح في التعامل مع أزمة كورونا التي وضعت البلاد في مأزق حقيقي، سواء على المستوى الداخلي أم سمعتها الخارجية.
وقد أظهرت استطلاعات حديثة للرأي أجرتها بعض المؤسسات المعنية من بينها شبكة “أي بي سي” وصحيفة “واشنطن بوست” خلال الفترة بين 22 إلى 25 من مارس/آذار الماضي على 845 ناخبًا أمريكيًا، تقدم بايدن على نظيره ترامب، إذ حصل المرشح الديمقراطي على 49% من أصوات المستطلعين، مقابل 47% لصالح المرشح الجمهوري.
ساندرز يغادر السباق
انسحاب ساندرز الذي يصف نفسه بالاشتراكي الديمقراطي، يأتي بعد سلسلة من الهزائم أمام منافسه الذي نجح في التقدم بالعديد من الولايات، حيث حصل على 1196 مندوبًا مقابل 883 لصالح ساندرز، ويحتاج المرشح للفوز الحصول على أصوات 1991 مندوبًا من إجمالي المندوبين البالغ عددهم 3979 مندوبًا.
ورغم عدم انتهاء السباق بشكل رسمي نتيجة تأجيل العديد من الولايات انتخاباتها التمهيدية التي كان مقررًا إجراؤها في مارس/آذار الماضي وأبريل/نيسان الحاليّ، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فإن المرشح المنسحب ارتأى لنفسه الإعلان مبكرًا في ضوء المؤشرات العامة للجولات التمهيدية.
ارتكز ساندرز في حملته الانتخابية على المفاهيم الاشتراكية، مستشهدًا بأن “هناك ولايات جمهورية وديمقراطية رفعت الحد الدنى للأجور إلى 15 دولارًا للساعة، وقضية توفير رعاية صحية لجميع الأمريكيين أصبحت قضية مهمة، أفكارنا لم تعد متطرفة أو غريبة كما يدعي البعض، لقد أصبحت أفكار حركتنا ضمن الأفكار الطبيعية المتداولة في مختلف الولايات”، لكنه لم ينجح في الحصول على نسب الدعم التي تؤهله لاستكمال السباق.
ورغم الخسارة، فإن العديد من الأصوات داخل الحزب الديمقراطي أثنت على الجهد الذي قدمه للحزب، حيث أشارت نيرا تاندين، رئيسة مركز التقدم الأمريكي، وهو جهة بحثية مقربة من الحزب الديمقراطي، أنه “قدم خدمات جليلة لأمريكا وللحزب الديمقراطي، لقد طرح العديد من الأفكار المهمة التي يمكن أن تدفع بلادنا للأمام، أقدر أهمية صوته وصدقه وأمانته وقيادته، سيكون ساندرز سندًا قويًا في معركة هزيمة ترامب”.
كما طالبت في الوقت ذاته، بايدن، بتبني فكرة ساندرز الداعية لتوفير تأمين صحي لكل الأمريكيين، ويذكر أن يوجين في تغريدة سابقة لها قالت: “على بايدن أن يدعم التأمين الصحي للجميع، ليس معنى أن طرحها شخص آخر ألا تدفع للأمام من مرشح الحزب من أجل 30 مليون أمريكي ليس لديهم تأمين صحي في هذا الوقت الذي تواجه فيه البلاد وباءً غير مسبوق في انتشاره وخطورته”.
كان لساندرز تأثير كبير على الحزب، رغم الهزائم التي مُني بها، منوهًا إلى الدور الذي قام به وأعضاء الحزب فيما وصفه “تغيير الضمائر الأمريكية فيما يتعلق بنوع الأمة التي يمكن أن نؤول إليها، وجعلنا هذا البلد يتقدّم بخطوة كبيرة في النضال اللامتناهي من أجل العدالة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والعدالة العرقية والعدالة البيئية”.
أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فكان على رأس الجهود التي تناهض كل أشكال الاستبداد التي تشمل من يسمون حلفاء الولايات المتحدة، مثل الإمارات والسعودية، هذا ما أشار إليه خلال المناظرة التي جمعته بينه وبين بايدن، منتصف مارس الماضي، التي تطرق خلالها إلى عدد من الملفات منها فيروس كورونا والسياسة الخارجية مع حلفاء أمريكا في الخليج.
بايدن.. الفرصة مواتية
بعد انسحاب ساندرز أصبح الطريق مفروشًا لبايدن الذي ينتظر فقط تزكيته مرشحًا للحزب خلال مؤتمره العام الذي تأجل إلى أغسطس المقبل بسبب تفشي الوباء، وفي الوقت ذاته بات على المرشح الأوفر حظًا الآن أن يبذل جهدًا لاستمالة ملايين الأمريكيين الذي وقفوا مع السيناتور المنسحب.
وعلى الفور بدأ بايدن في هذا الاتجاه، حيث كتب على حسابه على تويتر مخاطبًا أنصار ساندرز “أدرك أنه عليّ كسب أصواتكم. وأعرف أن ذلك قد يستغرق وقتًا. لكن أريد أن تعرفوا أنني أراكم وأسمعكم وأفهم الشعور بالإلحاح الذي يحرّككم”، مضيفًا “آمل أن تنضموا إلينا. نحن بحاجة إليكم”.
وكان بايدن قد شن مؤخرًا حملة انتقادات ضد ترامب، حيث اتهمه بجر الولايات المتحدة إلى أعتاب الحرب، مؤكدًا أنه “أسوأ من يتولى قيادة القوات المسلحة الأمريكية على الإطلاق، وهو الأكثر تهورًا على الإطلاق”، مضيفًا في تصريحات سابقة له في يناير الماضي تعليقًا على مقتل قائد فيلق “القدس” الإيراني، قاسم سليماني: “قبل أن يعطي ترامب أوامره بقتل سليماني، لم يخبر الكونغرس، ولا حلفاء الولايات المتحدة حول العالم، فهو يجر البلاد إلى حرب مع إيران”.
وفي تغريدة نشرها على حسابه الشخصي بموقع “تويتر”، قال: “ترامب، أسوأ من يتولى قيادة القوات المسلحة الأمريكية على الإطلاق، وهو الأكثر تهورًا على الإطلاق”، وتابع “أكثر رئيس لديه شعور باللامبالاة وعدم الكفاءة، لتولي منصب قيادة القوات المسلحة الأمريكية”، منوهًا أن كل يوم يقود فيه دفة الأمن القومي الأمريكي يمثل يومًا خطيرًا للعالم”، ولذا “يجب أن نعمل على إخراجه من البيت الأبيض، ويجب على الجميع أن يساعدنا في جعله رئيسًا لفترة واحدة فقط”.
ويتبنى المرشح الديمقراطي عددًا من المواقف السياسية التي تتمحور أغلبها في دعم التوجه العدائي لبلاده، إذ دعا إلى تدخل أمريكا وحلف شمال الأطلسي في حرب البوسنة بين عامي 1994 و1995، فضلًا عن تأييده لغزو بلاده لأفغانستان في 2001، كما صوت لصالح القرار الذي أذن بحرب العراق عام 2002، وعارض إرسال المزيد من القوات عام 2007، وفي عام 2011، عارض تنفيذ المهمة العسكرية التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن، بجانب دعمه فكرة بناء الجدار على الحدود مع المكسيك.
إيرانيًا.. فهو يؤيد الخيار الدبلوماسي مع استخدام إستراتيجية العقوبات للضغط على طهران، مع الوضع في الاعتبار أنه صوت ضد اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، ورفض دعوة روسيا مرة أخرى إلى مجموعة الدول السبعة، قائلًا: “لا معنى لها”.
وداخليًا، يدعم بايدن خطة الرعاية الصحية ACA التي تسمح للمستهلكين باستيراد الأدوية من بلدان أخرى، فيما يعارض برنامج Medicare for All، وهو اقتراح من شأنه أن يجعل الحكومة المزود الرئيس للتأمين الصحي للأمريكيين بسبب أنه برنامج مكلف للغاية.
كما صوت لصالح قانون السياج الآمن عام 2006 الذي بنى بمقتضاه جدرانًا وحواجز إضافية على طول حدود المكسيك، كما دعم قرار ترامب بناء جدار على الحدود المكسكية مؤخرًا، ورفض منح رخص القيادة للمهاجرين غير الشرعيين منذ عام 2007، وهو الموقف الذي ربما يقلق اللاجئين في البلاد.
بايدن وترامب.. وجهًا لوجه
تعبد الطريق أمام بايدن لمنافسة ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة لم يكن بالخبر السار بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي قال في مناسبات عدة إنه يفضل رؤية سيناتور فيرمونت بيرني ساندرز يخرج منتصرًا في الانتخابات التمهيدية للديموقراطيين، كون المنافسة هنا ربما تكون سهلة أمام ترامب، من وجهة نظره.
الرئيس الأمريكي الحاليّ كان يرى أن المواجهة مع الشخص الذي يتفاخر بأنه “اشتراكي” وزار الاتحاد السوفيتي مع زوجته بعد وقت قصير من زواجهما وأشاد بالنظام الكوبي، ستكون أسهل بكثير، بالنسبة إليه، قائلًا: “كنت مستعدًا لمواجهة بيرني”، مشيرًا بشكل ممازح إلى أنه كان سيطلق كلمة “شيوعي” في أي فرصة ممكنة، وأضاف “ثم حدثت هذه القصة المجنونة” في إشارة إلى عودة بايدن متابعا “أعتقد أنه سيكون من الصعب على (ساندرز) العودة”.
تشير التوقعات إلى احتمالية أن يشن ترامب حملة مضادة للمرشح الديمقراطي الذي حاول قبل ذلك زعزعة مكانته في أواخر العام 2019 من خلال مطالبة أوكرانيا بفتح تحقيق يطال ابنه هانتر بايدن، وكان الأخير مديرًا لمجموعة بوريسما للغاز عندما كان والده نائبًا للرئيس.
غير أن تلك القضية اتخذت منعطفًا عكس ما كان يتوقعه الرئيس، فبعد اتهامه بأنه “طلب تدخل أوكرانيا في حملة إعادة انتخابه العام 2020″، حوكم في مجلس الشيوخ وبرئ بغالبية جمهورية، ورغم ذلك، يبدو أن اسم هانتر بايدن سيعود إلى الواجهة من جديد، وهو ما أشار إليه ترامب عبر محطة “فوكس نيوز” التليفزيونية، حين قال “سيكون هذا موضوعًا رئيسيًا للحملة، سأتكلم فيه باستمرار، لا أرى كيف يمكنهم الإجابة عن هذه الأسئلة. لقد كان فسادًا بشكل محض”.
ليس هناك شك في أن المواجهة بين المنافسين لن تكون سهلة، ففي الوقت الذي يرى فيه الكثير أن سياسة ترامب الحمائية عزلت الولايات المتحدة عن حلفائها، إلا أن الألة الإعلامية التي يملكها ودعم حزبه له كان السند للهروب من فخ العزل أكثر من مرة، وفي المقابل ليس أمام بايدن سوى العزف وبصورة مكثفة على فشل ترامب في التعاطي مع العديد من الملفات الداخلية والخارجية.
وعلى الأرجح فإن إدارة ترامب لأزمة تفشي كورونا ربما تكون عاملًا مهمًا في حسم من سيفوز بالانتخابات المقبلة، وإن كانت المعطيات الراهنة ربما ترجح الرأي الذي يتوقع أن تكون تلك الأزمة السبب الأبرز للإطاحة به، إلا أنه من السابق لأوانه حسم المعركة في انتظار ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة التي من المتوقع أن تمتد لعدة أشهر، وهو ما يجعل هناك متسع من الوقت لإثراء كل طرف حملته بحزمة من الإستراتيجيات والخطط التي تدعم موقفه.