تواصل الحكومة الألمانية غض الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان والممارسات القمعية لبعض الأنظمة في حقّ شعوبها، رغم الانتقادات الموجّهة لها من قبل أحزاب ومنظمات محلية وإقليمية. غض الطرف هذا جاء نتيجة عقدها صفقات بيع أسلحة لهذه الأنظمة القمعية فجني الأرباح عند السلطات الألمانية أهم من احترام حقوق الإنسان.
نتحدّث مثلا عن النظام المصري، الذي يتهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية سواء في حقّ شعبه أو في حقّ بعض الشعوب العربية على غرار الشعب اليمني والليبي، وفقا للعديد من المنظمات الحقوقية، ومع ذلك تواصل ألمانيا بيع الأسلحة الحديثة له.
أسلحة جديدة
إخر الأسلحة الألمانية الحديثة التي تسلمتها مصر كانت أمس، فضمن صفقة تسلح ألمانية –مصرية، تم تسليم غواصة ألمانية الصنع للقوات المصرية في مدينة كيل الألمانية، والغواصة من طراز 1400/209 رقمS43″، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
وتعدّ هذه الغواصة الثالثة من أصل أربع غواصات تضمنتها صفقة مبرمة بين البلدين عام 2014 بنحو مليار يورو، وتعتبر أحدث فئة من هذا الطراز بالعالم، وذلك بعد إتمام تأهيل الأطقم الفنية والتخصصية العاملة على الغواصة في وقت قياسي وفقاً لبرنامج” بين مصر وألمانيا.
وتسلّمت مصر أول غواصة ضمن هذه الصفقة في أبريل/نيسان 2017، حينها قال إنها ستعزز “قدراته على تحقيق الأمن البحري وحماية الحدود والمصالح الاقتصادية في البحرين الأحمر والمتوسط وقناة السويس”، فيما تمّ تسلّم الغواصة الأولى في كانون أول/ديسمبر 2016.
وتتنزل صفقة الغواصة، ضمن العديد من الصفقات التي أبرمتها الحكومة المصرية مع الحكومة الألمانية، وحلت مصر في المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر طلباً للأسلحة والمعدات العسكرية الألمانية في الربع الأول من العام الحالي بمشتريات بلغت قيمتها 290,6 مليون يورو.
جاءت موافقة السلطات الألمانية على صادرات هذه الأسلحة إلى مصر على الرغم من أن وضع حقوق الإنسان في البلاد صعب للغاية
أما السنة المضية، فقد حلّت مصر في المرتبة الثانية بمشتريات بلغت قيمتها 802 مليون يورو. جاء ذلك في جواب وزارة الاقتصاد الألمانية على طلب إحاطة من حزب اليسار. وأوضحت وزارة الدفاع الألمانية أنها وقّعت 13 صفقة تصدير دفاعية مع مصر، إلا أنها لم تقدّم تفاصيل عن أنواع الأسلحة التي سيتم تصديرها إلى الدولة الواقعة في شمال إفريقيا.
وقفزت الصادرات الألمانية إلى مصر في مجال الدفاع في السنوات الخمس الماضية بنسبة 205٪، مقارنة بإجمالي الصادرات في السنوات الخمس التي قبلها. وضمن هذه الصفقات تمّ شراء الغواصات وصواريخ جو جو وناقلات الجنود والدبابات والمدرعات وأجهزة محاكاة الطائرات وسفن حربية، فضلا عن الأسلحة الخفيفة.
وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (معهد مستقل مكرس للبحث في الصراعات، والتسلح، ومراقبة الأسلحة، ونزع السلاح)، فإن مبيعات الأسلحة لمصر هي جزء من التوسع في صادرات الدفاع الألمانية إلى الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا بشكل عام.
وتقدّر ميزانية الدفاع في مصر بحوالي 4.4 مليار دولار وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، وتُصنف ميزانية الدفاع في هذا البلد العربي على أنها سر من أسرار الدولة ولا تتوفر تفاصيل حول الإنفاق الدفاعي. حتى المعلومات الأساسية التي لا صلة لها بالدفاع مصنفة على أساس الأمن القومي.
تواصل التصدير رغم السجل الأسود لمصر
جاءت موافقة السلطات الألمانية على صادرات هذه الأسلحة إلى مصر على الرغم من أن وضع حقوق الإنسان في هذه البلد صعب للغاية، خاصة في السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكّد أن صادرات الأسلحة الألمانية مدفوعة إلى حد كبير باعتبارات اقتصادية، فهي تنظر فقط إلى الأرباح المادية التي تجنيها.
ومنذ الانقلاب العسكري لعبد الفتاح السيسي عام 2013 ضدّ الرئيس الراحل محمد مرسي، سارعت مصر في صفقات الأسلحة، وواصلت القاهرة توقيع اتفاقيات دفاعية مع الدول الغربية في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية حادة وعجز متزايد في الميزانية، والهدف من ذلك شراء ذمم الدول الغربية لغض الطرف عن ملف حقوق الإنسان المتدهور في البلاد وقمع النظام المصري للمعارضة.
تستعمل السفن والغواصات الجديدة في الحصار البحري على اليمن
كثيرا ما يتعرّض النظام العسكري للرئيس عبد الفتاح السيسي لانتقادات بسبب تعذيب شخصيات معارضة حتى الموت واختطاف المعارضين وقتلهم. وازدادت حدة انتهاكات حقوق الانسان في مصر منذ تولي السيسي منصب الرئاسة قبل نحو 7 سنوات.
وتتهم منظمات حقوقية على غرار منظمة العفو الدولية السلطات المصرية بالتضييق على حرية التعبير والصحافة وحرية التجمع، تعذيب المعتقلين وتعرضهم إلى ضروب من المعاملة السيئة على أيدي قوات الأمن، فضلاً عن اتهامها باحتجازهم في ظروف مزرية، إلى جانب استخدام القمع لحظر السفر التعسفي لمفروض على موظفي المنظمات غير الحكومية، ومن بينهم العديد من قادة منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة والمضايقة القضائية لمعاقبة نشطاء حقوق الإنسان.
ونشرت منظمة العفو الدولية، في يونيو/حزيران 2019، تقريراً أسودا لسجل حقوق الإنسان في مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة. وقد سلط التقرير، الذي رُفع إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الضوء على القيود الشديدة التي فرضتها السلطات على حرية التعبير والتجمع، والاستخدام الواسع النطاق للاحتجاز التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري، والمحاكمات الجائرة، وظروف الاحتجاز المزرية، وذلك من بين بواعث قلق أخرى.
تواصل صادرات الأسلحة الألمانية نحو النظام المصري الذي يتهم بقمع معارضيه وبانتهاك حقوق الإنسان في بلاده وبعض الدول الأخرى، يؤكّد إفلاس الحكومة الألمانية أخلاقيا
منذ نشر هذا التقرير، تدهور وضع حقوق الإنسان في مصر بشكل أكبر، حيث شنّت السلطات موجة من الاعتقالات الجماعية، وتصاعد استخدام الأساليب الوحشية، بما في ذلك التعذيب، ضد المدافعين عن حقوق الإنسان. وتطالب المنظمات الحقوقية بمحاسبة السلطات المصرية على سجّلها الأسود في حقوق الانسان.
وتقول بعض المنظمات الألمانية التي تعني بحقوق الإنسان، إن السلطات المصرية تستخدم الأسلحة الألمانية لقمع المتظاهرين، ورغم ذلك تواصل السلطات الألمانية تصدير السلاح إلى مصر، في تحدّي لكلّ المواثيق الوطنية والعالمية لحقوق الإنسان.
إفلاس الحكومة الألمانية أخلاقيا
ألمانيا لم تغضّ الطرف عن جرائم النظام المصري في حق شعبه فقط، بل في حق اليمنيين والليبيين أيضا، وسبق أن اشترت مصر من ألمانيا سفنا حربية للانضمام إلى الحصار البحري الذي تقوده السعودية والإمارات على اليمن، كما تستعمل بعض الأسلحة في ليبيا كذلك.
وسبق أن اتفق التحالف المسيحي، المنتمية إليه المستشارة أنغيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي في معاهدة الائتلاف الحاكم عام 2017 على وقف تصدير أسلحة للدول المشاركة “على نحو مباشر” في حرب اليمن، إلا أن هذا الحظر لا يطبّق بالكامل.
تتهم الحكومة المصرية بارتكاب انتهاكات ضدّ حقوق الانسان
تستثني مصر من هذا الحظر، رغم مشاركتها المباشرة في هذه الحرب التي بدأت في مارس/ أذار 2015، وسبّبت كارثة إنسانية في اليمن، اعتبرتها منظمة الأمم المتحدة “أسوة أزمة إنسانية في العالم” منذ الحرب العالمية الثانية حيث قتل عشرات الألاف وشرّد الملايين وتعرّض معظم السكن لخطر المجاعة والأوبئة.
وتطالب العديد من القوى السياسية بألمانيا على غرار حزب الخضر وحزب اليسار المعارضان إضافة إلى الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية ومنظمات حقوقية بسحب جميع التراخيص الممنوحة سلفا لأي جهة متورطة في النزاعات والحروب، خاصة المتورطين في حرب اليمن ومنهم مصرن لكن السلطات الألمانية لم تمنع السلاح إلا على السعودية فقط، وكان ذلك نتيجة ضغط كبير.
تواصل صادرات الأسلحة الألمانية نحو النظام المصري الذي يتهم بقمع معارضيه وبانتهاك حقوق الإنسان في بلاده وبعض الدول الأخرى، يؤكّد إفلاس الحكومة الألمانية أخلاقيا، فهي تقدّم مصالحها المادية على حساب حقوق الإنسان رغم ادعاء الدفاع عنها.