ترجمة وتحرير نون بوست
يوم الاثنين الماضي، ذهب رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، إلى الجلسة العامة للبرلمان في البلاد لتمرير “مشروع قانون الحماية من فيروس كورونا”. وقبل ذلك بأسبوعين، في اليوم الموافق للحادي عشر من آذار/ مارس، عندما بلغ عدد الإصابات الرسمي بفيروس كوفيد-19 في المجر 13 حالة، إلى جانب تواجد 69 شخصا في الحجر الصحي، أعلنت الدولة حالة الطوارئ التي حظرت الرحلات الجوية القادمة من الصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران وسمحت بالتجمعات الداخلية التي تضم أقل من مائة شخص.
سعى اقتراح أوربان الجديد إلى تمديد حالة الطوارئ، واشتمل على عدد من الإجراءات الجديدة التي يعتبرها رئيس الوزراء ضرورية في الوقت الراهن، حيث أن نشر “الحقائق المشوهة” أو عدم التقيّد بأوامر العزل يُعاقب عليه القانون بالسجن. في الواقع، يمكن لرئيس الوزراء تعليق أية قوانين موجودة أو إنشاء أخرى جديدة حسب الحاجة، وسوف تحصل هذه القوانين الجديدة، طالما وقع سنّها خلال تفعيل حالة الطوارئ، على موافقة البرلمان الفعلية.
على الرغم من المطالب المتشددة التي ينصّ عليها مشروع القانون، إلا أن المعارضة الحذرة في العادة بدت على استعداد للتصويت لصالحه، طالما أنه لن يدوم طويلا. من جهتها، قالت لي كيم لاين شيبيلي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة برينستون: “كل ما أصروا عليه هو أن يبقى هذا القانون مفعّلا لمدة 90 يومًا، وهو وقت طويل محكوم بمرسوم”. غير أن أوربان، الذي أصرّ على تمديد هذا القانون إلى أجل غير مسمى، قد رفض. وقالت شيبيلي: “إنه لن يقبل بهذا الأمر. في الواقع، كان مصرا بشدة على هذه النقطة. لذلك فإن هذا القانون ليس مصمما للعمل للأمد القريب”.
تعتبر شيبيلي من ضمن عدد قليل من العلماء الغربيين الذين باستطاعتهم قراءة اللغة الهنغارية والتنقل عبر النظام القانوني للبلاد. لقد تعرّفت على أوربان منذ أوائل التسعينات، عندما عملت باعتبارها طالبة شابة في المجر لعدة سنوات، في البحث في نظام المحاكم في دولة ما بعد الاتحاد السوفياتي. في ذلك الوقت، كان أوربان عضوًا شابًا في البرلمان المجري الجديد، وقد سمح لشيبيلي بمرافقته إلى بعض الأحداث السياسية السابقة الخاصة به، باعتبارها مراقبة.
منذ أن أصبح أوربان رئيسًا للوزراء، في سنة 2010، كرست شيبيلي بعضًا من وقت فراغها لتتبّع تحركاته القانونية، والتي تتسم بالذكاء والمكر. في الواقع، تابعت عمله أثناء تعبئته للمحاكم والتلاعب بالدوائر البرلمانية وإحداث تغييرات على الدستور ومساعدة الحلفاء الأثرياء في شراء وسائل الإعلام لضمان السيطرة على تدفق المعلومات العامة. كما عزز قبضته على ثلثي الأغلبية البرلمانية، ليتخذ لنفسه لقب “الفكتاتور”. وفي الأسبوع الماضي، استخدم تلك الأغلبية العظمى لتمرير مشروع القانون الذي يمدد حالة الطوارئ.
في ذلك المساء، تحدثت أنا وشيبيلي في اتصال فيديو بمساعدة برمجية “زوم”. وقالت لي من منزلها خارج برينستون، في نيوجيرسي، إنه “بمجرد أن تتعلم خط يده، وكيفية التعرف على عمله اليدوي القانوني، يمكنك أن تلاحظ أن هذا من فعل أوربان بالتأكيد. الأجزاء الوحيدة التي يمكنك فهمها، في حال لم تكن محاميا، تتمثل في التغييرات التي أُدخلت على القانون الجنائي. إنه يفعل ذلك دائمًا تقريبًا، حيث يقوم بالتمويه”.
مع قدرته على قراءة الواقع، أكد أوربان أن الليبرالية كانت نظامًا قاسيًا وأن نسخته من الديمقراطية أعطت الأولوية لما يثب في مصلحة المجتمع، وفقًا لنقده لليبرالية، أنشأ أوربان نوعًا جديدًا من النظام الاستبدادي الذي يحافظ على مظاهر الديمقراطية دون العمل كوحدة متكاملة
مازالت التغييرات في القانون الجنائي التي كانت تشير إليها شيبيلي مثيرة للقلق، حيث يمكن أن يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات كل شخص ينشر مغالطات أو أكاذيب “يعرقل أو يمنع الحماية الناجحة” من المرض. ومن المحتمل أن يتعرض أي شخص يعارض “تنفيذ العزل الذاتي” جراء الوباء للسجن لمدة خمس وربما ثمانية سنوات إذا مات شخص نتيجة لذلك.
على خلفية ذلك، أدانت لجنة حماية الصحفيين هذه الخطوة. وهناك قلق بالفعل في الصحافة المجرية من أن يكون لهذا الإجراء تأثير مرعب على الأطباء. وفي الواقع، كانت هناك تقارير تفيد بأن موظفي المستشفى كانوا خائفين من التحدث مع الصحفيين الهنغاريين لمجرد توقّع مرور مشروع القانون.
في المقابل، تعتقد شيبيلي أنه نظرا لوجود خطورة في مثل هذه التغييرات، قد تكون الأجزاء الأكثر غموضا من القانون أسوأ، حيث شرحت ذلك قائلة: “لقد قُمت بالكثير من الإحالات المرجعية لمحاولة معرفة تأثير هذا أو ذاك”. بشكل عام، بالنسبة للبعض، يعد كل كل ما قام به أوربان وما سيواصل القيام به في ظل حالة الطوارئ بالضرورة مذكورا في القانون.
في سياق متصل، قالت شيبيلي: “أصدر أوربان 31 مرسومًا وافق عليها البرلمان في الوقت الراهن بصفة دائمة”. فعلى سبيل المثال، قرر أوربان أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنةَ يمكن أن يتواجدوا في متاجر البقالة بين الساعة التاسعة صباحًا ومنتصف النهار. كما ينبغي على جميع المطاعم أن تعلّق كل خدمات الأكل، إلى جانب تجميد دفع المؤسسات الصغرى للإيجار، وإيقاف استخلاص القروض. وعلى الرغم من أن كل هذه التدابير تُعتبر معقولة لتتخذها كل حكومة في ظل انتشار الوباء، إلا أن الملاحظين يتخوفون من حدوث تغييرات أكثر عمقا في وقت لاحق.
في غضون ذلك، تستمر الإجراءات البرلمانية العادية. فخلال الأسبوع الماضي، تبنى البرلمان إجراءات لمنع الأشخاص المتحولين جنسيا من تغيير سجلات ميلادهم، كما نظَم البرلمان المعلومات الخاصة بالتمويل الصيني للسكك الحديدية الوطنية. وخلال السنوات العشر الماضية، دافع أوربان عن مفهوم “الديمقراطية الليبرالية” التي طورها خلال فترة إصلاحات ما بعد سنة 2008 استجابة لتجاوزات النظام المالي والاقتصادي الليبرالي. كما أعطى لمفهومه صبغة ثقافية. ومع قدرته على قراءة الواقع، أكد أوربان أن الليبرالية كانت نظامًا قاسيًا وأن نسخته من الديمقراطية أعطت الأولوية لما يثب في مصلحة المجتمع.
وفقًا لنقده لليبرالية، أنشأ أوربان نوعًا جديدًا من النظام الاستبدادي الذي يحافظ على مظاهر الديمقراطية دون العمل كوحدة متكاملة. والجدير بالذكر أنه عندما وقع تبني مشروع القانون يوم الاثنين الماضي، أعلن الكثيرون أن لحظة وصوله إلى مبنى الرايخستاغ حانت.
في المقابل، من المحتمل أن هذا النوع من الصياغة يحجب الطبيعة الأكثر مكرا لما يخطط له أوربان. في هذا السياق، أوضحت لي زسيليك كساكي، مديرة الأبحاث في أوروبا وأوراسيا في فريدوم هاوس: “أجد عمومًا أن الأنظمة” الديكتاتورية “تتخذ إجراءات غير صائبة وغير مفيدة على حد السواء”. وأضافت كساكي قائلة: “أشعر بالقلق بشأن الأثر الطويل الأمد لهذا الأمر، عوضا عن نتائجه المباشرة”.
أكدت كساكي على أنه بينما يعالج أوربان أزمة الصحة العامة، سيواصل شنّ الحرب على وسائل الإعلام المستقلة وأحزاب المعارضة بشكل سري. في هذا الصدد، أشارت كساكي قائلة: “سيكون من الصعب دق ناقوس الخطر عندما تحدث تغييرات فعلية، وهو ما سيحدث حتمًا إذا استمرت الأزمة”.
من المعروف أن نظام المستشفيات في المجر يعاني من نقص التمويل، ويفتقر إلى الموارد الطبية وغير الطبية، ما يعدَ السبب في تبرع جورج سوروس، على الرغم من شيطنة أوربان له، بحوالي مليون يورو للاستجابة للجائحة المتفشية في وطنه. في هذا الإطار، نوهت كساكي قائلة: “في حال بات نظام الرعاية الصحية مرهقًا، يمكنني أن أرى إيجابيات وسلبيات ما يحدث”. وأردفت كساكي قائلة: “يمكنهم الحصول على الموافقة على تنظيم حملة فعلية، أو من الممكن أن تخرج الأمور عن السيطرة وسيكون من الصعب عليهم تجنّب اللوم خاصة وأنهم أشرفوا على تدهور النظام الصحي بالكامل”.
رفض بالاز هيدفيغي، المتحدث السابق باسم حزب فيدس التابع لفيكتور أوربان وعضو البرلمان الأوروبي، انتقادات وسائل الإعلام الدولية وأعضاء الاتحاد الأوروبي وقال إن استجابة المجر للأزمة لن تعتمد فقط على استعدادات الحكومة، ولكن أيضا على تفهم المجريين لخطورة الوضع وتعاونهم بشكل سريع.
من جهته، قال لي هيدفيغي في مكالمة هاتفية من بودابست: “في الواقع، لم يمرّ العالم بوضعية مماثلة لهذه منذ زمن طويل، ويمثّل اتخاذ إجراءات حاسمة في الوقت المناسب وتنفيذ القرارات الصادرة أمرا بالغ الأهمية. إن أهم حقيقة كشفتها الأحداث الرهيبة في إيطاليا هو أن تأخر الحكومات في اتخاذ الإجراءات المناسبة يجعل الوضع يخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة”.
أكد هيدفيغي أن مشروع القانون المطروح على طاولة النقاش لا يمثل إشكالا، ولكنه تساءل: “من له القدرة اليوم على إخبار العالم متى سينتهي هذا الوباء بالتحديد؟ ومتى يمكن استئناف وتيرة الحياة الطبيعية؟ وهل أنّ ذلك سيتمّ مرّة واحدة أم سيتطلب اعتماد سياسة المراحل؟”. كما أشار هيدفيغي إلى أن البرلمان مازال منعقدًا “ويمكنه إنهاء هذا الوضع في الوقت الذي يراه مناسبا”.
تعتقد كيم لاين شيبيلي أن مشروع القانون يوحي بخوف فيكتور أوربان. ففي الأسابيع الأخيرة، أبدى ترددا غير معهود منه، عندما أعلن أنه سيقع تجريد العمد من سلطتهم ثم غير رأيه. بعد وصوله إلى السلطة في سنة 2010، الذي تزامن مع انهيار الحكومة السابقة جراء حصول كارثة اقتصادية، أصبح أوربان يدرك جيدًا مخاطر الحكم واتخاذ قرارات أثناء الأزمات.
حاليًا، يبلغ العدد الرسمي لحالات الإصابة بكوفيد – 19 في المجر 980، مقابل 66 حالة وفاة، وعلى الرغم من أن كلا الرقمين يعتبر أقل مما كان منتظرا، فإن النسبة المئوية للوفيات تعتبر مرتفعة نسبيا. وأردفت كيم لاين شيبيلي قائلة:” هم يعتقدون أنهم لا يستطيعون إعادة استخدام الأساليب التي سبق اعتمادها”. الجدير بالذكر أن مشروع القانون يعلّق أيضًا جميع “الانتخابات الفرعية”، وهو أمر غريب بالنظر إلى أنه لا توجد انتخابات مقررة في المجر حتى سنة 2022، إلا إذا وقع اعتبار سيناريو مماثل لما حدث في سنة 2015، والذي أدى فيه موت أعضاء البرلمان ومغادرتهم إلى كسر قانون أغلبية الثلثين في البرلمان.
بينما تعتمد الحكومات في جميع أنحاء العالم على سلطات الطوارئ، حذرت شيبيلي من إجراء مقارنات متسرعة، حيث تعتبر المجر دولة صغيرة تتميز بتاريخ خاص للغاية، حتى مقارنة بدول ما بعد الاتحاد السوفيتي. وقالت في هذا الصدد: “أعتقد أن الوضع خاص جدا هذه المرة، حتى وإن كان أوربان متحضرا، فمن الصعب تجاوز الوضع ما لم يكن لديك بالفعل نظام مركزي للغاية”.
خلاف ذلك، أشارت إلى أن أعظم قوة تميز النظام الدستوري الأمريكي هي طبيعتها المحلية والسلطات المتنافسة للحكام ورؤساء البلديات. “عندما قال ترامب سنقوم بفرض الحجر الصحي في نيويورك ونيوجيرسي وكونيتيكت، يمكن لأندرو كومو أن يرفض ذلك ويقول ببساطة ‘لن أطبق هذا الإجراء'”.
غير أن وضعية أوربان مثّلت تحذيرا منبئا في العديد من المرات وطيلة سنوات. ونوهت شيبيلي في هذا الصدد: “يسبب استيلاء أشخاص مخلصين لأحزاب وإيديولوجيات معيّنة على المحاكم الفدرالية أكثر من إخلاصهم للشرعية قلقا كبيرا. من الخطر ألا يدافع حزب سياسي عن صلاحيات مؤسسته، فقط ليتماشى مع الرئيس. عندما يحين الوقت لإسقاط القناع عن وجه الطاغية، سيكون الأوان قد فات”.
المصدر: نيويوركر