“ليست فقط ملابسي التي أصبحت ضيقة، أشعر أن البيت بدأ يضيق عليّ”، هذه إحدى الطرف المتداولة مؤخرًا بشأن المشكلة التي يعاني منها ملايين الناس في كل بلاد العالم، في ظل فترة العزل المنزلي المفروضة على الناس لمنع انتشار كوفيد-19.
اليوم، خلال فترة العزل المنزلي الكثير من الناس مهددين بفقدان وظائفهم، أضف إلى ذلك الخوف من المرض بحد ذاته والتباعد الاجتماعي وغيرها من الضغوطات الكثيرة التي رافقت هذه الأزمة وتضع الإنسان تحت مطرقة “التوتر”.
لنتكلم بشكل علمي قليلًا، التوتر على المدى القصير يقلل من الشهية للأكل، بحيث يرسل الدماغ إشارة للغدة الكظرية لتفرز هرمون الإدرينالين الذي بدوره يفقد الإنسان شهيته للطعام، أما إذا كان التوتر بشكل مزمن ومستمر، تختلف الحكاية هنا، تبدأ الغدة الكظرية بإفراز هرمون التوتر (الكورتيزول) الذي يزيد رغبتك بالأكل ويثبط الأيض مما يزيد من تخزين الجسم للشحوم.
حان الوقت لفسخ علاقة الحب بين الناس وثلاجة المنزل، اليوم الكل يشتكي من عدم قدرته على كبح جماح الرغبة المتزايدة في تناول الأطعمة
لكن ليس الأمر فقط يتعلق بازدياد الشهية، لكن تشير الدراسات أيضًا إلى أن التوتر يغير نمط اختيارنا للأطعمة، وتزيد الرغبة بتناول الأطعمة المشبعة بالدهون والأطعمة التي تحتوي كمية سكريات عالية، ويمكننا أن نلخص أغلب الأمور التي تزيد التوتر خلال فترة الحجر وتزيد بالتالي من الشراهة بالنقاط التالية:
– الخوف من اكتساب العدوى.
– انعدام الأمان المالي.
– الضغوطات الأسرية.
– الشعور بالملل.
– الحرمان من النوم.
– تغيير روتين الحياة المعتاد.
أمام هذه الضغوطات المتزايدة وعدم وجود وقت معلوم لانتهاء هذه الأزمة، كان لا بد من إيجاد خطوات عملية حقيقة لتقليل التوتر، وخطوات أخرى لتقليل الرغبة بالأكل.
كيف أتغلب على الإحساس بالجوع؟
حان الوقت لفسخ علاقة الحب بين الناس وثلاجة المنزل، فاليوم الكل يشتكي من عدم قدرته على كبح جماح الرغبة المتزايدة في تناول الأطعمة، ففي أمريكا مثلًا أفادت شركة أوبر أن خدماتها المتعلقة بتوصيل الوجبات السريعة ازدادت بنسبة 30% منذ منتصف شهر مارس.
نحاول بالنقاط التالية اقتراح بدائل واقعية بعيدًا عن النصائح التي يصعب تطبيقها:
أولاً: زيادة استهلاك الأطعمة المثبطة للجوع
هناك مجموعة أطعمة عند تناولها تثبط مركز الجوع بالدماغ وبالتالي تقلل الرغبة بالأكل، أهمها:
– الأطعمة الغنية بالبروتين: مثل البقوليات (الحمص بالذات) والمكسرات (اللوز خصيصًا) والأفوكادو ومشتقات الألبان.
– الأطعمة الغنية بالألياف: هذا النوع من الأطعمة يعطي إحساسًا بالشبع بسعرات حرارية قليلة، مثل حبوب القمح الكاملة والخضراوات والفاكهة.
– العسل: له دور في تثبيط هرمون الجوع ghrelin.
– البيض: يعطي إحساسًا بالشبع لفترات طويلة.
– الفلفل الحار: الأكل الذي يحتوي على البهارات والحارة بالأخص يعطي إحساسًا بالشبع لفترة أطول.
– ضع قنينة المياه أمامك: قسم من الدراسات يشير إلى أن الإحساس بالجوع أو الرغبة بتناول السكريات سببها الأساسي حاجة الجسم للماء، هناك إشارة ترسل إلى الدماغ بحاجة الجسم للماء لكن يترجمها الجسم في بعض الأحيان بشكل خاطئ إلى إحساس بالجوع، وغالبًا ننسى شرب كمية كافية من الماء لذلك وضع قنينة الماء أمامنا يجعلنا أكثر التزامًا بشرب الماء.
– شاي المتة: المتة نوع من الأعشاب المشهورة في بلاد الشام، تعطي إحساسًا بالشبع، كما تشير الدراسات حديثًا إلى قدرتها على تحسين المزاج.
– الشيكولاتة الداكنة: تعطي لإحساس بالشبع وتقلل الإحساس بالجوع لفترات أطول.
ثانيًا: قاوم رغبة بالأكل
بعد أن أشرنا إلى الطرق التي تقلل الإحساس بالجوع، نضع بعض الحلول التي تساعد في التغلب على الرغبة الملحة لتناول الطعامـ ومنها:
– خلق البديل الصحي: ربما لو وضعنا في غرفة المعيشة طبق خضار مليء بالألياف قليل السعرات (الجزر، الخيار، الخس) لقللنا استهلاك البدائل غير الصحية.
– التوقف عن التفكير بحلول الكارثة: الخوف من نفاد الأغذية من الأسواق ومحاولة شراء الأطعمة وتكديسها في المنزل، يزيد قابلية الناس لاستهلاك الطعام.
– محاولة الالتزام بنمط غذائي: العزل المنزلي لا يعني أن عليك تناول ثلاث وجبات عشاء وعدد لا متناهٍ من الوجبات الخفيفة، ربما عليك تحديد عدد معين من الوجبات الصغيرة والالتزام بالوجبات الثلاثة الأساسية.
ثالثًا: تبني إستراتيجية الغذاء الواعي
الغذاء الواعي mindful eating ليس نوع طعام معين، لكنه تغيير في طريقة تفكيرنا وإحساسنا ومشاعرنا تجاه الطعام، ويمكن اتباع التكتيكات التالية لبني هذا الإستراتيجية:
– تناول قضمة طعام أصغر.
– امضغ الطعام لفترة أطول.
– تناول الطعام وأنت جالس، تجنب تناول الطعام واقفًا أو في أثناء تحضيره.
– لا تأكل مباشرة من العلبة أو الكيس.
– استخدم طبق تقديم أصغر.
– ابتعد عن المشتتات كالموبايل والتلفاز.
رابعًا: اتبع نمط غذائي صحي
– فكر أن الأكل الصحي هو الوقاية حاليًّا، هناك علاقة وطيدة بين تبني نمط غذائي صحي وتعزيز مناعة الجسم وبالتالي الوقاية من خطر كورونا.
– كافئ نفسك، إذ يشير قسم من اختصاصيي التغذية، إلى تبني نظام غذائي يسمح لك بفسحة لتناول الوجبات الخفيفة، نظام 80/20 يعني أن تتناول 80% أكل صحي ثم يسمح لك بتناول 20% من الوجبات الخفيفة كمكافأة.
– استخدم حلقة الدعم الخاصة بك، فغالبًا ما تصاحب الرغبة بالأكل شعور سابق بالملل أو الوحدة، لذلك ربما لو حاولنا اللجوء إلى العائلة أو الدردشة مع صديق عبر مكالمة قصيرة لتغلبنا على الإحساس بالجوع.
أخيرًا، لا بد من الإشارة إلى بعض الآليات المستخدمة للتغلب على التوتر بصورة عامة، ولعلها أهمها ممارسة الرياضة بشكل يومي، والاسترخاء، وتخفيف شرب المنبهات والنوم لساعات كافية، ومشاركة الوقت مع العائلة ومساعدة الآخرين والتطوع وتقبل مالايمكن تغييره، فلربما يمكننا الخروج من دائرة التوتر والأكل المفرغة باللجوء إلى جوانب أخرى في حياتنا، أغفلنا النظر إليها.